أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثاني















المزيد.....



كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثاني


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 618 - 2003 / 10 / 11 - 07:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



تحول الرأسمالية الى مرحلة الامبريالية واقتسام العالم

منذ أواخر القرن التاسع عشر وخصوصا في بداية القرن العشرين سيطر الرأسمال المالي وتحولت الراسمالية من مرحلة المنافسة الحرة الى مرحلة الاحتكار، المرحلة الامبريالية. ومن اهم صفات هذه المرحلة سيطرة الرأسمال المالي. فمنذ نشوء الرأسمالية دأبت على نهب الشعوب المتأخرة وعلى استعمارها واستغلال ثرواتها الاجتماعية بشتى الطرق العسكرية والسياسية وبطريق القرصنة والنهب والسلب. ولكن المراحل الاولى من الرأسمالية شهدت دولا رأسمالية تتنافس فيما بينها على احتلال هذه الدول واستعمارها حين كان العالم واسعا تستطيع الدول الرأسمالية احتلال البلدان التي لم يجر احتلالها واستعمارها بعد. وكانت الصفة الرئيسية لاستغلال الاقطار المستعمرة نهب ثرواتها وتصدير المنتجات الرأسمالية اليها. ولكن سيطرة الرأسمال المالي أضافت الى هذا النوع من الاستغلال ظاهرة تصدير رؤوس الاموال.  ويعني تصدير رؤوس الاموال اما منح القروض التي تدر ارباحا طائلة للرأسماليين او انشاء مشاريع رأسمالية امبريالية في المستعمرات واشباه المستعمرات واستغلال الايدي العاملة الرخيصة والمواد الخام المتوفرة والرخيصة في مثل هذه البلدان.
ومن صفات المرحلة الامبريالية التي عالجها لينين في كتاب "الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية" اتمام اقتسام العالم بين الدول الرأسمالية.  ولكن التفاوت في تطور هذه الدول الراسمالية في صناعتها يحتم اعادة اقتسام العالم وفقا لهذا التطور سلميا او حربيا. ولذلك اصبحت الحرب العالمية حتمية. وقد شاهدت البشرية حربين عالميتين مدمرتين وحروبا اخرى عديدة تهدف كلها الى تحقيق اعادة اقتسام العالم. ولكن الامور لا تسري دائما كما تشتهي الدول الامبريالية. فخلال الحرب الامبريالية العالمية الاولى حدثت ثورة اكتوبر التي كان من نتيجتها خروج سدس سكان العالم من نطاق الاستغلال الامبريالي بنشوء الاتحاد السوفييتي، أول دولة اشتراكية في التأريخ. واندلعت الحرب العالمية الثانية التي اعد لها الامبرياليون بالدرجة الرئيسية للقضاء على الاتحاد السوفييتي فتحولت الى حرب للقضاء على النازية اشد انواع الامبريالية ضراوة. وكان الاتحاد السوفييتي هو القوة التي استطاعت ان تقهر النازية وتنقذ العالم من استعبادها وتساعد العديد من بلدان اوروبا الشرقية على تحرير انفسها من الاستغلال الرأسمالي واقامة دول الديمقراطيات الشعبية والسير في طريق بناء الاشتراكية. ثم تحرر عدد من بلدان اسيا كالصين والفيتنام وكوريا الشمالية فانفصل ثلث سكان العالم عن سيطرة الامبريالية وتكون المعسكر الاشتراكي.
وخرجت اميركا التي لم تطلق فيها ولو طلقة واحدة اثناء الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية اقوى دولة رأسمالية في العالم.فبينما دمر اقتصاد الدول الاوروبية المتحاربة خلال الحرب نما اقتصاد الولايات المتحدة خلالها الى مستويات عالية وتحولت الولايات المتحدة الى الممول الاكبر لهذه الدول بالسلاح والمواد الاخرى. بل ان الشركات الاميركية انتجت الاسلحة حتى للدول العدوة كاليابان نظرا لوجودها داخل حدود اليابان وبيع انتاجها للحكومة اليابانية لكي تحارب بها حكوماتها كبريطاينا والولايات المتحدة. وبعد الحرب اخضعت الولايات المتحدة الدول الامبريالية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا لسلطتها تحت ستار مساعدتها على اعادة بناء اقتصادها الذي دمرته الحرب.

انقسام السوق العالمية الى سوقين عالميتين 

اعتبر ستالين اهم النتائج الاقتصادية للحرب العالمية الثانية انقسام السوق العالمية الى سوقين عالميتين، سوق عالمية امبريالية وسوق عالمية اشتراكية. وطبيعي ان هذا الانقسام لم يكن ممكنا لولا اختلاف طبيعة هاتين السوقين عن بعضهما اختلافا كليا. فلو كانت طبيعة السوق الاشتراكية مماثلة لطبيعة السوق الامبريالية لما امكن حدوث مثل هذا الانقسام. ليس في نيتي ان ابحث هنا بالتفصيل ميزات السوق العالمية الاشتراكية على السوق العالمية الامبريالية. أود فقط ان اشير الى ان طبيعة السوق العالمية الامبريالية ناشئة عن القانون الاقتصادي الاساسي للراسمالية، قانون جني اقصى الارباح بينما تخضع طبيعة السوق العالمية الاشتراكية الى القانون الاقتصادي الاساسي للاشتراكية، تلبية حاجات المجتمع المتزايدة باطراد عن طريق استخدام احدث تطورات الثورة التكنولوجية. والسوق العالمية الاشتراكية قلصت السوق العالمية الامبريالية بمقدار الثلث. وبينما تعاني السوق العالمية الامبريالية من نضال دائم ضدها تشنه الشعوب المستعبدة كانت السوق العالمية الاشتراكية في توسع مستمر لان شعوب الدول المستقلة ولو شكليا ترتاح الى معاملة الدول الاشتراكية سواء من ناحية شراء ثرواتها الطبيعية ومنتجاتها بأسعار جيدة ليس الغرض منها استغلال هذه البلدان من اجل جني اقصى الارباح او من ناحية صادرات البلدان الاشتراكية اليها بأسعار غير احتكارية. بل حتى الشركات الامبريالية الكبرى اخذت تفكر في تصدير منتجاتها المتراكمة الى الاتحاد السوفيتي والصين وغيرها من دول المعسكر الاشتراكي. وهذه الدول نفسها كانت مستعدة لان تستورد من الدول الامبريالية المنتجات التي تحتاج اليها وتستفيد منها في تطوير اقتصادها وفق شروط وطبيعة السوق الاشتراكية وليس وفق شروط وطبيعة السوق الراسمالية.
كان من نتائج تقلص السوق العالمية الامبريالية ان تسعى الدول الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الى ايجاد ما يعوضها عن هذه الخسارة ويوسع اسواقها ويزيد ارباحها وهذا لا يتحقق الا على حساب الدول الراسمالية الاخرى. 
ارجو معذرة القراء الكرام عن هذا التمهيد الطويل لموضوع كثرت مناقشته وتحليلاته طوال هذه العقود اذ لم يتضمن سوى اجترار لهذه البحوث والتحليلات. كان هذا التلخيص ضروريا من اجل فهم الدور الذي لعبته وما زالت تلعبه الثورة التكنولوجية في الاقتصاد الامبريالي العالمي. فقد وفرت هذه الثورة وسيلة لانقاذ الاقتصاد العالمي الامبريالي من محنته وتحقيق قانونه الاقتصادي الاساسي في زيادة الارباح الى الحد الاقصى ولو جزئيا وبصورة مؤقتة.   

