أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - ديمتروف والانتقال السلمي الى الاشتراكية















المزيد.....


ديمتروف والانتقال السلمي الى الاشتراكية


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 705 - 2004 / 1 / 6 - 05:24
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حفزني على كتابة هذا المقال نقاش بين السيد بيل بلاند، في جريدة كومباس، لسان العصبة الشيوعية، وبين جمعية ستالين وبعض اعضائها حول ما اذا كان ديمتروف ماركسيا ام تحريفيا.
اقتبس السيد بلاند عبارة جاءت في خطاب لديمتروف القاه في اجتماع في الاول من آذار سنة ١٩٤٦ يقول فيها "في ظروف معينة يمكن بلوغ الاشتراكية بدون انتفاضة مسلحة. وهذه الظروف موجودة الان." وتوصل السيد بلاند من هذا ان ديمتروف كان رائد التحريفية في هذا الصدد.
قبل مناقشة عبارة ديمتروف علينا اولا ان نستعرض موضوع التحول الى الاشتراكية بدون ثورة مسلحة في الادب الماركسي.
استند كارل ماركس في توصله الى الثورة الاشتراكية على قانون اقتصادي هو قانون ضرورة توافق علاقات الانتاج مع قوى الانتاج. فقوى الانتاج، الانسان والطبيعة، في تطور مستمر لا ينقطع في مختلف عصور تطور البشرية لانه ناجم عن عمل الانسان على تطوير الطبيعة وتوجيهها لاغراض اجتماعية. ونتيجة لهذا التطور المستمر يشتد التناقض بين قوى الانتاج المتطورة وعلاقات الانتاج السائدة التي تبقى ثابتة خلال مرحلة من مراحل تطور المجتمع مما يحتم تغيير هذه العلاقات بما يتفق ومستوى تطور قوى الانتاج. الا انه نظرا لوجود قوى، طبقات، تتعارض مصالحها مع تغيير علاقات الانتاج لا يحدث تغيير علاقات الانتاج تلقائيا او بصورة سلسة بدون مقاومة. لهذا يتحقق تغير علاقات الانتاج عن طريق الثورات المسلحة للاطاحة بالطبقات القديمة وتسنم طبقات جديدة للسلطة تنسجم مصالحها مع علاقات انتاج جديدة. هذا ما حدث في ثورات العبيد والثورات البرجوازية على الاقطاع وهذا ما يجب ان يحدث من أجل تغيير علاقات الانتاج الراسمالية الى علاقات انتاج اشتراكية. هذا هو الاساس الذي قاد كارل ماركس الى استنتاج ضرورة الثورة البروليتارية للاطاحة بالراسمالية واقامة دكتاتورية البروليتاريا لاجل احلال علاقات الانتاج الاشتراكية بدلا من علاقات الانتاج الراسمالية.
ان الادب الماركسي غزير في شرح هذا الموضوع في مختلف مراحل تطور النظرية الماركسية اكتفي بايراد اقتباس واحد من ستالين عبر فيه عن ضرورة الثورة من اجل التحول من الراسمالية الى الاشتراكية في حديث جرى بينه وبين اج جي ويلز سنة ١٩٣٤ قال فيه "يستند الشيوعيون على اساس الخبرة التاريخية التي تعلمهم بان الطبقات القديمة لا تتخلى طوعا عن مسرح التاريخ ... ان خبر التاريخ الغنية تعلمنا انه لحد اليوم لم تفسح اية طبقة طوعا الطريق لطبقة اخرى. لم تحدث اية سابقة كهذه في تأريخ البشرية. وقد تعلم الشيوعيون هذا الدرس التاريخي. ان الشيوعيين يرحبون بانسحاب البرجوازية انسحابا خياريا. الا ان مثل هذا التحول التاريخي غير محتمل. هذا ما تعلمنا اياه التجربة. ولهذا يريد الشيوعيون ان يكونوا على اتم الاستعداد لأسوأ الظروف ويدعون الطبقة العاملة لان تكون على حذر وعلى استعداد للمعركة. (ستالين، المؤلفات، م ١٤ ص ٣٧- ٣٨ الطبعة الانجليزية)
ليس الشيوعيون من عشاق الدماء وليست الثورة لديهم غاية بحد ذاتها بل وسيلة لا مفر منها لتحقيق التحول من الراسمالية الى الاشتراكية. فاذا وجدت ظروف تسمح للبروليتاريا ان تتحول الى الاشتراكية بدون ثورة مسلحة فانهم اشد الناس حماسا للاستفادة من هذه الامكانية.
