أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - من يزرع الريح يحصد العاصفة - حول انهيار المانيا الشرقية واتحادها بألمانيا الغربية















المزيد.....



من يزرع الريح يحصد العاصفة - حول انهيار المانيا الشرقية واتحادها بألمانيا الغربية


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 651 - 2003 / 11 / 13 - 02:56
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كتب هذا المقال كرد فعل لانهيار المانيا الشرقية واتحادها بألمانيا الغربية
[1]
كثيرا ما قيل لنا ويقال لنا اليوم ان الماركسية بالشكل الذي وضعه ماركس وانجلز وحتى لينين لم تعد ملائمة للاوضاع الراهنة، اي عهد الثورة التكنولوجية والقنابل الهيدروجينية وغزو الفضاء. وما زالوا يصفون كل انسان يستشهد بماركسية ماركس وانجلز ولينين وستالين بالجمود العقائدي واللجوء الى الكتب وعدم دراسة الاوضاع الجديدة التي حتمت تطوير الماركسية "تطويرا خلاقا" وبحجة ذلك يجردون الماركسية من كل محتواها الثوري. وكانوا كثيرا ما يستشهدون بالتطور الجاري في الاتحاد السوفييتي وبلدان ما يدعى بالمنظومة الاشتراكية كبرهان على ما تستطيع انجازه ماركسيتهم المتطورة الخلاقة حتى ان بعضهم يحاول تفسير الانهيارات التي منيت بها سياسات الاحزاب الشيوعية الحاكمة في الاونة الاخيرة بانها تغييرات ايجابية وتطوير للديمقراطية وانشاء اشتراكية ذات وجه انساني وغير ذلك من الادعاءات والخداع السياسي المقنع بقناع ماركسي واشتراكي وشيوعي مما لا يفيد موضوعنا هذا تعداده.
وتحير الكثيرون من هؤلاء وممن امنوا بهم وصدقوا اقوالهم في فهم الاحداث التي توالت على اوروبا الشرقية في الاشهر القليلة الماضية فلم يستطيعوا تفسيرها وفقا للتثقيف الذي تلقوه من احزابهم وقياداتهم طوال العقود الماضية. ولكن الحقيقة المرة التي لا يريدون ان يعترفوا بها او حتى ان يتحسسوها هي ان النظرية الماركسية اللينينية، اي قوانين التطور الاجتماعي، تفعل مفعولها رغم رغبة الناس واراداتهم، وتفعل ذلك سواء اثناء الانتصارات او اثناء الانهيارات والانتكاسات. فما هي القوانين التي قادت هذه المجتمعات التي كان من المفروض انها تبني الاشتراكية بطريقة جديدة وليس بالطريقة التقليدية الجامدة القديمة، الى الانهيارات والهزائم الشائنة التي تعاني منها الاحزاب الشيوعية والعمالية في هذه البلدان؟
من اهم قوانين الديالكتيك ان التغيرات الكمية تتحول الى تغيرات كيفية. هل اصبح هذا القانون عتيقا باليا قد أكل الدهر عليه وشرب؟ كلا طبعا. فهذا القانون كما علمنا ماركس وانجلز ولينين هو قانون طبيعي لا يقل حتمية عن قانون الجاذبية والقوانين الطبيعية الاخرى. ووفقا لهذا القانون لا يمكن ان تكون احداث اوروبا الشرقية الاخيرة سوى تغيرات كيفية ناجمة عن تغيرات كمية سابقة. فما هي هذه التغيرات الكمية التي ادت بالضرورة الى هذه الانتكاسات والانهيارات السريعة؟
للاجابة على ذلك علينا ان نعود قليلا الى الوراء وان نتتبع الاحداث حسب تسلسلها التأريخي.
منذ اليوم الاول لوفاة ستالين (او ربما لقتله) استولت على قيادة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي وعلى سلطة الدولة السوفييتية زمرة من الانتهازيين التحريفيين من بقايا المجرمين الذين قضت عليهم دكتاتورية البروليتاريا في الثلاثينات ودمرت تنظيماتهم مما ادى الى اختفاء الرتل الخامس في الاتحاد السوفييتي والى القضاء على الجحافل النازية التي غزت الاتحاد السوفييتي بدلا من تسليمه لقمة سائغة لهتلر كما حدث في تشيكوسلوفاكيا والنمسا وفرنسا وغيرها. وقد اخذت هذه الزمرة على عاتقها المهمة التي اراد اسلافهم تحقيقها وهي اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي والقضاء على الاشتراكية التي بنتها الشعوب السوفييتية وصانتها باغلى التضحيات.
وقد تحدث انور خوجا في كتابه "الخروشوفيون" عن انطباعاته حول كيفية اجراء مراسيم تشييع جثمان ستالين حيث عقدت قيادة الحزب والدولة اجتماعا فوريا في السادس من اذار لا لبحث الخسارة الفادحة التي اصابت شعوب الاتحاد السوفييتي وبروليتاريا العالم بفقدان قائدها بل لمجرد توزيع المناصب مما نشرته الصحف السوفييتية في اليوم التالي. وقد ظهر كأن برنامج التغييرات كان موضوعا سلفا اذ "في خلال ساعات معدودة حتى في يوم عمل اعتيادي جدا لن يتسنى اتخاذ هذه القرارات البالغة الاهمية".
أخذ الخروشوفيون على عاتقهم مهمة صعبة جدا، مهمة اعادة الراسمالية، اذ ان تحقيقها كان يتطلب ارجاع عجلة التأريخ. لقد كان مجيء البرجوازية الى الميدان على انقاض النظام الاقطاعي عملية تقدمية لانها كانت عملية ضرورية تأريخيا. فقد اشتد التناقض بين تطور قوى الانتاج وعلاقات الانتاج الاقطاعية فجاءت الثورات البرجوازية لازالة هذا التناقض والى السماح باستمرار تطور قوى الانتاج تطورا سريعا. اما اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي الاشتراكي فهي عملية رجعية تريد القضاء على مجتمع عالي التطور والاستعاضة عنه بمجتمع اقل منه تطورا.
لغرض البدء بتحقيق مهمتهم كان عليهم ان يقلبوا اتجاه التطور. ومن الطبثعي ان هذا لم يكن بالامكان تحقيقه تحقيقا سريعا ومباشرا كما تحققه الثورات البرجوازية ضد الاقطاع او الثورات الاشتراكية ضد النظام البرجوازي بل كان يتطلب تغييرات تدريجية طفيفة في البداية بحيث يمكن اخفاء حقيقتها عن اعين الناس البسطاء كما يمكن اجراؤها تحت ستار من الاشتراكية والتشدق باللينينية. وقد نفذوا مهمتهم هذه افضل تنفيذ.
منذ وفاة لينين كانت في الحزب الشيوعي اتجاهات حول سياسة التعاون الزراعي. فقد عارض تروتسكي وبخارين وزينوفييف وكامينيف وعدد من أتباعهم سياسة انشاء وتطوير المزارع التعاونية. ومن المعروف ان سياسة النيب (السياسة الاقتصادية الجديدة) كانت قد افسحت المجال امام البرجوازية الريفية للتطور وزيادة الانتاج الى جانب انشاء المزارع التعاونية. وكلما ازدادت الحركة التعاونية تطورا ازداد التناقض بين هذا النوع من الانتاج الزراعي وبين الانتاج البرجوازي في الريف وقد ادى احتدام التناقض الى مقاومة البرجوازية الريفية والى محاولة تحطيم النظام الاشتراكي عن طريق الامتناع عن تسليم الحاصل الزراعي او بيعه للحكومة الاشتراكية بل حتى الى اتلاف الحاصلات لحرمان المجتمع الموفييتي منها. وقد حتم هذا التناقض توجيه ضربة حاسمة للبرجوازية الريفية فاعلن الحزب سنة ١٩٢٨ رغم معارضة الاشخاص المذكورين شن المرحلة الثانية من الثورة الاشتراكية، الثورة ضد البرجوازية الريفية ودعا الفلاحين التعاونيين الى الاستيلاء على اراضي البرجوازيين الزراعيين وضمها الى المزارع التعاونية. وبدون هذه الخطوة الجبارة لم يكن بالامكان بناء المجتمع الاشتراكي. وقد نفذ المزارعون التعاونيون نداء الحزب فاستولوا على اراضي البرجوازيين الريفيين وضموها الى مزارعهم طاردين البرجوازيين مع عوائلهم وأموالهم المنقولة الى المدينة. ولكن قسما من البرجوازيين قاوموا الفلاحين بالسلاح فرد عليهم الفلاحون بمثله. وهذه احدى الجرائم التي لا يغتفرها الراسماليون العالميون والخروشوفيون والتي تلصق حتى اليوم باسم ستالين. هذا لان هذه الثورة كانت ضرورية لبناء الاشتراكية الكاملة في الاتحاد السوفييتي ولولاها لما امكن بناء الاشتراكية. ولكن بقاء البرجوازية في الريف السوفييتي كان يبعث الامل دائما بامكان نجاح ثورة الردة واعادة الراسمالية,
وقد اعترف بخارين واتباعه في المحاكمات التي جرت لهم في الثلاثينات ان نجاح الحركة التعاونية وجه ضربة قاصمة لخططهم وقالوا ان النجاح التام للحركة التعاونية في ١٩٣٣ اضطرهم الى تغيير خططهم في اعادة الراسمالية الى الريف السوفييتي. فقد اصبح شعار الغاء المزارع التعاونية شعارا غير عملي ولذلك اتخذوا شعارا اخر هو اعادة تنظيم المزارع التعاونية لخلق البرجوازية في داخلها وتحطيمها من الداخل.
حين استولى الخروشوفيون على الحكم بعد وفاة ستالين حققوا في هذا المضمار نفس البرنامج الذي كان اسلافهم قد وضعوه,
من المعروف انه منذ ١٩٢٩ وحتى وفاة ستالين دار نقاش متواصل في الحزب وخارجه حول مسألة ما اذا كان يجب بيع المكائن الزراعية الموجودة في محطات المكائن الزراعية الى المزارع التعاونية ام لا. كان ستالين واغلبية الحزب ضد فكرة بيعها. ولكني رغبة في الاختصار اورد شيئا من الاراء التي  نشأت في اللجنة التي كلفتها اللجنة المركزية بتأليف كتاب دراسي للاقتصاد السياسي. فقد كتب رفيقان من هذه اللجنة رسالة الى ستالين مباشرة يؤيدان فيها بيع هذه المكائن الى المزارع التعاونية مما يوفر للدولة اموالا تستطيع استثمارها في ميادين ضرورية اخرى مثل زيادة انتاج المواد الاستهلاكية.
كان ستالين يقيس صحة او خطأ اية خطوة بمقياس تقديمها المجتمع الاشتراكي خطوة نحو الشيوعية او ابعادها خطوة عن ذلك. وقد ناقش ستالين هذين الرفيقين في ايلول ١٩٥٢ من وجهة النظر ذاتها. ان وسائل الانتاج التي تستخدم في المزارع التعاونية تتألف اولا من الارض والارض ليست ملكية للمزارع التعاونية وهي لذلك ليست داخلة في نطاق مفعول التبادل السلعي. وتتألف ثانيا من المكائن الزراعية. وهذه ايضا ليست ملكية المزارع التعاونية ولذلك ليست داخلة في نطاق مفعول التبادل السلعي. فما الذي يشكل اذن ملكية للمزارع التعاونية؟ انه الانتاج الزراعي نفسه وهو ينقسم الى قسمين الاول يستهلك ثانية في المزارع التعاونية كبذور وبالاستهلاك المحلي والاخر يجري تبادله مع المدينة ولذلك يدخل في نطاق التبادل السلعي المتبقي في النظام الاشتراكي. وبما ان المحتمع الشيوعي لا يمكن التفكير به مع بقاء التبادل السلعي فيجب ان تدرس القضية من حيث توسيع نطاق التبادل السلعي ام تخفيضه. ان بيع المكائن الزراعية للمزارع التعاونية يشكل توسيعا هائلا للتبادل السلعي ولذلك يشكل ردة كبرى عن السير نحو الشيوعية اي يشكل خطوة الى الوراء. والى الوراء لا يوجد سوى العودة الى الراسمالية.
ثم يناقش ستالين نفس القضية من الناحية الاقتصادية ومن ناحية رفع مستوى المزارع التعاونية الاقتصادي ومستوى الانتاج الزراعي. ان الادوات الزراعية تتقدم تقدما سريعا وان تطوير الانتاح الزراعي يتطلب استخدام احدث الادوات على الدوام. فهل باستطاعة المزارع التعاونية ان تستغني عن الادوات الزراعية القديمة باستمرار وأن تستعيض عنها بادوات جديدة؟مهما تحسنت ظروف المزارع التعاونية المالية فانها لا تستطيع ذلك بتاتا. انها تحاول ان تستهلك الادوات الزراعية الى اقصى الحدود قبل ان تشتري مكائن جديدة. وهذا يعني ان المزارع التعاونية تضطر الى استخدام ادوات قديمة سواء بالمقارنة بالادوات الحديثة التي انتجت بعد شرائها ام من ياحية استهلاك الادوات لطول الاستعمال وانخفاض كفاءتها الانتاجية بالمقارنة مع نفس الادوات حين تكون جديدة. ان الدولة وحدها تستطيع تحمل نفقات تجديد الادوات الزراعية باستمرار والاستعاضة بها عن الادوات القديمة وبذلك تفسح امام المزارع التعاونية مجال التقدم المستمر على اساس استخدام احدث الادوات.
فما هي الطريقة التي يمكن بها رفع المزارع التعاونية من مستوى الملكية الاشتراكية التعاونية الى مستوى الملكية الاشتراكية الاجتماعية ؟ الطريقة الوحيدة هي تضييق التبادل السلعي وتحول قسم من تبادل الانتاج الزراعي الى تبادل عيني وفق مقاولات التبادل مع الدولة مع قيام الدولة بزيادة كميات البضائع المسلمة لقاء نفس كميات المنتجات الزراعية زيادة مطردة.