الثورة التكنولوجية وتصدير الرأسمال 

لدى بحث الاساليب الراسمالية لزيادة الارباح يمكننا ان نعالج الراسمال كراسمال عالمي واحد رغم اختلاف الدول الراسمالية المصدرة للرأسمال. وهذه الفرضية ممكنة لسببين، اولا لأن سلوك الراسمال العالمي كرأسمال واحد اصبح قريبا من الواقع بسبب ما نراه من التحام الرأسمال في الشركات المتعددة الجنسيات والمصارف الدولية، وثانيا لأن اساليب الراسمال في تحقيق زيادة الارباح واحدة لا فرق فيها ان كان الراسمال فيها امريكيا او انجليزيا او يابانيا. 
لم تتغير اساليب الراسمال الامبريالي القديمة في تحقيق اقصى الارباح عما كانت عليه قبل هذه الثورة التكنولوجية. فقد استمر الرأسمال على اساليب عمله في المستعمرات واشباه المستعمرات من نهب ثروات المستعمرات واستغلال قواها العاملة وموادها الخام الرخيصة. ولكن كثافة هذا الاستغلال قد تضاعفت نتيجة للثورة التكنولوجية. 
الصورة الاولى لتصدير رؤوس الاموال هي القروض. فالدول الراسمالية دأبت على تقديم القروض للحكومات في أرجاء العالم لقاء فوائد عالية تثقل كاهل الشعوب والحكومات المقترضة. ولكن القروض لم تكن تمنح لهذه الدول بدون شروط قاسية تؤدي في الواقع الى اخضاع اقتصاد البلد المقترض للدولة المقرضة بحجة حماية القرض والتأكد من حسن انفاقه وضمان تسديده في الوقت المتفق عليه. ومن شروط القروض ان ينفق المقترض قروضه لدى الدولة المقرضة. وبذلك تستعيد الدولة المقرضة قروضها عن طريق تصدير البضائع الى الدولة المقترضة.  
كانت احدى نتائح الثورة التكنولوجية زيادة المواد التي تحتاجها الدولة المقترضة بصورة هائلة. اورد على سبيل المثال لا الحصر تطور الطائرات في العقود الاخيرة من القرن العشرين. فقد اصبحت طائرات نقل الركاب والبضائع حاجة ضرورية لكل دولة فاصبح عليها ان تشتري احدث الطائرات من الدول الصناعية الكبرى التي تحتكر صناعة مثل هذه الطائرات المتجددة باستمرار. وطبيعي ان  يرافق شراء هذه الطائرات الباهظة  الاثمان ما يتطلبه استخدام هذه الطائرات الضخمة من مطارات عالمية حديثة وعمارات ضخمة وطرق مواصلات متطورة وفنادق ذوات اربع او خمسة نجوم وغير ذلك تضطر الدولة من أجل بنائها الى طلب المزيد من القروض ودعوة الدولة المقرضة او دولة امبريالية اخرى الى انجاز هذه الاعمال الانشائية الضخمة و/ او الى دعوة الشركات الاجنبية الى استثمار اموالها في انشاء الفنادق وغيرها لجني المزيد من الارباح. ولا تستطيع هذه الدول تحقيق مشترياتها المتعاظمة الا عن طريق المزيد من القروض والمزيد من الامتيازات والتنازلات المترتبة على الاقتراض. وقد بلغت ديون ما يسمى بالعالم الثالث مستويات اصبحت تهدد اقتصاد هذه البلدان بالانهيار التام كما رأيناه في اندونيسيا والارجنتين على سبيل المثال.(نقتصر البحث هنا على المنتجات المدنية السلمية لان بحث تجارة الاسلحة وموضوع الخصخصة سياتي بحثهما لاحقا). 
والصورة الثانية لتصدير رؤوس الاموال هي استغلال الراسمال المصدر الى هذه البلدان في تشغيل الايدي العاملة الرخيصة والمواد الخام المبذولة والاستفادة من عدم وجود قوانين تحدد ساعات العمل او تمنع استخدام الاطفال الخ. كل ذلك كان من صفات الراسمالية الامبريالية ولكن الثورة التكنولوجية في العقود الاخيرة من القرن العشرين خلقت وسائل جديدة لهذه الظاهرة. اذ اخذ الراسماليون في انشاء معامل لارقى المنتجات التكنولوجية الجديدة مثل الحاسبات الالكترونية والتلفونات المحمولة واجهزة التلفزيون والفاكس والكامرات والمنتجات الالكترونية الاخرى. نحن نرى ان اغلب هذه المنتجات تنتج في ايامنا في بلدان مثل تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايلاند وغيرها. وطبيعي ان هذه المصانع الكبيرة تستلزم تصدير المزيد من أدوات الانتاج التي تنتجها الدول الصناعية الكبرى. 
ولكن ما يميز هذه الظاهرة هو ان الرأسماليين لا يصدرون اموالهم لانشاء مصانع انتاج ادوات الانتاج في هذه البلدان اذ ان الدول الصناعية الكبرى السبع تحتفظ لنفسها بانتاج ادوات الانتاج. فالرأسماليون لا ينشؤون مصانع ادوات الانتاج في هذه البلدان رغم الارباح الهائلة التي تدرها عليهم لو فعلوا ذلك. والراسماليون الامبرياليون لا يحجمون عن انشاء مثل هذه المصانع في هذه البلدان للاحتفاط بهذه الصناعات لانفسهم ولمصلحة استخدام عمالهم العاطلين فقط وانما لان الراسمالية بهذه الصورة تضمن عدم نجاح هذه الدول في تطوير صناعاتها في حالة تمردها ومحاولة استقلالها عن الدول الراسمالية الكبرى. فاذا حدثت ثورة في احدى هذه البلدان وحاولت الاستقلال عن الاقتصاد الراسمالي تستطيع الدولة الراسمالية الكبرى ان تخنق وتحطم اقتصاد هذه الدولة عن طريق التوقف عن تزويدها بالمكائن وادوات الانتاج وحتى قطع الغيار اللازمة لمواصلة الانتاج. ونتيجة لهذه السياسة تضمن الدول الكبرى اجتناء اقصى الارباح من انتاج احدث منتجات الثورة التكنولوجية وتضمن في الوقت ذاته عدم استطاعة هذه الدول الاستقلال صناعيا عن الدول الصناعية الكبرى او عن تطوير صناعاتها الثقيلة المستقلة عن صناعة الدول الراسمالية الكبرى. 
يؤدي انشاء المصانع التكنولوجية المتقدمة في المستعمرات وأشباه المستعمرات الى تنشيط الانتاج في الدول الصناعية الكبرى ذاتها ايضا. اذ ان هذه الدول تقوم بانتاج أدوات الانتاج المتقدمة والمتطورة يوما بعد يوم لهذه المصانع. ومع ذلك لا تكفي زيادة الانتاج الناجمة عن مبيعات المنتجات الضخمة كالطائرات والمصانع الحديثة لانقاذ الدول الصناعية من الازمة وانهاء البطالة وتشغيل ملايين العاطلين عن العمل فيها. فكل تطور الانتاج المدني لا يشكل سوى جزء ضئيل من مجموع الانتاج الراسمالي. ولابد للرأسمالية ان تلجأ الى توسيع الانتاج الحربي من اجل زيادة الانتاج وزيادة الارباح. وجاءت الثورة التكنولوجية كوسيلة لتخفيف ازمات النظام الراسمالي في هذا النطاق ايضا. 