هل وجدت في التاريخ ظروف يمكن معها التحول من الراسمالية الى الاشتراكية بدون ثورة مسلحة؟ نعم لا شك في ذلك.
بحث لينين مثل هذه الامكانية بصورة واضحة في كراسه تكتيكان في الثورة البرجوازية الديمقراطية. في هذا الكراس وضع لينين مرحلتي الثورة في البلدان التي لم تتحقق فيها بعد الثورة البرجوازية ومنها روسيا القيصرية. فبين ان الثورة في مثل هذه البلدان تمر في مرحلتين، مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية ومرحلة الثورة الاشتراكية.
وبين لينين في هذا الكراس ان البرجوازية الروسية اصبحت عاجزة عن قيادة الثورة البرجوازية وانجازها انجازا كاملا جذريا وللك اصبح على البروليتاريا ان تقود هذه الثورة لانها اكثر من البرجوازية اهتماما بتحقيقها تحقيقا ناجزا.
كذلك بين ان تحقيق الثورة البرجوازية بقيادة البروليتاريا من شأنه ان يؤدي الى سلطة جديدة اسماها دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية وهذه بامكانها من اعلى بالاستناد الى حلف العمال وفقراء الفلاحين ان تقود تحول الثورة من مرحلتها الاولى الى مرحلتها الثانية، المرحلة الاشتراكية، اي التحول من الثورة البرجوازية الى الثورة الاشتراكية بدون ثورة مسلحة. الا ان الثورة البرجوازية الاولى الفاشلة سنة ١٩٠٥، والثورة البرجوازية الثانية في شباط ١٩١٧، لم تجريان تحت قيادة البروليتاريا ولم تأت نتيجة لها دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية. وقد اعلن لينين فور سماعه خبر الاطاحة بالقيصرية في ثورة شباط من الصحف السويسريية التحول من المرحلة الاولى من الثورة الى المرحلة الثانية، من الثورة البرجوازية الديمقراطية الى الثورة البروليتارية. فمن الناحية النظرية اذن توجد ظروف معينة يمكن معها التحول من الراسمالية الى الاشتراكية بدون ثورة مسلحة.
بعد ثورة شباط ١٩١٧ نشأ في روسيا وضع خاص لم يسبق له مثيل في التأريخ. نشأت سلطة مزدوجة، سلطة البرجوازية متمثلة في الحكومة البرجوازية التي تشكلت بعد الثورة وسلطة السوفييتات. وقد رأى لينين في هذا الوضع امكانية للانتقال السلمي الى الاشتراكية اذا انتهت فترة السلطة المزدوجة التي لا يمكن الا ان تكون حالة مؤقتة بانتصار سلطة السوفييتات على سلطة البرجوازية. ولذلك رفع حزب لينين في تلك الفترة شعار كل السلطة للسوفييت. ولكن خيانة الاشتراكيين الثوريين والمنشفيك للثورة وخنوعهم للسلطة البرجوازية ادى الى انتصار السلطة البرجوازية على سلطة السوفييتات وانتهت هذه الفترة بتحول السلطة كلها الى البرجوازية. هذا يعني ان لينين في فترة السلطة المزدوجة كان يؤمن بوجود امكانية الانتقال السلمي الى الاشتراكية فهل يستطيع السيد بيل بلاند ان يتهم لينين بانه كان رائد التحريفية الخروشوفية؟
وحالما انتهت فترة السلطة المزدوجة في روسيا وزالت بانتهائها امكانية الانتقال السلمي الى الاشتراكية غير لينين والحزب البلشفي شعار كل السلطة للسوفييتات واعلن من جديد شعار الثورة المسلحة. وقد تم انجاز ذلك في ثورة اكتوبر العظمى. فهل هناك تناقض بين موقف لينين في فترة السلطة المزدوجة وموقفه لدى انتهاء هذه الفترة؟ وهل كان يعني ايمان لينين بامكانية التحول الى الاشتراكية سلميا في روسيا بشروط معينة، شرط تحول كل السلطة الى السوفييتات، رغم ان السوفييتات لم تكن تحت قيادة الحزب الشيوعي، ان لينين قد تخلى عن المبدأ الماركسي في ضرورة الثورة البروليتارية المسلحة لتحقيق دكتاتورية البروليتاريا؟ كلا. اذا وجدت الامكانية فعلى الشيوعيين ان يعلنوا ذلك وان يتمسكوا بها ويحاولوا الاستفادة منها.
