|
دور المؤسسات التعليمية في توعية المجتمع
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2356 - 2008 / 7 / 28 - 10:38
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لاشك ان الدراسة الجامعية و باعتبارها مؤسسة اكاديمية ثقافية عامة لم تعد مجرد مؤسسة تعليمية معرفية دقيقة بالعلوم النظرية و العملية لاختصاصات مختلفة ، او ممارسة للتجارب الحقلية و المختبرية اي العلوم التطبيقية فحسب بل هي مؤسسة مدنية عامة عليها العمل على دراسة مشاكل المجتمع و تقييمه و ادراك اوضاعه السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية، و تحديد نقاط ضعفه و قوته و كيفية ايجاد البديل المناسب لما هو غير مناسب و مرً عليه الزمن و ابتذل، اي العمل كمؤسسة استراتيجية هامة في كافة المجالات و طرح الاراء و الافكار و الحلول للقضايا بما هو خير في طريق تقدم المجتمع، اي مؤسسة متجانسة مع اوضاع المجتمع ، و الاهتمام لن يكون عن طريق تطوير منتسبيها فقط و انما التاثير على كافة شرائح المجتمع و ايصالها الى المستوى المطلوب من التقدم و تقديم العون لايصال المجتمع ككل لطريق الحياة الحرة الكريمة من الرفاه و السعادة و الحرية و السلام كتحصيل حاصل لتنفيذ الواجبات التي تقع على عاتقها و تنصب في خدمة المجتمع، بالاضافة الى مواكبة العلم و التطور الحاصل عالميا ، و يجب ان يكون للمجتمع و المؤسسات المدنية و منها التعليمية تاثير متبادل على بعضهما البعض، لا يمكن ان يبقى مجتمع متخلف و فيها من الجامعات العصرية الحضارية التقدمية، اي ان كانت فعالة في اعمالها و واجباتها يجب ان تؤثر بشكل و اخر على مستوى المجتمع من كافة جوانبه، اي الجامعة و المجتمع تواكبان بعضهما للتقدم بخطوات ثابتة و سريعة نحو مستقبل تتحقق فيه العدالة الاجتماعية و الازدهار الاقتصادي و النضج الفكري . لعل افضل ما يمكن ان يفعله اي بلد من اجل مستقبله هو ان يعد اجياله اعدادا صحيحا و يؤهلها بكافة المستلزمات العصر و التقدم لكي تكون جديرة بتسلم مسؤوليتها مستقبلا، و تبوء مراكزه القيادية، و لذلك علينا تهيء الفرص الكافية لتلك الاجيال لتعد نفسها من اجل هذه المهمة و ليس هناك افضل من المؤسسات المدنية و التعليمية بشكل خاص في اداء هذا الواجب و العمل الضروري . من المعلوم ان الثقافة لا تقتصر على معرفة ما يختص به الفرد من علوم و فنون، بل تتعدى ذلك الى فهم الواقع السياسي الاقتصادي و الاجتماعي الذي يعيشه البلد. و نحن نعيش في العراق المتحرر حديثا من الحكم المركزي المطلق الذي سيطر على كافة مسارات الحياة بما فيها المؤسسات التعليمية و فرض الافكار و الايديولوجيات و المناهج الخاصة فيها و بطريق التسلط و الفوقية فقط، مما ظهرت و عملت هذه المؤسسات التعليمية كدوائراستخبارية، و لم تنتج هذه المؤسسات طيلة عهد الدكتاتورية ما في خير و سلام المجتمع من الناحية العلمية و الانسانية اللهم الا هنا و هناك و بجهود فردية ذاتية بحتة من قبل بعض العلماء المحايدين و الباحثين الحقيقيين، لان الايديولوجية الحزبية هي التي ادارت هذه المؤسسات و تدخلت في هذا المضمار ايضا و منحت الشهادات الفخرية و الصورية لمن لا يستحق و بدون اية معايير علمية مهنية محايدة بل الحزب القائد هو الذي منح الشهادات و الوثائق العلمية و احل الحزب محل المؤسسات التعليمية في اكثر الاحيان. لذلك شاهدنا وضع الجامعات في التخلف المستمر بحيث عمل المتلقي للعلم اما من اجل الشهادة فقط اي الهروب من الحروب و الويلات او من اجل المناصب الادارية الحزبية التي فرضتها الحكومة و الحزب، و لو قارننا انفسنا بالامم المتحررة الاخرى و الوضع الذي تعيش فيه نتاكد بان العمل صعب و الطريق طويل و يحتاج الى جهود للعودة الى الطريق الصحيح. ان كنا نعتمد على الجامعات في تقييم الوضع الاجتماعي السياسي و استعمالها