أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حسقيل قوجمان - أزمة الخليج















المزيد.....



أزمة الخليج


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 631 - 2003 / 10 / 24 - 03:14
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


 

١ كانون الثاني ١٩٩١
في الثاني من شهر آب ١٩٩٠ قاجأ صدام حسين العالم باجتياح الكويت واحتلالها خلال ساعات معدودة واعلن بعد ذلك ان احتلاله الكويت نهائي لا مرد له لان الكويت كانت جزءا من العراق فصلت عنه بصورة ظالمة فاستردها واعادها الى العراق فاصبحت اللواء التاسع عشر منه.
وفي نفس اليوم قامت الولايات المتحدة الاميركية بتحريك اساطيلها وجيوشها لاحتلال الخليج ثم المملكة العربية السعودية وسائر بلدان الخليج بطلب من حكامها بحجة حماية المملكة العربية السعودية والامارات من هجوم عراقي زعموا ان صدام حسين يعد له. وفي الوقت ذاته مارست الولايات المتحدة نفوذها للحصول من مجلس الامن على قرارات ادانة الاحتلال والمقاطعة الاقتصادية وطلب الانسحاب الفوري الكامل من الكويت واعادة حكومة الامراء الشرعية واعادة الوضع في الشرق الاوسط الى ما كان عليه قبل الاحتلال. وفي قمة قرارات مجلس الامن كان الانذار النهائي بالانسحاب قبل الخامس عشر من كانون الثاني ١٩٩١ والا فان الولايات المتحدة وحلفاءها يحق لهم اتخاذ اية اجراءات لاجبار صدام على الانسحاب بما في ذلك استخدام القوة اي الحرب.
وقد بذلت الولايات المتحدة جهدها للحصول على موافقة اكبر عدد من الدول على سياستها ونجحت في ذلك نجاحا باهرا اذ حصلت على اجماع معظم الدول حتى على حق استخدام القوة واعلان الحرب على العراق لاجباره على الانسحاب من الكويت من جهة وحصلت على موافقة دول عديدة بما فيها دول عربية مثل سورية ومصر والمغرب على ارسال جيوشها للمساهمة في حرب الولايات المتحدة المقبلة في الشرق الاوسط من الجهة الثانية. واعلنت الولايات المتحدة الاميركية قائدة هذه الحملة الامبريالية انها استطاعت ان تحقق جبهة متحدة تضم اغلب الدول الراسمالية المتقدمة بما فيها الاتحاد السوفييتي للسير في ركابها ولتحقيق اغراضها من الازمة وسمى ذلك باجماع المجتمع الدولي.
ولم تتخلف وسائل الاعلام الامبريالية التي يسيطر عليها قوارين المال في ارجاء العالم في تأجيج الموقف وتحريض الرأي العام العالمي ضد العراق  وتصوير الحملة الاميركية بانها حملة للدفاع عن الدولة الكويتية الضعييفة ضد الدولة العراقية القوية ووصف أميركا بانها الدولة التي لا يمكن ان تسكت عن عدوان دولة قوية على دولة ضعيفة، وهي التي ما زالت ايديها ملطخة بدماء الشعب في باناما. واخذت ابواق الدعاية تدعو الى خلق نظام امني عالمي جديد تقوم فيه الدول الامبريالية بالحفاظ على امن العالم ومنع اي عدوان فيه بقوة السلاح.
وسرعان ما استيقظت "ضمائر"الدول الامبريالية كلها فشعرت بالظلم الذي مارسه صدام حسين ونظامه الفاشي على العراق عموما وعلى الاكراد خصوصا. واستشهدوا باستخدام صدام الاسلحة الكيمياوية في ابادة مدن كردية مثل حلبحة وهم الذين انكروا هذا الاستخدام ودافعوا عن صدام حسين صراحة مثل حكومة بوش او بصورة غير مباشرة بالسكوت المطبق كما فعل الاتحاد السوفييتي وكأن الاسلحة الكيمياوية لم يجر القاؤها من طائرات السزخوي السوفييتية. وسميت هذه الحملة الدعائية باجماع "الراي العام العالمي" على ادانة حكومة العراق وتأييد اخضاعها ولو باعلان حرب مدمرة قد تكون امامها الحرب العالمية الثانية وحرب الفيتنام لعب اطفال.
ولكن التاريخ علمنا ان السياسة الامبريالية لا تتقرر بما تعلنه الحكومات ووسائل الدعاية بل تتقرر وراء الكواليس في الاتفاقات السرية التي تهدف الى تحقيق المصالح الاقتصادية لبعض الشركات الراسمالية الكبرى وفي اغلب الاحيان ضد شركات راسمالية كبرى منافسة لها. من هي الشركات الرابحة في ازمة الخليج وما هي المصالح الاقتصادية التي تكمن وءاء هذه الازمة؟
الحرب استمرار للسياسة باساليب اخرى
ما الذي دفع صدام حسين الى القيام بهذه المغامرة التي قد تجره الى حرب مدمرة للشرق الاوسط كله بل العالم اجمع؟
خرج صدام من قادسيته المشهورة ضد ايران وهو يسيطر على جيش كبير يبلغ نحو المليون جندي مجهز باحدث الاسلحة المستوردة من كافة الدول وخصوصا من الاتحاد السوفييتي وفرنسا. وقد استطاع صدام حسين خلال الحرب بناء مصانع كبيرة لانتاج الاسلحة الكيمياوية والاسلحة الجرثومية بمساعدة الدول والشركات الراسمالية في أرجاء العالم من الولايات المتحدة حتى الاتحاد السوفييتي. ولكنه من الناحية الثانية خرج مفلسا من الناحية الاقتصادية اذ ان الحرب استهلكت كافة الموارد المالية واضطرت حكومته الى اقتراض مبالغ هائلة من الدول الراسمالية ومن الدول العربية التي ساندته في حربه ضد ايران مساندة تامة وصورته بانه المدافع العظيم عن الكيان العربي. واصبح الان مضطرا الى دفع هذه القروض الهائلة وفوائدها.