جرى هذا النقاش في ايلول ١٩٥٢ ونشر في كراس حول القضايا الاقتصادية للاشتراكية وهو اخر كراس معروف من كتابات ستالين قبل وفاته. فماذا فعل الخروشوفيون بعد وفاته؟ ان اولى الخطوات التي اتخذها الحزب بعد استيلاء الخروشوفيين على السلطة كانت بيع الادوات الزراعية الى المزارع التعاونية مع حملات من التطبيل والتزمير حول ما ستقدمه هذه الخطوة من الخير على المزارع التعاونية. ولكن الواقع كان ما توقعه ستالين من زيادة نطاق التبادل السلعي وتدهور الانتاج وبداية التفكك في المزارع التعاونية مما يشكل خطوة تقهقر عن السير نحو الشيوعية. والتقهقر عن السير نحو الشيوعية ليس سوى سير نحو البرجوازية.
رافق عملية بيع الادوات الزراعية الى المزارع التعاونية او تبعها تعيين خبراء غريبين عن المزارع التعاونية وعن مشاكلها مدراء في المزارع مفروضين عليها ويتقاضون رواتب ضخمة تعادل عشرات اضعاف الدخل الاعتيادي لعضو المزرعة التعاونية. وسرعان ما بدأ التمايز الطبقي في الظهور داخل المزارع التعاونية تحت اشراف هؤلاء المدراء وتشجيعهم وانتشرت السوق السوداء في المنتجات الزراعية وما رافق ذلك من نهب قسم كبير من منتجات المزارع لاغراض هذه السوق ونشأ تحويل اجود ما في مراكز بيع المنتجات الزراعية للجمهور الى مراكز السوق السوداء لبيعها باضعاف اثمانها مما ادى الى اغناء فئات من المزارعين وتحولهم الى برجوازية ريفية جديدة ولم يعد اليوم، في عهد البيريسترويكا، خافيا على احد نطاق تحطيم المزارع التعاونية واحلال الزراعة البرجوازية الخاصة محلها. فقد دأبت سياسة البيريسترويكا على تحويل كل شيء في البلاد الى تبادل سلعي، بحيث ان هذا التحويل شمل حتى الارض اذ ان حكومة غورباشوف اخذت تمنح الارض للبرجوازيين الجدد على اساس الاجارة الطويلة الامد. وبهذا يكون الخروشوفيون ابتداء بخروشوف وانتهاء بغورباشوف قد حققوا ما اراد اسلافهم الانتهازيون تحقيقه في الثلاثينات تحت قيادة تروتسكي، اي تحطيم المزارع التعاونية من الداخل. ولكن الامر لم ينته طبعا بتحويل الزراعة التعاونية الى زراعة راسمالية خاصة بل يجب بالضرورة تحويل الاساس الاقتصادي للمجتمع بكامله اذ بدون ذلك لا يتم الهدف الذي اخذوه على عاتقهم. هدف اعادة النظام الراسمالي والقضاء على النظام الاشتراكي الذي ضحت شعوب الاتحاد السوفييتي بالملايين من خيرة بناتها وابنائها في سبيل بنائه وفي سبيل صيانته من عبودية النازية الهتلرية.
ناقش ستالين في نفس الكراس المذكور كثيرا من القضايا التي كانت موضوع نقاش لدى اللجنة المكلفة بوضع كتاب الاقتصاد السياسي ومنها على سبيل المثال دور التبادل السلعي في الدولة الاشتراكية وهل التبادل السلعي يتحول حتما الى انتاج راسمالي ودور قانون القيمة وما يرافقه من دور النقود في تنظيم الانتاج في الاشتراكية. وقد دحض ستالين الافكار الخاطئة التي ظهرت لدى بعض اعضاء اللجنة ممن ادعوا ان الانتاج السلعي يجب في جميع الاحوال ان يخلق الراسمالية فبين ان الانتاج السلعي والانتاج الراسمالي شيئان مختلفان. فالانتاج الراسمالي هو اعلى اشكال الانتاج السلعي ولا يؤدي الانتاج السلعي الى الراسمالية الا اذا وجد نتيجة لذلك نظام استغلال العمال من قبل الراسماليين في البلاد. فالراسمالية تبدأ حين تتركز وسائل الانتاج في ايد خاصة وحين يحرم العمال من وسائل الانتاح فيضطرون الى بيع قوة عملهم كسلعة.
وفي رده على اولئك الذين ادعوا ان قانون القيمة لابد ان ينظم الانتاج في الاتحاد السوفييتي بين ان مفعول قانون القيمة ضيق في الاتحاد السوفييتي الاشتراكي ومن البراهين التي اوردها في هذا المجال مفهوم الربح. فبين ان تنظيم الانتاج في البلد الاشتراكي لا يبنى على اساس الربح المباشر ولذلك توجد مشاريع غير مربحة بتاتا ولكنها ضرورية في سبيل التقدم المستمر السريع للانتاج وهذا لا يدعو الى ترك هذه المشاريع والانتقال الى مشاريع اكثر ربحية بالمدى المباشر وبين ان ربحية الانتاج في المجتمع الاشتراكي تقاس بتطبيق قانون الانتاج الاشتراكي، قانون التوازن او التطور النسبي، الذي يظهر مفعوله في المدى البعيد اي في التطور المتواصل السريع للانتاج تطورا خاليا من ازمات زيادة الانتاح وما يرافقها من بطالة وتدمير لقوى الانتاج في المجتمع.
كان على الخروشوفيين ان يتجاهلوا كل هذه الارشادات وأن يعكسوا اتجاه تطور الانتاج لكي يتوصلوا الى هدفهم فشعروا بان المنافسة بين مختلف فروع الانتاج تشكل عاملا محفزا لزيادة الانتاج. ورأوا ان البرمجة المركزة في ايدي الدولة معيقة لتطور الانتاج وأن الربحية يجب ان تكون الحافز الموجه للانتاج. وهذا معاكس تام لقانون التوازن الذي كان القانون الموجه للحكومة السوفييتية خلال برامج السنوات الخمس العديدة التي حققت ما يمكن اعتباره معجزات بالمفاهيم الراسمالية. وعلى اساس الحافز الشخصي والمنافسة أخذ الخروشوفيون يبيعون المعامل الى "عمالها". وفي هذا المجال كان التيتويون قد سبقوا الخروشوفيين السوفييت بانشائهم ما يدعى بالادارة الذاتية. وكانت نتائج هذا النوع من تنظيم الانتاج قد ظهرت على الانتاج اليوغوسلافي. ولكن الخروشوفيين لم يتعظوا بذلك لا جهلا منهم بل اصرارا على السير في الطريق الذي سبقهم اليه تيتو.
أخذت المعامل تباع الى "عمالها" لكي يقوموا هم بالانتاج فيها ابتغاء لزيادة ارباحهم ولمنافسة المعامل الاخرى في هذا المضمار. ولنفترض جدلا ان المعامل كانت تباع الى العمال حقا. فهل هذا يعني ان ملكية المعمل بقيت ملكية للمجتمع؟ بالطبع لا. اذ ان المعمل في هذه الحالة اصبح ملكا لفئة من العمال وليس للمجتمع قاطبة. ومهمة المعمل هي ان ينظم انتاجه والسلع التي ينتجها وفقا لما يدر عليه المزيد من الارباح منافسا المعامل الاخرى التي تعود بدورها الى فئة اخرى من العمال. فما الذي حدث من حيث مقياس تقدم المجتمع الاشتراكي نحو الشيوعية؟ هل حقق بيع المعامل الى عمالها خطوة في اتجاه الشيوعية ام ابتعادا عنها؟ لا شك انه كان ابتعادا عن الشيوعية وتقهقرا نحو الراسمالية. فان بيع المعامل سواء أكان الى العمال ام الى غيرهم كما هو في الواقع يشكل خطوة الى الوراء. فعملية البيع ذاتها وسعت نطاق تبادل السلع في البلاد وزوال تبادل السلع كما رأينا احد الشروط التي لا يمكن تحقيق المجتمع الشيوعي بدونه. ويرافق زيادة تبادل السلع زيادة كميات النقود المطلوبة للتبادل. والنقود هي الاخرى يجب ان تزول كشرط للمجتمع الشيوعي. اضف الى ذلك يترتب على المعمل شراء المواد الخام والوقود والمكائن وكل المستلزمات الاخرى كسلع يدفع ثمنها ويقترض النقود من البنوك لشرائها وهكذا نجد ان كافة مساوئ الانتاج الراسمالي من فوضى الانتاج الى المنافسة على الشراء بابخس الاسعار والمنافسة على البيع باغلى الاسعار وزيادة دور النقود في المجتمع ودور قانون القيمة في تنظيم الانتاج ثم ابتلاع المعامل القوية الناجحة للمعامل الخاسرة المفلسة الخ.. قد عادت الى الاتحاد السوفييتي بعد اختفائها.
افترضنا جدلا ان المعامل يجري بيعها للعمال فعلا. ولكن هل هذا صحيح؟ ان الوقائع في المعامل السوفييتية نفسها اثبتت ان هذا كذب وبهتان. فقد بلغت رواتب المدراء والمهندسين والاداريين والاخصائيين مئات اضعاف اجور العمال وبلغت المكافآت ارقاما خيالية في هذه المعامل بينما أخذت البطالة تنتشر بين العمال رغم الادعاء بعدم وجود البطالة في البلاد بل يوجد عمال في الطريق الى العمل. ومن الدلائل على وجود البطالة انتشار البغاء والسرقات وخدم البيوت والسواق الخصوصيون وغير ذلك من الفئات التي وضعها كارل ماركس تحت عنوان جيش البطالة الاحتياطي. ومن الدلائل الاخرى على ذلك انتشار البطالة لدى النساء بحجة البقاء في البيت والعناية بالاطفال.
وسعيا  وراء المزيد من استغلال المجتمع دأبت الحكومة السوفييتية، شأنها في ذلك شأن كل دولة برجوازية، باصدار النقود الورقية بكميات هائلة وانزالها الى السوق عن طريق تلقي البضائع والخدمات مما ادى الى التضخم النقدي وارتفاع الاسعار.
كانت عملية التحول في الاساس الاقتصادي عملية طويلة شاقة. كلنا نعلم ما رافق تجريد الفلاحين من ملكياتهم الطفيفة وتحويلهم الى طبقة عاملة اثناء صعود البرجوازية من مآس. ولكن تلك المهمة كانت سلسة اذا ما قيست بالعملية التي جرت في الاتحاد السوفييتي. فالطبقة العاملة السوفييتية كانت مالكة لكافة وسائل الانتاج في المجتمع ومتمتعة بكافة الحقوق حين استلم الخروشوفيون السلطة. فكان على هذه السلطة ان تنتزع ملكية ادوات الانتاج من الطبقة العاملة وأن تحول هذه الطبقة الى طبقة محرومة من وسائل الانتاج مستعدة لبيع قوة عملها كسلعة. لم يسبق لاية برجوازية في التأريخ ان جابهت مثل هذه المهمة الصعبة. لذلك كان من الطبيعي ان يحاول الخروشوفيون الاستعانة بكل قوة تساعدهم على الوصول الى هدفهم.
وفي موضوعنا الحالي، موضوع تحويل الاساس الاقتصادي للمجتمع، لم يجد التحريفيون الخروشوفيون خيرا من الراسمال الامبريالي العالمي لدعوته الى نجدتهم. وهكذا رأينا تكالب خروشوف ومن تبعه على طلب القروض الاجنبية من اي بلد امبريالي مستعد لتقديمها. وافساح اوسع المجالات امام الشركات العالمية للاستثمار في الاتحاد السوفييتي مع اعطاء الضمانات اللازمة لتطمين هذه الشركات من امكانية التأميم في المستقبل.
وعلى فكرة، اتذكر انني حين قرأت مذكرات خروشوف التي نشرت في الولايات المتحدة بعد وفاته، والتي لم يعترف بها ولم ينكرها الاتحاد السوفييتي على حد علمي حتى الان، كانت فقرة يتحدث فيها خروشوف عن اولئك الذين يطالبونه بدفع التعويضات عن الاموال التي صادرتها ثورة اكتوبر فيقول لنفسه فليمنحونا قرضا كبيرا ونعطيهم التعويضات التي يطلبون. قد يكون ذلك خاليا من الصحة على اساس ان المذكرات ملفقة لا وجود لها. ولكن ما ذكرني بها هو ان غورباشوف لدى زيارته الى لندن تحلى بالكرم الحاتمي فمنح البرجوازيين الذين صادرت الثورة اموالهم التعويضات المطلوبة. وبهذا اعتراف ضمني من غورباشوف بان ثورة اكتوبر اجحفت في حق هؤلاس الراسماليين الخيارى الذين بذلوا المستحيل لخنق الثورة في المهد فلم يفلحوا.
ان التكالب على الاستثمار الاجنبي لم يشمل النطاق التكنيكي او التكنولوجيا الحديثة وحدها كما قد يتوقع المرء، على اساس مساعدة الدولة السوفييتية لرفع مستواها التكنولوجي. ان هذا التكالب شمل حتى شركات مثل ماكدونالد والبيزا هات التي تشتري المواد الاولية للهامبورغر والبيزا من السوق المحلية لبيعها وتحول ارباحها الى عملات صعبة على حساب الشعوب السوفييتية. أفلم تنجح الحكومة السوفييتية خلال اكثر من سبعين عاما في تعليم اخصائي او اثنين لصنع الهامبورغر ولصنع البيزا؟
وفائدة استثمار الاموال الاجنبية وانشاء المشاريع الامبريالية للاتجاه الذي اتخذته القيادة الخروشوفية هو ان هذه المشاريع تبنى منذ البداية على اساس الانتاج الراسمالي الصريح واستخدام الايدي العاملة السوفييتية الرخيصة لاستدرار اقصى الارباح من المشاريع الامبريالية. وهذا غير متوفر في المشاريع الراسمالية السوفييتية الجديدة التي ما تزال تحتفظ ببقية مهما كانت طفيفة من حقوق العامل السوفييتي. لذلك تشكل المشاريع الامبريالية والقروض الامبريالية عاملا مساعدا ومسرعا للتحول الراسمالي الكامل.