وفي ١٩٢١ جاء في خطاب لينين في مؤتمر الاممية الثالثة ما يلي: "لقد طرحت المسألة بالشكل التالي؛ هل يمكننا ان نعتبر ان التأكيد القائل بان المرحلة الراسمالية في تطور الاقتصاد الوطني محتومة بالنسبة للشعوب المتأخرة التي تتحرر الان والتي تلاحظ في اوساطها بعد الحرب حركة في اتجاه التقدم، هو تأكيد صحيح؟ وقد كان جوابنا على هذا السؤال سلبيا. فاذا ما قامت البروليتاريا الثورية الظافرة بدعاية منظمة بين هذه الشعوب، واذا ما ساعدتها الحكومات السوفييتية بجميع الوسائل الموجودة تحت تصرفها، عندئذ يصبح من غير الصحيح التأكيد بان مرحلة التطور الراسمالي هي مرحلة محتومة بالنسبة للاقوام المتأخرة." (لينين، مختارات م١٠ ص ٩٦، الطقعة العربية)
نرى من هذا ان لينين، سنة ١٩٢١، لاحظ امكانية الانتقال السلمي ليس من الراسمالية الى الاشتراكية وحسب بل من مراحل تطور اقتصادي سابقة للاقتصاد الراسمالي دونما حاجة حتى الى المرور في مرحلة التطور الراسمالي. وقد استفاد لينين من هذه الامكانية فقاد الحزب الشيوعي ومن بعده ستالين في اتجاه اعانة شعوب اسيا المتأخرة وحتى قبائل الاسكيمو على التحول الى الاشتراكية مباشرة وبدون ثورة مسلحة.
بل ان لينين ميز هذه الامكانية ليس في الاتحاد السوفييتي فقط بل في اماكن اخرى من العالم ايضا. ففي ١٩٢١ كانت احتمالات قيام ثورة اشتراكية ظافرة ما تزال متوفرة في اوروبا فكان لينين يرى ان بامكان البروليتاريا الظافرة ان تعين الشعوب المتأخرة المرتبطة بها على الانتقال الى الاشتراكية بدون ضرورة المرور في المرحلة الراسمالية على غرار ما فعل الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي.
هل كان لينين محقا في تمييزه لهذه الامكانية رغم ان الثورات البروليتارية لم تتحقق في تلك الفترة؟ نعم طبعا. وهل بقي لينين ومن بعده ستالين متمسكين بهذه الامكانية بعد زوال احتمالات نشوب الثورات الاشتراكية في اوروبا؟ لا. نعلم ذلك من قراءاتنا حول تثبيت الراسمالية لنفسها في كتابات ستالين.
نرى من كل ما سبق ان امكانية الانتقال السلمي الى الاشتراكية لم تكن من اختراع ديمتروف بل ان لينين نفسه تحدث عنها كلما شعر بوجود الامكانية. فميزة الماركسي هي ان يميز الجديد في كل فترة من فترات الاعداد للثورة وان يستغل هذا الجديد لمصلحة الثورة. وليس في كل كتابات لينين وستالين في هذا الصدد ما يمكن اعتباره تخليا عن مبدأ الثورة البروليتارية او جعل شعار الانتقال الى الاشتراكية سلميا وبدون ثورة مسلحة، شعارا عاما شاملا كما فعل خروشوف.
نستنتج من كل هذا اننا حين نثمن قولا ما، علينا ان ندرس هذا القول بالارتباط بالفترة التي قيل فيها لا بتجريدها واخذ كلماتها مجردة والحكم عليها. فهذه الطريقة، طريقة اخذ نص ماركسي، واتخاذه مقياسا للقياس في كل الاوقات ماهي الا الجمود العقائدي باجلى معانيه. لذا، اذا اردنا ان نكون ماركسيين ومنصفين بالنسبة لديمتروف، علينا ان ندرس قوله بالارتباط مع الظروف التي سادت العالم في سنة ١٩٤٦.