ولكن خزائنه خالية خاوية وهو لا يستطيع حتى دفع الفوائد عن قروضه في الوقت المناسب. وأخذت الدول الدائنة تزيد من ضغطها عليه وتخلق الصعوبات حتى في اعادة جدولة القروض.
وواجه صدام حسين مشكلة اعادة بناء ما دمرته الحرب. وهذا يتطلب المزيد من القروض التي اثقلت كاهل العراق. يستطيع صدام الان ان يزيد من انتاج النفط للحصول على مبالغ اضافية يمكن استخدامها لحل ازمته المالية ولو جزئيا. ولكن انخفاض اسعار النفط الخام في الاونة الاخيرة ادى الى انخفاض موارد النفط بصورة محسوسة.
من المفروض لدى انتهاء حرب ما ان يجري تسريح الاحتياط وجزء كبير من الجيش وابقاء عدد قليل من القوات الدائمة اللازمة لظروف السلام. ولكن تسريح الجيش العراقي الكبير كان يعني ايجاد الاعمال لتشغيل المسرحين في مجتمع يعاني حاليا من البطالة وتراكم الايدي العاملة الاجنبية التي اجتذبها النظام خلال سني الحرب لكي يتسنى تجنيد اكبر عدد من العمال وغير العمال. اضف الى ذلك يترتب على التسريح تصفية العديد من المعامل التي تخصصت في انتاج التجهيزات الحربية او تحويلها الى الانتاج المدني وليس هذا بالامر اليسير. لذلك تلكأت الحكومة في تسريح الجنود وفكرت في ايجاد حركات تشغل الجنود المبطلين بعد انهاء الحرب فشنت حرب ابادة ضد المدن الكردية وضد بقايا المقاومة المسلحة الكردية في جبال كردستان مستخدمة اشد انواع الاسلحة فتكا بما في ذلك الاسلحة الكيمياوية. وقد استعملت نفس السلاح في اهوار العراق الجنوبية حيث التجأ عدد غفير من الجنود الهاربين من الجيش تهربا من حرب لا هدف لهم فيها. ولكن كل ذلك لم يكف وكان من الضروري ايجاد شاغل اوسع من ذلك لاشغال الجنود به.
وفي البحث عن مخرج من كل هذه المشاكل الكثيرة وجد صدام طريقا قد يوفر له بعض الارباح التي تخفف ازمته. فأخد يتهم الكويت والامارات بتهم مختلفة وادعى ان الكويت استغلت ظروف الحرب لاستخراج النفط من ابار عراقية وطالب بالتعويضات عن ذلك والغاء ديون الحرب باعتبار ان الحرب كانت قد شنت لمصلحة الدول العربية الدائنة وحفاظا على العالم العربي. ووافقت الكويت على التفاوض مع العراق وعقدت اجتماعات موجزة بين البلدين كان مكتوبا لها الفشل مقدما. ولدى انتهاء المفاوضات فاجأ صدام حسين العالم باحتلال الكويت وارسال جيش يقدر الان بنصف مليون جندي. وهكذا تحقق له ايجاد السبب المبرر لبقاء الجيش وعدم تسريحه بل ودعوة المزيد من الاحتياط. نرى من هذا ان حالة الحرب الراهنة في الكويت والحرب التي قد تنشأ نتيجة لها كانت نتيجة واستمرارا للسياسة.
هل كان احتلال الكويت مفاجأة؟
قد يكون احتلال الكويت مفاجأة بالنسبة للكثير من الناس البسطاء ولكنه لم يكن مفاجأة بالنسبة لحكام الدول الراسمالية كالولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. بل ان تحشدات مئات الالوف من الجيش العراقي على حدود الكويت لم تكن خافية على احد. ولكن هذه الدول لسبب ما زعمت بان استخباراتها لم تعلم عن قرب وقوع الاحتلال. وهذا زعم لا يستند الى واقع. والمحادثة التي تسربت الى الصحافة بين سفيرة الولايات المتحدة في بغداد وبين صدام حسين قبل ايام معدودة من الهجوم تدل دلالة واضحة ليس على علم الولايات المتحدة بالهجوم فقط بل على اعطاء صدام الضوء الاخضر لهذا الهجوم بتأكيد السفيرة على ان حكومة الولايات المتحدة لا تنوي التدخل في مشكلة بين عربية.
ان الوثائق والمعاهدات السرية بين الدول الراسمالية لا تنكشف الا بعد سنوات عديدة حين لا يعود ثمة خطر من انكشافها فتبقى قضية للبحوث التأريخية. ولكن ما سر الغضب الذي اصاب الولايات المتحدة الاميركية بعد الهجوم اذا كانت موافقة عليه سلفا؟ لا يمكن الجواب على هذا السؤال الا تخمينا لان الحقائق موجودة في طي الكتمان. ولكن التعبير الاول الذي جاء على لسان بوش فور الاحتلال له بعض الدلالة حين قال ان صدام حسين مرتد. وهذا يعبر عن حقيقة بالغة الاهمية. فمن المعروف ان الانقلاب الذي جاء بصدام حسين ورهطه الى الحكم كان من صياغة الولايات المتحدة ومؤسساتها الجاسوسية. وهذا لم يعد سرا منذ امد بعيد. وخلال مدة حكم صدام كان مطواعا للاوامر الاميركية التي دفعته الى شن الحرب على ايران من اجل تحقيق مصالحها. وكانت خلال الحرب وخصوصا في الاونة الاخيرة منها مؤيدة ومساندة له ضد ايران بشكل ملحوظ. ويبدو ان صدام قد تجاوز ما جرى الاتفاق عليه ولهذا تنطبق عليه عبارة المرتد.
قد يخمن المرء ان الاتفاق كان على احتلال الرميلة والجزيرتين لكي تقوم الولايات المتحدة بدورها باحتلال القسم االجنوبي من الكويت بحجة حمايتها من الهجوم العراقي او شيء من هذا القبيل. وفي هذه الحالة يكون احتلال الكويت كلها ردة بالنسبة للولايات المتحدة وتجاوزا على خططها. هذا من قبيل التخمين فقط وليس ثمة من الوثائق ما يمكن الاستناد اليه لتثبيته ولا شك ان المستقبل سيكشف عن واقع الاتفاقات السرية التي جرت قبل غزو الكويت والتي تجري الان بعد الغزو.