انتاج وتجارة الاسلحة في النظام الراسمالي 

ليس انتاج الاسلحة جديدا على الراسمالية. فتاريخ الراسمالية حافل في الحروب بشتى انواعها لان الحروب هي وسيلتها الفعالة في احتلال واخضاع شعوب المستعمرات وفي اعادة تقسيم هذه المستعمرات بعد اتمام اقتسام الاقتصاد العالمي بين الدول الصناعية الكبرى. وفيما عدا كون السلاح وتطويره الدائم وسيلة الراسماليين لاقتسام العالم مرارا وتكرارا فانه كذلك مصدر لارباح عالية للراسمالية حتى في فترات السلم التي تمر بها الراسمالية. لذلك علينا ان نتحدث قليلا عن السلاح بصفته سلعة تجارية بالنسبة للراسماليين. 
تختلف الاسلحة كسلعة تجارية عن سائر السلع الاخرى. فالاسلحة سلعة تشتريها الحكومات بالدرجة الرئيسية لتقوية جيوشها ولضمان التوازن العسكري بينها وبين الدول المحيطة بها. وهذه ظاهرة خاصة تفيد منتجي الاسلحة في تصريف بضائعهم. فالسلع المدنية تحتاج الى وسائل ونفقات ضخمة لتحقيق ايصالها الى المستهلك كتجارة الجملة وتجارة المفرق ووسائل الدعاية الباهظة وتكاليف النقل والتأمين وغير ذلك. اما الاسلحة فان مستهلكها حكومات تشتريها بكميات هائلة ولا تحتاج الى الكثير من هذه  العمليات البينية الاضافية لتصريفها. فالحكومات تشتريها عادة بموجب طلبات مسبقة قبل انتاجها.
والسلاح سلعة تختلف عن السلع المدنية من حيث اختزانها ايضا. فالرأسماليون يختزنون سلعهم المدنية في مخازنهم التجارية انتظارا لتصريفها. وعند الازمة تتراكم هذه السلع في مخازن الراسماليين بدون ان تجد لها من يشتريها. اما السلاح فان اختزانه يكون لدى المشترين. فمنتج الاسلحة ينتج اسلحته تلبية لطلب الحكومات الراغبة في شرائها ولذلك فهو يتخلص منها فور انتاجها. واذا كسدت الاسلحة وتعذر استعمالها، اي لم تستعملها الحكومات التي اشترتها في الحروب، فهي تبقى في مخازن المستهلك وليس في مخازن البائع. ولا فرق في هذا ان كانت الحكومة المشترية للاسلحة هي حكومة الشركة المنتجة ام حكومات اجنبية. فالامر الذي يهم الراسماليين هو تصريف هذه الاسلحة لا شخصية المشتري. الفرق في ذلك يقتصر على من من الشعوب تتحمل اعباء شراء هذه الاسلحة. ففي حالة انتاج الاسلحة للحكومة التي يجري فيها الانتاج يتحمل شعبها نفقات شرائها في حين تتحمل شعوب الحكومات الاجنبية الاخرى المشترية للاسلحة نفقات شراء الاسلحة. ولا يؤثر هذا على ارباح منتجي الاسلحة انفسهم. 
وفي انتاج الاسلحة تعمل الحكومات نفسها وسيطا في تصريفها. فالولايات المتحدة او بريطانيا او روسيا مثلا تعقد صفقات شراء الاسلحة مع الدول الاخرى لمصلحة الشركات الراسمالية المنتجة. ولا تعقد صفقات الاسلحة لوجه الله. فالحكومة المجهزة للاسلحة تفرض شروطا اقتصادية وسياسية على الدول المشترية بحيث ان استخدام هذه الاسلحة يبقى عمليا تحت تصرف الدولة الكبرى التي قامت ببيعها. فليس للحكومة المشترية حق التصرف الحر في الاسلحة التي تشتريها. نرى مثلا ان الدول العربية تشتري الاسلحة بعشرات المليارات من الدولارات سنويا من الولايات المتحدة ومن انجلترا وفرنسا والمانيا وروسيا. فهل باستطاعة هذه الدول ان تقدم شيئا من اسلحتها لنصرة الشعب الفلسطيني ضد اسرائيل؟ ان الولايات المتحدة لن تسمح بشيء من هذا القبيل. فالاسلحة التي يبيعها الراسماليون للبلدان المستعمرة والتابعة التي تسمى العالم الثالث تبقى في الواقع ملكا للدولة المجهزة رغم شرائها ودفع اثمانها من قبل الدولة المشترية. 
ثم ان المبالغ الهائلة التي يتطلبها شراء الاسلحة مصدر اخر لزيادة ارباح الراسمالية نظرا لما تتطلبه من قروض لتسديد اثمان هذه الاسلحة. والمصارف الدولية لا تقدم القروض الا وفق شروط تسمح لها عمليا بالسيطرة على اقتصاد الدول المقترضة.
وجاءت الثورة التكنولوجية لنجدة الراسماليين في مضمار انتاج الاسلحة. فنحن نشاهد تطورات هائلة في انتاج الاسلحة من طائرات وسفن ودبابات ومصفحات وقنابل مختلفة جديدة تطورها مصانع الاسلحة كل يوم. وقبل استلام  الطائرات الحربية على انواعها والدبابات التي تطلبها دولة معينة تصبح هذه الطائرات المطلوبة قديمة العهد نظرا لتطوير طائرات جديدة استطاعت الدول الاخرى شراءها وعلى الحكومة ان تطلب شراءها حتى قبل استلام الطائرات والدبابات والقنابل التي سبق لها شراؤها. ونشاهد في الحروب الجارية حاليا كل يوم استخدام انواع جديدة من الاسلحة والعتاد تستخدمها الدول الكبرى في حروبها لاكتشاف مدى نجاحها لاول مرة في ابادة وتدمير شعوب ومنشآت البلد المنكوب كما شاهدناه في افغانستان ونشاهده في فلسطين. واكثر اسلحة الدمار الشامل هذه تستخدم باستعمال احدث انواع الطائرات والصواريخ المطلقة من القواعد العسكرية والسفن الحربية الضخمة المنتشرة في كل بحار العالم من دون ان تكون للدولة المنكوبة اية فرصة او امكانية لمجابهة الدول الكبرى المهاجمة بدون انزال جندي واحد فيها. ولا يهم الدولة الاستعمارية المهاجمة كون هذه الاسلحة والقنابل الجديدة تؤدي الى انتشار غازات سامة تسبب الامراض المهلكة في البلد المنكوب بحيث تقضي على الاطفال والنساء والرجال بمئات الالاف بل وبالملايين. ولا تنجو حتى جيوش الدول الكبرى المستخدمة لهذه الاسلحة المدمرة من تأثيرها اذ ما زلنا نسمع حتى الان عن عشرات الاف الجنود والضباط الاميركيين والبريطانيين وغيرهم ممن القوا مثل هذه القنابل فيما يدعى حرب الخليج الثانية على العراق باصابتهم بنفس الامراض القاتلة التي تسببها قنابلهم في البلد المنكوب من دون ان تحذرهم قياداتهم من خطورة استخدامها على ملقيها وبدون ان تأخذ وسائل حماية جنودها وضباطها من اخطار القاء هذه القنابل على ملقيها.
ان استهلاك الاسلحة هو الحرب. وعلى الدول المشترية للسلاح ان تستهلك الاسلحة القديمة المتراكمة في مخازنها لتفسح المجال لاحلال اسلحة جديدة فيها بدلا منها. وهذا بحد ذاته محفز للحروب الموضعية المنتشرة في العالم كله. صحيح ان بعض هذه الدول تستطيع بيع شيء من الاسلحة القديمة المتراكمة لديها الى دول اخرى اقل منها تزودا بالاسلحة ولكن هذا يشترط وجود الحرب وزيادة حاجة الدولة المتحاربة الى اكثر مما تستطيع الحصول عليه بالطرق التقليدية فتضطر الى شراء السلاح من دول تتراكم عندها كميات كبيرة من الاسلحة القديمة التي تريد التخلص منها بما يكفي لمواصلة حربها. ونرى ونسمع كل يوم عن دول تبيع الاسلحة لكلا طرفي النزاع في الوقت ذاته. ولا يخلو حتى هذا المجال من المنافسة لكثرة الدول التي تكتظ مخازنها باسلحة قديمة. 
في هذا المجال ايضا جاءت الثورة التكنولوجية لنجدة الراسماليين ولتخفيف ازماتهم. فقد شهدت العقود الاخيرة من القرن العشرين تطورا تكنولوجيا هائلا في انتاج الاسلحة كالطائرات والدبابات والسفن الحربية بشتى اشكالها وانتاج القنابل الذرية والهيدروجينية والالكترونية والصواريخ العابرة للقارات التي تستطيع حمل هذه  القنابل وانتاج الاسلحة الكيماوية والبيولوجية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل. وهذا التطور السريع في انتاج اسلحة جديدة اكثر تدميرا اضطر كافة الدول الى التسابق في شراء هذه الاسلحة المتطورة فور انتاجها لتلافي اختلال التوازن بينها وبين جاراتها. 
نقلت الاخبار في الاونة الاخيرة خبر اتفاق بوش وبوتين على تخفيض القنابل الذرية المتراكمة من ستة الاف رأس نووي الى الف وسبعمائة. وهو خبر صورته وسائل الاعلام الراسمالية للعالم على انه انجاز كبير في طريق نزع السلاح. ليس لهذا الاتفاق اية علاقة بنزع سلاح حقيقي اذ ان نزع السلاح الحقيقي يعني تخفيض كميات الاسلحة القائمة وليس زيادتها. بينما تهدف جميع الاتفاقيات التي توصلت اليها الدول الراسمالية فيما بينها حتى الان تحت ستار ما يسمى نزع السلاح في الواقع الى التخلص من اسلحة قديمة اصبحت عديمة الفائدة في الحروب الحديثة الاكثر تطورا لغرض زيادة التسلح باسلحة حديثة اشد فتكا منها. فحقيقة اتفاق بوش بوتين هذا ليس في الواقع سوى تخفيض امكانية الدولتين الذريتين العظميين على تدمير الكرة الارضية وافنائها لنقل من الف مرة الى خمسمائة مرة. ولكن العالم لا يحتاج الى تدميره وافنائه اكثر من مرة واحدة. هذا دليل واضح على ان انتاج القنابل النووية على انواعها الذي يكلف الشعوب مئات والاف المليارات لم يكن سلاحا رادعا كما ادعى الراسماليون وابواقهم بل كان انتاجا يهدف الى تحقيق المزيد والمزيد من الارباح لمنتجي هذه الاسلحة. ولم تكن القنابل االنووية وسيلة حربية قابلة للتطبيق والاستعمال حتى على نظاق ضيق. لقد اقتصر استخدام القنابل الذرية حربيا على القنبلتين اللتين القيتا على هيروشيما وناغازاكي في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. والعالم كله يعلم اليوم ان استخدام هاتين القنبلتين لم يكن ضروريا لانهاء تلك الحرب او لضرورات عسكرية ايا كانت بل كان استخدام القنبلة الذرية انذاك ومسح هاتين المدينتين الامنتين من على وجه الارض بداية للحرب العالمية الثالثة وتهديدا للاتحاد السوفييتي. فلم تستخدم الولايات المتحدة القنابل الذرية للقضاء على الشعب الكوري الشمالي في الحرب الكورية ولا القضاء على الشعب الفيتنامي في الحرب الفبنامية مثلا رغم انها لم تفلح بوسائل الحرب والدمار الاخرى في تحقيق اهدافها من هاتين الحربين. ولم يجر استخدام الاسلحة الذرية او الاسلحة الهيدروجينية او القنابل الالكترونية في شتى الحروب التي جرت في العقود الاخيرة ولا حتي في حرب الولايات المتحدة الاميركية الحالية التي بدأتها ضد افغانستان. وليس من المعقول ان تستخدم الدول الامبريالية قنابلها الذرية والهيدروجينية لافناء العالم لان ذلك لا يحقق المزيد من الارباح لمنتجي الاسلحة وان افناء العالم يفني الراسمالية والشعوب على حد سواء. فهذه الاسلحة كلها رغم النفقات الباهظة التي انفقت في انتاجها اسلحة عقيمة غير عملية بالنسبة للدول المالكة لها بسبب عدم امكان استخدامها في الحروب القائمة. فهي ليست في الواقع سوى وسائل لزيادة ارباح منتجيها ولمحاولة انقاذ النظام الراسمالي من ازماته الاقتصادية.  
لنفرض كذلك ان اتفاق بوش بوتين على تفكيك عدد من القنابل الذرية المتراكمة حقيقي وقابل للتنفيذ. فهل هذا انجاز يهدف حقا الى نزع السلاح؟ ليس في هذه الخطوة او اية خطوة مماثلة علاقة بنزع السلاح لاسباب عدة:
اولا: ان تفكيك الاسلحة الذرية المتراكمة يأتي بعد انتاج اسلحة اكثر منها دمارا واكثر منها كلفة. فالاسلحة الذرية اصبحت شيئا طفيفا لا اهمية له بالقياس الى الاسلحة الجديدة التي نجح الراسماليون في انتاجها وتهديد العالم باستخدامها. ان الاسلحة الجديدة اكثر تدميرا من القنابل الذرية واكثر قدرة على افناء العالم وابادة البشرية منها. 
ثانيا: ان تفكيك الاسلحة النووية لا يشمل سوى جزء منها ليس من شأنه ان ينقذ العالم من التهديد باستخدامها وافناء العالم. ولكننا اذا نظرنا الى تفكيك القنابل الذرية المتفق على تفكيكها من ناحية اقتصادية نرى انها فرصة جديدة لزيادة ارباح الراسمالية. فمنتجو الاسلحة جنوا ارباحهم الخيالية من انتاج هذه القنابل حين نجحوا في بيعها ولم تعد ملكا لهم يحتاجون الى بيعها. وكانت الشعوب قد دفعت اثمانها الباهظة. ولكن تفكيكها ليس عملية بسيطة بل هو عملية معقدة تتطلب تدخل الراسماليين الذين انتجوها. وعليه فان تفكيك الاسلحة الذرية هو الاخر مصدر ارباح طائلة لمنتجيها الذين ينفذون عملية تفكيكها. ولا شك ان الشركات المنتجة للاسلحة ستتكالب في المنافسة على من يقوم بعملية التفكيك التي تدر ارباحا طائلة ولا شك ان الشركات الاميركية ستكون لها حصة الاسد من هذه الارباح.
ثالثا: ان تفكيك القنابل الذرية لا يعني التخلص من المواد المتفجرة التي تحتويها هذه القنابل. فهذه المواد بحد ذاتها مواد غالية الثمن وقابلة للاستعمال في انتاجات اخرى. ترى ما هي خطط الدول الامبريالية وشركاتها المنتجة للاسلحة فيما يتعلق باعادة استخدام هذه المواد؟ لابد من ايجاد وسائل جديدة لاستخدام هذه المواد استخداما مثمرا للراسمالية يكفل لها المزيد والمزيد من الارباح. فما هو هذا الاستخدام ؟ هل تستخدم هذه المواد لانتاج ما يسمى بالاسلحة الذرية التكتيكية؟ اي الاسلحة الذرية الصغيرة التي تصلح للاستعمال في الحروب الجارية في العالم من دون ان تفنيه ؟ ام تحاول هذه الدول ايجاد حلول اخرى للاستفادة من المواد الباهظة الثمن التي كلف انتاجها الاف المليارات؟ اي حل تتبعه هذه الدول يجب ان يكون حلا من شأنه ان يخلق مجالات جديدة لزيادة ارباح الراسمالية. 