كوسيلة علمية هامة لايجاد الحلول العلمية الاكاديمية لكافة المشاكل ومن كافة الاوجه و النواحي و في مقدمتها الوضع السياسي و الثقافي ، لابد ان نهتم بالمؤسسات العلمية و الجامعات بشكل خاص و ضمان الحرية الكاملة لها في عملها و تحقيق اهدافها . الوضع العراقي الحالي يتطلب من المؤسسات الاكاديمية المختصة ان تتحرر اكثرفي عملها ، و اولى مهامها الانسانية السياسية وكفلسفة جديدة للعراق الجديد ان تدرس الوضع السياسي العراقي و الاحزاب السياسية و الافكار الجديدة و المؤثرات العالمية و الظروف الذاتية و الدولية في العصر الحديث، و تحديد الطرق و المسالك الهامة لذاتية هذه الاحزاب والحركات السياسية و تحديد ما هو الاهم و الملائم للوصول الى المبتغاة استنادا على التقييم العلمي الصحيح في المجتمع ، لذلك على المؤسسات العلمية و الاكاديمية ومن اهم واجباتها التقدمية هو التدخل في المسيرة الساسية العامة و بعيون و اعمال محايدة لتقييم و كيفية تسيير المجتمع و ادارته . التقييم المختبري للوضع العام للمجتمع الذي توجد فيه المؤسسات العلمية بالدراسة و التمحيص و الدقة يمكن ان نتعرف على واقع الشعب و امكاناتنا المادية و البشرية و اهمية العقول النيرة المتوفرة، و باعتبارها اهم مراكز للاعداد الفكري و التربوي في المجتمع،و من اهم واجبات هذه المؤسسات هو التدخل لتحديد الطرق و المسارات العلمية المثلى الحديثة للتربية و اعداد المناهج الحداثوية الانسانية في المضمون و العمل لمحو اثار عهود القهر و الظلم و الغدر ، وللمؤسسات القدرة الكافية نسبيا في هذا المضمار و المسار الحيوي لضمان التقدم و المستقبل الصحيح للاجيال . ان الخناق الداهم للعقول و انعدام الحرية و الديموقراطية الحقيقية فرضت على العلماء عدم الخوض في هذه الاعمال الحساسة للمؤسسات العلمية، لذلك نرى ان الدراسات العلمية الاكاديمية بالطرق الحديثة حول العراق و ما جرى فيه من قبل العراقيين انفسهم قليلة جدا، و لحد اليوم لم يُحدد بشكل اكاديمي علمي حيادي صحيح اين تكمن نقاط الضعف و القوة في تكوين و تركيب الاجتماعي السياسي للشعوب العراقية اذا استثنينا البحوث و الدراسات القيمة المفيدة للدكتور علي الوردي و ما كان اهتمامه منصب في اكثرها على الجوانب الاجتماعية الاخلاقية،اما الحالة السياسية البحتة انه لم يتعمق فيها بشكل وافي و لاسباب معروفة للجميع، وان شاهدنا دراسة هنا و هناك فانها تقتصر على الجانب الواحد او مزيج مختلط من الجوانب التي لها علاقات مباشرة مع بعضها، و لم نتمكن ان نخرج بنتيجة واضحة عند تفحصها بشكل دقيق . لذلك علينا ان نعلن بصراحة هنا على انه ليست هناك دراسة خاصة بمعنى الكلمة في الجوانب السياسية للعراق في عهد الدكتاتورية و تكون بشكل محايد و علمي بمعنى الكلمة، و به نتوصل الى نتيجة و هي على الجامعات و المؤسسات العلمية كافة العمل الدقيق على دراسة الوضع العام بكافة جوانبه، و هذا ما يحتاج الى معاهد استراتيجية علميةمنبثقة من المؤسسات العلمية بالاعتماد على الاكاديميين و المثقفين و الساسة المستقلين المتنورين لاعداد دراسات و بحوث مستفيضة ، ومن خلالها يتمكن الفرد ان يشير الى الواجبات و المهام لكل جهة و التي تقع على عاتق المواطن و الجامعي الاكاديمي المثقف و السياسي للعمل في الاتجاه الصحيح ، و الخطوة الاولى لانبثاق هذه المعاهد و المراكز الاستراتيجية تكون بتشكيل لجان خاصة من الاختصاصيين و بمساعدة الجميع اي الحكومة و منظمات المجتمع المدني و التعليمي، عندئذ يمكن لهذه المؤسسات ان تقحم بنفسها في مشاكل المجتمع و كيفية حلها، و به يتبين دور المؤسسات التعليمية الحقيقية في توعية المجتمع و تصحيح مسار حياته، و هو الخطوة الاولى للمسيرة الطويلة . ان التطور الذي نتلمسه يوميا في العالم و بنسب مختلفة من مكان لاخر ،ان بحثنا في منابع