أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف بيدس - عصر الشهداء والجواسيس














المزيد.....

عصر الشهداء والجواسيس


أشرف بيدس

الحوار المتمدن-العدد: 2341 - 2008 / 7 / 13 - 04:26
المحور: الادب والفن
    


ترصدنا عيون البصاصين في كل مكان، تتحسس وقع الأقدام ، تكتب التقارير السرية، والتفاصيل الحياتية، متي نصحو، متي ننام، متي نأكل ومتي ندخل دورات المياه.. ترصدنا بالليل وبالنهار، وتكشف عن عوراتنا داخل شاشات المراقبة، وتضع أجهزة التجسس في صدورنا حتي تحصي علينا الأنفاس والكلمات والآهات، وما أكثر الآهات والأنات، تتخفي في رذاذ المطر، وفي ضفائر البنات، تتعقب كل شئ حتي عندما نموت في شوارع الحكايات ، تكتب بأن المدعو فلان.. رفعت عنه المراقبة لأنه لم يعد له وجود، فيشطب من القائمة السوداء.. وتستخرج له شهادة إعفاء من الحياة ومن العذاب ومن القهر والذل والهوان..
ما اثقل الوشايات عندما تتحول ألي سياط نجلد بها انفسنا.. لا شئ اصعب من أن تتعقبني قدماي فتبلغ عن خط سيري .. وعن عنوان أيامي ومخزون خبزي ودوائي .. ينبت من رحم الأرض المروية بدماء الشهداء بعض من شوك يجرح أيدي الصغار وأقدام العجائز .. ما أقبح أن يوجد بيننا خائن أو خائف، فيدنس الثوب الفضفاض ، ويتاجر بالارض والعرض..
في البدء كانت الكلمة
ويوم كانت اصبحت تهمة
فطوردت
وحوصرت
واعتقلت
واعدمتها الانظمة ..
في البدء كانت الخاتمة
أحمد مطر
تنمو الأطفال في عيون الأمهات ويشبون في الحدقات، وعندما تسقط الرموش ظلالها ينامون ملء العين ويستريحون ويحتمون من الطاغوت والطاعون والموت الخفي، لكن الموت يتسلل إليهم في سبات الليل ويفضح سترهم ويقلق سكينتهم.. ويمزقهم أشلاء متناثرة، تمتزج عظامهم بدمائهم وتكتمل اللوحة الدموية في معارض النازيين الجدد.. هل آن أوان الصمت..
تتعالي الصيحات والصرخات وعبارات الغضب، وفي زحام الفوضي والهلع تتخذ بعض النسوة أحد الأركان لتطعم طفلها الرضعة الأخيرة، لبنا وصبرا وإيمانا، تتضاءل نظرات الأم وتبتعد عن المكان وتسافر بعيدا بعيدا وتحلق بالسماء، وتوصيه خيرا بالأرض والصبار المغروس في مدافن الشهداء.. ينقطع الصوت ويتلاشي، ويسبل الوليد عين الأم، تري في أي عين ينام غدا.. تتوالي الصرخات والصيحات وتتصاعد لتشق جيوب الظلام ودهاليز العتمة.. تفضح المستور وتكشف عن أنياب الشيطان المتخفي وراء قناع الحكمة.. ولأن الحكمة في هذا الزمن الكسيح تقتل العقلاء ، فنحن نمارس الجنون مع الحواة لنكشف للمارة ألاعيبهم التي يضحكون بها علينا.. ويلمون بعدها قروش الصغار ليشربوا بها نخب الانتصار، ورغم ذلك تتخذ امرأة أخري ركنا آخر لتلد من رحم المأساة صبية .. وتتوالي الحياة.. تموت امرأة وطفل فتولد صبية لتكون امرأة وتلد ألف طفل..
بعد أن سمروني وألقيت عيني نحو المدينة
كدت لا أعرف السهل والسور والمقبرة
كان شئ، مدي ما تراه العين،
كالغابة المزهرة
كان في كل مرمي، صليب وأم حزينة
قدس الرب
هذا مخاض المدينة
بدر شاكر السياب
من قيظ الصيف المتوهج تندلع النيران، تكسر حظر التجوال والترحال وتعبر الصعاب وتسافر خلف الأزمان ، تنشر الخير والنماء، تختبئ الحقيقة لبعض الوقت، حتي إذا ظنوا أنها تلاشت ، يخرج الجبارون من كل مكان ينتشرون في الأرض وفي السماء يفاجئونهم في أخبار الصباح وفي علب الدخان، وفي الباصات والحقول والأدغال، وفي المعبد والدير وفي بيارات البرتقال وأشجار الزيتون وفي نسمات الهواء.. يخرجون من تحت الانقاض والخراب والدمار، ليعيدوا ترتيب الأشياء، وإذابة مسافات الحسرة.. يخرجون في النور وفي العتمة وفي كلمات الآذان .يأتينا الموت من كل مكان محتضرا .. يحاصرنا ويقبع في القمح والملح والماء.. يسري داخلنا مفزوعا مرعوبا جبانا.. يتوسل فينا أن نلقي حتفه أو نجعله يمر بسلام.. أدمنا الموت وعشقنا الجنازات.. ونسجنا نظرات البؤس والحرمان تيجان النصر والكبرياء..
من خلف الأسلاك يترامي البصر .. يحفظ الأمكنة ويحصي الثري .. ترقب العيون دون كلام أوراق الشجر ، من خلف الأسلاك في المدي البعيد حيث الأنوار يرقد المحتل يخشي طلات العيون، ويشيع الصبح الضوضائي في الليل الكتوم.. لم يعد أمامه شئ يقهرنا به .. استنفذ كل أسلحته ..لم يعد له غير البعض من أنصاف البشر وأنصاف الرجال..
نختلس النظرات الموجعة في مشهد حزين وطويل.. تصمت كل الألسنة عن الكلام.. وتتوالي اللحظات المرة الممزوجة بالريح المرة..
يطول الانتظار ، وتطول معه لحظات الإيلام والترقب..ما أصعب تلك اللحظات التي تأتي بعد سنين من الانتظار..
نعود في اليوم التالي لنمارس لعبة الحياة القاسية.. يكسو الحزن وجوه الحكمة.. تقذفنا الريح العفنة حول ملاجئ أسفلتية رطبة، وتغيب الشمس بعد عناء الرحلة.. ويأتي الليل المنكسر دوما ليدغدغ فينا الحلم القابع خلف الأحشاء، لكننا رغم المحاذير نواصل الحرف بالحرف لتكتمل الكلمة المجروحة النازفة النافذة وتصير الحكاية المشروخة أغنية بين شفاة عاجزة عن الكلام، نواصل السير حفاة في البر والبحر وعلي سطح القمر حيث انعدام الجاذبية وندرة الحياة.
يشيعون بين الناس العدل ، بينما العدل مشنوق علي أسوار حضارتهم.. ويبيعون الحقيقة وهما، والوهم حقيقية.. ويغيرون اقوالهم وأفعالهم وخططهم كل صباح، يقتلون الأطفال والنساء بدم بارد.. ويتاجرون بحقوق الإنسان، يتقبلون العزاء في ضحاياهم .. ويصادرون الحلم في الأحداق..
تتدافع الدبابات بالثلاثين والاربعين والخمسين مدججة بالأسلحة والبارود والثيران.. يقتحمون الشارع والحارة والميدان يفتشون عن طفل مطلوب لدواع أمنية..
علي مشانق الأيام يتساقط الرجال برصاص الغدر وصواريخ الهذيان، يصطادونهم دون تقبيل الصغار أو وداع الزوجات والأمهات.. يغتالونهم بوشاية رخيصة..
لماذا يسبق السؤال مشانق الاستفهام، فنري الأسئلة عبارات مبهومة وجملا تائهة، تبحث عن معني وسط اللغط المصنوع.. لماذا يبقي السؤال في هذا العصر بدون إجابة..؟!!