غزو الفضاء 

في ١٩٥٧ بدأت الخطوة العملية الاولى في غزو الفضاء بارسال الاتحاد السوفييتي اول قمر اصطناعي، سبوتنيك، الى الفضاء الخارجي. وغزو الفضاء هو من اعظم نتائج الثورة التكنولوجية. ومنذ تلك الخطوة الاولى تطور هذا المجال تطورا هائلا. فارسل الانسان الى الفضاء وتعددت الاقمار الاصطناعية وبنيت محطة فضائية كبيرة يسكنها على الدوام عدد من رواد الفضاء للقيام بتجارب وبحوث علمية. ونزل اول انسان على سطح القمر وتوالى ارسال اجهزة بحث الى مختلف الاجرام السماوية كالمريخ وغيره من الكواكب. كل هذه التطورات وسعت من معرفة الانسان للطبيعة ومن معرفته لكوكبنا الارضي اكثر فأكثر. ونرى اليوم ان وجود العشرات او المئات من الاقمار الاصطناعية تدور حول الارض قد قربت العالم وجعلته قرية صغيرة بحيث يستطيع كل انسان أن يشاهد ما يحدث على سطح الكرة الارضية في نفس دقيقة حدوثه ويستطيع ان يخاطب من يريد مخاطبته في اي مكان يوجد على الارض بل وأن يراه عند مكالمته. واصبح ارسال الانسان الى الفضاء فيما يدعى بالمكوك الفضائي عملا روتينيا لا يختلف كثيرا عن سفر الانسان في طائرة بحيث اننا شاهدنا اثنين من ارباب المليارات قد اختارا السفر الى الفضاء الخارجي للنزهة والسياحة مما كلفهم ملايين الدولارات. وطبيعي ان غزو الفضاء يحتوي على اسمى ما توصل اليه الانسان من علوم وبامكانه ان يقدم للبشرية اعظم الفوائد ليس في زيادة معرفة الانسان للكون وللكرة الارضية فحسب بل كذلك لانتاج المزيد من المواد المفيدة للبشر وللتغلب على الكثير من المخاطر التي تهدد البشرية من جراء ما احدثته الراسمالية من اضرار على سطح القشرة الارضية وعلى باطنها. 
ولكن جميع هذا التقدم العلمي الهائل شأنه شأن غيره من العلوم يجري هو الاخر في مجتمع رأسمالي. وككل تطور علمي جرى ويجري في هذا النظام يخضع للقانون الاقتصادي الاساسي الراسمالي، قانون اجتناء اقصى الارباح. وعليه فان مقياس الاستفادة من هذه العلوم ليست مصلحة البشرية وتطوير معرفتها لهذا الكون وتحقيق رفاهها الاقتصادي وتطوير مستواها الثقافي والعلمي انما هي بالدرجة الاساسية جني اقصى الارباح. ولذلك وعلى هذا الاساس لا يجد الراسماليون فرقا بين ما يفيد البشرية في هذا المضمار او ما يضرها. وعلى ذلك نرى ان استغلال هذه العلوم والتقدم التكنولوجي لم يقتصر على توسيع معرفة الانسان في اكتشاف الكون والبحث عن وسائل ترفيه شعوب العالم عن طريقها بل امتد بالدرجة الاولى الى  الاغراض العسكرية والى سباق لم يسبق له مثيل في التسلح. فالى جانب الاقمار الصناعية المخصصة لتوسيع العلم ولخدمة البشرية تنتشر الاقمار الصناعية المخصصة للتجسس مثلا. فبواسطة الاقمار الصناعية اصبح في مقدور الدولة الامبريالية ان تشخص كل بقعة على الارض وحتى كل شخص يدب عليها. وتقوم الدول الراسمالية الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة وروسيا بالتجسس علنيا ورسميا على كل بلد في العالم بواسطة اقمارها الصناعية التجسسية. اضف الى ذلك يجري تسليح الاقمار الصناعية بأشد انواع الاسلحة فتكا بحيث اصبح في مقدور الدول الكبرى ان تهاجم كل بقعة على الارض وحتى ان تفني الكرة الارضية في لحظات، وهذا ما اطلقت عليه الدول الامبريالية وابواقها الدعائية رسميا حرب النجوم. 
وحرب النجوم، شأنها شأن انتاج الاسلحة، صناعة مضمونة للراسماليين من حيث التصريف. فالانتاج يجري وفقا لطلبات الحكومة المعنية بهذه السلع الباهظة الاثمان. ولا تجد الراسمالية حاجة الى الادوار الفرعية للراسمال التجاري او نفقات الدعاية الخ. ولهذا فان تسليح الفضاء من جهة وغزو الفضاء المخصص لتطوير العلم البشري من جهة اخرى كلاهما يجلبان للراسمال اقصى الارباح على حساب الشعوب التي تتحمل هذه النفقات سواء اكانت لمصلحتها كتطور العلم او لدمارها كتسليح الفضاء. في الواقع يمكن القول بان السوق العالمية قد تطورت الى سوق كونية تكلف البشرية الاف المليارات في سلع تستهلك كونيا في الفضاء بدون ان تقدم فائدة مباشرة لاستهلاك الناس. ان علوم غزو الفضاء لم تتوصل بعد الى ايجاد طرق لاستعمال طاقات الكون ومواده لمنفعة الانسان القاطن على سطع كوكبنا الارضي الصغير. ولذلك فان هذه السوق الكونية ما زالت سوقا رائجة كثيرة الارباح ولكنها سوق تثقل كاهل الشعوب لان استهلاك هذه المنتجات لا يلقى من يدفع ثمنه غير الشعوب. 

جدار الصواريخ الواقي من الصواريخ 

وضعت الولايات المتحدة حاليا برنامج انشاء جدار للصواريخ المضادة للصواريخ تريد فرضه على العالم كله رغم المعارضة التي تبديها سائر الدول الراسمالية لهذا البرنامج. وحجة الولايات المتحدة لانشاء هذا الجدار ليست وقاية الولايات المتحدة من الدول الذرية المنتجة للصواريخ عابرة القارات مثل روسيا أو انجلترا او الصين. بل هي تريد من هذه الدول نفسها ومن العديد من دول العالم الاخرى مثل دول الخليج ان تشترك في اقامة هذا الجدار الواقي من الصواريخ. انها تدعي انها بحاجة الى حماية نفسها والدول الصديقة الاخرى مثل دول الاتحاد الاوروبي والعديد مما يسمى بدول العالم الثالث الحليفة للولايات المتحدة والدول الامبريالية الاخرى او بالاحرى الدول التابعة لها. وممن تريد الولايات المتحدة حماية نفسها ودول العالم الحليفة بهذا الجدار؟ انها تريد حماية نفسها والعالم من  دول مثل كوريا الشمالية او ايران او العراق. اي ان الذئب الاكبر الذي يحوز على الالاف من اسلحة الدمار الشامل والصواريخ العابرة للقارات والاقمار الصناعية المدججة بالاسلحة المدمرة يريد حماية نفسه من الحمل المسكين الذي ينوي شراء او يحاول انتاج بعض هذه الاسلحة مثل كوريا الشمالية وايران والعراق وغيرها. ولكن الولايات المتحدة نفسها لم تفلح بعد في التحقق من امكانية انشاء جدار كهذا. فهي ما زالت في مرحلة اجراء التجارب على هذا النوع من الصواريخ المضادة للصواريخ. وقد باء  العديد من هذه التجارب بالفشل وما زالت البحوث تجري على تحقيق نجاح مثل هذه الصواريخ. ومع ذلك تصر الولايات المتحدة على تصميمها في بناء هذا الجدار لا لنفسها فقط بل للدول الاخرى الصديقة. ان السبب الحقيقي لاصرار الولايات المتحدة على بناء هذا الجدار حتى قبل التأكد من نجاحها في انجازه انجازا كاملا هو كونها الدولة الوحيدة حتى الان التي تستطيع ان تنشئ جدارا كهذا وعلى الدول الاخرى في حالة موافقتها على المشروع ان تطلب من الولايات المتحدة نفسها ان تنشئ لها هذا الجدار مع ما يدره هذا المشروع من ارباح خيالية للراسمالية الاميركية سواء أكان انشاؤه للولايات المتحدة نفسها ام لسائر الدول الاخرى التي توافق على انشائه. 
رأينا كيف استغلت الراسمالية الثورة التكنولوجية لزيادة ارباحها طبقا لقانونها الاقتصادي الاساسي، قانون جني اقصى الارباح عن طريق استغلال شعوبها واستعباد شعوب مستعمراتها والدول التابعة لها. كذلك رأينا ان الولايات المتحدة كانت طليعة هذا الاستغلال بحيث انها لم تكتف باستغلال شعبها وشعوب العالم الخاضعة لها بل انها استغلت حتى حليفاتها الدول الراسمالية الصناعية الكبرى. الا ان ذلك كله لم يكف لاشباع شراهة ونهم الراسمالية الاميركية للارباح ولم ينقذها من الازمات الاقتصادية الخانقة. بل بالعكس. فكلما تقدمت الثورة التكنولوجية ازداد الراسمال الثابت اضعافا مضاعفة بالنسبة للراسمال المتغير وازدادت البطالة تبعا لذلك بحيث ان عدد العاطلين في ايامنا اصبح يحصى بعشرات الملايين في الدول الصناعية الكبرى وبصورة ثابتة مطردة الارتفاع. ولا يدخل في هذه الملايين من العاطلين عدد العاطلين خارج هذه الدول الصناعية، في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث. كذلك لا تشمل هذه الملايين عشرات ملايين الجياع الذين يموتون جوعا في ارجاء العالم نتيجة لنهب ثرواتهم من قبل هذه الدول السبع او الثمان. وعلى الراسمالية ان تبحث عن وسائل اخرى لزيادة ارباحها ولتلافي الازمات الاقتصادية المدمرة التي تعاني منها بصورة دائمة. وقد جاء تحول الاتحاد السوفييتي عن طريق التطور الاشتراكي الى طريق استعادة الراسمالية لنجدة الراسمالية العالمية. 