او هل من المحتمل ان تكون هذه الضجة والاتهامات المتبادلة والتهديد بحرب الابادة الجماعية من الطرف الاميركي والعراقي كلها حملة مفتعلة متفق عليها لغرض تحقيق المطامع الامبريالية في هذه المنطقة؟ ان ازمة الملاحة في الخليج واتحاد كافة القوى الراسمالية في حماية السفن العراقية والخليجية ضد ايران والمعارك التي افتعلتها اميركا ضد ايران والتي سببت ضحايا عديدة من المدنيين الايرانيين تثبت مدى مطامع الولايات المتحدة وحلفائها في هذه المنطقة الغنية. ولكن تلك الحملات لم تفلح في تحقيق هدف احتلال المملكة العربية السعودية والامارات في ذلك الحين وها نحن نرى ان ازمة الكويت مكنت الولايات المتحدة من احتلال المملكة العربية السعودية لا بصفة محتل غاشم بل بصفة صديق منقذ.
من الرابح من ازمة الخليج؟
لا شك ان حكومة العراق جنت بعض الارباح من احتلالها للكويت ولكنها ليست الارباح التي كان صدام حسين يحلم بها. فرغم استيلائه على ابار النفط الكويتية وارتفاع اسعار النفط ارتفاعا محسوسا لم يجن صدام من ذلك اية ارباح بل ان ازمة الكويت والحصار المفروض على العراق من جرائها قد حرمت صدام من موارد النفط العراقي والكويتي على حد سواء. ان ارباح صدام من الكويت تنحصر في الغنائم التي حصل عليها كالذهب وغيره من الثروات المتوفرة داخل الكويت. وفي مقابل ذلك جمدت الاموال الكويتية والعراقية في الخارج. كذلك استطاع صدام حسين التملص من دفع القروض وفوائدها الى الكويت والمملكة العربية السعودية وسائر البلدان العربية وليس هناك ما يشير الى دفعات القروض الى البلدان الراسمالية في فترة الازمة والتهديد بالحرب.
والامر يختلف اذا فحصنا الارباح التي جنتها الولايات المتحدة من ازمة الخليج. لقد ادى ارتفاع اسعار النفط ارتفاعا كبيرا الى زيادة ارباح كل من يرتبط بانتاج النفط وتصديره. ويعني هذا زيادة مداخيل العربية السعودية والامارات وكافة دول اوبيك. وكذلك ازدادت ارباح قوارين النفط العالميين وعلى راسهم الاميركيين. ومن الجدير هنا ان نشير الى ان هذه الزيادة يقع عبؤها على مستهلكي النفط الاساسيين وخاصة الدول غير المنتجة للنفط كالمانيا واليابان واوروبا الشرقية التي تعتمد على نفطها من الاتحاد السوفييتي. وهذا ما يسمى في الاقتصاد احيانا القاء عبء ازمتك على جيرانك.
نعلم ان العالم الراسمالي يعاني من ازمة خانقة كثيرا ما يشبهونها ويقارنونها بازمة ١٩٢٩- ١٩٣٣ ونعلم ان انتاج الاسلحة وما يرافقه من حروب موضعية كانت اكثر الوسائل نجاعة في تخفيف الازمة. ولكن الشركات الاحتكارية الاميركية اخذت تشكو في الاونة الاخيرة من بطء الطلبات على انتاجها فجاءت ازمة الخليج لانجادها.
قامت الولايات المتحدة باوسع عملية عسكرية مند الحرب الفيتنامية فارسلت نصف مليون من جيوشها لاحتلال الجزيرة العربية والخليج. ولندع جانبا الناحية السياسية المترتبة على هذا الاحتلال في الوقت الحاضر ولنركز على الناحية الاقتصادية منه. ان وضع نصف مليون جندي مع ما يرافقهم من احدث الاسلحة الجوية والبحرية والبرية بما فيها الاسلحة النووية والصواريخ على انواعها يتطلب نفقات تقدر بالبلايين. وحتى اعالة هذا الجيش الجرار تكلف الملايين يوميا. هذه النفقات كلها تشكل طلبات من الشركات الراسمالية على اختلافها مما يخفف الازمة نوعما.
ومن الناحية الثانية رأينا ان مبيعات الاسلحة الاميركية الى المملكة العربية السعودية ومصر واسرائيل وغيرها قد بلغت ارقاما اسطورية بعد نشوب ازمة الخليج وهذا سيسمى في التأريخ الاقتصادي الامبريالي فيما بعد رخاء ازمة الخليج كما سبق تسمية الحرب الكورية مثلا برخاء الحرب الكورية. نرى من كل ذلك ان قوارين المال في الولايات المتحدة كانوا الرابحين الاساسيين من ازمة الخليج من الناحية الاقتصادية.
ومن الناحية السياسية حققت الولايات المتحدة هدفا طالما كانت تحلم به وهو احتلال منطقة الخليج الاستراتيجية احتلالا كاملا وربما. ثمة من يقول ان انتهاء الازمة سيؤدي الى انسحاب الجيوش الاميركية من المنطقة. ولكن هذا ليس بالامر اليسير. فقد سمعنا المسؤولين الاميركيين منذ الان يقولون ان الجيوش الاميركية يجب ان تبقى في المملكة العربية السعودية لسنوات عديدة. ان خروج الجيوش الاجنبية من البلاد العربية ليس كدخولها. فالخروج سيتطلب نضالا شعبيا قاسيا لمدة طويلة يروح خلالها الالوف من الضحايا لان المستعمر لا يخرج من بلد من تلقاء ذاته واولئك الذين دعوه للاحتلال غير قادرين على اجباره على الانسحاب.
والولايات المتحدة تعد منذ الان سلاحها ضد النضالات الشعبية المقبلة ضدها في هذه المنطقة. فهي تعد نظامها الامني العالمي بحجة مكافحة الارهاب والحفاظ على سلامة الدول الضعيفة ضد القوية في المنطقة. ونحن نعلم ان اي نضال ضد اي نظام استعماري او نظام رجعي يمكن تسميته ارهابا وقمعه بهذه الحجة. ولذلك يجب ان نتوقع في المستقبل تدخل اميركا المباشر في اية حركة ثورية ضد اي نظام من الانظمة التي تريد بقاءها.