نسي الخروشوفيون المبادئ الماركسية التي تقوم على اساس ان المجتمع شأنه في ذلك شأن الطبيعة يسير وفق قوانين خارجة عن إرادة الانسان . ان من يقرأ البيريسترويكا لا يجد في نص الكتاب كله اية عبارة تفيد معرفة غورباشوف لهذه القوانين وكيفية السيطرة عليها واستخدامها لمصلحة تقدم المجتمع. فالكتاب كله تمنيات طوبائية كعالم راسمالي بدون سلاح ولا حروب. وتمنيات بأن تقوم الحكومات الامبريالية في فهم حاجات الشعوب وتلبيتها الخ.. بل ان غورباشوف نفسه يشعر بالتماثل بين نظرياته وبين تصوير العالم السعيد الذي سيحل بموجب كافة الاديان ولكنه يحاول ان يموه ذلك بالادعاء بأن احلامه الطوبائية تختلف عن تلك الاحلام اختلافا جوهريا.
ولكن قوانين تطور المجتمع تفرض نفسها بالاستقلال عن ارادة الحكام السوفييت. فقد ادى تحويل اتجاه التطور من التقدم نحو الشيوعية الى التقهقر نحو الراسمالية الى وجود التناقض المحتدم بين قوى الانتاج السوفييتية المتطورة وبين علاقات الانتاج الراسمالية الجديدة. وهذا التناقض يؤدي، شأنه في ذلك شأن نفس التناقض في البلدان الراسمالية، الى تدمير قوى الانتاج في المجتمع.
وما الازمات الاقتصادية والبطالة والدعارة والتفسخ سوى شيء من مظاهر هذا التدمير لقوى الانتاج.
انعكاس هذا التطور على البناء الفوقي
انحصر البحث حتى الان في مناقشة التحول الذي طرأ على الاساس الاقتصادي للمجتمع السوفييتي نبيجة لسياسة التحريفيين الخروشوفيين المعادية للماركسية في توجيه الانتاج ولكن التحولات لا يمكن في الواقع ان تقتصر على الاساس الاقتصادي بدون ان تؤثر وتتأثر بالبناء الفوقي اي الكيان السياسي والفكري والايديولوجي. ننتقل في الصفحات التالية الى بحث التغيرات التي طرأت على البناء الفوقي. ان البحث لا يتناول القضايا وفق تسلسلها التأريخي بل يبحث الظواهر حسب تطورها كظواهر والنتائج التي آلت اليها.
لأول مرة كشفت القيادة الخروشوفية فيها عن حقيقتها المعادية للماركسية امام العالم كان المؤتمر العشرون سنة ١٩٥٦.في هذا المؤتمر وضعت في الواقع جميع الاسس التي ميزت السياسة السوفييتية في العقود التالية وحتى يومنا هذا ولذلك يجب ان يبدأ بحثنا لهذه التحولات من المؤتمر العشرين.
اهم ما ميز المؤتمر العشرين كان الهجوم على ستالين. ولم يكن الهجوم على ستالين انتقادا مبدئيا يناقش اخطاء وقع فيها ستالين بل كان تهجما صبيانيا جمع كل الاتهامات التي الصقتها بستالين ابواق الدعاية الامبريالية منذ وفاة لينين وحتى الهجوم النازي على الاتحاد السوفييتي (اذ بعد هذا الهجوم كانت فترة سكوت او فترة تمليق لستالين وامتداح كفاءاته العسكرية والسياسية) وأضاف اليها خروشوف من عنده بطريقته الرعناء ليقدمها الى العالم على انها انتقاد لستالين. أخبر خروشوف العالم بأن ستالين كان جاهلا من الناحية العسكرية، لا يعرف حتى قراءة الخرائط. كان يقود الحرب على كرة مدرسية للعالم. وقد ارتعدت فرائصه لدى اقتراب اجحاف النازية من موسكو وأراد الهرب ولكن خروشوف ورهطه أجبروه على البقاء فيها. وأكد على ان ستالين لم يكن لديه ما يفعله سوى قتل الناس بالجملة وما شابه ذلك مما كنا نشاهده ونقرأه على صفحات الجرائد والمجلات الامبريالية قبل الحرب.
واستمر عدد قتلى ستالين وضحاياه بالازدياد المطرد حتى يومنا هذا حيث اصبحنا نسمع عن عشرات الملايين من الضحايا الذين قتلهم ستالين. وطبيعي ان هذا العدد يمكن زيادته حتى يبلغ عدد الذين قتلوا منذ سنة ١٩١٧ وحتى ١٩٥٣. فقتلى حرب التدخل التي شنتها كل الدول الامبريالية لتحقيق شعار تشرتشل بخنق الثورة في المهد, والحروب الاهلية التي اثارها الروس البيض، وحتى الملايين التي استشهدت في الدفاع عن وطن الاشتراكية الاول ضد الغزاة النازيين يمكن اضافتها الى عدد ضحايا ستالين.
ولكن الجريمتين الكبريين اللذين لا يغتفرهما الخروشوفيون لستالين، شأنهم في ذلك شأن الامبرياليين، هما اولا حملة ابادة الكولاك كطبقة بين ١٩٢٨ و ١٩٣٣، وفترة المحاكمات التي وقعت في الثلاثينات لعدد من قادة الحزب الشيوعي.
كانت سياسة النيب اللينينية قد اتاحت للبرجوازيين الريفيين خصوصا فرصة لتطوير انتاجهم البرجوازي. ولكن الحركة التعاونية اخذت تنتشر تدريجيا في الريف السوفييتي الى جانب مزارع الدولة والى جانب البرجوازية الريفية. لم يكن تشجيع الزراعة البرجوازية من قبل دكتاتورية البروليتاريا حبا بسواد اعين البرجوازيين بل كان ضرورة  استوجبتها اوضاع الاتحاد السوفييتي الاقتصادية انذاك. فلم يكن انتاج الحبوب في المزارع الحكومية والمزارع التعاونية مجتمعا يكفي لسد الحد الادنى من معيشة السكان انذاك ولذلك كان الشعب السوفييتي بحاجة الى انتاج المزارع البرجوزية الخاصة.
وكلما ازداد انتاج المزارع التعاونية والحكومية سواء عن طريق اتساع المساحات الزراعية او عن طريق تحسين عمليات الانتاج، ازدادت حصة هذه المزارع في سد حاجات السكان الغذائية. وفي الوقت ذاته ازدادت مقاومة البرجوازية الريفية لهذا التطور وتضاعف امتناعها عن بيع فائض انتاجها للدولة احراجا. فقد كان البرجوازيون يفضلون احيانا حرق انتاجهم على بيعه للدولة واحيانا كانوا يرشون به الفلاحين ويشجعون السوق السوداء بالحبوب. في ١٩٢٨ بلغ احصاء انتاج الحبوب من المزارع الحكومية والتعاونية كمية تكفي لسد حاجة البلاد بدون الاعتماد على الانتاج البرجوازي. في هذه الحال اتخذ الحزب الشيوعي بقيادة ستالين ومعارضة عدد من قادة الحزب مثل بخارين وكامينيف وزينوفييف، قرارا بضرورة ابادة البرجوازية الريفية (الكولاك) كطبقة. وكل من يعرف شيئا عن ثورة اكتوبر يعرف ان هدفها هو القضاء على كل نوع من الانتاج البرجوازية وان القضاء على الانتاج البرجوازي لا يتم الا بمصادرة ادوات انتاج هذه الطبقة. وقد حققت ثورة اكتوبر سنة ١٩١٧ القسم الاكبر من هذا الهدف وهو مصادرة ادوات انتاج البرجوازية الصناعية ولكن ادوات انتاج البرجوازية الريفية وانتاج هذه البرجوازية بقي لان الضرورة اجبرت الثورة على ابقائها. ولذلك فان الثورة على البرجوازية الريفية لم تكن سوى التتمة الطبيعية او المرحلة التكميلية لثورة اكتوبر. ولكن الذين عارضوا هذه الخطوة عارضوها لانهم يعرفون ان القضاء على هذه الطبقة البرجوازية يبعد الامل في اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي.
ان من يريد ان يناقش صحة او عدالة هذه الثورة عليه ان يناقش صحة او عدالة ثورة اكتوبر ذاتها. فمن كان يؤمن ان ثورة اكتوبر كانت صحيحة وعادلة يجب ان يؤمن بان الثورة على البرجوازية الريفية هي الاخرى عادلة لانهما جزءان من ثورة واحدة. ومن كان يؤمن بان ثورة اكتوبر كانت ثورة غير عادلة لانها صادرت وسائل انتاج الراسمالية الصناعية فلابد ان ينظر الى الثورة على البرجوازية الريفية نفس النظرة.
لبى الفلاحون نداء الحزب وهبوا لمصادرة اراضي البرجوازيين الريفيين. وقد كانت تعليمات الحزب صريحة وصارمة في هذا الموضوع . فقد اوعز الحزب الى الفلاحين الا يمسوا بحياة اي كولاك لا يبدي مقاومة للمصادرة وبان يسمحوا له ولافراد عائلته بأخذ اموالهم المنقولة والتوجه الى المدينة ولكن الحزب اوعز من الناحية الثانية بالرد بالسلاح على كل برجوازي يقاوم المصادرة بالسلاح وهذا ما حدث. وليس من الغريب عن الثورات ان تحدث فيها بعض العمليات الخاطئة. وقد يكون قد رافق هذه الثورة ايضا مثل هذه الاخطاء. ولكن هذه الاخطاء يجب الا تحدد الموقف تجاه الحركة ذاتها اذ حتى ثاتشر أكدت على حدوث مثل هذه الاخطاء في الثورات في تعليقها على قتل شاوشسكو. وقد تمت حملة ابادة البرجوازية الريفية كطبقة نهائيا حوالى سنة ١٩٣٣. وقد اعتبر هذا التأريخ بداية وجود المجتمع الاشتراكي الخالي من الانتاج البرجوازي.
ان بكاء الخروشوفيين والامبرياليين على البرجوازية ليس لان ستالين قاتل وسفاك، اذ ان ايديهم طالما لطخت بدماء الشعوب. ولكن بكاءهم هو على تلقيهم ضربة لا تقل اهميتها عن ضربة ثورة اكتوبر ولان هذه الثورة ازالت الامل الذي كانوا انذاك يعلقون عليه امالهم في اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي.
وجريمة ستالين الثانية التي لا يغتفرها له الامبرياليون والخروشوفيون هي محاكمات سنوات ١٩٣٦ – ١٩٣٨. فقد قدم بعض الاشخاص ممن كانوا فيما مضى من قادة الحزب الشيوعي الى المحاكمة امام المحكمة العسكرية العليا. وقد حكم بالاعدام في هذه المحاكمات عدد كبير من هؤلاء ونفذ فيهم الحكم بعد ذلك. كانت بين اسماء هؤلاء المحكومين اسماء بارزة مثل بخارين وكامينيف وزينوفييف وبياتاكوف وغيرهم كان بعضهم يشغل مناصب عليا في الدولة.
جرت هذه المحاكمات الثلاث بصورة علنية فيما عدا نصف جلسة من كل محاكمة خصصت لذكر الاسماء السرية وخصوصا اسماء الدييبلوماسسين الاجانب الذين لم تشأ المحكمة ذكر اسائهم وأدوارهم في جلسات المحاكمات العلنية. ولكن المحكمة اعلنت بعذ الجلسة السرية عن انعقادها وعن اسباب انعقادها سريا. حضر المحاكمات جميع الممثلين الديبلوماسيين الموجودين في الاتحاد السوفييتي وحضرها الصحفيون من ارجاء العالم وكان ممن حضروها مبعوث روزفلت وأول سفير أميركي في الاتحاد السوفييتي الذي كتب كتابا بعد عودته الى اميركا اخرج فيما بعد بفلم "مهمة في موسكو". وكان رأي هذا السفير الاميركي على الاقل ان المحكمة كانت محكمة عادلة . فهل كان من المبتلين بعبادة الشخصية!؟
وأسماء بخارين وكامينيف وزينوفييف معروفة في خدماتها النظرية مع لينين اولا ثم مع ستالين. والنقاشات الحافلة بين هؤلاء وبين ستالين دامت منذ ١٩٢٤ أي منذ وفاة لينين وحتى الثلاثينات. وفي اواخر العشرينات طردوا من الحزب ولكنهم بعد ذلك قدموا رسائل منفصلة الى الحزب يعترفون بها باخطائهم ويتعهدون بالسير مع الخط الصحيح لقيادة الحزب ولستالين. فما كان من قيادة الحزب الا ان قبلتهم مجددا واعادتهم الى مناصبهم او خصصت لهم مناصب جديدة بحيث ان اعتقالهم قبل المحاكمة جرى وهم ما يزالون رسميا في مناصبهم.
فما كان موضوع محاكماتهم اذن؟ هل كانت اراؤهم موضوع المحاكمات؟ كلا. ان من يتتبع المحاكمات لا يجد فيها اي اثر يفيد ان المحاكمات تجري حول ارائهم. كان هؤلاء الاشخاص يعارضون كل خطوة تؤدي حقا الى الاشتراكية ويريدون دفع الحزب في اتجاه اعادة الراسمالية. وقد كان هذا موضوع النقاش دائما على صفحات الجرائد وفي الاجتماعات الحزبية ولكن الجواب عليها ايضا كان ينشر في نفس الجرائد ويناقش في نفس الاجتماعات الحزبية وكانت الاغلبية دائما الى جانب ستالين في هذه النقاشات. ولكن حين تم القضاء على البرجوازية الريفية كطبقة اختفت اخر كتلة بشرية كان هؤلاء الاشخاص يعتمدون على تأييدها. ولذلك لم يعد لهم امل في النضال الجماهيري وكسب تأييد مجموعات واسعة الى جانبهم. وحسب اوامر تروتسكي الذي كان يمارس نشاطا سياسيا في برلين وعدد من العواصم الغربية وكان زعيم الكتلة التي الفها هؤلاء الاشخاص في داخل الاتحاد السوفييتي غيروا سياستهم. فبدلا من سياسة الصراع السياسي ومحاولة كسب المؤيدين لارائهم اتخذوا سياسة التخريب والاغتيالات والتآمر على الدولة. وعلى هذا الاساس قاموا بأعمال تخريب واغتيالات وابادة الخيل وافشاء الامراض في الماشية وغير ذلك. وكانت هذه الجرائم هي التي حوكموا عليها.