انهيار السوق العالمية الاشتراكية واندماجها  
ثانية بالسوق الامبريالية 

راينا ان اهم النتائج الاقتصادية للحرب العالمية الثانية كان انقسام السوق العالمية الى سوقين عالميتين، السوق العالمية الامبريالية والسوق العالمية الاشتراكية. وقد أصبح ذلك ممكنا نتيجة لخروج الاتحاد السوفييتي منتصرا في هذه الحرب ونشوء المعسكر الاشتراكي لدى تحرر دول اوروبا الشرقية والصين والفيتنام الشمالية وكوريا الشمالية من النظام الاقتصادي الامبريالي. ولم يكن هذا الانقسام ممكنا لو لم تكن طبيعة السوق الاشتراكية مختلفة تماما عن طبيعة السوق الراسمالية.
في ۱٩٥٣ بعد وفاة ستالين وصعود الخروشوفيين الى قيادة الحزب الشيوعي والدولة السوفييتية تحول اتجاه سير الاتحاد السوفييتي من دولة اشتراكية تتقدم نحو الشيوعية الى دولة اشتراكية في الاسم ترتد شيئا فشيئا نحو مجتمع رأسمالي امبريالي. وقد انعكس ذلك بطبيعة الحال على السوق العالمية الاشتراكية تحت ما ابتكرته السلطات السوفييتية من شعارات العودة الى اقتصاد السوق، وليس اقتصاد السوق سوى السوق الامبريالية، والمنافسة الحرة بين الاشتراكية والراسمالية، وما سمي بالتعايش السلمي الذي الغى سياسة التعايش السلمي الاشتراكية الستالينية، وشعار التحول الى الاشتراكية سلميا والغاء دكتاتورية البروليتاريا وتسمية الدولة السوفييتية دولة الشعب كله. وما سمي بالطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية وهو شعار بديل من شعار التحول الى الاشتراكية سلميا ابتدعه منظرو الاتحاد السوفييتي ورفعته الاحزاب الشيوعية في بلدان ما سمي بالعالم الثالث واتهموا لينين بأنه واضع هذا الشعار ولذلك اعتبروه شعارا لينينيا الخ. وكان من الطبيعي بعد تغيير طبيعة السوق العالمية الاشتراكية وتحوله الى الطبيعة الراسمالية ان تندمج هذه السوق مجددا بالسوق الامبريالية لتصبح سوقا راسمالية عالمية واحدة. وهذا ما سمي بالانفتاح (غلاسنوست). 
ادى اضمحلال السوق العالمية الاشتراكية الى انفتاح هائل امام الاقتصاد الامبريالي. فقد تفتحت امامه ابواب اسواق ثلث العالم التي كانت مغلقة امامه فتكالبت الدول الامبريالية السبع على اقتسام هذه السوق الهائلة.  فكان من نتيجة ذلك تخفيف مؤقت لازمات الاقتصاد الامبريالي. وبهذه الطريقة اعيد اقتسام هذا الثلث من العالم الذي استطاع في ظل الاشتراكية ان يخرج عن نطاق الاستغلال الامبريالي. ولكن انحلال السوق العالمية الاشتراكية وانفتاح هذا الجزء الواسع امام الاستغلال الامبريالي لم يكن سوى حل مؤقت. فقد احتلت كل من الدول السبع حصتها من هذه السوق وفقا لمقدرة كل منها على التنافس في الحصول عليه وما زال الامبرياليون يسعون الى تحقيق المزيد من طرق استغلال هذه السوق المنحلة. ولكن الدول الامبريالية تجد نفسها امام نفس المشكلة، مشكلة ايجاد طرق جديدة لاستغلال العالم الذي تم استغلاله. لان الراسمالية لا تستطيع استغلال عالم اخر غير كوكبنا. فلم تتحقق لها بعد وسائل استغلال عالم اخر. وحتى نشوء السوق الكونية وغزو الفضاء وحرب النجوم لم يخلق استغلالا لغير عالمنا وشعوبه. فالشعوب الارضية هي التي تتحمل نفقات هذه السوق الكونية الجديدة. 
وكلما زاد استغلال العالم من قبل هذه الدول الصناعية تقلصت امكانيات ايجاد انطقة جديدة للاستغلال واصبح المزيد من الاستغلال وزيادة الارباح اكثر تعذرا. ولكن الدول الامبريالية لم تتوقف عن سعيها للحصول على المزيد من الارباح ولا استطاعت ان تكبح جماح اقتصادها من الازمات الاقتصادية. وكلما تطورت صناعات هذه الدول ازداد التناقض بين قوى انتاجها وعلاقات الانتاح السائدة فيها وتحتمت اكثر واكثر ثورة قوى الانتاح على هذه العلاقات لتغييرها وخلق علاقات انتاج اجتماعية ملائمة لاجتماعية قوى الانتاج وتستمر الشعوب تعاني من اهوال قانون فناء الضدين الجزئي كما جاء شرحه سابقا. وسعيا وراء زيادة الارباح اصبح الصراع بين هذه الدول نفسها وبين راسمالييها على كيفية اقتسام الارباح واغتصاب جزء من ارباح راسماليي دولة على حساب الدول الاخرى الحليفة صراعا دائما مستترا تارة ومكشوفا تارة اخرى. 

اقتسام الارباح الامبريالية  

حين تحدثنا عن زيادة ارباح الراسمالية وزيادة استغلال شعوب العالم افترضنا ان الراسمال العالمي راسمال واحد نظرا لتركز الراسمال في الشركات المتعددة الجنسيات والمصارف الدولية من جهة ولان اساليب الراسمال الامبريالي في زيادة استغلال الشعوب متشابهة. اما حين نبحث اقتسام هذه الارباح فالامر مختلف تماما. فعند الاقتسام لم يعد بالامكان افتراض ان الراسمال العالمي راسمال واحد. عند الاقتسام يظهر كل راسمال كراسمال محلي قومي اقليمي منفصل عن كل راسمال اخر. فالراسمال الاميركي يبدو ويتصرف كراسمال اميركي ويصدق الشيء ذاته على الراسمال البريطاني والفرنسي والالماني والياباني والروسي والايطالي الخ. فكل راسمال من هذه الرساميل يريد ان يزيد حصته من كعكة الارباح الراسمالية الكاملة. وعند الازمات الاقتصادية يحاول كل راسمال ان يحول عبء ازمته على اقتصاد جيرانه. 
راينا ان الولايات المتحدة خرجت من الحرب العالمية الثانية كأكبر دولة امبريالية فاخضعت الدول الراسمالية المتحاربة من الطرفين، الطرف المنتصر في الحرب، بريطانيا وفرنسا، والطرف المندحر، المانيا وايطالية واليابان، لسيطرتها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. واستمر هذا الوضع وتفاقم في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية بحيث شعر الكثير من الناس ان هذا الوضع ابدي لا يمكن للولايات المتحدة ان تسمح بتغييره. فالولايات المتحدة هي المسيطرة عسكريا في حلف الاطلسي والتكتلات العسكرية الاخرى. وهي المسيطرة سياسيا في بلدان الاتحاد الاوروبي. وهي المسيطرة في الشركات المتعددة الجنسيات او الشركات العابرة للاوطان او في المصرفين الدوليين. ونرى ان راسمال الولايات المتحدة قد سيطر على معظم الصناعات الثقيلة في هذه البلدان عن طريق الاستيلاء على اسهمها في اسواق البورصة وغيرها. ولكن الراسمال الاميركي لا يرتوي ولابد من مزيد. ومنذ اوائل تطور الراسمالية نشأت البورصات على انواعها وتوسعت بحيث اخذت تحتل اهم العمليات التجارية والمضاربة. وتبدو عمليات البورصة كأنها ارباج يدفع عنها القائمون بها الضرائب وتدخل ارباح البورصة في احصاء ارباح الراسماليين. الا ان هذه الارباح وهمية وليست حقيقية. فكافة عمليات البورصة، سواء اكانت في الاسهم او البضائع او الاوراق المالية ليست في حقيقتها سوى انتقال اموال من جيب راسمالي خاسر الى جيب راسمالي رابح. وان جميع ارباح البورصة لا تزيد مجموع ارباح الراسمالية فلسا واحدا. وقد عبر كارل ماركس عن ذلك اجمل تعبير اذ قال "بما ان الملكية توجد هنا بصورة اسهم فان حركتها وانتقالها يصبح مجرد نتيجة للمقامرة في بورصة الاسهم حيث تبتلغ الكواسج الكبيرة صغار الاسماك وحيث ذئاب البورصة تبتلع الاغنام فها" (كارل ماركس، المجلد الثالث، ص ٤٤٠) 
 وقد ظهرت في العقود الاخيرة حركة فرضتها الولايات المتحدة من اجل تحقيق المزيد من السيطرة على اقتصاد العالم، حركة تسمى الاصلاح الاقتصادي تفرضها المصارف الدولية على البلدان المقترضة وتفرضها الولايات المتحدة سياسيا حتى على حليفاتها الدول الامبريالية. فظهرت حركة الخصخصة. 

