أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الطلسَم السابع *















المزيد.....

الطلسَم السابع *


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2333 - 2008 / 7 / 5 - 10:00
المحور: الادب والفن
    



من مدوّنة مجهول /
بُعيدَ غيبة أيام ثلاثة حسب ، كان على الشاب ، الهارب ، أن يطلّ على مسقط رأسه بطلل قلبٍ منكسر ، مثقل بعبارة متأسّية : " ليست هذه بحال ، مدينتي التي أعرفها " . في وقتٍ آخر من ذاكَ النهار ، لما أرشدَ بعضَ العابرين لكهف الغيبة ، كان تغرّبه أخفّ ؛ حتى لقد همّ أن يعانقهم بودّ مخلص ، مبرهن على أنّ مظهرَه أنسياً ما فتأ . كان قد أودَع الرفقة ، الشهيدة ، في عناية عابري السبيل أولئك ، لينحدر من ثمّ بإنجاه سفحه ، المُغلف بضباب عميق ، حجَبَ مشهدَه الحبيب . مفكراً أنها حماقة ولا شك ، طردَ فكرة من رأسه ؛ أن يحاول التسلل للحارة ، عله يحظى بلمعة سراب . توجّب عليه التسكع في دورة نهاريّة ، مطوّلة ، قبل أن تجدَ خطاهُ مُستقراً ، رخيّاً ، في مهبط الحديقة الكبرى . مشاهدات يومه هذا ، الأشبه بالمعجزة ، أقنعته ألا يهجسَ بخرافة الرغيف ، بل أن ينهمكَ في نبش تربة الذاكرة .

كم تندروا بخفته ، ذلك اليوم ، فيما كان يمضي أمامهم دليلاً ؛ هوَ المُتسلق الصخور ، غيرَ عابيء بشظاياها وأشواكها ، ولا بصيحاتٍ متخلّفة خلفه . كان يعرفُ ، ولا شك ، المسالكَ هذه . إنه إبن " قاسيون " ؛ الجبل الأسطوريّ ، المحتبي مشاهدَ ومغاور ، مقدّسة . كان مصادفة ً ، إختياره ذلك الكهف ، غير البعيد عن " مغارة الدّم " ؛ عن محجّ المؤمنين ، الذين يأتونه من أصقاع الأرض ، لمعاينة أثر الأخ القتيل على الحجر ، السّفاك ، وليعودوا بعدئذٍ لسفك المزيد من الدّم في مغاور عزلتهم . ثمة ، إلى الأسفل ، كان على الأب ، الخالد ، أن يسجّل إسمه على جدران كهفٍ آخر ؛ هوَ من كان يبحث عبثاً عن إبنيْه ، المتأخرَيْن على غير العادة ، دونما علم بعد بعلامة التعاسة ، المُجتلبة من لدن السماء .

لم يفهمَ سبباً لتشاؤم بعض الرفقة من ذلك المكان ، وعلى الرغم من عجزهم عن تقديم برهان ، واحدٍ ، يدحضُ مناسبته ؛ إن كان لعزلته أو قربه من سفحهم ، الأليف . كان يتساءلُ ، علاوة على ذلك ، بما يجعل أولئك الرفقة متطيّرين من هذه المغاور ، المُنبيَة بالفناء ، وهم على آرائهم ، الغالية . بيْدَ أنه ، للحق ، كان في قرارته لا يقلّ تطيّراً من عدد المغاور ، السبعة ، والموافقة لعددهم نفسه : كانوا سبعة فتية ، إذاً ، وكلبهم الأمين .

***
تناهى لسمعه صوتٌ ، جهوريّ ، منبعث من جهاز المذياع ، المعهود لعناية عامل الحديقة . ثمة خبرٌ مهمّ ، على ما بدا من حركة مرتادي المكان ، الذين كانوا مثله يصخون بإهتمام . على الأثر ، فهمَ من تعليقات أولئك المتسكعين ، بأنه عُثرَ على جثث سبعة أشخاص ، مجهولي المصدر ، في إحدى المغاور ، المهجورة ، وأنّ التقرير الطبيّ ، الأوليّ ، يشتبه بموتهم مسمومين . ما كاد اللغط يهدأ ، إلا وخبرٌ آخر ينقل بلاغاً من هيئة العلماء ، مُعلناً أنّ هؤلاء السبعة أنبياءٌ فروا بإيمانهم في الزمن الغابر ، الوثنيّ ، ملتجئين لـ " كهف الشهداء " ، ذاك . منتفضاً بالغضب ، قام من مقعده وهوَ يتفكر بهذا الكذب ، الرسميّ ، المفضوح . راح يتخبط في مماشي الحديقة ، على غير هدى ، وقد إزداد يقيناً من أنّ أولئك الدجالين لم يتمكنوا من العثور إلاعلى جثثٍ ستة ، طالما أنه ما زال حياً ؛ هوَ السابعُ !