كان الموضوع الثاني الذي حوكموا عليه الخيانة العظمى. كانت المنظمة التي الفها المتهمون في الاتحاد السوفييتي تسير تحت قيادة تروتسكي الموجود في اوروبا. وكان ابنه ليون مركز الاتصال وحلقة الوصل بين ابيه والاخرين. وقد اعترف المتهمون في افاداتهم بان تروتسكي عقد اتفاقا مع السلطات النازية للمساعدة على اسقاط الحكومة السوفييتية باجراء هجوم يقوم المتهمون خلاله باجراء انقلاب عسكري مقابل منح الالمان اوكرانيا كهدية والوعد باعادة الامتيازات الى الشركات الامبريالية وغير ذلك. واعترف بياتاكوف بانه خلال وجوده في برلين لغرض عقد اتفاقيات تجارية مع بعض الشركات الالمانية دبرت الحكومة الالمانية له جوازا خاصا وطائرة خاصة لتنقله الى النروج لمقابلة تروتسكي وتلقي الاوامر منه وقد حكمت المحكمة العسكرية العليا على عدد كبير من المتهمين بالاعدام بتهمة الخيانة العظمى.
نرى من هذا ان المتهمين لم يحاكموا على وجهات نظرهم السياسية او الايديولوجية بل على جرائم اقترفوها ضد الدولة وضد الاشخاص. فهل يحق لدولة ان تحاكم رعاياها على جرائم اقترفوها ؟ وهل الحكومة السوفييتية هي الوحيدة في العالم التي لا  يحق لها ذلك؟
قال لينين ان دكتاتورية البروليتاريا هي اكثر ديمقراطية الف مرة من اية ديمقراطية برجوازية. فهل يصدق هذا على هذه المحاكمات ايضا؟ لنقارن بين سلوك دكتاتورية البروليتاريا وبين سلوك الديمقراطيات الغربية او الكحومة الخروشوفية المتشدقة بالديمقراطية بصدد هذه المحاكمات ذاتها. وفرت المحكمة السوفييتية كل الامكانيات والظروف التي تسمح للمتهمين باسماع ارائهم للعالم كله. فكانت الجلسات علنية وكان باستطاعة اي من المتهمين ان يطعن بصلاحية المحكمة او ان يشير ولو بكلمة واحدة الى ان اعترافاته اخذت تحت التعذيب او الاكراه. وكان العالم الراسمالي كله ينتظر اشارة طفيفة كهذه لكي يقيم الدنيا ويقعدها حول هذه المحاكمات . فما ذنب المحكمة اذا كان المتهمون يعترفون بجرائمهم بدون ان ينبسوا ببنت شفة عما يشير الى سلوك غير ديمقراطي من جانب المحكمة او المدعي العام؟ ان من يتتبع سير المحاكمات يرى ان المتهمين وخصوصا بخارين كانوا يناقشون كل عبارة لا تروق لهم ولا يتجاوزونها الى ان يتوصلوا مع المدعي العام الى صيغة يرضون عنها. وكانوا كلهم يعرفون مصيرهم ويصرحون بذلك علنا في المحكمة. كذلك منح كل منهم فرصة للكلام والدفاع عن نفسه او التعبير عن مشاعره قبل اصدار الحكم فهل كان جميع هؤلا المتهمين جبناء الى درجة انهم لم يجرأوا معها ولو واحد منهم بمعارضة المحكمة؟
وفي مقابل هذه الديمقراطية نجد الديمقراطية الامبريالية او ديمقراطية الخروشوفيين اثناء اعادة النظر في هذه المحاكمات ذاتها. فمن المفروض لو انهم يعلمون ان الحق معهم ان يعيدوا النظر في المحكمة وأن يكشفوا عن الزيف والتضليل الذي وقع فيها او ان يثبتوا للعالم ان تلك المحاكمات كانت صورية وزائفة. ولكن ما الذي فعلوه فعلا؟ سؤال: هل جرت محاكمتك في عهد ستالين؟ جواب: نعم. اذن برأتك المحكمة واعادت لك اعتبارك وضمتك الى قائمة ضحايا ستالين. فشتان بين تلك الديمقراطية وهذه الديمقراطية. ان الفرق بينهما هو الفرق بين ديمقراطية الطبقة العاملة وديمقراطية الامبريالية التي نشاهدها كل يوم الاف المرات في باناما والمكسيك وشيلي وافريقيا الجنوبية واسرائيل واندونيسيا وافعانستان وغيرها.
يدعي الامبرياليون ثم الخروشوفيون ان المحكومين كانوا من خيرة الشيوعيين الذين رافقوا لينين واشتركوا في الثورة والبناء الاشتراكي وان ستالين حكم عليهم لانه كان يخاف منافستهم. ولكن منذ متى كان الامبرياليون يدافعون عن شيوعيين جيدين؟ ولماذا لا يدافعون عن هؤلاء الشيوعيين الجيدين في العراق او اندونيسيا او تشيلي او بيرو او غيرها؟ أليسوا هم اعدى اعداء الشيوعية ويريدون ازالتها من على وجه الكرة الارضية؟ واستنادا الى ذلك ألم يكن من الاجدر بهم ان يكافؤوا شيوعيا "طالحا" مثل ستالين على قتله شيوعيين حقيقيين مثل بخارين ورهطه؟
ان ما جعلهم يحقدون على هذه المحاكمات ليس حبهم لبخارين وتقديرهم له بل لان هذه المحاكمات سدت الطريق مرة اخرى امام الامل في اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي, وقد ظهرت نتائج المحاكمات جلية لدى الهجوم النازي. اذ شاهد العالم كله ان البلد الوحيد الخالي من الرتل الخامس كان الاتحاد السوفييتي. ولم يتحقق لهتلر ما اراده من جعل احتلال الاتحاد السوفييتي نزهة للجحافل النازية كما كان الحال في كافة الدول الاوروبية الاخرى التي احتلها مثل فرنسا والنمسا وتشكوسلافيا وغيرها.
وهل حقد الخروشوشفيون على ستالين حقا لانه قاتل وسفاك؟ بالطبع لا. فقد كانت مهمة الخروشوفيين، اعادة الراسمالية، تتطلب شجب الماركسية اللينينية. ولم تكن لهم الجرأة على القيام بمثل هذا الشجب بصورة علنية وصريحة خوفا من رد فعل الشعوب السوفييتية. فكان عليهم ان يجدوا كبش فداء يؤدي شجبه الى شجب الماركسية اللينينية عمليا. ولم يكن غير ستالين اداة ممكنة لهم في هذا المضمار.
كان ستالين ابرع من طبق اللينينية اروع تطبيق على بناء مجتمع اشتراكي لم يعرف التأريخ له نظيرا ونجح في ذلك فالتفت شعوب الاتحاد السوفييتي حول الحزب وحول ستالين عبر حماس واندفاع وتفان لمجابهة كل الصعوبات التي واجهت بناء المجتمع الاشتراكي وهبت هبة رجل واحد للدفاع عن هذا المجتمع من غزو النازيين وهبت هبة رجل واحد لاعادة بناء الاتحاد السوفييتي بعد الدمار الذي اصابه اثناء الحرب. وقد عبر غورباشوف نفسه عن ذلك في بيريسترويكاه اذ قال في معرض وصفه للتفسخ والتدهور الذي اصاب عامة الناس في الاتحاد السوفييتي "وبدأ انحطاط الخلق الاجتماعي وضعف ذلك الشعور العظيم بالتضامن الذي تولد في حمأة الزمن البطولي للثورة. وفي ابان الخطط الخمسية الاولى والحرب الوطنية العظمى. وفي خلال مرحلة البناء التي تلت الحرب. فكان ان شدت اواصره الناس بعضهم الى بعض" (بيريسترويكا، ص ٢٥ من الطبعة العربية). ولكن غورباشوف نسي او تناسى ان هذه الفترات البطولية عدا ثورة اكتوبر جرت كلها بقيادة ستالين . ولكن غورباشوف لا يستطيع ان يقتبس اية فترة اخرى كان فيها اندفاع الشعوب السوفييتية واتحادها شبيها ولو بنسة ضئيلة مع تلك الفترة.
فكان شجب ستالين، في الواقع، شجبا لمنجزات تلك الحقبة وخطوة في سبيل تدمير كل تلك المنجزات وتحويل شعوب الاتحاد السوفييتي الى كادحين يخدمون الطبقة الراسمالية التي يريدون خلقها من جديد بعد ان نجحت هذه الشعوب في القضاء عليها. وكان شجب ستالين شجبا للينينية التي كانت الاساس الذي جعل بالامكان توحيه كافة هذه الشعوب ورصها حول الحزب البلشفي وحول لينين وثم حول ستالين. كان شجب ستالين اذن من مستلزمات السياسة التي اتبعها الخروشوفيون من اجل اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي
كان لستالين سلاح اشد مضاء من السيف. وكان هذا السلاح الفتاك يرعب الانتهازيين والتحريفيين في الاتحاد السوفييتي وفي كافة انحاء العالم. سلاح ستالين هذا كان قلمه. ففي كتابات ستالين اوضح شرح لنظريات ومبادئ لينين. كان ستالين هو الذي عرف العالم على اللينينية ومبادئها وثقف بها الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي والبروليتاريا والفلاحين والمثقفين السوفييت وكانت كتاباته اللينينية تتضمن دحضا علميا دقيقا لكافة الاراء الانتهازية والتحريفية التي نشأت في داخل الحزب وخارجه طيلة فترة قيادته للحزب والدولة. ولهذا كان من الضروري بالنسبة للخروشوفيين اخفاء هذه الكتابات عن اعين الشعوب السوفييتية لكي يفلحوا في امرار نظرياتهم التحريفية والانتهازية. وكان شجب ستالين يستهدف اخفاء كتبه ومؤلفاته. حتى كتاب تاريخ الحزب البلشفي الذي صدر في عيد ستالين اعتبر من مؤلفاته واختفى من الوجود. وقد يكون اصبح مستمسكا جرميا في عهد الخروشوفيين. وكتاب الاقتصاد السياسي الذي الفته لجنة من علماء الاتحاد السوفييتي والذي جاء كراس ستالين حول القضايا الاقتصادية للاشتراكية كمساهمة في النقاشات التي حدثت لدى تأليفه صدر في الاتحاد السوفييتي بعد وفاة ستالين وصدرت ترجمته الانجليزية هنا في لندن ولكن الخروشوفيين سرعان ما سحبوه من الاسواق بما في ذلك الطبعة الاجليزية. وطبيعي توقف طبع مؤلفات ستالين الكاملة الذي كان نجري في الاتحاد السوفييتي عند الجزء الثالث عشر ولم تطبع بقية المجلدات باللغة الروسية بعد ذلك سوى في الولايات المتحدة. نرى من كل ذلك ان شجب ستالين كان يستهدف غير الاهداف التي اعلن عنها الخروشوفيون. كان يستهدف شجب الماركسية اللينينة واخفاء كتابات ستالين عن اعين الناس كمقدمة لتضليلهم. ويتناول البحث في الصفحات التالية مقارنة بين تحليل ستالين للقضايا النظرية والعملية الداخلية والعالمية وبين ما قدمه الخروشوفيون الى الشعوب السوفييتية باعتباره تجديد وتطوير خلاق للماركسية اللينينية.
من النقاط الهامة البارزة التي اعلن عنها الخروشوفيون في المؤتمر العشرين كان موضوع التعايش السلمي الذي قدموه كمبدأ لينيني واتهموا ستالين بتشويهه او اهماله.
لم تنشأ امكانية التعايش السلمي في الواقع الا بعد الحرب العالمية الثانية حين نشأ المعسكر الاشتراكي وتقدمت الثورة الصينية بخطوات هائلة نحو دحر حكومة شان كاي شك والامبريالية الاميركية المتحالفة معه. ففي عهد لينين لم تكن ثمة امكانية للتعايش السلمي وعلى هذا الاساس توصل كما هو معروف الى حتمية الحرب العالمية.
بخلاف ظروف الاحاطة الراسمالية الذي كان سائدا قبل الحرب العالمية الثانية اصبح المعسكر الاشتراكي يضم دولا عديدة ويغطي جزءا واسعا من العالم. وسياسة المعسكر الاشتراكي لا تحتاج الى الحرب كجزء من مستلزمات بقائها كما هي الحال في المعسكر الامبريالي. ينجم عن ذلك ان العالم انقسم الى معسكرين احدهما يعد للحرب ويستخدمها كجزء من سياسته العادية والثاني يريد السلام لان السلام يشكل خير جو لتطوير بنائه ومستوى معيشة شعوبه.
استنادا الى هذا الوضع الذي نشأ في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية توصل ستالين الى امكانية التوصل الى ظروف يكون فيها التعايش السلمي ممكنا بين المعسكرين الامبريالي والاشتراكي. ولذلك استنتج ان الحرب العالمية لم تعد حتمية كما كانت قبل الحرب العالمية الثانية. فما هو هذا التعايس السلمي وكيف يمكن تحقيقه؟
التعايش السلمي هو وضع عالمي اتسعت فيه القوى المحبة للسلام وتعززت الى درجة تستطيع معها احباط كل محاولة لاشعال نار حرب عالمية جديدة. وقد كان نداء ستالين الذي اصدره في تلك الايام "ان السلم سيصان ويتعزز اذا ما اخذت الشعوب قضية السلام في ايديها ودافعت عنه حتى النهاية" الشعار المعبر عن اكمانية التعايش السلمي هذه.