اسمحوا لي هنا ان اقتبس قول ديمتروف كاملا وليس بالاقتضاب الذي اقتبسه فيه السيد بيل بلاند. يقول ديمتروف "فالثورة المسلحة ليست ضرورية حتميا، ففي ظروف معينة يمكن بلوغ الاشتراكية بدون ثورة مسلحة. ان هذه الظروف موجودة الان؛ من الناحية الاولى دولة اشتراكية عظمى لها تأثير سياسي واخلاقي عظيم، الاتحاد السوفييتي، ومن الناحية الثانية، تجري تحولات ديمقراطية في عدد من البلدان تمهد الطريق الى الاشتراكية (ديمتروف، المختارات، م ٢ ص ٣٥٦ باللغة الانجليزية).
هل يمكن اعتبار هذه العبارة تعميما للانتقال السلمي الى الاشتراكية كما فعل السيد بلاند، استنادا الى كلمات العبارة ومناقضتها في الكلمات لمبدأ ضرورة الثورة المسلحة؟ اعتقد ان سلوك السيد بلاند هنا جمود عقائدي وحتى من وجهة نظر الكلمات المجردة علينا ان نميز بين الامكانية المتوفرة في ظروف معينة وبين الامكانية الشاملة في جميع الظروف. وكلام ديمتروف يؤكد على وجود ظروف معينة لهذه الامكانية، ويبينها باختصار بوجود الاتحاد السوفييتي والتحولات الديمقراطية الجارية في بعض البلدان. فاذا توفرت هذه الظروف المعينة وجدت الامكانية وهذا يعني انه اذا لم توجد هذه الظروف المعينة لا تتوفر الامكانية. اعتقد ان توصل السيد بلاند الى ان ديمتروف قد عمم امكانية الانتقال الى الاشتراكية سلميا كما فعل خروشوف منقوض من اصله وان استنتاج السيد بلاند يستند الى رأيه الراسخ في تفكيره حول ديمتروف.
ويمند قول ديمتروف الى القول بان هذه الظروف موجودة الان. فما هو واجب الماركسي في مناقشة قول ديمتروف؟ واجب الماركسي هو ان يدرس ظروف العالم سنة ١٩٤٦ لفحص ما اذا كانت هذه الامكانية متوفرة في اي مكان في العالم. هذا هو السلوك الماركسي الوحيد في مثل هذه الحالة.
ما هي الظروف العالمية في سنة ١٩٤٦؟ خرج العالم لتوه من الحرب ضد النازية. وقد تضمن ذلك ملاحقة الجيش الاحمر للجيوش الهتلرية حتى برلين. وقد تحررت دول الاحتلال النازي، بنضال شعوبها بمساعدة الجيش الاحمر، من جيوش الاحتلال والحكومات الرجعية الموالية للنازية فيها. وكانت في جميع بلدان اوروبا الشرقية قد تشكلت حكومات وطنية من كافة العناصر التي ساهمت بقدر ما في معارضة الاحتلال النازي. وحازت الاحزاب الشيوعية بمكانها اللائق في هذه الحكومات بصفتها اكثر الاحزاب جدية وتضحية في النضال ضد النازية، ولعدم وجود دول امبريالية تمنع احتلال الاحزاب الشيوعية مركزها اللائق بها, كما حدث في فرنسا وايطاليا مثلا، ولكن هذه الحكومات لم تكن دكتاتوريات بروليتارية باي شكل من الاشكال. ولكن وجود الشيوعيين على راس هذه الحكومات، واستنادها الى الطبقات الشعبية الكادحة ووجود الجيش الاحمر جعل بالامكان ان تتطور هذه الحكومات عاجلا ام اجلا الى حكومات ديمقراطية شعبية ذات صفة اشتراكية، اي الى شكل من اشكال دكتاتورية البروليتارية، بدون ان تحتاج الى ثورة مسلحة. وهذا ما حدث في اغلب بلدان اوروبا الشرقية في السنوات التالية لسنة ١٩٤٦ ان لم يكن في جميعها. فهل كانت هذه الظروف المعينة لامكانية التحول الى الاشتراكية موجودة في سنة ١٩٤٦ كما قال ديمتروف؟ لا شك انها كانت موجودة وميزة ديمتروف الماركسي انه ميز هذه الظروف ولاحظ هذه الامكانية في الوقت المناسب وقاد حزبه والشعب البلغاري في هذا الاتجاه.