فهل في العالم غير صدام حسين من يستطيع ان يقدم للامبريالية الاميركية مثل هذه الخدمة؟ أولم يكن اجدر بالولايات المتحدة ورئيسها بوش ان يقلدا صدام حسين اعلى الوسمة! ؟
خرافة المجتمع الدولي
نجحت الولايات المتحدة خلال ازمة الخليج ان تحصل على موافقة الاغلبية الساحقة من اعضاء مجلس الامن بمن فيهم الاعضاء الخمسة الثابتين فيه اذ صوتوا على كافة القرارات التي اقترحتها بما في ذلك قرار الانذار النهائي بضرورة الانسحاب قبل الخامس عشر من كانون الثاني ١٩٩١ والا تخويل الولايات المتحدة باستخدام القوة لغرض اجبار صدام حسين على الانسحاب من الكويت واعادة حكومة الامراء اليها. وقد طبلت ابواق الدعاية الامبريالية والراسمالية على ان هذا يعني اجماع "المجتمع الدولي" على ادانة الاحتلال وضرورة الانسحاب التام الكامل غير المشروط من الكويت. والغريب ان الاحزاب المعارضة العراقية كلها اخذت تكرر عبارة اجماع المجتمع الدولي دونما تمحيص لمعنى هذه العبارة.
هل يوجد حقا مجتمع دولي وهل اجمع هذا المجتمع الدولي على القرارات التي حصلتها الولايات المتحدة من مجلس الامن؟ يعلم كل انسان غير منحاز ان الولايات المتحدة الاميركية كانت هي المسيطرة الموحهة للامم المتحدة ومجلس الامن منذ بأليفها وحتى يومنا هذا. وحين كان الاتحاد السوفييتي دولة اشتراكية وقف ضد مشاريع الولايات المتحدة العدوانية واستخدم حق الفيتو لاحباط العديد منها. ولكن الاتحاد السوفييتي اليوم اصبح كالحمار الذي ثبتت جزرة على انفه يطارد نحوها ولا يستطيع يلوغها. فالاتحاد السوفييتي اليوم يستعطي الصدقات والقروض من كافة الدول الامبريالية لانقاذ نظامه من الانهيار التام. ونحن نعلم من التأريخ الطويل للراسمالية ان الراسمالية لا تقدم المعونات والصدقات لوجه الله بل تحسب الف حساب وتضمن ان الارباح التي تجنيها من التنازلات التي يقدمها لها المستعطي المحتاج. ولذلك فان الاتحاد السوفييتي مستعد لتقديم كافة التنازلات التي تطلبها منه الولايات المتحدة لقاء البليون دولار التي تبرعها بوش لا لانقاذ شعوب الاتحاد السوفييتي من المجاعة التي تتعرض لها بل لانقاذ البيريسترويكا من الانهيار على حد تعبير بوش نفسه.
ان اجماع "المجتمع الدولي" اليوم لا يختلف عن اجماعه في الحرب الكورية وحرب الفيتنام. فاذا اعتبرنا قرارات مجلس الامن اقرارا لمجتمع دولي علينا ان نعتبر القرارات السابقة ايضا اجماعا لمجتمع دولي. ان هذا الاجماع ليس سوى قرارات دول راسمالية امبريالية تضطهد شعوبها وشعوب العالم اجمع لاستدرار الحد الاقصى من الارباح ودول تسير في ركابها هي الاخرى تستغل شعوبها وتسمح للدول الامبريالية ايضا باستغلال هذه الشعوب. وليس لهذا الاجماع اية علاقة بالمجتمعات المستغلة الجائعة التي تهدر ثرواتها لتحقيق الارباح الامبريالية. فاجماع "المجتمع الدولي" ليس الا خداع لشعوب العالم واضفاء الشرعية على حروب الامبريالية التي لا توجهها الا مصالح الشركت الامبريالية.
هل هناك اجماع لرأي عام عالمي؟
تؤكد وسائل الاعلام العالمية على ان "الراي العام العالمي" قد ادان العدوان العراقي على الكويت واقر قرارات مجلس الامن لفرض الحصار على العراق والتحضير لاعلان الحرب من اجل "تحرير الكويت". فهل هناك رأي عام عالمي؟ ومتى يكون هذا الراي العالمي ذا تأثير سياسي؟
ان ما تسميه وسائل الاعلام الامبريالية رايا عاما عالميا هو الراي العام الذي تخلقه هي باثارة ضجة حول نقطة سياسية معينة تهم العالم. ولكن وسائل الاعلام هذه لا توجه العالم الا في الاتجاه الذي يخدم مصالح قوارين المال العالميين الذين ينتمي اليهم اصحاب هذه الوسائل.