نرى من هذا التعريف ان التعايش السلمي لم يكن سوى امكانية. والامكانية لا يمكن ان تتحول الى واقع ما لم تخلق الظروف الملائمة لها. وعلى هذا الاساس تشأت حركة السلام العالمية التي تشكل نواتها شعوب الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي وهي حركة ديمقراطية مفتوحة لكل من يحب السلام بصرف النظر عن انتمائه الطبقي او معتقداته الدينية او الايديولوجية. ولكن هذه الحركة حركة منظمة تنظيما بسيطا ولها قياداتها المحلية المنتخبة ومهمتها فضح كل حركة من شأنها ان تقرب العالم خطوة نحو الحرب والنضال ضد الحكومة التي تقوم بذلك بطرقها النضالية الممكنة كعقد الاحتماعات وجمع التواقيع وغير ذلك. فليس ما يشير الى ان التعايش السلمي كان قائما او ممكنا في ظروف ما بعد الحرب. انه شعار بعيد المدى تناضل البشرية من اجل تحقيقه. ولم توضع سياسة السلام على اساس حدوث اي تغيير في طبيعة الرسمالية الحربية لا في الحال الحاضر ولا في ظروف التعايش السلمي الحقيقية لان الحرب من طبيعة الانظمة الطبقية وخصوصا الامبريالية ولا تزول هذه الطبيعة الا بزوال الامبريالية ذاتها. ان حركة السلام وهدفها منع وقوع الحرب العالمية الثالثة ليست حركة سياسية تستهدف استبدال نظام سياسي معين بنظام سياسي اخر وانها لذلك ليست حركة اشتراكية او شيوعية. فما العلاقة بين حركة السلام والحركات السياسية الثورية كالثورات الاشتراكية وحركات التحرر الوطني؟ هل هناك تناقض بين حركة السلام وهذه الحركات الثورية؟ ليس في نظرية التعايش السلمي الستالينية ما يتعارض والحركات الثورية الاخرى اذ ان نجاح اية ثورة اشتراكية او اية ثورة ضد الامبريالية من شأنه ان يعزز حركة السلام العالمي ويقربها الى هدفها.
جاء الخروشوشفيون واعلنوا من على منبر المؤتمر العشرين ايمانهم بالتعايش السلمي. فما هو التعايش السلمي بالنسبة للخروشوفيين؟ انه ظاهرة قائمة يعيش فيها النظام الاشتراكي الى جانب النظام الراسمالي بدون حرب. لقد ابدلوا محتوى التعايش السلمي من حالة لا تستطيع فيها اية دولة اعداد وشن حرب عالمية نظرا لمقاومة حركة السلام لها الى محتوى كلمة السلام اي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بل تطرف بعضهم الى درجة انهم زعموا ان التعايش السلمي كان موجودا بين الحربين ايضا. ومن هنا كانوا يقتبسون كل كلمة سلام كتبها لينين على انها تعايش سلمي.
ماذا كانت نتائج تحويل مفهوم التعايش السلمي الى مفهوم السلام، اي عدم وجود الحرب؟ كانت النتائج وخيمة على حركة السلام وعلى اهدافها وعلى فهم العالم لطبيعة الامبريالية والراسمالية. فبينما لم تعتمد نظرية التعايش السلمي الستالينية على اي تغير في طبيعة الامبريالية الحربية زعمت نظرية التعايش السلمي الخروشوفية ان الامبريالية ادركت مساوئ الحروب ولذلك اصبحت محبة للسلام. فكان اقطاب الامبريالية مثل ايزنهاور وكندي ونيكسن وحتى ريغان محبين للسلام. واصبح انقاذ البشرية من اخطار حرب عالمية جديدة يعتمد على المفاوضات بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وكلاهما يؤمن بالسلام ولا يريد الحرب. بل ان تفسير انتصارات مثل انتصار الشعوب الفيتنامية على الامبريالية الاميركية كانتصار لنظرية التعايش السلمي. واقتصر مفهوم التعايش السلمي على عدم وجود حرب ساخنة، رغم اعتراف الجميع بوجود الحرب الباردة في اوروبا. اذ ان العالم لم يشاهد منذ انتهاء الحرب العالمية حتى اليوم يوما واحدا بلا حروب. الحرب الكورية، الفيتنام، الملايو، اندونيسيا، بورما، الفليبين، فلسطين، جميع انحاء افريقيا وأميركا اللاتينية. وتحولت حركة السلام كحركة ملحقة للمفاوضات بين الدولتين العظميين جول السلام ونزع السلاح.
كنتيجة للتعايش السلمي الخروشوفي نشأت نظرية نزع السلاح التام الشامل، عالم بلا سلاح، بوجود النظامين ووجود الاستغلال الراسمالي. وها نحن شهود لمفاوضات نزع السلاح الدائمة التي لا تؤدي سوى الى خدع الشعوب بمنحها الامل في نزع السلاح حين تتضاعف اسلحة الدمار وتتنوع يوما بعد يوم. واصبحت تجارة الاسلحة اهم وسائل الامبريالية في تخفيف ازماتها الاقتصادية وادامة بقائها. كيف تستطيع الامبريالية الاميركية تنفيذ مهمتها في باناما او غرانادا او غواتيمالا او غيرها بدون سلاح؟ هل تحتل باناما بجيش يحمل مناديل حريرية؟ ان مقولة لينين المعروفة بان الراسمالية لن تتخلى عن السلاح الى ان تقوم البروليتاريا بنزع سلاح الراسمالية تبدو اكثر وضوحا اليوم مما كانت عليه بالامس.
فما هو موقف التعايش السلمي الخروشوفي من الثورات البروليتارية وثورات التحرر الوطني؟ ان التعايش السلمي الخروشوفي يتطلب عدم ازعاج او قلقلة التعايش السلمي القائم. وقد اقتبسوا عبارة الشرارة الشهيرة "من الشرارة يندلع اللهيب" لتطبيقها على نظرية التعايش السلمي اذ كان الخروشوفيون يزعمون ان ثورة صغيرة ضد الامبريالية في منطقة منزوية من العالم قد تؤدي الى اندلاع حرب عالمية ثالثة. فكان من الطبيعي ان يقوم الخروشوفيون باطفاء كل شرارة ثورية خوفا من اندلاع اللهيب. فمن الناحية النظرية اصدروا شعارات مثل اختيار الطريق اللا راسمالي صوب الاشتراكية والدول ذات التوجه الاشتراكي وبلغت القحة لدى بعضهم بالادعاء بعدم وجود البروليتاريا فيما يسمونه العالم الثالث واخذوا يروجون لفكرة اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد. ومن الناحية العملية قاموا بالضغط على الاحزاب الشيوعية ومنع كل من تسول له نفسه التحدث عن او القيام باية خطوة ثورية ضد الحكومات البرجوازية. ان تجربة العراق زاخرة بمثل هذه الضغوط التي مارسها "الرفاق السوفييت" عليهم. بل ان ما يدعى اليوم بخط آب ١٩٦٤ كان نتيجة مباشرة للوعد الذي قطعه خروشوف على نفسه في القاهرة لعبد السلام عارف بالعمل على حل الحزب الشيوعي العراقي اسوة بحل الحزب الشيوعي المصري. بهذا نرى ان ما يدعى التعايش السلمي معاد ومدمر لكل حركة ثورية سواء في الدول الامبريالية او في الدول البرجوازية الجديدة.
وفي المؤتمر العشرين اعلن عن امكانية التحول الى الاشتراكية بالطريق السلمي. اعتبر الخروشوفيون ان انتصارات المعسكر الاشتراكي والاندحارات التي اصابت النظام الامبريالي جعلت المعسكر الاشتراكي من القوة بحيث ان البروليتاريا لم تعد بحاجة الى استخدام العنف ضد البرجوازية من اجل تحقيق الاشتراكية وان النظرية اللينينية القائلة بضرورة الثورة الاشتراكية العنيفة اصبحت عتيقة بالية.
نعلم ان لينين وستالين ناقشا هذا الموضوع طويلا لان الانتقال الى الاشتراكية بالطريق السلمي لم يكن من اكتشافات خروشوف كما يزعم بل اعلنته قبله كافة احزاب الاممية الثانية. ولم يكن اكثر من لينين شخص يحب الثورة ان تكون سلمية وان اللجوء الى العنف لم يكن سوى نتيجة الى ان البرجوازية لا يمكن ان تسلم السلطة الى البروليتاريا بصورة سلمية. فالعنف البروليتاري ما هو الا رد على عنف البرجوازية بمثله. وحتى لو سلمنا جدلا بوجود امكانية الانتقال الى الاشتراكية بالطريق السلمي فهي تبقى مجرد امكانية والامكانية لابد ان تحتمل عكسها، عدم امكان الانتقال الى الاشتراكية بالطريق السلمي. ولذلك تعلمنا الماركسية ان نكون مستعدين لكل الظروف بما فيها الاضطرار الى الثورة العنفية. فاذا تخاذلت البرجوازية والقت سلاحها في الثورة بدون مقاومة فخيرا على خير. اما اذا قاومت الثورة فلا خيار للبروليتاريا الا ان تحمل السلاح وان تسقط البرجوازية بثورة عنفية. والواقع هو ان امكانية التحول السلمي تزداد كلما كان استعداد البروليتاريا للانتقال العنفي اشد واحكم.
الا ان الخروشوفيين فرضوا نظرية الانتقال السلمي على كافة الاحزاب الشوعية في العالم. فما معنى ان يقول الحزب في برنامجه انه يريد الانتقال السلمي الى الاشتراكية؟ انه يقول للبرجوازية استعملي العنف ما شئت فنحن لا نقابل عنفكم بالعنف. ومعروف ان تنظيم الحزب ينسجم مع الاهداف التي يريد تحقيقها. ولذلك تحولت الاحزاب الشيوعية العالمية الى احزاب تعتمد على الكتل البرلمانية وعلى كسب اصوات الناخبين فتحولت بذلك من احزاب لينينية الى احزاب اشتراكية ديمقراطية نموذجية كما نراها الان في اوروبا وارجاء العالم. وشمل هذا التغير الاحزاب الشيوعية في البلدان شبه المستعمرة فأخذت تبالغ في دور البرجوازية الوطنية وتمنحها القيادة وتساندها بالرغم من ان الحكومات البرجوازية الناشئة عن الثورات البرجوازية او الانقلابات البرجوازية تضطهد الحركة الشيوعية منذ اول يوم لاستلامها السلطة السياسية.
نرى من كل هذا ان المؤتمر العشرين استطاع من الناحية الايديولوجية تغييير النظريات اللينينية التي كانت الاساس الوحيد لوحدة الحركة الشيوعية فيما مضى الى نظريات اشتراكية ديمقراطية او نظريات مثالية طوبائية وبذلك تفككت الحركة الشيوعية في العالم كله.
وفي المؤتمر الثاني والعشرين اكمل الخروشوفيون ما بدأوا به في المؤممر العشرين. وقد تركزت جهودهم هذه المرة على الجانب السياسي. فاعلنوا ان الاتحاد السوفييتي بلغ مرحلة الاشتراكية العليا وانه سيحقق المجتمع الشيوعي الكامل سنة ١٩٨٠. ولم يكن هذا التبجح الطفولي مجرد جلطة من جلطات خروشوف العديدة انما كان يهدف الى تبرير القرارين المدمرين للحزب والدولة اللذين اتخذهما نفس المؤتمر.
بما ان الاتحاد السوفييتي بلغ مرحلة الاشتراكية العليا لم يبق بين شعوب الاتحاد السوفييتي من يناضل ضد الاشتراكية. ولذلك لم تعد ثمة حاجة الى دكتاتورية البروليتاريا التي كانت مهمتها قمع اعداء الاشتراكية. وقد اخذوا من عبارة دكتاتورية البروليتاريا، كلمة الدكتاتورية. ووضعوا مقابل ذلك الديمقراطية واعتبروا ان المساوئ التي حدثت في الاتحاد السوفييتي سببتها الدكتاتورية وان الاتحاد السوفييتي بحاجة الى دولة ديمقراطية لتصحيح الاوضاع السيئة التي خلقتها الدكتاتورية. وهكذا اعلنوا ان الدولة في الاتحاد السوفييتي اصبحت دولة الشعب كله ولم تعد دكتناتورية البروليتاريا.
لا شك ان المغالطة واضحة لكل من الم ولو باوليات النظرية الماركسية حول الدولة. فالدولة حسب النظرية الماركسية ذات طابع طبقي تسود فيها طبقة او طبقات معينة وتعمل على استغلال سائر الطبقات لصالح هذه الطبقة ذاتها. لذلك لم تكن الدولة موجودة في مجتمعات الشيوعية البدائية اذ لم تكن الطبقات قد نشأت بعد. ولن توجد دولة في المجتمع الشيوعي اذ لا توجد طبقات في هذا المجتمع. وبما ان الدولة ذات طابع طبقي فهي تكون بالضرورة وحدة نقيضين الدكتاتورية والديمقراطية. فلا وجود للدكتاتورية بدون الديمقراطية ولا وجود للديمقراطية بدون الدكتاتورية. ولكن الصفة الهامة لكافة الدول في التأريخ هي الدكتاتورية اذ بها تستطيع الدولة ان تملي ارادتها على الطبقات التي تستغلها الطبقة الحاكمة. ان اسم الديمقراطية يطلق على الدكتاتوريات البرجوازية لاخفاء صفتها الثانية، الدكتاتورية، عن انظار الناس. وبما ان الماركسية تسمي الاسماء حسب واقعها لم تجد اي احراج في تسمية دولة العمال دكتاتورية البروليتاريا.
يقولون ان المجتمع الاشتراكي اصبح مجتمعا خاليا من الطبقات المتناحرة ولذلك لم تعد البروليتاريا بحاجة الى دكتاتورية خاصة بها وان الدولة الان هي للشعب كله بسائر طبقاته الاشتراكية. وهذه مغالطلة كبرى وتشويه لمعنى دكتاتورية البروليتاريا. سميت دكتاتورية البروليتاريا بهذا الاسم لا لانها دولة خاصة بالبروليتاريا. ومن المعروف ان البروليتاريا هي الطبقة الوحيدة التي لا يؤدي مجيؤها الى الحكم الى صعود طبقة مستغلة جديدة بل يؤدي الى محو استغلال الانسان للانسان. وهذا يعني ان دكتاتورية البروليتاريا هي دولة الشعب كله، اي البروليتاريا والفلاحين والمثقفين الاشتراكيين وهي ليست دتاتورية الا في دور صيانة انتصار الثورة وبناء الاشتراكية من مؤامرات بقايا الطبقات الحاكمة المطاحة. سميت هذه الدولة دكتاتورية البروليتاريا لان النظرية التي توحهها في سياستها هي نظرية الطبقة العاملة.