تحفيز و عمله و ان اردنا العمل على هذا المنوال يتوضح مدى وتاثير عمل المؤسسات العلمية و المدنية فيه بوضوح و اول الخطوات بعد تشخيص الثغرات و السلبيات يتم عن طريق الانتقاد العلمي الحيادي البناء لها، و العمل على ازالة السلبيات و ردم الثغرات بالتجديد و التطور و عبر مراحل تحول نوعي او بتغيير جزئي متواصل، ولتنظيف الطرق و اتباع الاسلوب الملائم لابد من ازالة العوائق و تصفية العقبات، و بالطرق العلمية تنظم الممارسات العملية على ارض الواقع . لابد ان يكون التغيير في البنى الفوقية قبل اي شيء اخر ، اي انبثاق افكار جديدة لمواجهة الافكار و الايديولوجيات القديمة، ومن خلال هذه العملية يظهر التجدد و مساره و اهدافه الرئيسية و مضامينه، و لذلك لا يمكن الثبات او التوقف ضمن قيود و اطر القوانين الموجودة بل الواقع نفسه يفرض السعي الى فتح طريق تلائم مع الوضع الجديد و من ثم التغيير في البنية التحتية، و حينئذ يبدا العمل على تهديم البنى القديمة من اشكال الانتاج و العلاقات العمل البالية التي تعرقل هذا المسار و فيه يتحقق التطور . العراق مستعد اليوم للعمل على ذلك التغيير بالطرق و الوسائل المتوفرة و لكنه يحتاج الى قوى متعددة و متكافئة لتهديم كل ما يمت بصلة بالقديم المضر و احلال الجديد و المتطور مكانه سوى ما كان يخص البنى الفوقية او التحتية ، و العوامل التجديد هي قدرة المؤسسات المدنية و الاكاديمية للضغط على السلطات او بمساعدة السلطات و العمل على التغيير و التجديد الاجتماعي الاقتصادي الثقافي السياسي، و هذا ما يحتاج الى الوقت و العقل ، والبداية صعبة في كل عمل ، و اتباع الاسلوب الامثل يحتاج الى الدراسات و الاختبارات لاختيار الاصح ، وهذا من واجب المؤسسات و المعاهد الاكاديمية العلمية الثقافية الساسية.
#عماد_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في حضرة المسؤول الشرقي المبجل
-
الاعتراف بتقرير المصير للشعوب كحق من حقوق الانسان
-
ما بين مؤتمري نقابة صحفيي كوردستان و العراق
-
مجتمع مدني و فلسفة نظام حكم جديد في العراق
-
نحتاج الى الاشتراكية ام الليبرالية في العراق اليوم?
-
نعم انها انسانة حقا
-
الاحساس بالاغتراب رغم العيش بحرية في الوطن
-
الشعب العراقي بحاجة الى الحب و الحرية و الحماس و الحكمة في ا
...
-
من هم دعاة حقوق و حرية المراة؟
-
حذار..............مازال امامنا الكثير
-
التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان استنادا الى قرارات محكمة د
...
-
سالني استاذي عن جاويد باشا
-
ما دور اقليم كوردستان في دعم استتباب الامن و ترسيخ السلم الع
...
-
من اجل قطع دابر الدكتاتورية في العراق
-
المجتمع العراقي بحاجة ماسة الى ثقافة السلام
-
من اجل اجتثاث ظاهرة التهجير من جذورها
-
المجتمع العراقي بحاجة ماسة الى ثقافة الحوار
-
اين اليسار الكوردستاني في الوضع الراهن
-
العراق و ثقافة الخوف
-
الجوع يفتت وحدة الارض و يمزق اوصال الشعب
المزيد.....
-
أكثر من 700 حريق غابات تستعر في كندا بينها 200 خارج السيطرة
...
-
يواجهون البحيرة ويصرخون.. -نادي الصراخ- في شيكاغو يشهد إقبال
...
-
-وكمان مصاريف على الفاضي-.. نجيب ساويرس يعلق على منشور بشأن
...
-
وسط أزمة الجوع.. حالة يأس تنتاب الفلسطينيين مع إنزال مساعدات
...
-
مشوّهون ومنسيّون، ناجون كوريون من هيروشيما يتحدثون لبي بي سي
...
-
ما تأثير اعتراف ماكرون المزمع بدولة فلسطينية في الداخل الفرن
...
-
إيطاليا: القضاء يُخلي مسؤولية ميلوني في قضية ترحيل مسؤول ليب
...
-
مدير مستشفى حمد بغزة: الحرب رفعت إصابات بتر الأطراف بنسبة 22
...
-
ماذا يعني إيقاف آخر البرامج السياسية بتونس؟
-
من أنقاض زلزال.. بحرينية تستكشف سحر -الغابة الغارقة- في كازا
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|