بل ان الاوضاع في الشرق الاقصى كذلك كانت تسير في هذا الاتجاه هي الاخرى. فالثورات في فييتنام وبورما واندونيسيا والملايو الفيليبين والصين وكوريا الشمالية كانت كلها تسير في هذا الاتجاه. فهناك كانت تجري الثورات البرجوازية ضد الامبريالية والحكومات شبه الاقطاعية وفقا لنظرية لينين في تكتيك الشيوعيين في الثورات البرجوازية، اي ثورات برجوازية بقيادة الطبقة العاملة. وقد نجح عدد من هذه الثورات في فييتنام والصين وكوريا ونشأت حكوما ثورية بقيادة الطبقة العاملة وكان من واجب هذه الحكومات الثورية ان تنتقل في الثورة الى مرحلتها الثانية، مرحلة الثورة الاشتراكية، من اعلى ومن اسفل بدون حاجة الى ثورة مسلحة وقلب نظام الحكم او الاطاحة بطبقة حاكمة. ان عدم استمرار الاحزاب الشيوعية بالسياسة الصحيحة التي تحقق هذه الامكانية، تقع مسؤوليته على هذه الاحزاب. ولكن هذا لا ينفي وجود الامكانية وامكانية تحقيقها في تلك الفترة لو مارست الاحزاب الشيوعية سياسة ماركسية لينينية صحيحة.
وليسمح لي القارئ ان اقتبس هنا فقرة من خطاب ديمتروف جاءت في نفس الصفحة يمكن اتخاذها ردا ماركسيا رائعا على السيد بلاند. يقول ديمتروف: "ثمة اناس في بلادنا تعلموا شيئا عن ماركس الا انهم تعلموه كالببغاء. انهم لا يتقنون ماركس اتقانا خلاقا، كدليل للعمل، بل كعقيدة جامدة. علينا ان نكون ماركسيين خلاقين اي علينا ان نرى الامور الجديدة التي ادخلها لينين بعد ماركس. فباستيعابنا الامور الجديدة في الماركسية استيعابا واعيا نستطيع حل مسألة الانتقال من الراسمالية الى الاشتراكية حلا صحيحا، اخذين بنظر الاعتبار الاوضاع الموضوعية السائدة في بلادنا، بأخذنا في الحسبان ميزاته الاقتصادية والثقافية والقومية والتاريخية. فاذا اتقنا اسس الماركسية اللنينية فان هذا العلم يخدمنا كدليل للعمل وليس كوصفة لجميع البلدان ولجميع العصور والظروف. فلا توجد ولن توجد وصفة كهذه. (ديمتروف، نفس الصفحة المذكورة اعلاه)
اعتقد ان ديمتروف في عبارته هذه كان هو الماركسي اللينيني وان السيد بلاند ليس ماركسيا في معالجته لعبارة ديمتروف وانه لم يكن منصفا في توصله الى اعتبار ديمتروف في عبارته هذه رائد التحريفية الخروشوفية.
ديمتروف وعدم حتمية الحرب العالمية
لكي يبرهن السيد بلاند على ان اتجاه ديمتروف "التحريفي" ليس صدفة ولا اتجاها عرضيا او سهوا بل اتجاها ثابتا اورد قولا اخر لديمتروف اقتبسه من خطاب القاه سنة ١٩٤٨. قال ديمتروف "علينا ان نعلم بالتأكيد ان حربا عالمية جديدة في ايامنا ليست حتمية ولا وشيكة الوقوع". وتوصل السيد بلاند من هذا الى ان ديمتروف قد نقض مقولة لينين القائلة بحتمية الحرب العالمية في عصر الامبريالية. ثم استشهد بعبارات من ستالين اعتبرها ردا على ديمتروف سيجري اقتباسها واقتباس غيرها في المكان المناسب.