لا شك ان الشعوب تتتبع الحوادث السياسية اليومية التي تحدث في العالم باهتمام لانها تؤثر على مصير الملايين من البشر. ولكن هذا الاهتمام سرعان ما يزول ويتحول نحو قضايا جديدة تثيرها وسائل الاعلام نفسها وفقا للتغيرات التي تطرأ على العالم. ونحن نشاهد كل يوم احداثا تثير اهتمام الناس واحداثا ينساها الناس بعد شديد الاهتمام بها. فبامكان وسائل الاعلام نفسها ان تدفع قضية الخليج الى النسيان باثارة قضية جديدة تجتذب اليها انتباه الناس كاستقالة وزير خارجية الاتحاد السوفييتي او المجاعة في الحبشة والسودان او اختطاف طائرة او غرق زورق او غير ذلك. لذا فان ما يسمى بالراي العام العالمي ليس رايا عاما عالميا حقيقيا. متى اذن يتحقق فعلا راي عام عالمي؟ ومتى يكون لهذا الراي العام العالمي تأثير على السياسة الدولية؟ وهل ثمة تشابه بين الراي العام العالمي والراي العام المحلي؟
يعلمنا تأريخ الحركات السياسية ان اية حركة مهما كان نوعها وفي اية فترة تحدث لا يكون لها تأثير سياسي شديد الا اذا كانت منظمة لها قيادة توجهها نحو هدف معين تحدده تلك القيادة سلفا. وتقوم هذه القيادة باجتذاب العناصر التي تكون الاهداف المعلنة من مصالحها. هذا ينطبق على كافة الحركات السياسية في التأريخ بصرف النظر عن طبيعة الحركة سواء اكانت حركة ترمي الى دفع عجلة التاريخ الى أمام ام الى ارجاع التاريخ القهقرى. هذا النوع من الحركة يشكل رايا عاما في نطاق تأثير تلك الحركة اي رايا عاما محليا ضمن نطاق قطر معين مثلا ولا يختلف الامر عند التحدث عن الراي العام العالمي. فالراي العام العالمي يجب ان يكون حركة منظمة لها قيادة توجهها نحو هدف تعينه مقدما واذذاك فقط يكون لهذا الراي العام العالمي تأثير سياسي يتحدد بمدى قوة الحركة ومدى انجذاب الناس اليها والتفافهم حولها باعتبارها تمثل مصالحهم. اما الراي العام العالمي الذي تخلقه وسائل الاعلام فلا يشكل رايا عاما حقيقيا لانه معرض للزوال بمجرد تحول وسائل الاعلام الى التركيز على موضوع جديد.
هل الحرب عادلة ام حرب نهب وسلب؟
كل يوم ترتفع حمى التهديد بالحرب من اجل اجبار صدام حسين على الانسحاب من الكويت. وحين تمر كل لحظة تقربنا الى موعد الانذار النهائي يروعنا اكثر التهديد بجر الشرق الاوسط والعالم الى حرب مدمرة رهيبة. ولكننا من الجهة الثانية نلاحظ ارتفاع اصوات تنادي بتحاشي هذه الحرب عن طريق اجراء المفاوضات ومنح التنازلات والتذرع بالصبر لكي يؤدي الحصار الاقتصادي الى اخضاع صدام حسين والموافقة على ربط قضية الانسحاب من الكويت بحل القضية الفلسطينية وانسحاب اسرائيل من الاراضي الفلسطينية المحتلة. وقد رأينا اضافة الى ذلك ان احتلال الكويت قدم اكبر الفوائد للولايات المتحدة والدول الضالعة في ركابها واثار تحفظات الدول المتضررة اقتصاديا نتيجة لازمة الكويت كفرنسا والمانيا واليابان. ولا يمكن التكهن اليوم بما سيحدث فعلا في الايام القليلة القادمة.
تصر الولايات المتحدة الاميركية على انها مصممة على تحرير الكويت من صدام حسين ولكنها الى جانب ذلك تشير الى حيازة صدام حسين على اسلحة الابادة الجماعية كالاسلحة الكيمياوية والاسلحة الجرثومية والى احتمال نجاحه في حيازة الاسلحة النووية في وقت قريب. ولكن هذا الكلام ينطوي على رياء واضح. فالحكومة الاميركية لا تخشى حيازة صدام حسين لمثل هذه الاسلحة المبيدة بل انها ساهمت سوية مع الدول الاخرى في تزويده بالمواد والخبرات اللازمة للحصول على هذه الاسلحة وأنكرت وجودها ودافعت عن صدام حسين حين اثيرت الضجة حول استخدام هذه الاسلحة ضد ايران وضد الشعب الكردي. ومما يبرهن على ان الولايات المتحدة لا تخشى وجود مثل هذه الاسلحة سكوتها عن حيازة اسرائيل للاسلحة النووية رغم معرفة العالم كله بوجود هذه الاسلحة هناك منذ زمن بعيد. لو كانت الولايات المتحدة واثقة من امكانية الاعتماد على صدام حسين كاعتمادها على اسرئيل لما خشيت من وجود هذه الاسلحة في العراق ايضا. كذلك تعلم الولايات المتحدة ان نظام صدام حسين ليس نظاما ثابتا فقد يزول في اية لحظة ويعقبه نظام قد لا يستطيع اخضاع الشعب العراقي كما فعل صدام حسين واذذاك يصبح وجود قوة عسكرية هائلة مزودة بمثل هذه الاسلحة خطرا حقيقيا على مصالحها. لذلك تشير الاحداث الى وجود ميل الى تحجيم هذه القوة الهائلة وتحطيم القدرة العسكرية واسلحة الابادة الجماعية اضافة الى اجبار صدام على الانسحاب. وان تحفظات الحكومة الفرنسية، وهي حليفة الولايات المتحدة في هذه الازمة، تشير الى هذه النقطة بالذات وتعارض اية محاولة لازالة صدام او لتحطيم قدرته العسكرية.
وحيازة هذه القوة العسكرية المزودة باسلحة الابادة الجماعية تشكل اخلالا بميزان الثوى في الشرق الاوسط الذي كان ومازال دائما يفترض رجحان كفة اسرائيل على كافة قوى الشرق الاوسط مجتمعة. لذلك ترى اسائيل في هذه القوة خطرا على مصالحها واهدافها في الشرق الاوسط وهي في الواقع نفس مصالح واهداف الولايات المتحدة الحامية الاولى لاسرائيل في هذه المنطقة. ولذلك فان اسرائيل تريد تحطيم هذه القوة العسكرية الخطرة. وقد اعلن المسؤولون الاسرائيليون صراحة عن استعدادهم لتحطيمها بانفسهم ان لم تفعل الولايات المتحدة ذلك. من هذا نرى ان احتمال الحرب سواء من جانب الولايات المتحدة وحلفائها بمن فيهم اسرائيل ام من جانب اسرائيل بمفردها قائم كخطر حقيقي. فما هي طبيعة هذه الحرب اذا وقعت؟
نعلم ان طبيعة اي حرب لا تتحدد بمن يوجه الضربة الاولى او يبدأ بالهجوم. كذلك لا تتحدد بوقوع الحرب في اراضي هذا الجانب من المتحاربين ام الجانب الاخر. كيف اذن تحدد طبيعة الحرب؟ لكي نحدد طيبعة اي حرب علينا ان نجيب على السؤال التالي. لمصلحة من تجري هذه الحرب؟
هل تجري هذه الحرب لمصلحة الشعب الاميركي؟ ان مصلحة الشعب الاميركي في هذه الحرب لا تختلف عن مصلحته في الحرب الفيتنامية. ان الشعب الاميركي هو طعام المدافع في هذه الحرب كما في تلك.
هل تجري هذه الحرب لمصلحة الشعب الكويتي؟ او الشعب السعودي؟ ان هذه المنطقة سيصيبها ومن عليها الدمار منذ اللحظة الاولى من الحرب.
ليس لشعوب الطرف الاول من الحرب اذن اية مصلحة في الحرب التي تشنها حكوماتها بحجة حماية الكويت الضعيفة من عدوان العراق القوي. ان من يجني ثمار هذه الحرب هم قوارين المال الاميركيين وزمرة ممن ترتبط مصالحهم بمصالح هؤلاء الراسماليين او ممن يستطيع هؤلاء الراسمليون ان يلقوا لهم بعض فتات موائدهم.
وهل تجري الحرب من جانب العراق لمصلحة الشعب العراقي؟ ان العراق في حالة نشوب الحرب سيكون الى جانب الكويت ميدان الحرب والدمار الاساسي ويتعرض الشعب العراقي بما في ذلك ابناؤه الجنود المرابطون في الكويت من جراء ذلك الى خطر الدمار التام. ان مصلحة الشعب العراقي في احتلال الكويت او في الحرب ضد المعتدين الاميركيين لا تزيد عن مصلحته في الحرب العراقية الايرانية السابقة فهو الهشيم الذي تختلط دماؤه بالارض العراقية لتتحول الى اكداس من الذهب تملأ خزائن اصحاب البلاين الاميركيين وحلفائهم.
وهل تجري هذه الحرب من جانب صدام حسين دفاعا عن حرية وكرامة الشعب العراقي او لمصلحة الشعب الفلسطيني وتحرير الارض المقدسة او لمصلحة انقاذ الحرمين من تدنيس القوى المحتلة والموالين لها؟ ان صدام حسين لا يفكر الا بالمحافظة على حكمه وهو يعمل وفقا لسياسة "من بعدي الطوفان" وقد اعلن عن ذلك صراحة حين قال ان من يستلم العراق بعدي سيستلم ارضا جرداء لا بشر فيها.
ان طبيعة هذه الحرب من كافة الجوانب التي ستشترك فيها هي حرب نهب وسلب. انها حرب عدوانية ليست فيها اية صفة من صفات الحروب الدفاعية العادلة.
في حرب كهذه يترتب على الشعوب نفسها ان تدافع عن نفسها وان تحول الحرب العدوانية الى حرب دفاعية للدفاع عن كيانها وعن وطنها. ولما ان موضوعنا يتناول القضية من وجهة نظر العراق والشعب العراقي ينبغي ان نؤكد على ان الشعب العراقي هو القوة الوحيدة القادرة على تحويل هذه الحرب من حرب عدوانية تهدد العراق والشعب العراقي بالدمار الى حرب دفاعية تهدف الى انقاذ العراق من هذه الورطة التي جره اليها حكامه الفاشيون والسياسة الاستعمارية العالمية. وهذا يتطلب قوة منظمة متراصة تضم اغلبية الشعب العراقي بما في ذلك المراتب الدنيا من الجيش العراقي وعدد كبير من صغار الضباط، قوة تكفي لتحدي النظام الغاشم وقلبه الى نظام ثوري يدافع عن العراق والشعب العراقي.
وكيف يستطيع الشعب العراقي ان يحقق هذه الوحدة المتراصة التي تضم كل انسان حريص على مصلحة الشعب العراقي مستعد للتضحية في سبيل تحول الحرب من حرب نهب وسلب عدوانية الى حرب دفاعية عادلة؟ لم يشهد التاريخ شعبا استطاع ذلك بدون قيادة قوية تستطيع ان تقوده ضد القوات العسكرية المنظمة المزودة باحدث الاسلحة وبكل وسائل التدمير والبطش سواء في الهجوم او الانسحاب، في الانتصارات وفي الاندحارات. فهل توجد في العراق قيادة كهذه تلف حولها جماهير العمال والفلاحين وتقودهم في مثل هذه المعركة الحاسمة؟ لكي نستطيع الاجابة على هذا السؤال ينبغي ان نستعرض طبيعة الاحزاب المعارضة لحكم صدام حسين وفحص امكانياتها على القيام بهذه المهمة الصعبة.
تتألف الاحزاب في العراق كما هي الحال في كافة البلدان الراسمالية من احزاب برجوازية تمثل الطبقة الراسمالية ومصالحها المناقضة لمصالح الجماهير الكادحة من عمال وفلاحين وحرفيين وغيرهم. واحزاب تمثل الطبقة العاملة والفلاحين تدافع عن مصالح الجماهير الكادحة ضد استغلال الطبقة الراسمالية. واحزاب بتي برجوازية متقلبة تنحاز الى هذا الجانب مرة والى الجانب الاخر اخرى حسب ميزان القوى بين هاتين الجبهتين المتعارضتين.
في فترة الحكم الملكي ونوري السعيد كانت لكافة هذه الاحزاب مصلحة مشتركة هي اسقاط الحكم شبه الاقطاعي شبه الاستعماري واقامة نظام حكم برجوازي على انقاضه. ولذلك كانت ثمة امكانية اقامة جبهة موحدة بين تلك الاحزاب لهذا الغرض على ان يحتفظ كل جانب بكيانه المستقل وباهدافه المنفصلة وان يستمر الصراع فيما بين هذه الاحزاب فيما يتعلق بالقضايا المتعارضة المختلف عليها.
بعد ثورة تموز ١٩٥٨ تغير الوضع جوهريا اذ اصبحت البرجوازية هي الطبقة الحاكمة بدلا من الحكومة شبه الاقطاعية السابقة وانتفت الاهداف المشتركة التي كانت موجودة قبلها بين الاحزاب البرجوازية واحزاب الطبقات الكادحة. فالاحزاب البرجوازية تتصارع فيما بينها على حيازة الدور الاساسي في السلطة وجني الارباح ولكنها تتحد فيما بينها كلما شعرت بوجود خطر على النظام البرجوازي نفسه. ومنذ ١٩٧٩ استطاع حزب البعث وقيادته ان يطرد كافة الاحزاب المعارضة ويجبرها علىاللجوء الى كافة انحاء العالم ولم تبق داخل العراق احزاب لها علاقة مباشرة بالجماهير لتنظيمها وقيادتها.
في الفترة السابقة لثورة تموز وجدت عدة احزاب برجوازية مثل الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاحرار وحزب الاستقلال لم تستطع توحيد نفسها رغم انها كانت تمثل طبقة واحدة هي البرجوازية العراقية. وكان حزب البتي برجوازية البارز حزب الشعب الذي كان يقوده عزيز شريف فتحول فيما بعد الى العمل السري باسم وحدة الشيوعيين التي جرى توحيدها مع الحزب الشيوعي العراقي سنة ١٩٥٦.
وكان الحزب الشيوعي الذي بقي سريا اي غير مجاز من قبل الحكومات العراقية اكبر قوة سياسية في البلاد لانه اكتسب ثقة العمال والفلاحين والكسبة والحرفيين فاعتبروه الممثل الحقيقي لنضالهم والقائد المقدام الذي يستطيع قيادتهم في الثورة المقبلة وتوجيههم نحو بناء مجتمع اشتراكي ينقذهم من الاستغلال. هذا الحزب هو الحزب الوحيد القادر على تحقيق الوحدة المتراصة التي يحتاجها الشعب العراقي اليوم لتحويل الحرب العدوانية الى حرب دفاعية عادلة.
ولكن قيادة هذا الحزب تخلت في ١٩٥٦ عن الاهداف التي كان الحزب قد وضعها على عاتقه وتنازلت للبرجوازية من اجل تحقيق جبهة معها فكانت الجبهة التي عقدت في ١٩٥٧ والتي تحطمت صباح ثورة ١٤ تموز. ففي ١٩٥٦ تبنى الحزب شعار الحكومة الوطنية التي تفسح المجال للطبقة العاملة ان تقود الشعب سلميا نحو الاشتراكية. وقد تخلى الحزب في مقابل عقد الجبهة حتى عن ضرورة الاشتراك في الحكومة الثورية او الوطنية التي تأتي نتيجة للثورة. وجاءت الحكومة الوطنية وايدها الحزب الى درجة تأليه الزعيم عبد الكريم قاسم ولكن الحكومة البرجوازية الجديدة اثبتت انها لم تفسح المجال للطبقة العاملة بقيادة الشعب سلميا نحو الاشتراكية كما كان الحزب الشيوعي يتوقع بل سمحت للبرجوازية بزيادة استغلالها للكادحين وتقوية سلطتها. وكانت الصراعات تحتدم بين الاحزاب والفئات البرجوازية وحزب البعث اليميني الذي من المفروض انه كان حزب البتي برجوازية في تلك الفترة. ولكن الامر كان ينتهي الى اتحادها كلما كانت الطبقة العاملة تتحرك بصورة تشعر فيها البرجوازية انها تشكل خطرا على كيانها.
وجاء انقلاب ١٩٦٣ وبعد فترة رأى الحزب الشيوعي في الحزب الذي شكله عبد السلام عارف عدو الشيوعيين اللدود حزبا وطنيا الى درجة ان قيادة الحزب الشيوعي قررت في اجتماعها السيء الصيت ان تحل الحزب الشيوعي وتنضم الى حزب عبد السلام عارف.
وجاء انقلاب ١٩٦٨ فاعتلت الى الحكم حكومة البكر صدام حسين فرأت قيادة الحزب الشيوعي في هذه الحكومة القيادة الوطنية الحكيمة التي اختارت الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية وقررت عقد جبهتها المشهورة معها من ١٩٧٣ حتى ١٩٧٩ حين ركل صدام حسين الجبهة برجليه بعد ان استنفد مصلحته فيها فتشرد قادة الحزب الشيوعي وكوادره في ارجاء المعمورة من اوروبا الشرقية الى اوروبا الغربية ومن سورية ولبنان الى  ليبيا والجزائر واليمن وقبع من لم يستطع الهروب من اعضاء الحزب الشيوعي في غياهب السجون والمعتقلات وتعرضوا للموت في التعذيب وعلى اعواد المشانق.
ومنذ ١٩٧٩ اعلن الحزب الشيوعي العراقي انه تحول مضطرا الى خندق المعارضة ورفع شعار الجبهة العريضة مع كافة الاحزاب والمنظمات والشخصيات المعارضة لحكم صدام بصرف النظر عن ارائها السياسية والفكرية والدينية من اجل اسقاط حكومة صدام واقامة البديل الديمقراطي الذي يحقق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان. وعقدت المؤتمرات والاجتماعات وتعددت المحاولات ولم نتحقق الجبهة العريضة ولا الجبهة الشاملة.
ولم يكن وضع احزاب المعارضة الاخرى يختلف عن وضع قادة الحزب الشيوعي. فهي ايضا كانت متفرقة في نفس المهاجر وتعمل على المحافظة على كيانها عن طريق الكتابات والاجتماعات والتحدث عن الجبهة العريضة اوستجداء الصدقات من الحكومات المضيفة. وأخذت تنشا احزاب عديدة باسماء مختلفة يزعم كل منها انه الحزب الذي يمثل الخط الصحيح والقادر على قيادة الشعب العراقي نحو الحرية والديمقراطية. يكفي ان يجتمع ثلاثة اشخاص لكي يكونوا حزبا جديدا ويصدروا جريدة او مجلة اذا كانت ثمة حكومة تؤيدهم بالمساعدات المالية والاجتماعية اللازمة.
ليس بين هذه الاحزاب من  يحدد تكوينه الطبقي والفئات العراقية التي يمثلها بل كل الاحزاب تدعي انها تؤيد شعار الجبهة العريضة وتدعو الاحزاب الاخرى الى الارتفاع الى مستوى المسؤولية وتكوين الجبهة. وتكونت عدة جبهات كان مصيرها الفشل التام.