الخصخصة وزيادة سيطرة الولايات المتحدة  
 الاقتصادية على العالم 

 منذ نشوء الدولة الراسمالية قامت الدولة احيانا بدور راسمالي كبير اذ ادارت بعض المشاريع الراسمالية بصفتها مالك لها. ولم يكن ثمة فرق بين الدولة بصفتها منظمة راسمالية وبين اي راسمالي اخر  فالدولة الراسمالية تسلك في ادارة مشاريعها نفس سلوك اية شركة راسمالية من حيث شراء قوة العمل واجتناء فائض القيمة. سميت المشاريع الراسمالية التي تديرها الدولة راسمالية الدولة ويحلو في ايامنا للبعض ان يسميها القطاع العام او حتى القطاع الاشتراكي. 
نشأت راسمالية الدولة في بلدان مختلفة في ظروف مختلفة. اذ نشأت احيانا في مشاريع كبيرة لا يستطيع راسمالي خاص او شركة راسمالية القيام بها مثل السكك الحديد التي تتطلب راسمالا كبيرا. او نشأت في البلدان شبه المستعمرة في مشاريع لا تسيطر عليها الدولة الاستعمارية مباشرة ولا تسمح الظروف للبرجوازية الناشئة لادارتها كمشاريع السكك الحديدية والميناء ومصافي النفط في العراق. ونشأت احيانا لانقاذ صناعات معينة مهددة بالانهيار والافلاس كما حدث مثلا عند تأميم صناعتي الحديد والفحم في انجلترا بعد الحرب العالمية الثانية. 
وقد وجد الراسمال الاميركي، في سياق بحثه عن وسائل جديدية لزيادة حصته من كعكة الارباح الراسمالية وسيلة جديدة اطلق عليها اسم الاصلاح الاقتصادي. وتفرض المصارف الدولية الاصلاح الاقتصادي على الدول كشرط من شروط تقديم القروض لها. فهذه المصارف لا تقدم القروض الا وفق شروط تجعل المصارف المقرضة مسيطرة في الواقع على اقتصاد الدولة المقترضة. ومن بين شروط الاصلاح الاقتصادي تحويل المشاريع الحكومية الى مشاريع خاصة اي خصخصة راسمالية الدولة. وتعني الخصخصة بيع مشاريع راسمالية الدولة باسعار ادنى من اسعارها الحقيقية لما يسمى بالقطاع الخاص وبهذه الطريقة يستولي الراسمال العالمي وخصوصا الراسمال الاميركي على هذه المشاريع عن طريق البورصة بأسعارها المتدنية فيربح من فروق اسعارها من جهة ومن الاستيلاء على المشاريع ذاتها من الجهة الاخرى. ولا يقتصر فرض الخصخصة على اقتصاد ما يسمى بدول العالم الثالث الغارقة في الديون بل تشمل كذلك شريكات الولايات المتحدة في السيطرة الامبريالية.  
بدأت حركة الخصخصة، على سبيل المثال، في عهد ثاتشر في بريطانيا فجرت خصخصة العديد من مشاريع الدولة الراسمالية تحت شعار القضاء على الاشتراكية في بريطانيا. واستمرتيار الخصخصة تحت حكم حزب المحافظين الى ان جاء الى الحكم حزب العمال.ولم يغير حزب العمال سياسة الخصخصة بل واصل عملية الخصخصة بحيث شملت السكك الحديدية والبريد وتجري الان خصخصة مترو الانفاق في لندن وغيرها من مشاريع راسمالية الدولة. وبذلك تفتحت امام الراسمال الامبريالي وخصوصا الراسمال الاميركي ابواب الاستيلاء على مشاريع كبرى جديدة. فتحولت ارباح الدولة من هذه المشاريع الى ارباح الشركات العملاقة. ولكن ذلك كله لم يكف لاشباع جشع الراسمال الامبريالي فظهر ما يسمى العولمة. 