ان انتهاء الحرب العالمية الثانية خلف كما هو معلوم تغييرات عديدة على الاوضاع السياسية والاقتصادية في جميع انحاء العالم. وكانت احدى هذه التغيرات الهامة التي طرأت على الوضع العالمي بعد الحرب والتي ميزها الشيوعيون وعلى رأسهم ستالين هي ان الحرب العالمية لم تعد حتمية. ان الشعوب تستطيع ان تمنع وقوع حرب عالمية جديدة حتى بوجود الامبريالية. على هذا الاساس وجه ستالين نداءه الشهير "ان السلم سيصان ويتعزز اذا ما اخذت الشعوب قضية السلام بايديها ودافعت عنها حتى النهاية. ان الحرب يمكن ان تصبح حتمية اذا افلح مشعلو الحروب في الايقاع بالجماهير بأحابيلهم بخداعها وبجرها الى حرب جديدة". (ستالين، المؤلفات، م ١٦ ص ٢٦٨ الطبعة الانجليزية)
وقد نشأت حركة السلام العالمي الواسعة التي ضمت مئات الملايين من جميع الاتجاهات السياسية والديانات والطبقات والمراتب الاجتماعية تحت قيادة الاتحاد السوفييتي وبتوجيه ستالين في ارجاء العالم وشعارها الاستراتيجي الوحيد هو منع وقوع الحرب العالمية. قامت هذه الحركة الديمقراطية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا في سعتها وشمولها على اساس واحد هو ان بالامكان منع وقوع الحرب العالمية.
هل كانت حركة السلام العالمي هذه حركة معادية للينينية لانها اتخذت شعار منع الحرب العالمية الثالثة ولايمانها بان الحرب العالمية يمكن منعها وهي غير حتمية بخلاف اوضاع ما قبل الحربين السابقتين؟
ان الظروف التي تحدث عنها ستالين وديمتروف وسائر الشيوعيين، ظروف وجود المعسكر الاشتراكي ووقوفه على رأس نضال شعوب العالم المحبة للسلام في النضال من اجل منع وقوع الحرب العالمية كانت موجودة وقائمة وسارت بخطى ثابتة نحو الهدف الذي رفعته كشعارها الاستراتيجي. واذا كانت الظروف العالمية قد تغيرت بعد وفاة ستالين ووصول التحريفيين الخروشوفيين الى السلطة وتحويل المعسكر الاشتراكي كله في اتجاه عودة الراسمالية فتحطم المعسكر الاشتراكي وانهار الاتحاد السوفييتي معقل الاشتراكية وحصن السلام واندثرت حركة السلام وتحقق تحذير ستالين بان الحرب تصبح حتمية اذا ما افلح مشعلو الحروب في خدع الشعوب فلا ينقض ذلك باي شكل من الاشكال صحة التحليل الماركسي لظروف ما بعد الحرب والتوصل الى عدم حتمية الحرب العالمية.
فأين المغالطة التي لجأ اليها السيد بلاند في هذا الموضوع؟ وكيف استطاع ان يقتبس ستالين للرد المزعوم على ديمتروف؟
يبدو لي ان السيد بلاند غالط في عدم التمييز بين الحرب العالمية والحروب عموما. كانت الحروب ظاهرة دائمة رافقت كافة عصور الانسانية المعروفة. ولذا لم يكن اي جديد في التوصل الى حتمية الحروب في عصر الامبريالية لانها كانت حتمية حتى قبل ذلك. فالجديد الذي توصل اليه لينين عن طريق دراسة الاوضاع العالمية في عصر الامبريالية، اي في عالم نم اقتسامه لصالح دول امبريالية معينة، واستنادا الى ان عدم استواء التطور في عصر الامبريالية يؤدي حتما الى ان الدول المحرومة من المستعمرات والاسواق لابد ان تحاول الحصول على حصتها من هذه المستعمرات والاسواق بما يتفق وتغير الاوضاع الجديدة في العالم الامبريالي وهذا الاقتسام لا يمكن ان يتم في التالي الا عن طريق الحرب، فان الحرب العالمية اصبحت حتمية. فمبدأ لينين في حتمية الحرب كان منذ البداية مقصورا على الحرب العالمية. وهذا هو الجديد على الماركسية في عصر الامبريالية. والمغالطة التي لجأ اليها السيد بلاند هي انه اقتبس عبارة لستالين حول الحروب عموما متجاهلا ان ديمتروف يتحدث صراحة عن الحرب العالمية.
لنعد الان الى موضوع حتمية الحروب بين الدول الراسمالية في آخر كتابات ستالين المعروفة، كراس المسائل الاقتصادية للاشتراكية في الاتحاد السوفييتي.
كان ستالين كما سبق ان رأينا قد توصل الى عدم حتمية الحرب العالمية في ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد بنى استنتاجه على ان الحرب العالمية تتطلب دخول المعسكر الاشتراكي في الحرب. فكل حرب لا تضم المعسكر الاشتراكي الذي كان انذاك يضم ثلث العالم تقريبا لا يمكن ان تكون حربا عالمية.