صورت الامور خصوصا من جانب الحزب الشيوعي والاحزاب التي تسايره او تتبعه وكأن تكوين الجبهة سيجلب الخلاص للشعب العراقي من الحكم الفاشي القابع على خناقه وان عدم وجود الجبهة هو العامل الاساسي في بقاء حكم صدام واستمراره.
فما هي طبيعة الجبهة التي يريدها الحزب الشيوعي مثلا؟ جبهة عريضة تضم كل الاحزاب والمنظمات والشخصيات المعارضة لحكم صدام بصرف النظر عن اتجاهاتها السياسية والايديولوجية ومعتقداتها الدينية. واضح ان القاسم المشترك الاعظم لمثل هذه الجبهة هو معارضة صدام. فما مصير مثل هذه الجبهة اذا سقط صدام؟ ان سقوط صدام ينهي كل علاقة سياسية او ايديولوجية او دينية بين اعضاء الجبهة فينتهي امرها وتتحطم من اللحظة الاولى وتظهر الخلافات وحدها لتحدد العلاقات بين هؤلاء الحلفاء السابقين. ويبدأ كل طرف من اطراف الجبهة يناضل في سبيل الحصول على حصة في الاوضاع الجديدة له وللدولة التي ساندته واعالته لهذا الغرض. وتختفي كل ادعاءات الحكم الديمقراطي البديل ومنح الحرية للشعب في اختيار نظام الحكم الذي يريده وتتحكم الفئة التي تنجح في الحصول على دفة الحكم بقوة السلاح.
وضعت هذه الازمة الشعب العراقي في مازق شديد. فحرمانه من قيادة توجهه وتقوده جعله عاجزا عن القيام بحركة مستقلة للدفاع عن نفسه سواء ضد العدو الداخلي وهو نظام الحكم الفاشي از ضد العدو الخارجي برئاسة الولايات المتحدة الاميركية. وقد نشأ من هذا الوضع موقف غريب. فان الوقوف ضد غزو العراق من قبل اميركا وبريطانيا والدول الاخرى السائرة بركابها وحتى الدول العربية مثل السعودية ومصر وسورية والمغرب التي ارسلت جيوشها للعمل مع حلفائها الاميركيين يبدو وكأنه تأييد لصدام حسين ودفاع عنه. بينما يبدو شجب احتلال الكويت ومهاجمة نظام صدام الفاشي والمطالبة بالانسحاب من الكويت تأييدا للغزو الاجنبي الذي تعده الولايات المتحدة للعراق.
ولا شك ان الاحزاب البرجوازية والانتهازية المعارضة تحاول التصيد في الماء العكر وتحاول التساوم مع من يقدم اعلى سعر لشراء ذممها. وليس من الامور الخفية اتصال بعض القيادات مؤخرا بحكومة الولايات المتحدة للمتاجرة بالقوات المزعومة الموجودة تحت قيادتها في العراق للحصول عن طريق التأييد على بعض الفوائد او الامتيازات او على الاقل بعض الوعود بالوصول الى الحكم بعد انتهاء الازمة. ولذلك ليس من المستبعد بل من المحتم ان تظهر مفاهيم غريبة ومتناقضة. فهناك من ترتبط مصالحهم بتحطيم صدام عن طريق الحرب وتسلط الولايات المتحدة وحلفائها على الموقف. ومن هنا تنشأ مفاهيم مثل ضرورة مساندة الحرب باعتبارها الطريق الوحيد للخلاص من حكم صدام فيبدو كأن الولايات المتحدة بحربها المدمرة على العراق ليست المحررة للكويت والمساندة لحكومة الامراء فيها وحسب بل ومنقذ العراق من الحكم الفاشي ايضا. بينما يقوم الذين يتوصلون الى المساومة مع صدام للحصول منه على لقمة سائغة يبث الرأي الداعي الى مساندة صدام والمصالحة معه باعتبار الحرب حربا دفاعية موجهة ضد الامبريالية واسرائيل. يجب فضح هذين المفهومين الخطرين وفضح مروجيهما ايا كانوا وتوضيح خطورة مثل هذه المفاهيم على اية حركة حقيقية ضد النظام العراقي وضد السيطرة الامبريالية في المنطقة على حد سواء. ليس هناك طريق للخروج من هذا المأزق بسلام لان كلا الحالتين محفوفتان بأشد المخاطر للشعب العراقي وللارض العراقية وان ما ما يستطيع الشعب العراقي والافواه المتكلمة لمصلحته عمله هو النضال من اجل ابعاد الحل الحربي ومحاولة اقناع بعض الدول التي لا تندفع اندفاعا تاما مع الولايات المتحدة في الاتجاه نحو الحرب لان مصالحها لا تنسجم حاليا مع هذه الحرب او لان اعباء الحرب تقع على عاتقها بدون ان تجلب لها ارباحا طائلة وخصوصا الدول العربية التي ارسلت جيوشها للاشتراك في المعمعة ان تعدل عن موقفها وأن تسحب جيوشها على الا تنسى لحظة واحدة ان هذا الموقف لا يشكل تأييدا لصدام حسين وعدوانه ولا يعتبر موقف صدام دفاعا عن العراق او مساندة للفلسطينيين ضد اسرائيل. انه اهون الشرين ليس الا. والى ان يستطيع الشعب العراقي ان ينجب من احضانه قيادة قوية تستطيع تنظيمه وقيادته في الاتجاه الصحيح وهو الاطاحة بالحكم البرجوازي واقامة حكم الطبقة العاملة الذي ينقذ العراق والشعب من كل انواع الاستغلال.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زواري الاعزاء
- ذكرياتي في سجون العراق السياسية- الجزء الاول
- ذكرياتي في سجون العراق السياسية- الجزء الثاني
- معركة تفكيك الرؤوس الذرية
- الحرب العالمية الثالثة خصائصها المميزة
- خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الاول
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثاني
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثالث
- كتاب - خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - ...
- كتاب- خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - ...


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حسقيل قوجمان - أزمة الخليج