اقتصاد العولمة 

ظهر في ايامنا ما يسمى بالعولمة او النظام الاقتصادي العالمي الجديد. فما هي هذه العولمة من الناحية الاقتصادية؟ هل هي سيطرة الراسمال المالي في الاقتصاد العالمي؟ ان سيطرة الراسمال المالي ليست ظاهرة جديدة بل هي احدى اهم صفات المرحلة الامبريالية. اوردها لينين ووصفها بالتفصيل في كتاب الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية. لذلك لا يمكن اعتبار العولمة سيطرة الراسمال المالي على الاقتصاد العالمي. وهل العولمة اقتسام الاقتصاد العالمي بين الدول الراسمالية الكبرى؟ ان هذا الانقسام قد تم قبل الحرب العالمية الاولى حين كانت بريطانيا الدولة الكبرى التي لا تغيب الشمس عن علمها. واندلعت الحرب العالمية الاولى من اجل اعادة اقتسام العالم وحصول الدول الامبريالية المتقدمة مثل المانيا واليابان على حصص لها على حساب بريطانيا فكانت نتيجتها اندحار المانيا واليابان وظهور الولايات المتحدة كدولة كبرى رغم بقاء بريطانيا الدولة الاولى من حيث مستعمراتها وسيطرتها الاقتصادية. وكان من نتيجة هذه الحرب خروج الاتحاد السوفييتي عن نطاق سيطرة الراسمال العالمي مما دفع الدول المتحاربة الى التحالف والهجوم على الدولة الاشتراكية الاولى للقضاء عليها وهي في المهد. وادى ظهور المانيا واليابان كدولتين عظميين مجددا بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الى نشوء الحرب العالمية الثانية التي ارادت الدول الامبريالية توجيهها للقضاء على الاتحاد السوفييتي بدفع المانيا النازية وتشجيعها وتقديم التنازلات لها الى الهجوم عليه فبدأ هتلر هجومه على الدول الامبريالية بدلا من ذلك. وكانت هذه الحرب العالمية، رغم كونها حربا ضد النازية، حربا اخرى تهدف الى اعادة اقتسام العالم بين الدول الراسمالية فأصبحت من خلاله الولايات المتحدة الدولة الامبريالية العظمى وأصبحت بريطانا وفرنسا من جهة والمانيا واليابان وايطاليا من جهة اخرى دولا خاضعة لسيطرة الولايات المتحدة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وكان من نبيجة هذه الحرب ظهور الاتحاد السوفييتي كدولة عظمى ثانية وظهور المعسكر الاشتراكي حيث انفصل ثلث العالم عن سيطرة الراسمال الامبريالي العالمي. لذلك لا يمكن تعريف العولمة بأنها اقتسام العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وهل العولمة شيء اخر غير الامبريالية؟ لم يطرأ على الراسمالية الامبريالية واساليبها في استغلال شعوب العالم اي تغيير يستحق وصفه بأن الامبريالية قد تحولت الى مرحلة اقتصادية تختلف عن المرحلة الامبريالية. فالاستغلال الامبريالي هو هو والسيطرة الامبريالية ما زالت قائمة وبمستويات اعلى وافظع مما كانت عليه في العقود السابقة. ولم يكن زوال الاستعمار القديم الذي كثر التحدث عنه وظهور دول مستقلة شكليا سوى محاولة خلق صورة اكثر تقبلا للاستعمار والسيطرة الامبريالية. فما هي العولمة اقتصاديا اذن؟ 
ان الظاهرة الجديدة في تطور الراسمالية الامبريالية هي ظهور الولايات المتحدة وتطورها كالدولة العظمى الوحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وادى تطور الثورة التكنولوجية الى حاجة الولايات المتحدة الى المزيد ثم المزيد من السيطرة على العالم كله. فالولايات المتحدة تسعى الى احتكار الاقتصاد العالمي كليا. أقول انها تسعى لان هذا الهدف مستحيل التحقيق نظرا لوجود دول امبريالية اخرى سلكت طريق الانتعاش والتطور الاقتصادي رغم الدمار الذي اصابها خلال الحرب العالمية الثانية وهي بحاجة الى الاسواق ومصادر المواد الخام شأنها شأن الولايات المتحدة. فالمانيا واليابان اليوم اصبحتا الدولتين المتقدمتين اقتصاديا بعد الولايات المتحدة. ولكن الراسمال الاميركي يحاول بشتى الطرق ان يبلغ ما يقرب من هدف السيطرة على الاقتصاد العالمي كله مستغلا نفوذه على هذه الدول الامبريالية الحليفة عن طريق حلف الاطلسي والاتحاد الاوروبي وغير ذلك. وقد استطاع الراسمال الاميركي أن يسيطر عمليا على اقتصاد الدول الحليفة بالاضافة الى الدول المستعمرة والتابعة عن طريق القروض والخصخصة كما سبق بحثه. ولكي يستطيع الراسمال الاميركي تحقيق هدفه في اتمام السيطرة على الراسمال العالمي بصورة كاملة يحتاج الى عمل واسع تقوم به دولته، دولة الولايات المتحدة لمساعدته على ذلك. فظهر شعار النظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي اعلنت الولايات المتحدة عن تحقيقه. 
احدى اهم الوسائل التي تمارسها الولايات المتحدة في هذا الخصوص هي العودة الى الاحتلال العسكري المباشر لمختلف بلدان العالم. ولكن الولايات المتحدة تريد اظهار احتلالها العسكري لمختلف البلدان بمظهر الحماية من العدوان او تحقيق السلام. نرى ان الولايات المتحدة احتلت مثلا كل بلدان الخليج بحجة حمايتها من عدوان العراق عليها فاصبح الاحتلال احتلالا دائما ولأمد غير محدود لا بصفة استعمار لها بل بصفة صديق يحمي هذه البلدان من العدوان. ويجري احتلال العديد من البلدان التي ينشأ فيها صراع محلي او قومي مثل يوغوسلافيا والبوسنة وكوسوفا باسم هيئة الامم المتحدة لحفظ السلام. وغالبا ما يحدث هذا الاحتلال بعد حرب تدميرية واسعة تعلنها الولايات المتحدة مباشرة او عن طريق مجلس الامن. ورغم ان هذا الاحتلال يجري تحت لواء الامم المتحدة فليس هو في الحقيقة سوى احتلال الولايات المتحدة تسانده جيوش دول اخرى سواء باسم حلف الاطلسي او بجيوش دول تابعة اخرى تعمل كشرطة للولايات المتحدة في البلدان المحتلة. 
فالعولمة ليست صفة جديدة طرأت على الامبريالية بل هي الامبريالية ذاتها. والجديد فيها هو ان الرأسمال الاميركي يريد ان يسيطر على العالم كله. فما العولمة اذن الا عولمة الراسمال الاميركي على حساب سائر فصائل الراسمال العالمي.
والصراع في سبيل عولمة الراسمال الاميركي، شأنه شأن سائر الصراعات الامبريالية، يجري "سلميا" تارة وحربيا تارة اخرى. فالحرب والسلم صفتان ملازمتان للسياسة الامبريالية.لذا نجد الحروب منتشرة في ارجاء العالم. ففي كافة بلدان اميركا اللاتينية وبلدان افريقيا وبعض بلدان اسيا وحتى في اوروبا توجد حروب مختلفة في طبيعتها في الظاهر ولكنها جميعا تتحد بصفة واحدة هي العولمة، اي عولمة الراسمال الاميركي. فقد تبدو بعض هذه الحروب صراعا داخليا بين الحكومة وفئات اخرى او بين عشيرتين يبلغ ضحاياها الملايين. ولكنها جميعا تتحد بصفة واحدة هي العولمة والصراع عليها اما عن طريق اسقاط نظام حكم يبدي مقاومة للعولمة او الصراع بين نفوذ امبريالي سابق لرأسمال غير الراسمال الاميركي وبين هذا الراسمال. ومن الملاحظ ان موقف اميركا هو دائما مع الظالم ضد المظلوم. ولا فرق في ذلك اذا كان المظلوم حكومة منتخبة وشرعية كما حدث في شيلي ونيكاراغوااو حكومة عسكرية كما حدث في العراق او اذا كان المقاومون للعولمة منظمات شعبية. 
اورد على سبيل المثال لا الحصر الحرب القائمة بين اسرائيل والفلسطينيين. ولا اورد هذا المثال لانه يختلف عن سائر الاحداث في العالم وانما لانه أقرب الينا من الحروب الاخرى القائمة في العالم والتي لا نشعر بها كما يشعر بها المبتلون بها او القريبون منها. فلسنا مثلا نشعر بما حدث في شيلي او نيكاراغواكما نشعر بما يحدث يوميا في فلسطين. كان دائما من الواضح ان اسرائيل منذ نشوئها كانت أداة تستخدمها الدول الامبريالية لتحقيق اهدافها في منطقة الشرق الاوسط. ولكن اسرائيل اصبحت كما يحب ان يقول بعض المحللين الدولة الحادية والخمسين للولايات المتحدة. ولكنها في الواقع ليست سوى اداة الولايات المتحدة قي تنفيذ الاوامر  ايا كانت حكوماتها المتتالية. لقد حولت الولايات المتحدة الشعب الاسرائيلي الى فيلق مرتزقة يقوم الشعب الاسرائيلي نفسه بتحمل نفقاته. فقد اعلنت الحكومة الاسرائيلية ان مكافحة الانتفاضة والحملة العسكرية الحالية كلفت الاقتصاد الاسرائيلي ١٣٢ مليار شيكل اسرائيلي اي اكثر من ٢٥ مليار دولار اميركي. 
فالحرب القائمة بين اسرائيل والفلسطينيين ليست في مصلحة الشعب الاسرائيلي. اذ ان الشعب الاسرائيلي هو الذي يتحمل نفقات هذه الحرب المستمرة المتواصلة. والشعب الاسرائيلي هو الذي يقدم ابناءه ضحية للحرب. والشباب الاسرائيلي هو الذي اصبح طعاما لهذه الحرب وهو الذي فقد انسانيته كما قال الضباط الاسرائيليون الذين امتنعوا عن الحرب في الضفة الغربية. والشعب الاسرائيلي هو الذي يتحمل نتائج هذه الحرب المدمرة الطويلة الامد. فالحرب ادت الى انخفاض في السياحة وكل ما يرافق ذلك من خسائر. ولم يربح الشعب الاسرائيلي من المناطق الفلسطينية المحتلة شيئا. صحيح ان اسرائيل تمكنت خلال خمس وثلاثين عاما من الاحتلال ان تنشئ بعض المستوطنات في الضفة الغربية وغزة. ولكن هذه المستوطنات ليست حاجة ضرورية لاسرائيل او الشعب الاسرائيلي. ان الغرض منها هو سياسي بحت. ففي اسرائيل من الاراضي غير المستغلة ما يكفي لاستيطان عدة ملايين بدون هذه المستوطنات. 
وليست الحرب في مصلحة الشعب الفلسطيني, فالشعب الفلسطيني يرزح تحت اعباء الاحتلال لاراضيه وما يرافق ذلك من تضحيات بالارواح وسائر الثروات. والشعب الفلسطيني يناضل مثل كل شعب اخر يرزح تحت الاحتلال. فالنضال ضد احتلال اجنبي ظاهرة عامة مارستها كافة الشعوب المستعمرة ولا يمكن القضاء عليها طالما بقي الاحتلال قائما. 
فلمصلحة من تقوم هذه الحرب اذن؟ انها لمصلحة الراسمالية الاميركية وحدها. فالحرب في اسرائيل ليست حربا بين اسرائيل والفلسطينيين كما يصفها حتى اقرب الناس اليها بل هي حرب اميركية تهدف الى تحقيق مصالحها في الشرق الاوسط. والحرب الاسرائيلة الفلسطينية هي الحجة التي تتخذها الولايات المتحدة ذريعة لاجبار دول الخليج والشرق الاوسط على انفاق عشرات المليارات في شراء الاسلحة منها بما في ذلك العراق قبل احتلاله للكويت. اذ ان الولايات المتحدة التي جاءت بحكم البعث وبصدام الى الحكم جهزته بأسلحة الدمار الشامل في حربه ضد ايران التي كانت هي الاخرى حربا اميركية شنها العراق ضد ايران. وهي حجتها ايضا في احتلال دول الخليج احتلالا عسكريا.  ولذلك نرى ان الولايات المتحدة بكل ادارتها تساند اسرائيل في الجرائم ضد الانسانية التي تقوم بها. وتساندها في السلاح، فالشعب الفلسطيني يباد بسلاح اميركي. وتساندها في الاعلام وتساندها في المحافل الدولية. والان بعد اعلان الولايات المتحدة الحرب العالمية الثالثة يوم ١١ ايلول ٢٠٠١ اصبحت الحرب الاسرائيلية الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من هذه الحرب العالمية مما ادى الى تفاقمها وزيادة وحشيتها. 