ان الغاء دكتاتورية البروليتاريا في الاتحاد اذن كان الغاء النظرية الموجهة للدولة، الماركسية اللينينية. ولا توجد في ايامنا نظريات بينية، فاما نظرية البروليتاريا واما نظرية البرجوازية. وقد اتخذ الخروشوفيون النظرية الثانية بديلا عن النظرية عن النظرية الاولى
واتخذ المؤتمر قرارا مماثلا بصدد الحزب. لقد انتفى وجود الطبقات المتناحرة في الاتحاد السوفييتي وبقيت طبقتان متآخيتان متعاونتان لا تكون التناقضات بينهما تناقضات تناحرية ويصدق الامر ذاته على مرتبة المثقفين الاشتراكيين. ولذلك لم تعد ثمة حاجة لحزب خاص بالطبقة العاملة واصبح الحزب يمثل الشعب كله ويضم اعضاء من الشعب كله. ولذلك اتخذ المؤتمر قرارا يجعل الحزب حزب الشعب كله.
والمغالطة في هذا الموضوع ايضا واضحة وضوح المغالطة السابقة. فليس بين الاحزاب الشيوعية التي وجدت في التاريخ حزب يضم الطبقة العاملة وحدها بل ان احدى مشاكل الاحزاب الشيوعية كانت دائما النضال من أجل تحقيق اغلبية عمالية داخل هذه الاحزاب. وحزب الطبقة العاملة لا يتحدد بتاتا بأصل اعضائه الطبقي ولا باسمه. ان ما يميز حزب الطبقة العاملة عن سائر الاحزاب هو الايمان بالنظرية الماركسية اللينينية والعمل على تطبيقها كدليل في سياسات الحزب الاستراتيجية والتكتيكية. لذلك كان الادعاء بان الطبقة العاملة في الاتحاد السوفييتي لم تكن بحاجة الى حزب خاص بها ادعاء مبني على مغالطة مقصودة ومفضوحة. وحقيقة الامر ان تغيير اسم الحزب من حزب الطبقة العاملة الى حزب الشعب كله لم يكن يعني سوى التخلي عن الماركسية اللينينية كنظرية موجهة للحزب.
ولكن الدولة البرجوازية الجديدة تحتاج ككل دولة برجوازية الى ايجاد وسائل لتخدير شعوبها وتضليلها وبث التفسخ فيها لكي تستطيع ابعاد هذا الشعب عن النضال ضدها. وقد سارت الكحومات الخروشوفية منذ زمن خروشوف وحتى زمن البريسترونكا قدما في هذا الاتجاه. وقد رأينا كيف ان الحكومات السوفييتية استعانت بالقروض الامبريالية والمشاريع الامبريالية لتحقيق ذلك في الاساس الاقتصادي. فما هي الوسائل التي استخدمتها الحكومات الخروشوفية في هذا المضمار في نطاق البناء الفوقي؟
نعلم من التأريخ ان الحركات الثورية حتى الثورة الفرنسية كانت تحتاج الى اتخاذ طابع ديني لكي تقنع الجماهير في السير وراءها. ولكن الثورة الفرنسية البرجوازية لم تكن بحاجة الى الدين كوسيلة لرفع الحماس الثوري لدى الجماهير. ولذلك الغت الثورة الفرنسية الدين في الفترة الاولى من حكم الثورة ولكن البرجوازية رأت فيما بعد انها بحاجة الى اتخاذ الدين مجددا كوسيلة لتخدير الناس وابعادهم عن النضال الثوري. نعلم ايضا ان البروليتاريا هي الاخرى لا تحتاج الى الدين كوسيلة لرفع الحماس الثوري لدى الجماهير. ولكن الامر لدى البروليتاريا اعمق من ذلك بكثير. فالدين هو اعمق الفلسفات المثالية ترسخا في اذهان الناس مما يشكل عائقا شديد المقاومة لانتشار الماركسية اللينينية ولذلك فان البروليتاريا يجب ان تشن نضالا حازما ضد الدين وضد انتشاره بين مواطنيها. وقد اتخذت ثورة اكتوبر الخطوات اللازمة في هذا المجال اذ فصلت الدين عن الدولة واعلنت حرية ممارسة الطقوس الدينية على ان يكون ذلك محروما من تمويل الدولة وبذلك حرمت الاديان من الثروات الهائلة التي كان يتمتع بها الكهنة الذين امتنعوا عبر التاريخ عن ممارسة اي عمل انتاجي معتمدين على الاموال الطائلة التي كانت تدرها عليهم مهنتهم في تضليل الشعوب وفي مساندة السياسات الرجعية الاستغلالية والحروب العدوانية التي كانت السلطات الحاكمة تشنها في مختلف العهود. وحرم تدريس الدين في المدارس. وفي مقابل ذلك اعلنت دكتاتورية البروليتاريا حرية عدم التدين وحرية النضال ضد الدين وجعلت البرامج التثقيفية برامج علمية لابعاد الاطفال والشباب عن التفكير الدينى وبهذا وضع الاساس لحصر الدين واقتصاره على الشيوخ الذين اصبح الدين جزءا من كيانهم كمقدمة لازالته التامة في المستقبل.
ولكن الخروشوفيين قلبوا هذه السياسة رأسا على عقب اذ اخذوا يشجعون الدين والتدين واتهموا ستالين باضطهاد الدين وغلق الكنائس والقاء الكهنة في السجون. ثم اخذت الحكومات الخروشوفية المتعاقبة باغداق الاموال على الديانات المختلفة بل وبدأت تبذل الاموال الطائلة على اعادة بناء الكنائس المهجورة وبناء كنائس جديدة واشترك غورباشوف شخصيا في احتفالات الالفية لدخول المسيحية الى روسيا. وتوجت سياسة الخروشوفيين بزيارة غورباشوف للبابا ودعوة البابا أكبر ممثل للرجعية الدينية في العالم لزيارة الاتحاد السوفييتي. اننا نشاهد اليوم تصاعد الحركات الدينية الرجعية في ارجاء الاتحاد السوفييتي وما يرافق ذلك من دعاية ضد الشيوعية والماركسية والاشتراكية والعنعنات والمشاحنات الدينية بين دين ودين وبين طائفة دينية واخرى.
من الظواهر الملازمة للانظمة البرجوازية الحركات القومية في الاقطار المتعددة القوميات. ان تسعير الحركات القومية هو صورة من صور سياسة "فرق تسد" التي تستخدمها الحكومات الرجعية من اجل خلق الخصومات القومية بين مختلف قوميات البلاد واشغال الناس بالمشاحنات القومية لالهائهم عن النضال الحقيقي من أجل اسقاط السلطة المستغلة المحفزة والمشجعة لهذه الحركات القومية ولتحقيق الاشتراكية التي تؤمن بالمساوات القومية ولا تميز بين قومية واخرى.
عملت ثورة اكتوبر منذ الايام الاولى من تاريخها على حل القضية القومية التي كانت مصدرا للنزاعات المستعرة في عهد روسيا القيصرية. وقد اعلنت دكتاتورية البروليتاريا عن مساواة كافة القوميات في الحقوق وشكلت مجلس القوميات وجعلت تمثيل كل قومية متساو مع القوميات الاخرى من حيث عدد ممثليها في هذا المجلس. وعملت دكتاتورية البروليتاريا على تطوير الثقافات والتقاليد الثورية لكافة القوميات على حد سواء وكافحت شعور القومية الكبرى وفي الوقت نفسه كافحت الميول الشوفينية لدى القوميات الصغرى. وقد ادى كل ذلك الى تلاحم وتراص جميع قوميات الاتحاد السوفييتي العديدة حول الحزب البلشفي للتغلب على الصعوبات التي جابهت الاتحاد السوفييتي ابان بناء الاشتراكية. وكان تلاحم شعوب الاتحاد السوفييتي وهبتها هبة رجل واحد في وجه العدوان النازي ودفاعا عن وطن لينين وستالين اروع برهان على تآخي هذه الشعوب وسيرها معا في طريق التقدم نحو الشيوعية.
ولكن سياسة الخروشوفيين كانت معاكسة للسياسة اللينينية. اذ أخذوا يمارسون سياسة الترويس بأفظع اشكالها بحجة ان الاتحاد السوفييتي بلغ من التقدم مرحلة ينبغي معها ان يشعر كل مواطن سوفييتي انه روسي وأخذوا يضطهدون الثقافات القومية ويمنعون استعمال اللغات القومية في الدوائر الرسمية فأثاروا بذلك حقد القوميات على القومية الكبرى المتسلطة المضطهدة. ونشأت المنازعات القومية من جديد وها نحن شهود الان للمجازر القومية التي تجري في اذربايجان ضد الارمن والحركات القومية التي تطالب بالانفصال عن الاتحاد السوفييتي. وبدلا من اتحاد هذه القوميات في النضال ضد الحكومات الخروشوفية المسببة لهذه النزاعات والعنعنات اصبحت الشعوب تقاتل بعضها البعض فتتدخل الحكومة لفض النزاع وفرض سيطرتها على هذه الشعوب بالنار والحديد.
كذلك استعانت الحكومات الخروشوفية المتعاقبة بالوسائل الامبريالية المعدة خصيصا لتفسيخ الشباب ولابعادهم عن النضال السياسي بحجة الانفتاح وشجعت التفسخ الخلقي والدعارة ومعاقرة الخمور والادمان على المخدرات والجرائم والسرقات الى درجة ان الاتحاد السوفييتي يعاني اليوم نفس المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها اكثر الدول الراسمالية تفسخا.
علاقات الاتحاد السوفييتي مع اوروبا الشرقية
ليست لدي معلومات دقيقة عن كيفية تنظيم العلاقات بين الدولة الاشتراكية العظمى والدول الاشتراكية الفتية في عهد ستالين. ولكن من المفروض ان تكون هذه العلاقات علاقات مساعدة من قبل الاتحاد السوفييتي من اجل تسهيل بناء الاساس الاقتصادي الاشتراكي في هذه البلدان بصورة سليمة مستفيدة من الخبرة السوفييتية في هذا المجال وتلقي المساعدات الاقتصادية الممكنة في ظروف كان الاتحاد السوفييتي نفسه يمر في صعوبات مرحلة اعادة البناء.
في الكتاب الذي اصدره انور خوجا عن ذكرياته مع ستالين بمناسبة ذكرى ميلاد ستالين المئوية في كانون الاول سنة ١٩٧٩ ذكر فيها انطباعاته عن موقف ستالين من مساعدة البانيا التي كانت انذاك أكثر الدول الاشتراكية حاجة للمساعدة. كان ستالين يصغي بامعان الى شرح انور خوجا للمشاكل التي يعاني منها الشعب الالباني والى المشاريع التي تفكر الحكومة الالبانية في اقامتها ويتفهمها بعمق ثم يبدي ملاحظاته واقتراحاته في صلب الموضوع مقدرا حق التقدير الجهود التي تبذلها هذه الدولة الفتية من اجل بناء مجتمعها الجديد وقارن هذا السلوك بسلوك ميكويان الذي لم يتورع عن اتهام الشعب الالباني بالكسل والاعتماد على الغير لكي يبرر تقليصه للمساعدة التي يقدمها.
ان التعاون الاممي الحقيقي هذا لم يدم طويلا اذ جاء الخروشوفيون فقلبوا التعاون الى محاولة اخضاع الدول الاخرى اقتصاديا وسياسيا لرغباتهم الانتهازية. اكتشفوا مبدأ التكامل الاقتصادي الذي يزعم ان الدول الاشتراكية تشكل وحدة اقتصادية يكمل احدها الاخر واكتشفوا مبدأ الاستقلال النسبي الذي يزعم ان الدول الاشتراكية ليست بحاجة الى الاستقلال الاقتصادي التام بعضها عن بعض مما أدى في الواقع الى جعل انتاج هذه الدول يعتمد كل الاعتماد على انتاج الاتحاد السوفييتي ولم يسمح الاتحاد السوفييتي لهذه الدول ببناء اساسها الاقتصادي الاشتراكي بالاستفادة من خبرة الثلاثينات وبمساعدة الدولة الاشتراكية الاممية.
أضف الى ذلك اضطر الخروشوفيون هذه الدول على سلوك نفس السياسة التحريفية التي اختطوها لانفسهم في كافة المجالات السياسية والايديولوجية فكانت النتيجة ان تكالبت هذه الدول على القروض الامبريالية والمشاريع الراسمالية حتى اصبح في مقدور البنوك الاجنبية ان تفرض على بعض هذه الدول اعلان افلاسها اذا شاءت. أخذت هذه الدول تتدهور بسرعة الى الحضيض الراسمالي رغم الاستمرار بالتشدق بالاشتراكية واللينينية والماركسية الخلاقة. وبما انها لم تكن قد سارت بعيدا في التطور الاشتراكي نظرا لقصر مدة سلوكها في هذا الاتجاه كانت العودة الى الراسمالية اسهل منالا منها في الاتحاد السوفيييتي.
ان ما يدعى بالمنظومة الاشتراكية لم يكن اذن سوى مجموعة من دول راسمالية تعاني كل ازمات النظم الراسمالية ولكنها تتشدق بعبارات الاشتراكية والماركسية وتنصب تماثيل لينين في المقرات الحزبية. واشتد التناقض بين الواقع الراسمالي الحقيقي في دول المنظومة الاشتراكية وبين القشرة الاشتراكية الكاذبة المحيطة بها والمعيقة لتطورها الراسمالي الحر الخالي من اية قيود اشتراكية مزعومة. أخذت الاحزاب والمنظمات المعارضة تظهر داخل هذه الدول وبذل الامبرياليون واعوانهم من رجال الدين المحليين تساندهم القوى الدينية الرجعية في ارجاء العالم وابواق الدعاية الغربية المستميتة في حقدها على كل ما يسمى اشتراكية او شيوعية بملايين الدولارات لمساندة الحركات المعارضف في محاولات قلب هذه الحكومات الاشتراكية في الظاهر والراسمالية في الواقع.
