أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف بيدس - أعياد ميلاد ومواكب أموات














المزيد.....

أعياد ميلاد ومواكب أموات


أشرف بيدس

الحوار المتمدن-العدد: 2339 - 2008 / 7 / 11 - 05:42
المحور: الادب والفن
    


عندما ينتصف الوقت، ويملأ المكان الصمت اللقيط ..تصفر الريح العفية في أوراق الشجر وفي أحلام النائمين.. عندئذ تدق أجراس الكنائس للاحتفال بعيد الميلاد..ينتظر الأسفلت الغادين والراحين .. يطول الانتظار.. ويزيد رنين الأجراس..فيحدث الصدي المميت المخيف..يفتش الليل الهادئ الساجي عن نجوم في السماء تضئ للعابرين الطريق .. فلا طريق ولا رفيق ولا نجم يضئ..
تبدأ رحلة الآلام في المكان الموحش الخالي إلا من وقع أقدام العسكر.. وطقطقة أحذيتهم وأصوات أنفاسهم المتلاحقة المتسارعة اللاهثة.. تراقب عيونهم الزائغة القاسية غطيط الحياة وتحرس الصمت للصبح الذبيح..عام جديد .. عام مجيد..
يا أيها الموتي بلا موت
تعبت من الحياة بلا حياة
وتعبت من صمتي ومن صوتي
وتعبت من الرواية والرواة
ومن الجناية والجناة
ومن المحاكم والقضاة
وسئمت تكليس القبور
وسئمت تبذير الجياع
سميح القاسم
عندما تضيئون أشجار أعياد الميلاد تذكروا مدننا الخربة العتمة وشوارعها التي يسكنها الفحيح والنعيق والنحيب..
اجتر من الذكري شتاء بعيداً بعيداً .. حيث فناء كنيسة المهد وذكريات اللقاء الأول، ودموع لم تسقطها الأمطار ولم تجف بعد، وحنين للأرض وللناس وللجدران، أتذكر ساحة الكنيسة وقد اغتسلت بالرذاذ، وزين الجليد الأبيض أركانها.. وعبق الزمان ورائحته الجميلة.. فالمكان هناك له رائحته..وشعور بالرهبة يجتاح الزائر.. تراصت الباعة يمينا ويسارا في الشارع الضيق المؤدي إلي الساحة، وتزاحم الباعة وتزاحم المشترون.. تلاقت الأيادي وصارت الأنفاس في الأنفاس والأكتاف في الاكتاف.. اتذكر تلك الأيام.. وتملأ قلبي الحسرة .. تري كيف حال بيت لحم الآن؟.. هل مازالت تنتظر مخلصا مفديا؟ .. هل مازالت في زينتها التي عهدتها؟.. أم عم الحزن المكان وتلحف بالسواد؟.. تسللت التعاسة فملأت العيون، وبدا الشارع الضيق المعتج خاليا فارغا واسعا .. ألم تأت بعد أعياد الميلاد.. ما أكثر أعيادنا وما أكثر أحزاننا.. حلت مواكب الأموات تستبيح الحكاية ولحظات الابتسام.. أدمت الذكري القلوب..فبكت الشوارع الضحوكة في ليالي العيد، تري هل يأتي يوم نستعيد فيه رائحة الزحام؟!
عندما يرتدي أطفالكم ملابس العيد الجديدة تذكروا أطفالنا العراة المحفوفين بالمخاطر والمتدثرين بالبرد من غلظة قلوبكم.. المرتعدين الخائفين من فوهات بنادقكم وعيون راداراتكم.. وعندما تحضرون لأطفالكم الهدايا والحلوي، تذكروا أطفالنا الذين نشفت حلوقهم وبطونهم إلا من الحسرة والإعياء.. وعندما يهم بابا نويل بتوزيع هداياه أرجو أنها لا ينسي هدايانا من تجويع وتشريد وتجريد وترهيب وتخريب. وعندما تأتي ليلة عيد الميلاد تذكروا الأمهات الثكالي وأنتم ترفعون كئوس النبيذ إلي أفواهكم لتشربوا نخب عام جديد .. وأعيدوا النظر جيدا عند شراء الدجاج الرومي من السوبر ماركت ليتوسط موائد أعيادكم.. أعيدوا النظر لربما يكون طفلاً عربياً عبأته مدنيتكم لتقتسموا لحمه الطري.. أضيئوا الشموع كيفما شئتم ولكن لا تطفئونها في أعيننا.. واشعلوا نار المدفئة كما يحلو لكم فالبرد شديد، ولكن ليس بعظام أولادنا.. واشتروا ما طاب لكم من هدايا ولكن ليس من عرق عمالنا ونهب أرضنا.
وابدأوا عاما جديدا ملئه نشوة الانتصار.. بعد لحظات يأتي عام جديد..وبعد لحظات تضرب العراق من جديد.. وبعد لحظات يشهد التاريخ والجغرافيا أن عصابات المافيا عادت من جديد، ترتدي الأقنعة الأممية، وتعلن التفتيش في كل مكان لا فرق بين إنسان وحيوان، بعد لحظات سوف يبدأون التحقيق مع العلماء والشيوخ والنساء، وبعد لحظات سوف يعلن في الفضائيات بأن الحرب آتية ولا مفر..
في مدينة السلام مسقط رأس المسيح عليه السلام، لا سلام ولا أمان، حل الوجوم عيون المكان.. مدينة السلام في قبضة المحتل حتي إشعار آخر.. تتلا صلاة العيد المجيد بدون شعائر .. هل ستأتي جيوش العرب من الشمال أو الجنوب؟ فلا سلام ولا عنكبوت.. نهيم حياري وسط الضروب ، فهل سيأتي علينا الغروب.. بلا أكفان أو مقابر نموت..
فرض قانون الغاب علينا.. وما جنينا .. نأكل خبزا من قمحنا.. ونشرب ماء من نهرنا.. وما اعتدينا ، فهل جزاء الحياء العداء، وهل اقترفنا جراًم كبيرا.. حتي نباع بغير بثمن.. نموت نموت ويحيا الوطن..
إلي متي سوف تسقط السيوف علي الرقاب فتركع الرؤوس في حضرة الموت.. ويكسو السواد وتنتحب القلوب وتعتصر الأمنية.. ويعزف الناي لحن الغروب فنجمع الأشلاء والأشياء.. ونرحل في السفر الأخير إلي بلاد الرحمة.. حيث البراح مباح والهواء يملأ الصدور.. إلي متي يفرض الباطل بحد السيف وبالقسم الزور..
يمتد شريط الحياة الممنوعة من التجوال في الأسواق والشوارع، وتسقط أشجار النخيل في شط العرب، ويبلل الماء هامتها ، فتسبح .. فتفشل .. فتغرق.. ويأتي الصباح ليعلن الحداد.. تموت الأشجار واقفة في مواسم الحصاد.
ما بين حشرجة الموت والاحتضار يولد الميلاد، وتوزع الأكفان علي الشبان، وتسكن الحسرة قلوب الأمهات وحدود البلدان، وتسافر الطيور لتعبر المحيط والخليج ، وتنبأ الشجر والحجر والبشر..لن نبيع أطفالنا في المزاد.. لن نبيع أحلامنا.. وسنبقي مرابطين، مهزومين لكننا واقفون شامخون وأن متنا، نموت كالأشجار واقفة في وجه الدمار.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموت الرحيم
- عبد السلام النابلسي : حسب الله السينما المصرية .. فقر و-عنطز ...
- عاطف الطيب : رادار الموهوبين
- سينما ما بعد النكسة : تكذب .. ولا تتجمل
- بهيجة حافظ : بنت الإسكندرية الارستقراطية التي عشقت الفن
- خطاب التنحي: وانتفاضة الجماهير في 9و1. يونيو
- الإرهاب في السينما : تخاذل مقصود أم وعي مفقود
- في عام النكسة : السينما لم تدفن رأسها في الرمال
- سينما نجيب محفوظ : واقعية وجريئة
- المرأة والسينما والانتخابات
- سعاد حسني في ذكراها السابعة: حالة خاصة جداً
- فؤاد المهندس سفير الكوميديا
- شبح اللمبي .. يطارد محمد سعد
- يوسف شاهين : تنويعات من التمرد والغضب والحب
- «الأم» في السينما المصرية.. نهر متدفق من العطاء
- فوضي حالات الاستثناء
- من «قيافا» حتي «اولمرت»00 يمتد طريق الآلام
- فلسطين 00 توابيت وأكفان
- وطن ينزف شعبا
- ضاقت مساحات الوطن


المزيد.....




- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...
- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...
- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف بيدس - أعياد ميلاد ومواكب أموات