#أشرف_بيدس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرام الافاعي
- أعياد ميلاد ومواكب أموات
- الموت الرحيم
- عبد السلام النابلسي : حسب الله السينما المصرية .. فقر و-عنطز ...
- عاطف الطيب : رادار الموهوبين
- سينما ما بعد النكسة : تكذب .. ولا تتجمل
- بهيجة حافظ : بنت الإسكندرية الارستقراطية التي عشقت الفن
- خطاب التنحي: وانتفاضة الجماهير في 9و1. يونيو
- الإرهاب في السينما : تخاذل مقصود أم وعي مفقود
- في عام النكسة : السينما لم تدفن رأسها في الرمال
- سينما نجيب محفوظ : واقعية وجريئة
- المرأة والسينما والانتخابات
- سعاد حسني في ذكراها السابعة: حالة خاصة جداً
- فؤاد المهندس سفير الكوميديا
- شبح اللمبي .. يطارد محمد سعد
- يوسف شاهين : تنويعات من التمرد والغضب والحب
- «الأم» في السينما المصرية.. نهر متدفق من العطاء
- فوضي حالات الاستثناء
- من «قيافا» حتي «اولمرت»00 يمتد طريق الآلام
- فلسطين 00 توابيت وأكفان


المزيد.....




- من فاغنر إلى سلاف فواخرجي: ثقافة -الإلغاء- وحقّ الجمهور بال ...
- سيرسكي يكشف رواية جديدة عن أهداف مغامرة كورسك
- الأفلام السينمائية على بوصلة ترمب الجمركية
- الغاوون:قصيدة (وداعا صديقى)الشاعر أيمن خميس بطيخ.مصر.
- الشَّاعرُ - علاَّل الحجَّام- فِي ديوان - السَّاعَةِ العاشِق ...
- محمد الغزالي.. الداعية الشاعر
- تحقيق المخطوطات العربية.. بين إحجام العالم وإقدام الجاهل
- رواية -نيران وادي عيزر- لمحمد ساري.. سيمفونية النضال تعزفها ...
- فنانة تشكيلية إسرائيلية تنشر تفاصيل حوار خطير عن غزة دار بين ...
- مغني راب أمريكي يرتدي بيانو بحفل -ميت غالا- ويروج لموسيقى جد ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف بيدس - عصر الشهداء والجواسيس