ان الجماهير في هذه البلدان تشعر بوطأة الاستغلال الراسمالي المسلط عليها باسم الشيوعية والاشتراكية والماركسية وحكم الطبقة العاملة. فجاءت هذه العناصر المعارضة لتطالب برفع مستوى معيشة العمال وبزيادة الاجور وايقاف ارتفاع اسعار المواد الضرورية وتحسين السكن وتوفير المواد الغذائية. هذه الشعارات التي كانت بالذات الشعارات التي كانت ترفعها الاحزاب الشيوعية اثناء نضالات العمال اليومية ضد النظم المستغلة السابقة. فلم يكن من الجماهير الواسعة الا ان تنقاد الى هؤلاء الذين جاؤوا بوعودهم الخلابة من ديمقراطية الى اصلاحات اقتصادية عن طريق تطوير التبادل على اساس سوقي اي راسمالي بحت بدون الاقنعة الماركسية والاشتراكية.
أخذت هذه الحركات تتطور بسرعة واخذت ابواق الدعاية الامبريالية تكرس لها كل مجهوداتها الى ان بدأت تتحول الى ما يسمى بالمفاهيم الامبريالية ثورات شعبية. وتصر وسائل الاعلام العالمية على ان هذه الثورات جاءت للقضاء على الاشتراكية والعودة الى النظام الراسمالي رغم ان الواقع هو ان الثورة قامت ضد انظمة برجوازية مقنعة باقنعة اشتراكية مهلهلة. وهذا ما نشاهده اليوم  في كافة بلدان اوروبا الشرقية كألمانيا وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا وبلغاريا ورومانيا والمجر. وهو ما سيحدث لا محالة في الاتحاد السوفييتي. اذ ان تخلف الاتحاد السوفييتي في هذا المضمار يرجع الى ان الخروشوفيين زرعوا بذورهم الاولى في ارض اشد صلابة.
نرى من كل هذا ان الاحداث التي تجري في كافة دول المنظومة الاشتراكية اليوم هي نتيجة طبيعية حتمية للسياسات التي سارت عليها هذه الدول منذ ١٩٥٣ حتى اليوم. لقد زرعوا الريح فنضج الزرع وحل موعد حصاد العاصفة. وهكذا فرض الديالكتيك نفسه على الدول التي تخلت عن دراسته وتطبيقه. وتحولت التغيرات الكمية غير المحسوسة خلال عقود معدودة الى تغير نوعي هائل قوض حكم الاحزاب الشيوعية في هذه البلدان وكشف عن كل تفسخ وانحطاط وفساد هؤلاء القادة الذين كانوا حتى الامس يطبلون ويزمرون بالاشتراكية والشيوعية.
وهكذا نال الخروشوفيون التحريفيون هدفين  في آن معا. الهدف الاول هو اعادة الراسمالية الى بلدان بنت او كانت في طريق بناء المجتمع الاشتراكي. وهذا ما جاء شرحه في الصفحات السابقة.
والهدف الثاني هو ان العواصف التي اجتاحت كافة بلدان المنظومة الاشتراكية جاءت وكأنها عواصف تهدف الى دفن الشيوعية وازالة الاشتراكية من الوجود ودق المسمار الاخير في نعش الماركسية. تبدو هذه العواصف وكأنها قد برهنت على ان الاشتراكية العلمية (اي الماركسية) لم تكن سوى احلام طوبائية كان ماركس وهو يجلس على كرسيه الثابت في مكتبة المتحف البريطاني يحلم بها. تبدو هذه العواصف كأنها قد برهنت ان الماركسية ليس لها ولم يكن لها اساس علمي بتاتا. فها قد طبقت الماركسية بحذافيرها عقودا طويلة فتبين الان ان ما اسموه بالاشتراكية لم يكن سوى دكتاتوريات فاشية وان زعماء الاشتراكية الذين حكموا هذه البلاد لم يكونوا سوى عصابات من القتلى والسفاكين والمختلسين ممن سرقوا اموال شعوبهم لتكديسها في البنوك الاجنبية. ان الماركسية والاشتراكية والشيوعية قد فقدت ثقة الشعوب وخصوصا ثقة البروليتاريا التي ادعت انها طليعتها والمناضلة في سبيل تحقيق مصالحها القريبة والبعيدة. تبدو هذه العواصف وكأنها برهنت بما لا يقبل الشك بان الراسمالية هي نظام ازلي لا بديل له. فهنيئا لكم ايها الخروشوفيون على هذين الانتصارين الكبيرين ونرجو ان توفر لكم محاكم الديمقراطية التي حققتموها محاكمات اكثر ديمقراطية من محاكمات اسلافكم في الثلاثينات.
اننا نشاهد اليوم اولئك الذين كانوا حتى الامس يتشدقون بماركسيتهم الخلاقة وباللينينية والاشتراكية ترتعد فرائصهم من مجرد ذكر هذه الكلمات الرهيبة المروعة. ليتهم يستطيعون ان يمحوها من القاموس. لكن هذه الكلمات الملعونة تلاحقهم اينما ولوا وجوههم. انهم يتسابقون في البحث عن اسماء جديدة يستطيعون الانضواء تحتها للتملص من ماضيهم الكريه عليهم ولحماية انفسهم من غضب الجماهير التي شعرت اليوم بانهم كانوا يخدعونها طيلة هذه العقود الطويلة. بل ان الكثير منهم يريدون ان يثبتوا انهم انما كانوا في الحزب معارضين يخالفون القادة المتفسخين وانهم لم يبقوا في الحزب الا اضطرارا خوفا على رقابهم ورقاب عوائلهم. ويسارعون في الانتماء الى الاحزاب المعارضة الجديدة للبرهنة على اخلاصهم وتاييدهم للنظام الراسمالي الجديد.
الى اين؟
جاءت هذه الحكومات الجديدة بمساندة اوسع الجماهير الشعبية تحت شعارات رنانة جذابة كالديمقراطية والحرية والاستقلال والاصلاح والقضاء على الازمة الاقتصادية وتحسين ظروف السكان المعيشية وتوفير المواد الضرورية في الاسواق ورفع الاجور وايقاف ارتفاع الاسعار ومنح الحريات الديمقراطية للجميع واعطاء حرية الكلام والتعبير والتنظيم واجراء الانتخابات الحرة وغير ذلك من الشعارات التي تجتذب الجماهير لحاجتها اليها. فهل تستطيع هذه الحكومات تحقيق هذه الشعارات كلها؟ واذا لم تستطع ذلك فهل تستطيع تحقيق جزء منها؟ وما هي الشعارات التي تستطيع فعلا تحقيقها في هذه الحال؟ كل هذه الاسئلة تتبادر الى ذهن الانسان المتتبع للاحداث.
رأينا ان احد اسباب الازمات الاقتصادية التي عانت منها هذه البلدان او بعضها على الاقل كان غرقها في القروض الامبريالية التي لم تستطع حتى دفع الفوائد عنها بانتظام. والقروض كما نعلم هي استفادة الاجيال الحالية على حساب الاجيال القادمة. فالطفل يولد وهو مدين بجزء من هذه القروض وعليه ان يدفع حصته منها طيلة ايام حياته ليترك الحمل على اطفاله ثم احفاده وهلم جرا. فما الذي فعلته هذه الحكومات من اجل حل الازمات الاقتصادية؟ رأينا ان بولونيا والمجر على الاقل بدأت تعالج القروض بمزيد من القروض الامبريالية ورأينا كيف ان صندوق النقد الدولي استغل الاوضاع الاقتصادية القاسية التي تمر بها هذه البلدان ففرض شروطا مذلة عليها من أجل منحها قرضا قد لا يكفي كله لدفع جزء من الفوائد المستحقة على القروض السابقة. فمن الشروط المعلنة، وهناك دائما كما هو معروف شروط غير معلنة اشد قساوة من الاولى، ان يشرف الصندوق على تسيير الاقتصاد الوطني وأن تدار المشاريع الاقتصادية كلها على اساس الملكية الخاصة وان تقوم الحكومة بتجميد الاجور وان تعادل الاسعار بالاسعار الاوروبية الخ..
نزلت الجماهير الى الشارع من أجل تحسين ظروفها المعاشية فقابلتها الحكومة الجديدة بالخضوع للشروط المذلة التي فرضها عليها صندوق النقد الدولي بان تجمد الاجور. وعدت المعارضة الجماهير بايقاف ارتفاع الاسعار فخضعت الحكومة الجديدة لرفع اسعار المواد الضرورية الى مستوى الاسعار الاوروبية. وعدت المعارضة بالعمل على الاستقلال فجاءت الحكومة تستجدي رؤوس الاموال الامبريالية للتفضل بتوظيف رؤوس اموالها في هذه البلدان واستغلال الايدي العاملة الرخيصة هناك.
نزلت الجماهير وراء المعارضة طلبا للحصول على الديمقراطية وحرية الكلام فاتضح ان هذه الديمقراطية التي تشدقوا بها ليست سوى حرية الراسماليين المحليين والاجانب في استغلال العمال والفلاحين المحليين. وعدت المعارضة الجماهير بتخليصها من التبعية الاقتصادية التي سادت الاقتصاد في هذه البلدان فاتضح ان جل ما تستطيع هذه الحكومات ان تفعله هو ان تحول البلاد من منطقة نفوذ لروسيا الامبريواشتراكية الى منطقة نفوذ للامبريالية الغربية.
بل حتى هذا التحول من البتعية الروسية الى التبعية الامبريالية ليس بالامر الهين. فقد كانت هذه الدول تعتمد في الكثير من وارداتها على الاتحاد السوفييتي. ولم تكن هذه الدول تدفع قيم وارداتها بالعملات الصعبة بل كانت بينها وبين الاتحاد السوفييتي اتفاقات دفع خاصة. فاذا تحولت هذه الدول من تبعية الاتحاد السوفييتي نهائيا الى تبعية امبريالية عليها ان تدفع قيم نفس البضائع بالعملات الصعبة ولذلك  تحتاج الى مزيد من القروض الامبريالية ومزيد من الشروط المذلة المرافقة لها. وهكذا قد تضطر هذه البلدان الى اللعب على الحبلين لمدة معينة فتبقى على بتعيتها للاتحاد السوفييتي  وتوسع من تبعيتها للامبريالية الغربية.
نرى من كل ذلك ان الوعود الرنانة التي اجزلت قوى المعارضة في الاعلان عنها بغية اجتذاب الجماهير الواسعة الى جانبها اختفت حين تسنمت المعارضة زمام الحكم ولم تربح الجماهير من نضالها المتفاني في تحطيم الحكومات الاشتراكية المزيفة السابقة شيئا وبقيت هي هي الصعوبات التي تجابه الكادحين في الحصول على لقمة العيش وبقي هو هو الاستغلال الفظيع الذي ترزح الجماهير تحت نيره. كل ما تغير هو الشخصيات. فبدلا من الاشخاص الذين استغلوا  الشعب باسم الاشتراكية جاء اشخاص يستغلون الشعب باسم الراسمالية والديمقراطية. ويلقى هؤلاء الاشخاص الجدد بركة الكنيسة والعناصر الدينية في داخل البلاد وفي العالم اجمع.
ان سبب عجز هذه الحكومات عن تلبية الوعود التي قطعتها المعارضة على نفسها للجماهير المنتفضة هي ان التغيير الذي حصل لم يكن تغيير نظام استغلالي بنظام اقل منه استغلالا. فالنظام الذي كان سائدا قبل التحول كان نظاما راسماليا يدار من قبل راسماليين يتشدقون بالاشتراكية فتحول الى نظام راسمالي يستغل الشعب متشدقا بالديمقراطية. ولو كان بمقدور الحكومات الجديدة ان تحل الازمات البرجوازية التي تعاني منها بلدانها فان الحكومات السابقة لم تكن اعجز منها في ايجاد نفس الحلول للازمة. المشكلة الحقيقية هي ان الازمة هي ازمة الراسمالية عموما سواء منها المتشدقة بالاشتراكية والماركسية ام المتشدقة بالديمقراطية والحرية. فالازمة مستعصية لا تستطيع حلها اية حكومة راسمالية.
ينجم عن هذا ان هذه الجماهير التي خرجت الى الشارع بامل تحسين ظروفها من كافة النواحي سرعان ما ستصاب بخيبة الامل من هذه الحكومات الجديدة التي لا تختلف عن سابقاتها الا بالكلام. فما الذي تستطيع هذه الجماهير ان تفعله من اجل تحقيق مصالحها هي وليس مصالح الطبقة الراسمالية التي تحكمها؟
لا شك ان الجواب على هذا السؤال معقد وشائك. ان جل ما تستطيعه هذه الجماهير في وضعها الحالي هو اما السكوت والانتظار او القيام بانتفاضات او مظاهرات او تجمعات عفوية غير منظمة. والحركات العفوية كما تعلمنا الماركسية لا تتعدى الحدود البرجوازية وكثيرا ما تستطيع الحكومات الراسمالية تدميرها واصابة القائمين بها بالمزيد والمزيد من الضحايا.
ولكي تكون الحركات منظمة وموجهة توجيها صحيحا يجب ان تكون حركات واعية توجهها نظرية ثورية حقيقية. ولا توجد الان ولا يمكن ان توجد في المستقبل سوى نظرية واحدة واعية علمية تستطيع توعية الجماهير وتوجيهها نحو طريق تحررها الحقيقي وهي الماركسية الينينية. ولكن الماركسية اللينينية اصبحت بغيضة على الجماهير لا يريد احد ذكرها ولهذا تبدو الجماهير وكأنها في حلقة مفرغة لانها من ناحية لا تستطيع تحرير نفسها من الراسمالية بدون النظرية الثورية الوحيدة القادرة على توجيهها في الاتجاه الصحيح ومن ناحية اخرى عانت الجماهير استغلالا فظيعا ولعقود عديدة باسم النظرية الماركسية الى درجة انها لا تحب سماع ذكر هذه النظرية.