في غمرة شكوكه ، عن رشوة الشهود ، مالَ إلى إحتمال آخر ؛ أنّ رقم 7 ، المبارك ، ربما أطرَبَ القومَ حدّ خلطهم بين جيفة كلب وجَدَث آدميّ . متعباً ، مُبتئساً ، وجدَ نفسه يؤوب للمقعد الذي تركه تواً . ثمة ، لحظ أحدَ المتشردين ، الواجدين في المكان مرتعاً لكسلهم وتبطلهم . جذبه لتأمل ذاك المتشرد ، العجوز نوعاً ، ليسَ أسماله الخلِقة ، بل وجهه الغريب ، المشوّه بالتجاعيد ، والمغلقة عينه الوحيدة ، الرمادية ، على أحاج وألغاز . لم يأبه به ، على كل حال . في مجلسه هذا ، المقابل لبركة المياه ، الرحبة ، راح يستنفض ذكريات يومه ، الآفل ، محاولاً التلهي عن قيظ الهاجرة ، المُطارد من بقيَ من مرتادي الحديقة . بيْدَ أنه ، وعلى حين غرة ، أوقظ من إستغراقه في الذكرى على تهويماتٍ خرفة ، أو ثملة ربما ، صادرة عن جاره العجوز ، الأعور .

***
سفحٌ ، بين نهر وجبل . حتى ما قبل الميلاد بقليل ، كان خالياً من أيّ أنسيّ ؛ اللهمّ إلا شراذم من قاطعي الطريق ، المعتادين الإغارة على القوافل التجارية ، العابرة ، لنهبها وسبي فتيتها وبيعهم من ثمّ ـ كرقيق ، في الموانيء السورية والمصرية والإيجية . الحارَة ، المستلقية في رخاء هذا السفح ، كان قد أسسها بنو " أيوب " في محلاتٍ سبعة . بدأوا في إستقدام أبناء جلدتهم من إقليمهم ، البعيد ، المحصور بين جبال " كردستان " و " القفقاس " ، مرغبين إياهم بقدسيّة جبل " قاسيون " ومشاهده ، المباركة. غيرَ أنّ قلة قليلة حسب ، من شاءت تركَ خيامها ومواشيها ، ملتحقة ً بالركب المجاهد . ثمّ هُرع أحد الأفاقين ، ليمثل أمام أولاد " أيوب " ، الملولين من قلة عصبتهم وكثرة أعدائهم . " إنني على جلب الألوف لقادر " ، قال الرجلُ بثقة . لمحَ " الملكُ الناصر " الصدقَ في عين الأفاق ، السليمة ، غيرَ عابيء بتأكيد الحاشية ؛ أنه سيفرّ بالبقشيش ولن يعود ، أبداً .

سبعة أشهر اخرى ، ثمّ قدِمَ الأعورُ ـ كفاتح . هوَ ذا على رأس بضعة ألوف من عتاة جبله ، الذين جلبَ مرآهم ذعر أهالي الشام ، المُتنعمين . إجتاز الموكبُ ، المغبرّ ، أسواق البلد ، تحت أنظار " الناصر " وحاشيته ؛ هؤلاء المتواجدون في سدّة البرج الأعلى للقلعة السلطانية . ولما عاين الأهلون نصاعة بشرة الأغراب وعيونهم الملونة ، أطلقوا عليهم أولاً نعتَ " الألمان " . على أنهم ، حينما علموا بغضب السلطان من نعتٍ يُحيل لإسم أعدائه الفرنجة ، ما لبثوا أن أبدلوه بـ " الصوالحة " ؛ تيمّناً بإسمه هوَ . طرباً باللقب الجديد ، أعلن " الناصرُ " مكافأة ً إبطالَ بعض المكوس عن تجار المدينة ، مما أوجبَ غمّ فقرائها . مليكنا يدعو ذلك الأفاق ، الأعور ، إلى قصره . " بل إلى دار أبيه ، المتواضعة ، لأنّ قصره الواقع ضمن القلعة ، ما كان قد أستكمِلَ بناؤه بعد " ، يؤكد كاتب سيرة السلطان . يسأل " الناصر " الرجلَ ، عن الطريقة التي أقنع بها قومه ترك مواطنهم ، فيجيب هذا بلهجةٍ لا مبالية : " شرحتُ لهم أنّ مفردة " الجهاد " ، إنما تعني الغنائم ، الموعودة ! " . ضافرَ جوابُ الأعور طربَ السلطان ، فأمرَ بتقليده المشيخة . قاضي القضاة هذا ، الذي عُرف بـ " كراكوز " ، إشتهرَ بأحكام في غاية الطرافة والجور في آن ، حتى ذهبَ إسمُهُ مَثلاً عبْرَ العصور .

***
فكرة ملحة شغلتْ فتانا ، الجالس في فيء التعريشة تلك ، المواجهة للبركة : بلاغ الإذاعة ، كان قد زعمَ هلاك جماعة الكهف ، فيما رغيفهم ، الوحيد ، بقيَ دونما مسّ ؛ همُ الذين جعلوه يمرّ دورة كاملة ، وكلّ منهم يؤثرُ صاحبه على نفسه . فيما بعد ، حقّ له أن يحزن لكون شخص عارفٍ ـ كالرحالة المغربيّ " إبن بطوطة " ، سيأخذ بتلك الرواية فيزيّن بها وصفه للشام . نعم ، كان ثمة رغيفٌ ، ربما جلبَ مصيبة على رفقته . ولكنّ المسألة ، في آخر الأمر ، لا تمتّ للمعجزات النبويّة .

حينما أفاقوا ، في هذا الصباح المشؤوم ، كانوا على مزاج سيء ، جميعاً ؛ حدّ أنّ بعضهم أخذ يروي حلمه على مسمع الآخرين . وإذ أحسوا بجوع عنيفٍ ، ضار ، فإنهم إختاروه ؛ هوَ بالذات ، كيما يحاول إستجلابَ بعض الطعام ، علاوة على الإتصال بصديق ، موثوق ، كان قد تعهّد وسيلة تعينهم على إجتياز الحدود . إنه يذكرُ جيداً ، كيفَ وقع أحدهم على رغيف خبز ، متبقّ في كيس الزاد . لم يستغربوا من كونه ما فتا طرياً ، طالما شبّه لهم أنها أيامٌ ثلاثة فقط ، تلك المنقضية على منامتهم ، المديدة ، في الكهف . وبالرغم من تطلّب معدته ، الخاوية دهراً ، إلا أنه لم يمسّ الرغيف ؛ متشائماً من تغضنه وشحوبه . " كم يُشبه سحنة هذا الخرف ، الأعور ؟ " ، فكر الفتى وهوَ يرمي جانباً بقية ذكريات يومه ، الكابوسيّ . ثمّ عادَ ، دونما وعي ، لإستحضار مشهد رقاد الرفقة وكلبهم ، بعدما رجع إليهم بعيدَ ساعةٍ ، كيما يخبرهم مصعوقا بمشاهدات الخارج ؛ فرآهم عندئذٍ جثثاً عن آخرهم . أفاق الفتى من الذكرى تلك ، متسائلاً بحيرة وبصوتٍ مسموع :
ـ " إذا كان الرغيفُ مسموماً فعلاً ، فمن هوَ الجاني إذاً ؟ "
ـ " الحيّة !! " ، أجابه على حين فجأةٍ هتافُ العجوز ، الأعور ، من مكانه ذاكَ ، القصيّ .

* مستهلّ الفصل الخامس ، من رواية " برج الحلول وتواريخ اخرى "

[email protected]



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسمهان : أيقونة وأسطورة 2 2
- أسمهان : أيقونة وأسطورة
- حَواريّو الحارَة 6
- النصّ والسينما : بداية ونهاية لصلاح أبو سيف
- حَواريّو الحارَة 5
- حَواريّو الحارَة 4
- حَواريّو الحارَة 3
- حَواريّو الحارَة 2
- النصّ والسينما : السمّان والخريف لحسام الدين مصطفى
- حَواريّو الحارَة *
- مَسْرىً آخر لمَغاورها
- أقاليمٌ مُنجّمة 10
- أقاليمٌ مُنجّمة 9
- غربُ المَوت ، للشاعر الكردي دانا صوفي
- أقاليمٌ مُنجّمة 8
- عزلة المبدع ، قدَر أم إختيار ؟
- مسْرىً لمَغاورها
- أقاليمٌ مُنجّمة 7
- قراصنة في بحر الإنترنيت
- أقاليمٌ مُنجّمة 6


المزيد.....




- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الطلسَم السابع *