وبما ان المعسكر الاشتراكي وشعوب العالم الراسمالي كانت تناضل كلها من اجل السلام، ونظرا الى ان الشعوب لم تكن مستعدة للدخول في حرب ضد المعسكر الاشتراكي، ونظرا الى ان الحرب ضد المعسكر الاشتراكي تعرض النظام الراسمالي نفسه الى خطر الانهيار، فان الحرب العالمية لم تعد حتمية، بل اصبح بالامكان منع وقوعها وتفاديها.
يقول ستالين: "ان هدف حركة السلام الحالية هو انهاض الجماهير الشعبية للنضال من احل صيانة السلام ومن اجل منع حرب عالمية اخرى." (ستالين، المؤلفات م ١٦ ص ٣٣١)
واضح من هذا ان ستالين يؤمن بعدم حتمية الحرب العالمية الجديدة ولهذا يؤمن بان حركة السلام تستطيع ان تمنع وقوعها.
كان الماركسيون طيلة هذه السنوات على علم بنظرية ستالين في عدم حتمية الحرب العالمية ولذلك ساهموا في حركة السلام وقادوها من اجل تحقيق هدفها، منع وقوع الحرب العالمية، اي حرب تضم الى جانب العالم الراسمالي الثلث الاشتراكي الاخذ في الاتساع. ولو لم يعتقد الشيوعيون بان الحرب العالمية اصبحت غير حتمية لما اتفقوا مع هدف حركة السلام لاستحالة تحقيقه ولرفعوا شعار تحويل الحرب الامبريالية الى حرب ثورية.
كتب ستالين الكراس المذكور اعلاه كما هو معروف لتوضيح المشاكل التي نشأت اثناء النقاش على مسودة كتاب الاقتصاد السياسي الذي كان يعمل على تأليفه عدد كبير من خيرة علماء الاتحاد السوفييتي. وقد اظهرت النقاشات، بين ما اظهرت، ان بعض الرفاق ذهبوا بعيدا فاعتقدوا ليس فقط ان الحرب العالمية اصبحت غير حتمية بل ان الحروب بين الراسمالية عموما اصبحت غير حتمية.
وكان رد ستالين على هؤلاء الرفاق كما يلي: "ان بعض الرفاق يعتقدون انه نظرا لتطورات الوضع العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، لم تعد الحروب بين الدول الراسمالية حتمية ... ان هؤلاء الرفاق على خطأ.
وبعد ان ناقش تطور الوضع العالمي في المستقبل بايراد امثلة مفصلة حول تطور البلدان التي اخضعتها الامبريالية الاميركية سواء منها الدول الحليفة او الدول المقهورة يقول: "لذا فان حتمية الحروب بين الدول الراسمالية هي الاخرى تبقى نافذة. ان إزالة حتمية الحرب تتطلب بالضرورة ازالة الامبريالية." (نفس المصدر ص ٢٣٠- ٢٣٣).
ان السد بلاند بخلطه الحرب العالمية بالحروب عموما اورد عبارة ستالين حول حتمية الحروب عموما كرد على عدم حتمية الحرب العالمية التي تحدث عنها ديمتروف في خطابه.
ان ديمتروف في هذه النقطة هو الماركسي اللينيني والسيد بلاند في هذه الحالة هو الذي حرف كلام ستالين.
حسقيل قوجمان
١٤ تموز ١٩٩٥



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما يصبح البتي برجوازي شيوعيا
- سياسة الاحلاف والجبهات بين الماركسية والانتهازية
- عبادة الشخصية بين المادية والمثالية
- عراق اليوم بنظر ماركسي يتتبع الاحداث من بعيد
- الحوار المتمدن
- مستلزمات انشاء الحزب البروليتاري الجديد
- من يزرع الريح يحصد العاصفة - حول انهيار المانيا الشرقية واتح ...
- أنهاية حرب باردة ام بداية حرب حارة؟
- دفاع عن الماركسية في محنتها
- التعايش السلمي من ستالين الى خروشوف
- أزمة الخليج
- زواري الاعزاء
- ذكرياتي في سجون العراق السياسية- الجزء الاول
- ذكرياتي في سجون العراق السياسية- الجزء الثاني
- معركة تفكيك الرؤوس الذرية
- الحرب العالمية الثالثة خصائصها المميزة
- خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الاول
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثاني


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - ديمتروف والانتقال السلمي الى الاشتراكية