ما العمل اذن؟
طريق واحد لا بديل له وهو اعادة الثقة بالماركسية اللينينية والعودة الى اتخاذها دليلا للعمل للبروليتاريا ومن ورائها سائر الجماهير الكادحة ومراتب المثقفين الشعبية في النضالات اليومية والنضالات البعيدة المدى على حد سواء.
رغم الانتكاسات التي اصابت النظرية الماركسية والاشتراكية والشيوعية من جراء سلوك التحريفيين الخروشوفيين لم تعدم هذه النظرية اشخاصا مهما قل عددهم ممن ما زالوا يؤمنون بهذه النظرية وحيويتها وضرورة استخدامها كدليل للعمل ويعرفونها على حقيقتها لا بالشكل الذي خلقه بها الخروشوفيون والتيتويون والاوروشيوعيون بل بشكلها الاصيل المستمد من معلميها الاربعة ماركس وانجلز ولينين وستالين. على مثل هؤلاء الاشخاص تعتمد غملية اعادة الاعتبار للنظرية الماركسية اللينينية. ولكي يستطيع هؤلاء عمل شيء في هذا المجال عليهم ان يسبحوا ضد التيار وان يتحلوا بشجاعة تزيد مائة مرة على شجاعة الشيوعيين الابطال الاوائل لغرض الاعلان عن ارائهم بصراحة وبجرأة مقاومين كل المعارضة التي سيواجهونها حتما من الطبقة العاملة وسائر الجماهير المثخنة بجراح الخداع والاستهتار والتفسخ الذي مارسه ضدهم حكامهم باسم الشيوعية والاشتراكية.
انها مهمة صعبة جدا ولكنها الطريق الوحيد. لذا يجب ان يعمل مثل هؤلاء الاشخاص عملا مثابرا من اجل تجميع اكبر اعداد ممكنة منهم في منظمة دقيقة التنظيم تحاول اقناع وجر عناصر متقدمة من العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين وممارسة العمل في منتهى السرية على ان لا يؤدي ذلك الى الانعزال عن الناس.
كما ان هذه الحركة تجابه بالتأكيد مقاومة شديدة من الناس الذين اكتووا بنار الاشتراكية الزائفة. توجد كذلك عوامل مساعدة من شأنها ان تسهل طريق هذا النضال العسير. واهم هذه العوامل خيبة الامل التي تنتاب الجماهير التي خرجت لتساند على اسقاط الحكومات السابقة املا في تغيير اوضاعها وحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية فوجدت ان قادة المعارضة صعدت على اكتافها لكي تنال السلطة وتقوم هي بنفس الاعمال التي قام بها الحكام السابقون ان لم تكن اسوأ من ذلك. ان خيبة الامل التي تصيب الجماهير تسهل عملية اصغائها الى المناضلين الجدد والى شروحهم ويجعلها تختبر اخلاص هؤلاء واستعدادهم فعلا للنضال من اجل مصالحها الحقيقية.
والعامل الاخر هو الحماس والتفاني الذي يبديه هؤلاء الاشخاص في المعارك التي لابد ان تخوضها الجماهير من اجل الحصول على مطالبها. فكلما كان هؤلاء الاشخاص او المنظمة التي يمثلونها اشد فعالية واكثر تفانيا من اجل مصالح العمال وسائر الجماهير ازدادت ثقة الناس بهم وازدادت امكانيتهم على اقناع الجماهير بصحة نظريتهم وضرورة استخدامها دليلا للعمل في النضالات اليومية التي يخوضونها ضد الطبقات الحاكمة.
والعامل الثالث في هذا المجال هو الرجوع الى دراسة التأريخ دراسة علمية خالية من الاكاذيب والتشويهات والتزييفات التي اضفاها عليه الخروشوفيون بعد خيانتهم للماركسية اللينينية. ان تأريخ الحزب البلشفي وانتصارات شعوب الاتحاد السوفييتي في الثلاثينات لدى بناء اول مجتمع اشتراكي في التأريخ والنقاشات التي وقعت في داخل الحزب البلشفي وخارجه ليست امورا سرية وهي مدونة ومعروفة يمكن العودة اليها ودراستها واكتساب الخبر منها. في  هذه الدراسة التاريخية يستطيع المرء ان يعرف آراء البلاشفة وعلى رأسهم ستالين وآراء مختلف الجماعات الانتهازية التي نشأت في الاتحاد السوفييتي طيلة فترة بناء الاشتراكية. باستطاعة المرء ان يجد في وثائق الحزب وفي كتابات ستالين الردود على الاراء الانتهازية والتحذير من عواقب الايمان بها وتطبيقها. ومن هذا يرى المرء كيف ان تطبيق الامور التي حذر ستالين منها وانتقد الانتهازيين عليها بعد وفاته ادى بالضبط الى النتائج التي توقعها ستالين سلفا وادى بالتالي الى تدمير الاشتراكية واعادة النظام الراسمالي الى الاتحاد السوفييتي والى بلدان المعسكر الاشتراكي.
ومن اهم العوامل المساعدة في هذا المجال المثل الحي للاشتراكية في البانيا. من المعروف ان البانيا خرجت من الحرب ضد المحتلين الايطاليين ثم الالمان مدمرة كل التدمير. وكانت البانيا اكثر بلدان اوروبا فقرا وجهلا. كانت الزراعة فيها لا تختلف كثيرا عن زراعة القرون الوسطى. وكانت الصناعة غير موجودة تقريبا. كان الشعب الالباني اميا لا تعرف اغلبيته الساحقة القراءة والكتابة وكانت المراة مستعبدة للرجل وليس لها اية حقوق تتمتع بها. لم يكن الالبانيون يعرفون النور الكهربائي بل كانوا يستعملون السراج الزيتي في الريف والمصابيح النفطية في المدينة ولم يكن الالباني الذي لم يغادر البانيا قد رأى القطار في حياته. كانت البانيا الجبلية القاحلة مليئة بالمستنقعات والاهوار وكان ٦٠% من السكان على الاقل مصابين بالملاريا واغلبية ساحقة مصابة بالبلهارزيا والامراض الزهرية.
بهذا الوضع بدأ الشعب الالباني مع شعوب اوروبا الشرقية الاكثر منه تقدما في بناء مجتمعه الاشتراكي. ولم يكن ثمة خلاف بين البانيا والدول الاخرى سوى ان الشعب الالباني التف حول الحزب الشيوعي الذي قاده في حرب التحرر. تمسك الحزب الشيوعي الالباني (حزب العمل الالباني حاليا) بالماركسية اللنينية باخلاص واستخدمها دليله في عملية بناء الاشتراكية. وحين جاء الخروشوفيون وسلكوا الطريق المعادي للماركسية اللنينية صمد هذا الحزب وقيادته وعلى راسها انور خوجا في وجه الاغراءات والتهديدات والتخريب الذي مارسه الخروشوفيون ضده فعزلوه ظنا منهم ان البانيا ستنهار اقتصاديا وتتضور جوعا وتركع على ركبتيها طالبة العون والمساعدة. ولكن هذا البلد الصغير استطاع بقواه الخاصة وبسلوك الخط الماركسي الصحيح ان يبني اساسه الاقتصادي الاشتراكي وان يطور زراعته وصناعته تطويرا رائعا متعدد الوجوه. واصبحت البانيا اليوم دولة صناعية زراعية متقدمة توصلت الى الاكتفاء الذاتي في انتاج المواد الغذائية وغنية في انتاج الخامات الزراعية للصناعة لها صناعتها النفطية المتقدمة التي تستخدم النفط المستخرج من باطن الارض  الالبانية ونجحت في ١٩٧٠ في تنوير اخر كوخ في البانيا واصبحت اضافة الى توفير الطاقة الكهربائية لحاجات الصناعة والانارة تصدر الكهرباء الى دول مثل يوغوسلافيا واليونان والمجر. طورت البانيا صناعتها الحديدية وصناعة النحاس والقصدير وهي بين الدول المتقدمة في العالم في انتاج الكوبالت.
ولم يكن تطور الشعب الالباني في البناء الفوقي اقل من تطوره في الاساس الاقتصادي. فقد قضى على الامية وانتشرت الثقافة واسست الجامعة واكاديمية العلوم ومئات الكليات في ارجاء البلاد وأصبح التعليم المتوسط الزاميا. تحررت المراة واحتلت مكانها الى جانب الرجل في العمل والثقافة وفي ادارة الدولة وتوجيه التطور الاقتصادي. قضي على جميع الامراض السارية كليا واصبحت الخدمات الصحية على مستوى عال ومجانية. ردمت المستنقعات وتحولت الى اراض زراعية ضمت الى اراضي المزارع التعاونية وعمت المزارع التعاونية البلاد واخذت تتقدم الى مستويات اعلى بمساعدة سخية من الدولة.
لا تعرف البانيا البطالة والازمات الاقتصادية وأصبحت البلد الوحيد في العالم الخالي من اي نوع من انواع الضرائب. وضيق الفرق بين الاجر الاعلى والاجر الادنى بنسبة ٢ الى ١. يتلقى الانسان المتقاعد في الخامس والخمسين من عمره ٧٠% من اجوره ويتقاعد في سن الخمسين في الاعمال الصعبة كعمال المناجم. والغي الدين في البانيا منذ ١٩٦٧ بعد استفتاء عام اقترحته الشبيبة فلم يعد في ألبانيا اليوم اي انسان يعيش كالعلق على امتصاص دم الانسان بحجة الدين. والبانيا هي البلد المستقل الوحيد من الاستغلال الامبريالي اذ ان الدستور الالباني يعتبر خائنا كل من يقوم بطلب قرض من اية دولة اجنبية. ان مستوردات البانيا تتحدد بمقدار صادراتها ولا تستورد اكثر مما تصدره.
ان المقارنة بين ما الت اليه دول اوروبا الشرقية وحتى الاتحاد السوفييتي بسبب خيانة الماركسية وما توصلت اليه البانيا بسبب تمسكها بالخط الماركسي اللينينيي له اثر كبير على العمال والكادحين في ارجاء العالم. وكما كان الاتحاد السوفييتي قبلة العمال والشعوب وملهمهم في النضال في عهد ستالين اصبحت البانيا اليوم على صغرها قبلة العمال والشعوب المحبة للحرية والخلاص من الاستغلال الامبريالي. ان دول اوروبا الشرقية قريبة من البانيا ولها معها علاقات واسعة ويستطيع الماركسيون  الحقيقيون الاستفادة من المقارنة بين اوضاع بلادهم الغارقة في الازمات وبين البانيا التي نجحت في سلوكها الماركسي اللينيني في التغلب على الازمات الاقتصادية الى الابد. وتشكل مؤلفات انور خوجا عونا كبيرا في هذا المجال اذ اضافة الى تحليل كافة التيارات الانتهازية التحريفية المعاصرة كالخروشوفية التيتوية والاوروشيوعية تقدم شرحا وافيا لتطبيق اللنينية على ظروف العالم اليوم.[2]
بالاستفادة من الظروف السلبية في انظمة الحكم الجديدة ومن الظروف الايجابية المساعدة على اقناع الجماهير بصحة النظرية الماركسية اللينينية وحيويتها وضرورتها لكل شعب يريد التحرر من الاستغلال الراسمالي حقا وحقيقة يمكن اعادة اعتبار الماركسية اللينينية والعودة الى استخدامها من قبل العمال كسلاح ماض في النضال في سبيل الثورة الاشتراكية الحقيقية.
 
حسقيل قوجمان
 
١٩ كانون الثاني ١٩٩٠
 

****************************************************
[1] كتب هذا المقال كرد فعل لانهيار المانيا الشرقية واتحادها بألمانيا الغربية
[2]  كتبت هذه المقارنة مع البانيا حين كانت البانيا سائرة بالخط الذي رسمه لها الحزب الشيوعي بقيادة انو خوجا. ولكننا اليوم نشاهد ان ما حدث في الاتحاد السوفييتي واوروبا الشرقية عند التخلي عن الماركسية حدث في البانيا ايضا بعد وفاة انور خوجا فكانت النتيجة البانيا التي نراها اليوم. هنا برهان اخر على ما يسببه التخلي عن الماركسية من نتائج رهيبة وبرهان اخر على ان الماركسية تثبت صحتها في الانتصارات كما في الانتكاسات. (اضيفت هذه الملاحظة اليوم عند اعداد المقالة للنشر  في الحوار المتمدن)



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنهاية حرب باردة ام بداية حرب حارة؟
- دفاع عن الماركسية في محنتها
- التعايش السلمي من ستالين الى خروشوف
- أزمة الخليج
- زواري الاعزاء
- ذكرياتي في سجون العراق السياسية- الجزء الاول
- ذكرياتي في سجون العراق السياسية- الجزء الثاني
- معركة تفكيك الرؤوس الذرية
- الحرب العالمية الثالثة خصائصها المميزة
- خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الاول
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثاني
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثالث
- كتاب - خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - ...
- كتاب- خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - ...


المزيد.....




- تفريق متظاهرين في -السوربون- أرادوا نصب خيام احتجاجاً على حر ...
- بيان مشترك: الاحزاب والمنظمات تؤكد فخرها بنضالات الحركة الطل ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- الانتخابات الأوروبية: هل اليمين المتطرف على موعد مع اختراق ت ...
- صدور العدد 82 من جريدة المناضل-ة/الافتتاحية والمحتويات: لا غ ...
- طلاب وأطفال في غزة يوجهون رسائل شكر للمتظاهرين المؤيدين للفل ...
- إندبندنت: حزب العمال يعيد نائبة طردت لاتهامها إسرائيل بالإبا ...
- كيف ترى بعض الفصائل الفلسطينية احتمالية نشر قوات بريطانية لإ ...
- حماية البيئة بإضاءة شوارع بتطبيق هاتف عند الحاجة وقلق البعض ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - من يزرع الريح يحصد العاصفة - حول انهيار المانيا الشرقية واتحادها بألمانيا الغربية