والغريب في الامر ان كافة المتحدثين باسم الشعب الفلسطيني ما زالوا حتى اليوم يعتبرون الولايات المتحدة راعيا اول للسلام في الشرق الاوسط اي حراميها حاميها. فالسلطة الفلسطينية التي لا سلطة لها الا بما تجود به الولايات المتحدة عليها عن طريق اسرائيل وملوك ورؤساء الدول العربية كلهم يطالبون الولايات المتحدة، وهي الطرف الفاعل الاول وذات المصلحة الاولى في الحرب، ان تقف موقفا ايجابيا لمصلحة الشعب الفلسطيني. وها نحن الان نسمع ان الرئيس بوش، بعد استشارة ملوك ورؤساء العرب غير الارهابيين واستشارة رجل السلام الكبير ارييل شارون، يزمع القاء خطاب يعلن فيه برنامجا جديدا لحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني, وها هو يؤجل القاء هذا الخطاب الذي ينتظره هؤلاء الزعماء بفارغ صبر ولكن بوش يؤجل القاءه اسبوعا بعد اسبوع. يبدو لي ان بوش ينتظر انهاء شارون لمهمته التي كلف بها من اعادة احتلال ما يسمى بمناطق السلطة الفلسطينية احتلالا كاملا لكي يلقي خطابه المنتظر. 
وكل المتحدثين باسم الشعب الفلسطيني يطالبون المجتمع الدولي بتحقيق الشرعية الدولية. هل هناك حقا مجتمع دولي؟ واذا كان مثل هذا المجتمع موجودا فما هو؟ هل هو الامم المتحدة ومجلس الأمن؟ وهل هو الاتحاد الاوروبي وسلاحه حلف الاطلسي؟ واضح لدى كل المحللين ان الامم المتحدة ومجلس الامن لا وجود لهما في الواقع الا حين يعملان طبقا للاوامر الامريكية. فقد قامت كل الحروب التي شاهدناها منذ نشوء الامم المتحدة تحت شعار هذه الامم المتحدة كالحرب الكورية والحرب الفيتنامية والحرب ضد العراق والحرب في يوغوسلافيا وغيرها. واذا كانت الامم المتحدة هي ما يسمى المجتمع الدولي فان العالم كله شاهد على انها لم يكن لها وجود بتاتا في القضايا التي تعارضها الولايات المتحدة. فقد اتخذت عشرات بل مئات او الاف القرارات في الامم المتحدة في مختلف القضايا العالمية ولم يطبق اي قرار منها تعارضه الولايات المتحدة. وليس بالامكان اتخاذ قرار في مجلس الامن لا توافق عليه الولايات المتحدة نظرا لحقها في استعمال حق الفيتو. وحتي حين يتوصل مجلس الامن الى قرار في صالح بعض الشعوب فلن يجري تحقيقه لمعارضة الولايات المتحدة له. وليس بعيدا عنا قرار مجلس الامن الذي وافقت عليه حتى الولايات المتحدة بارسال وفد لتقصي الحقائق في جرائم مخيم جنين فلم يستطع مجلس الامن تنفيذ قراره نظرا لمعارضة اسرائيل باسناد الولايات المتحدة.  وقرارات الامم المتحدة ومجلس الامن التي تطالب اسرائيل بالانسحاب من الاراضي العربية عديدة لم تقم الامم المتحدة باجبار اسرائيل على تنفيذ اي منها. ولكن قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن التي تتخذها وفقا للاوامر الاميركية تنفذ فورا وبالقوة كما حدث مثلا في العراق وفي يوغوسلافيا. وعلى ذكر يوغوسلافيا سمعنا امس عن قرار مجلس الامن باعفاء جيوش حفظ السلام واعطائهم الحصانة امام المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب ومقترفي الجرائم ضد الانسانية. فقد طالبت الولايات المتحدة منح الحصانة لجنودها وضباطها ولكن مجلس الامن لم يستطع ان يبتلع هذه الاهانة فتوصل الى حل وسط يعني الشيء ذاته رغم تغيير صياغته. فما معنى مطالبة الولايات المتحدة بالحصانة ضد محاكمة مجرمي الحرب؟ انها اعتراف بأن مهمة جنود الولايات المتحدة التي تقوم بحفظ السلام لا تحفظ السلام الا باقتراف جرائم ضد البشرية وعليه فانها تريد ان تصون هؤلاء المجرمين من العقاب لانهم امريكيون.  يظهر من هذا ان وجود المجتمع الدولي مقصور على خدمة الولايات المتحدة حين ينفذ هذا المجتمع اوامرها. ولذلك نستطيع القول انه لا يوجد في الواقع مجتمع دولي لصالح الشعوب. 
وهل يقصد بالمجتمع الدولي الاتحاد الاوروبي وسلاحه حلف الاطلسي؟  نرى ان حلف الاطلسي بجيوشه يؤلف شرطة الولايات المتحدة وجيشها في الحروب التي تمارسها. فبعد تدمير افغانستان من الجو والبحر بدون ان تكون للشعب الافغاني اية فرصة للدفاع عن نفسه جرى احتلال افغانستان بريا بقوى اخرى تقوم بمهمة شرطي الولايات المتحدة في افغانستان. ويصدق الشيء ذاته في كوسوفو وفي اماكن اخرى حيثما يرسلون قوات حفظ سلام دولية. وليس بعيدا عنا قرار الاتحاد الاوروبي بادراج المنظمات الفلسطينية المقاومة للاحتلال في قائمة المنظمات الارهابية. فليس الاتحاد الاوروبي وحلف الاطلسي مجتمعا دوليا. لذلك يمكن القول بعدم وجود مجتمع دولي مختلف عن الولايات المتحدة.
وهل هناك شرعية دولية؟ راينا ان جميع القرارات الدولية مرهونة بموافقة الولايات المتحدة على تطبيقها. فاذا كانت هذه القرارات مفيدة لعولمة الراسمال الاميركي نفذت واذا كانت مخالفة لمصالح الراسمال الاميركي بقيت حبرا على ورق. وعليه يمكن القول بعدم وجود شرعية دولية مختلفة عن شرعية الولايات المتحدة. 
ما الذي يمكن ان يتضمنه خطاب بوش الذي طال انتظاره؟ ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هو اليوم جزء لا يتجزأ من الحرب العالمية الثالثة التي تشنها الولايات المتحدة ضد ما تسميه بالارهاب. والارهاب في هذا الصراع هو ارهاب الشعب الفلسطيني المناضل ضد الاحتلال الموجه ضد اسرائيل التي تمارس ابشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني. وها هي الولايات المتحدة، بمساعدة اصدقائها العرب، اجبرت حتى القيادات الفلسطينية على تسمية المنظمات الفلسطينية المناضلة من اجل تحرير بلادها بالمنظمات الارهابية وحتي الى اعتقال الناشطين منهم. فهل يمكن بعد هذا ان نتأمل في خطاب بوش المنتظر قرارا اميركيا لمصلحة الشعب الفلسطيني؟ بالطبع لا. كل ما استطيع الحدس به هو ان يتوصل بوش الى حل يحقق استبدال الاحتلال الاسرائيلي باحتلال اميركي او احتلال من قبل المجتمع الدولي عن طريق قوات دولية تخدم الولايات المتحدة. وهذا يتطلب الوصول بالاحتلال الاسرائيلي الى اسوأ ما يمكن باحتلال المناطق التي تخلى عنها خلال فترة مفاوضات اوسلو مدريد احتلالا تاما وهو ما نراه يحدث في الايام الاخيرة. فحين تبلغ الامور اسوأها قد يعلن بوش حلا يحقق ابدال الاحتلال الاسرائيلي باحتلال اميركي بحجة حماية الشعب الفلسطيني من جهود اسرائيل في الدفاع عن نفسها. وبذلك تستطيع الولايات المتحدة ان تنشئ دولة فلسطينية خاضعة كليا للولايات المتحدة تقوم هي بخنق حريات الشعب الفلسطيني تحت حمايتها. هذا هو اقصى ما يمكن الحدس به في خطاب بوش. وهو حل يؤدي حسب البرنامج السعودي الى تطبيع الدول العربية من الخليج الى المحيط  لعلاقاتها مع اسرائيل. وكل حلول اخرى يتضمنها خطاب بوش المرتقب تكون ادنى من هذا الحل. 
بعد كتابة هذه الفقرة حول خطاب بوش تفضل فألقى خطابه المرتقب. فما الجديد الذي جاء به بوش في هذا الخطاب؟ بدأ خطابه بشجب قتل المدنيين الابرياء. وهذا بالطبع لا يتضمن المدنيين الفلسطينيين. فالفلسطينيون كلهم ارهابيون ولا يعتبر اغتيال وقتل الاطفال والنساء والشيوخ قتلا للمدنيين. فالطفل الفلسطيني ارهابي لانه يلقي حجارة على الدبابات الاسرائيلية التي تصليه بنيران مدافعها والامرأة الحامل تحمل في رحمها ارهابيا في دور التكوين لذلك لا يعتبر قتلها قتلا للمدنيين. وكرر بوش في خطابه تأكيداته المتكررة على حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها بحماية الاحتلال بالحديد والنار وسجن شعب كامل في بيوتهم بمنعهم عن التجول اسابيع متتالية. واهم ما في خطاب بوش بالنسبة للشعب الفلسطيني هو تغيير السلطة الفلسطينية الى سلطة جديدة مختلفة كشرط لبدء التعامل معها. وأهم صفة للسلطة الجديدة المختلفة عن السلطة الحالية هي ان تقوم بمكافحة الارهاب اي القضاء على منظمات حماس وشهداء الاقصى وغيرهما التي اعلن بوش انها منظمات ارهابية. وفيما يتعلق بالدول العربية فقد هدد سورية ولبنان اذ طالبهما بمحاربة الارهاب والقضاء على المنظمات الارهابية الموجودة في داخلهما على اساس ان العالم هو اما "معنا او ضدنا"، وطالب الدول العربية كلها بتطبيع علاقاتها مع اسرائيل متجاهلا الشرط العربي بأن يتم ذلك بعد انسحاب اسرائيل الى خطوط ١٩٦٧.  وطالب الدول العربية الصديقة غير الارهابية بأن توقف مساعداتها المالية للمنظمات الفلسطينية الارهابية اي للشعب الفلسطيني. وكرر تأييده، بعد تحقيق كل هذه الشروط الاعجازية، لقيام دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة تساعد الولايات المتحدة على انشائها وحدد الموعد لذلك بعد ثلاث سنوات. وتمنى بأن تقوم اسرائيل بتنفيذ اقواله بعد ان اكد حقها في الدفاع عن نفسها. 
والغريب ان السلطة الفلسطينية اعلنت تأييدها لخطاب بوش واعتبرته ايجابيا. وكذلك كانت تعليقات الاعلام العربي. فالى اين وصلنا؟



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثالث
- كتاب - خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - ...
- كتاب- خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - ...


المزيد.....




- اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب ...
- الولايات المتحدة: اعتقال مئة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطين ...
- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية
- بيلوسي للطلبة المتظاهرين: انتقدوا إسرائيل كما شئتم لكن لا تن ...
- فرنسا: القضاء يوجه اتهامات لسبعة أكراد للاشتباه بتمويلهم حزب ...
- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثاني