أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - النصّ والسينما : السمّان والخريف لحسام الدين مصطفى















المزيد.....

النصّ والسينما : السمّان والخريف لحسام الدين مصطفى


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2298 - 2008 / 5 / 31 - 09:47
المحور: الادب والفن
    



1
دأبَ صلاح أبو سيف ، عَلَمُ السينما المصرية ، على التأكيد بأنّ النصّ الجيّد من الممكن أن يخلق فيلماً بسويّته الجيّدة ، نفسها . هذه المقولة ، نحاولُ هنا مقاربتها بالنسبة لرواية " السمّان والخريف " ، للكاتب الكبير نجيب محفوظ ، والتي حُوّلتْ إلى عمل سينمائيّ في عام 1967 ، من بطولة محمود مرسي ونادية لطفي . هذا العمل ، المُتعهّد إخراجه حسام الدين مصطفى ، إعتبرَ واحداً من أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية . ثمة أفلام اخرى للمخرج ، في القائمة تلك ، العتيدة ؛ لعلّ من أهمها " رجال في العاصفة " ، العائد لمرحلة بداياته في خمسينات القرن الماضي . ويبدو أنّ مخرجنا هذا ، كان في مستهل رحلته ، الإبداعية ، يَعِدُ فعلاً مع آخرين ، من أنداده ، بمستقبل باهر لسينما موطنه . وكان أن قدّمَ بعضاً من الأعمال الجيّدة ، عموماً ، في عقد الستينات ، التالي ؛ مثل " النظارة السوداء " ، عن قصة لإحسان عبد القدوس ، و " الطريق " عن رواية لمحفوظ ، و " جريمة في الحيّ الهادئ " ، المُقتبس من أحد أفلام هيتشكوك . ولكنّ حسام الدين مصطفى ، الذي كان يصِفُ نفسه بـ " عبقريّ الإخراج " ـ كذا ، ما أسرعَ أن تهافتَ في مهبّ الأعمال الرديئة ، التجارية ، إعتباراً من عقد السبعينات وحتى وفاته في عام 1997 . ويمكن القولَ هنا ، بأنّ عدداً من أسوأ الأفلام ، من تلك المرحلة الموسومة ، قد إرتبط بإسم هذا المخرج ؛ كما في " مدرسة المشاغبين " و " الباطنية " .

2
في هذه المقام ، يتوجّب تبيّن مغزى مقولة المخرج أبو سيف ، عن أهميّة النصّ بين عناصر الفيلم ، الاخرى ؛ هذه المقولة ، التي جسّدها بنفسه خلال تعاونه المطوّل ، المُثمر ، مع نجيب محفوظ ؛ وخصوصاً ، في فيلم " بداية ونهاية " . إنّ الأعمال الأدبيّة ، كما هوَ معلوم ، منذورة أساساً للقراءة . ولكنّ الفنّ السابع ، المُقتحم حياتنا الروحية منذ بدايات القرن العشرين ، الآفل ، قد حقّ له أن يواشجَ نوعاً من عروةٍ ، لا تنفصم ، مع النصّ روائياً كان أم قصصياً أم مسرحياً . الفيلم ، مثله في ذلك مثل النصّ ، يُقدّم بالأساس حكاية . إنّ مخرج الفيلم ، والحالة هكذا ، عليه أن يكون ذا ذائقة أدبيّة ، مرهفة ، وأن يُسهم في كتابة أو إعداد السيناريو مع الكاتب أو السيناريست . علاوة على أنّ من الأهميّة بمكان ، أن يُدرك المخرجُ أفقَ النصّ ، المُراد تجسيده سينمائياً ، وأن يستلّ منه مغزى الحكاية ، عبرَ المَشاهد المُقترحة . العناية بإختيار الممثلين ، المناسبين ، المُلقى على عاتقهم أداء أدوار الشخصيّات ، الرئيسة ، لا يقلّ أهمية أيضاً . فيلم " السمّان والخريف " ، على رأينا البسيط ، قد نجح إلى هذه الدرجة وتلك في أن يكون أميناً لبعض المعايير تلك ، الفنيّة ، التي ذكرناها . وفضلاً عن صواب إنتقاء النصّ المحفوظيّ هذا ، فإنّ المخرج إعتمد في السيناريو على أحد أبرز الكتاب الصحفيين آنذاك ؛ وهوَ أحمد عباس صالح . كما كان موفقا جداً ترشيحُه للممثلين الرئيسيين في الفيلم . بيْدَ أنه يبقى التأكيد ، بأنّ هذا العمل ، السينمائيّ ، لم يتمكن من الإرتقاء لمستوى نصّه ، الروائيّ ، فبدا بتشتت لقطاته إلى تفاصيل ثانويّة ، كما لو أنه أسحَقَ بعيداً عن جوهر الحكاية ومغزاها .

3
رواية " السمّان والخريف " ( 1962 ) ، كانت أحد أعمال نجيب محفوظ ، التي شكلت منعطفاً في أسلوبه ، بشكل خاص ، بُعيدَ إصداره " الثلاثية " في أواخر خمسينات القرن الماضي . وإذ تخلى هنا ، في أسلوبه الجديد ، عن تقريرية السّرد والحوار ، فإنّ واقعيّته قد تماهت مع لمحات وجوديّة في تناول المشكلات الإنسانيّة ، وبشكل أكثرَ عمقاً . موضوع هذه الرواية ، المتمحور حول التغيّرات التي طرأت على إنسان الطبقة المتوسطة إثرَ الثورة الناصرية ؛ هذا الموضوع ، سيعتمده كاتبنا أيضاً في رواياته اللاحقة ، خلال عقد الستينات . والطبقة المتوسّطة ، التي عمادها فئة موظفي الدولة ، كانت التربة الخصبة للحركة الوطنية في مصر بين الحربين . لا غروَ إذاً أن تحتضن هذه الطبقة حزبَ " الوفد " ؛ المُعارض اللدود للملكية والحماية الإنكليزية على السواء . على أنّ محفوظ ، وبالرغم من جوّ الإرهاب الناصري السائد وقتذاك ، لم يتوانَ عن تقديم نظرة موضوعية في " السمّان والخريف " ، حدّ أن يتعاطف مع بطلها " عيسى الدباغ " ؛ العضو النشط في الحزب الوفدي . ولكنّ السيناريست والمخرج ، حينما تمّ إعداد الرواية كفيلم سينمائيّ ، ما كانا بجرأة مؤلفها ونزاهته وموضوعيّته . محمود مرسي ، الممثل المبدع ، المُجسّد دور " عيسى الدباغ " ، هوَ المتعيّن عليه بأدائه الفائق الكمال في تعبيره ، أن يلافي ثغرات السيناريو ، الموصوفة ، كما وأن يشدّ عواطف المشاهدين للشخصية تلك . ربما لن نتجنى هنا ، إذا ما أكدنا أنّ محمود مرسي ( الذي سبق له ودرس الإخراج ، في باريس وروما ) كان أكثر وعياً من المخرج حسام الدين مصطفى ، في فهمه لشخصيّة بطل " السمّان والخريف " ، وبالتالي نجاحه المؤكد ، الباهر ، في رسم ملامحها وإنفعالاتها وأهوائها وتناقضاتها .

" عيسى " ، بطل الفيلم ، كان موظفاً مُعتبَراً ومناضلاً حزبياً ، يعيش في دعة شبابه وعزوبيّته ، وينتظر أياماً سعيدة ، واعدة . على أنه لا يلبث أن يلج في أزمة فكريّة ، داهمة ، أصدَتْ في نفسيّته آثارها وكادت أن تودي به إلى الإنهيار التام . ها هوَ بطلنا في القاهرة ، مسقط رأسه ، يعاني من الضياع والإحباط بعدما شعرَ بأنه صورة عن جيله ذاته ، الحالم ، المفيّق على هدير مجنزرات الإنقلابيين في 23 يوليو / تموز 1952 . سلبيّة المثقفين إزاء ما يجري ، والمتمثلة بصديقه الوفدي ، القديم ، " سمير عبد الباقي " ( النجم عبد الله غيث ) ، تجعلُ بطلنا يصمم على قطع كلّ صلة بالماضي . ما عتمَ أن وجدَ نفسه في الإسكندرية ، باحثاً فيها عن أمان الروح كما عن متطلبات الجسد . ليلة إثرَ الاخرى ، يمضي إلى " الكورنيش " ، المُحاذي للبحر الساحر ، متأملاً عِبَرَ ما مضى من حياته ، أو سعياً ربما خلف إحدى بنات الهوى ، اللواتي تعجّ بهنّ هذه المدينة الكوسموبوليتية . " ريري " ، المومس الفتيّة ، تلتقي في إحدى ليالي البحر تلك ، مع " عيسى " . إنها قادمة من القرية ، وترغب أيضاً ببتر كلّ ذكرى من ماضيها ، المؤلم ، الذي سلمها لحاضر ، مُزر ، ينتهكُ جسدها وكرامتها . بطلنا ، الباحث عن متعة عابرة ، يمضي معها إلى شقته الصغيرة . على أنّ ما لم يكن في حسبانه ، أنّ اللقاء العابرذاك ، سيكون فاتحة لعلاقة وثيقة ، مديدة ، مع فتاة الليل ، لن يفيق منها إلا حينما تفجؤه هذه بالقول : " أنا حامل ، منكَ " . تشديد " ريري " على المفردة الأخيرة ، كان ولا شكّ إحالة ً للمهنة البائسة التي كانت ترتع قبلئذٍ في وحُولِها . على أنّ " عيسى " ، في ثورته العارمة على الفتاة ، لا يريد أن ينصت لشيء ، ولا يلبث أن يطردها بفظاظة إلى الطريق . المشهد التالي ، الذي نجدُ فيه " ريري " خلف نافذة المقهى ، تنظر مُستعبرةً بتوسّل وأمل إلى " عيسى " الجالس ثمة ، غير المُبالي بحالها ؛ هذا المشهد الفذ ، أعتبره من وجهة نظر شخصيّة ، من أروع ما قدّمته السينما المصرية ، في تاريخها المئويّ بأسره : إنها نادية لطفي ، الممثلة القديرة والإنسانة المثقفة ، التي رسّخت شخصيتها الألقة ، الفاتنة ، في وجدان محبي الفنّ السابع وإعتباراً من نجاحها ، الساحق ، في أداء دور " ريري " في فيلمنا هذا .

من ناحية اخرى ، لكأنما هذا الموقف ، المتعيّن على البطل " عيسى " مواجهته ، إن هوَ إلا إشارة خفية من كاتب النصّ ، الروائيّ ؛ إشارة في غاية الرمزية ، عن العلاقة الإشكالية بين الريف والمدينة في تلك الأيام العصيبة ، المتأثرة إنقلاب العسكريين : فهؤلاء الأخيرون ، المنحدرون عموماً من القرية ، إقتحموا المجتمع المدينيّ بشعارات براقة ، مضللة ؛ تماماً كما تفعله مواطنتهم هذه ، " ريري " ، الريفيّة ، المُقتحمة حياة " عيسى " بكلمات الحبّ ، الكاذبة ـ بحسب إعتقاده طبعاً . على أنّ بطلنا ، لن يجد الراحة والإستقرار ، بعد طرده لعشيقته . الحاجة الماديّة ، تدفعه إلى تجربة زواج ، تعسة ، مع إمرأة غنيّة تكبره سناً . وكان " عيسى " آنئذٍ في أشدّ حالات الوحدة والخيبة ، عندما تشاء المصادفة أن يعثر ثانية على " ريري " . المُفارقة هنا ، أنّ فتاته كانت على حال بيّن من الإستقرار والدعة ، تدير بنفسها بقالية موروثة عن رجلها الراحل ، المسنّ ، الذي سبق له وتبنى الطفلة التي أنجبتها . أكثرَ من محاولة ، جاهدَ خلالها " عيسى " عبثاً أن يُعيدَ علاقته بعشيقته ، القديمة ، أو على الأقل ، أن تسمح له لقاء إبنته . ها هوَ تحت تمثال ملهمه ، سعد زغلول ، مؤسس " الوفد " ، المُشرف على حديقته ، الأثيرة ، التي أعتاد قضاء أوقات ضجره فيها . يلتقي هنا مع شابّ ، مثقف ( النجم عادل أدهم ) ، من مرتادي المكان . إنه مثله ؛ " مناضل سابق " ، ولكن في أحد الأحزاب اليسارية ، ويحاول جاهداً التأقلم مع الحياة الجديدة . رواية " السمّان والخريف " تختتم بمشهد لقاء آخر ، مُلتبس ، بين " عيسى " والشاب ذاك . ولكنّ صانعي الفيلم ، لم يأبهوا بالمرامي الرمزيّة لمؤلف الرواية ، حينما عدّلوا المشهدَ الختاميّ نفسه : على أنغام النشيد الوطنيّ ، تقتربُ " ريري " المحتضنة إبنتها من " عيسى " ، ثمّ لا تلبث أن تعتنقه تحت أنظار صاحبه ، الشاب المثقف ، كما وصاحبه الآخر ، التمثال المُلهم .. !

[email protected]



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَواريّو الحارَة *
- مَسْرىً آخر لمَغاورها
- أقاليمٌ مُنجّمة 10
- أقاليمٌ مُنجّمة 9
- غربُ المَوت ، للشاعر الكردي دانا صوفي
- أقاليمٌ مُنجّمة 8
- عزلة المبدع ، قدَر أم إختيار ؟
- مسْرىً لمَغاورها
- أقاليمٌ مُنجّمة 7
- قراصنة في بحر الإنترنيت
- أقاليمٌ مُنجّمة 6
- النصّ والسينما : - كرنك - علي بدرخان
- أقاليمٌ مُنجّمة 5
- أقاليمٌ مُنجّمة 4
- كما كبريتكِ الأحمَر ، كما سَيفكِ الرومانيّ
- أقاليمٌ مُنجّمة 3
- أقاليمٌ مُنجّمة 2
- آية إشراق لنبيّ غارب ٍ
- أقاليمٌ مُنجّمة *
- مَناسكٌ نرجسيّة 6


المزيد.....




- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - النصّ والسينما : السمّان والخريف لحسام الدين مصطفى