أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الوطنية التخوينية والتدين التكفيري














المزيد.....

الوطنية التخوينية والتدين التكفيري


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2312 - 2008 / 6 / 14 - 10:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لماذا يبدو أن كثيرين منا، المواطنين المفترضين في دولنا المعاصرة، خونة؟ وأن كثيرين آخرين من المسلمين المعاصرين كفار؟ هذا إن كان صحيحا ما تقوله سلطات سياسية وإيديولوجية ودينية نافذة الكلمة. ليس ثمة غير إجابة واحدة من اثنتين: إما أننا مادة بشرية بخسة استمرأت خيانة أوطانها واستطابت الكفر بدين آبائها، أو أن هناك مشكلة ما في وطنيات لا يستقيم أمرها إن لم تخوّن، وتدين لا تطيب نفسه دون تكفير. والحال، إذا كنا بالفعل مادة بشرية منحطة، فإن الدين الإسلامي والثقافة العربية لا يمكن أن يكونا مبرئين من انحطاطنا. وهذا ما يرفضه أكثر من غيرهم التخوينيون والتكفيريون، المصنوعين حتما من المادة البشرية نفسها، والذين يستندون تفضيليا إلى الإسلام والثقافة العربية لإطلاق أحكام التخوين والتكفير. المشكلة إذن في وطنية تشعر أنها تخون نفسها إن كفت عن التخوين، وفي تدين يخشى أن يفقد صفاءه إن لم يكفِّر.
ينبثق التخوين من امتلاك الوطنية أو احتكارها، وإقصاء من يجادل في هذا التملك أو ينازع فيه. لذلك نجد الممارسة التخوينية ناشطة عند سلطات مستبدة حيال معارضيها، أو عند إيديولوجيين يستمدون شرعيتهم من محاربة الخصوم المفترضين لوطنية متمركزة حول ذاتها. والتكفير آلية نبذ مماثلة، تقصي من يجادل في تملك الدين من قبل القائمين عليه، إن من عامة المسلمين أو من إسلاميين مخالفين، أو من باب أولى من علمانيين وغير مؤمنين.
والتدين التكفيري ليسا ممارسة دينية تنبذ كافرين محتملين، إلا لأنها لا تتماسك هي ذاتها دون تكفير نسقي لكل من لا يوافق مفهومها للدين. فالتكفير ليس آلية تطهير وطرد فقط، وإنما هو مبدأ تماسك نمط التدين هذا. وبالمثل، ليست الوطنية التخوينية وطنية يعرض لها أن تخوّن، بل إن التخوين ينبثق من جوهرها، فلا تتماسك من دونه. لذلك فلا مجال للتفاوض أو التسوية مع التدين التفكيري والوطنية التخوينية. لذلك أيضا لا مجال لإصلاحهما.
ونرجح أن الأصل في إرادة تملك الوطنية والدين وطرد الخصوم منهما هو الصراع الحاد على السلطة، سياسية كانت أم دينية أم اجتماعية. أو بالأحرى هو الصراع المطلق الذي يراهن على إبادة الخصم بإخراجه من الوطنية مرة وإباحة دمه بإخراجه من الدين مرة أخرى. ولعل أعنف الصراع وأشده إطلاقا هو الصراع بين التخوينيين من أهل السلطة والتكفيريين من أهل الدين. أي بين من يجعلون الوطنية دينا على قياسهم، ومن يجعلون الدين وطنا حصريا لهم. أو لنقل بين من يجعلون امتلاكهم للوطنية أساسا شرعيا للمطالبة بضم الدين إلى أملاكهم (أطقم سلطة استبدادية..)، وبين من يطمعون في إضافة الدولة إلى أملاكهم بعد أن ضمنوا ملكية الدين (جماعات إسلامية متطرفة..). على أن تخوين معارضين سياسيين من قبل السلطات السياسية، وتكفير "معارضين دينيين" (أو علمانيين) من قبل السلطات الدينية هو الأشيع، وإن لم يأخذ دوما شكلا عنيفا.
ويشترك التدين التكفيري والوطنية التخوينية في اعتبار الوطنية والإيمان الديني نادران، فيما الخيانة والكفر مبذولان وفيران. فالنادر يمنح سلطة ورفعة لا يمنح مثلها الوفير السهل المبتذل.
أصل التخوين والتكفير التنازع على الوطنية والدين، إذن. أي تسييسهما. وهذا بدوره مؤشر على أزمة الهيمنة في مجتمعاتنا، نعني افتقارها إلى أطر إجماع مستقرة. فإذا كانت الوطنية بالذات، ما يفترض أنها أساس مساواة أساسية وإجماع متعال على السياسة، موضع تنازع وتسييس، فإن ذلك مؤشر على وضع صراعي منفلت، لا تضبطه قواعد عامة مقبولة. وبالمثل، يعكس تسييس الدين فقدان مرجعية عليا موحدة، تستوعب الاختلاف في الدين أو مع الدين، وتضبط التنازع المحتمل بين الرابطة الدينية والرابطة الوطنية.
والكلام على أزمة هيمنة يعني أيضا أزمة إجماع، تتظاهر في افتقار بلداننا إلى أية أكثرية وطنية. ثمة لدينا أقليات متصارعة من كل نوع، اجتماعية وثقافية وسياسية ودينية، وليس هناك أكثريات عامة، مهما يكن رأي الإحصائيات الساكنة. وليست "خيانة" بعضنا أو "كفر" بعض آخر منا غير حصائل لافتقار بلداننا إلى عملية صنع إجماع يتجاوز انقساماتنا الموروثة. فالتخوين والتكفير آليات تطهير، تحجب بها وطنية وتدين عاجزان عن الهيمنة أزمتهما. وهي بعد آليات تتوسلها سلطات سياسية ودينية لتوليد الوهم بأن الإجماع أو "الأمة" إلى جانبها، وأن الخونة والكفار أقليات هامشية تعوق تطابق "الأمة" مع ذاتها ومع أولي أمرها.
تجاوز التخوين والتكفير ينفتح على معالجة أزمة الهيمنة، إذن. أي كذلك إعادة تأسيس السياسة في مجتمعاتنا، أو تجديد أسسها الفكرية والثقافية والأخلاقية. وتعطي المقاربة هذه تعريفا جديدا للسياسة في بلداننا. فهي أولا وأساسا فن صنع إجماعات وأكثريات جديدة، وفي مقام ثان إدارة اختلافات وتمايزات جديدة عن الإجماع. فإذا انعقد الإجماع على الوطنية كانت لها السيادة، وصارت الخيانة هي الشكل الوحيد للكفر، فيما نزعت الدلالة السياسية عن الاختلاف الديني. ولما كان انعقاد الإجماع على الوطنية يقتضي أن يمسي "الوطن" إطارا للمساواة السياسية بين السكان، فإنها ستقترن بانسحاب الممارسة التخوينية من التداول السياسي والإيديولوجي. هذا لأن التخوين نتاج احتكار الوطنية كما قلنا.
وغير متصور فيما نرى أن تدين الهيمنة للدين، فتمسي الوطنية دينية، ويغدو الكفر الشكل الوحيد للخيانة، على نحو ما قد يفضل الإسلاميون. فالهيمنة مشروطة بالمساواة، والدين ليس عارضا للمساواة في مجتمعاتنا المعاصرة، أو في أية مجتمعات.
أما دون هيمنة وإجماع وأكثرية حاسمة فلن تكون السياسة غير صراع عقيم ووحشي لأقليات ضد أقليات.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفحمتُه، أفحمناهم... النقاش كاستمرار للحرب بوسائل أخرى
- في نقد الأهل وأهل النقد
- لبنان: السهل والصعب والغريب!
- لبنان، سورية، إسرائيل وفلسطين: -نماذج مثالية- لدول استثنائية
- في شأن الإصلاح السياسي والهوية الوطنية في سورية
- -التفاصلية- والعلمانية ونقد الشأن الإسلامي
- حزب الله مقاوماً في .. بيروت
- شتاينماير ضد كانط
- جيل عربي ثالث أمام الواقعة الإسرائيلية
- خبز شعير.. عربي
- الأولوية، عربيا، للتقدم أم لمواجهة إسرائيل؟
- الدين كحق من حقوق الإنسان
- سلام في سورية من أجل سلام لسورية...
- من أجل نقد عقلاني للسياسة الأميركية
- أميركا الشرق أوسطية ونحن.. الأميركيون!
- الشرق أوسطية: الإيديولوجية والنظام
- سورية والأزمة الوطنية الدورية
- ما العمل حين يستحيل العمل؟
- نقد متأخر لنظرية -قوى التغيير-
- في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الوطنية التخوينية والتدين التكفيري