أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في شأن الإصلاح السياسي والهوية الوطنية في سورية















المزيد.....

في شأن الإصلاح السياسي والهوية الوطنية في سورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2298 - 2008 / 5 / 31 - 07:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


استقرت في التفكير السياسي العربي معادلة موروثة من الحقبة الاستعمارية تقرر أن الحرص على وحدة بلداننا وتماسكها يتوافق مع إغفال أو كبت وقائع التعدد الديني والمذهبي والإثني فيها، وأن الانشغال بالوقائع هذه يتوافق مع اللعب المغرض بوحدة هذه البلدان وتقويض تماسكها..
بيد أن تطورات وضع العراق بعد الاحتلال الأميركي تزكي الحاجة إلى مقاربة جديدة، تحاول الجمع بين تعهد الوحدة الوطنية في بلداننا وبين الاعتراف بالتعدد الأهلي وإيجاد سبل لإبقائه في النطاق الأهلي لا يمتد منه إلى الدولة. الاعتراف مرحلة أولى من أجل تطوير سياسات أكثر ديمقراطية للوحدة الوطنية، سياسات لا تصادر التعدد الأهلي لكن لا تقف عنده، بل تعتبره تحديا يتعين الاستجابة له بصورة تقوي العام الوطني ولا تضعفه. هذا مهم في سورية مثل غيرها من بلدان المشرق. فمثل دول بلاد الشام الأخرى والعراق، سورية بلد متعدد، ويتعذر استيعاب هذا التعدد على أرضية العروبة. هذا ليس فقط لأنه بين السوريين من هم غير عرب، وإنما أيضا لأن العروبة التي هيمنت في تشكيل الوعي الذاتي للسوريين منذ استقلال بلدهم عام 1946 كانت عروبة ماهوية دون ملامح حقوقية وسياسية إيجابية، طوال زمن هيمنتها الثقافية والحكم باسمها. ومن شأن الاستمرار في فرض الوحدة الوطنية على أساس العروبة أن يستدعي العنف، وقد شهدنا غير احتكاك عنيف مع جمهور كردي في السنوات الأخيرة. ويفترض المرء أن الغيارى على العروبة لا يرحبون بذلك. وبالمثل يتعذر توحيد السوريين على أساس الإسلام. هنا أيضا ليس السبب الأهم هو أن بين السوريين من هم غير مسلمين، بل لأنه يمتنع قيام أمة مواطنين على أساس ديني.
ما يمكن أن يوحد السوريين هو وطنية سورية ديمقراطية. ورغم أن سورية كيان قائم بالفعل منذ 90 عاما إلا أن الوطنية السورية كإطار استيعابي يتجاوز التعدد الأهلي في المجتمع السوري تبقى مشروعا للمستقبل.
وتقف السورية هنا في تعارض مع كل من العروبة المطلقة التي ترى سورية كيانا مصطنعا هشا، فتضعف الإطار الوحيد المؤهل لمعالجة المشكلات الطائفية. وتتعارض كذلك مع الإسلامية التي تجمع بين غموض التطلع وعنف الوسائل. لكنها تتعارض كذلك مع نزعة قومية ليست خافتة تماما، تضع سورية ضد العروبة بصورة خاصة، أعني نزعة "سورية أولا". فأولا يستحيل بناء إجماع وطني سوري على عقيدة معادية للعروبة أو تعرف نفسها بالتمايز عنها. وثانيا يبدو أن "سورية أولا" تنسخ منذ الآن بنية العروبة بالصيغة البعثية، "العروبة أولا"، من حيث أنها تتوهم أن الوحدة، العربية أو الوطنية، يمكن إنجازها على أساس قومي أو على أرضية الهوية. والحال إن العروبة البعثية تخفي مزيجا من خطاب وحدة وطنية مطلقة على الصعيد النظري وتسييس مفرط لها على الصعيد العملي يرهنها بالنظام الراهن، ويهدد بانهيارها إن تهدده الزوال. وهذا عكس المزيج الذي ندعو إليه: الانفتاح وقائع التعدد الاجتماعي الثقافي على مستوى الثقافة السياسية، وتطوير سياسات تحمي التماسك الوطني وتمنع تسرب التعدد الأهلي إلى الدولة، على نحو ما هو الحال في لبنان. إن كل ما تحقق للعروبة من جاذبية معنوية وسياسية في وقت مضى تحقق بفضل انفتاحها على قيم التحرر الوطني والاشتراكية والمساواة على الصعيد العالمي. والخلل في العروبة البعثية، العروبة المطلقة أو "العروبة أولا"، متأت بالضبط من انفصالها عن تلك القيم، الأمر الذي تستسلم له منذ الآن عقيدة "سورية أولا".
وليس الاهتمام بالسورية أو الوطنية السورية متأتيا من انحياز إيديولوجي ضد العروبة أو الإسلامية أو الشامية (القومية السورية)، بل بالأحرى من اعتبارات سياسية وعملية، أهمها أن السورية هي الحل الذي لا منافس له في أفق الراهن لمخاطر النزاع الأهلي الحامل بدوره لمخاطر التفكك الوطني. إن ما جرى ويجري في العراق يمنعنا من الثقة بالتجاهل، إن معرفة أو سياسية. وإن ما جرى في منطقة الجزيرة السورية عامي 2004 و2008، واحتكاكات أدنى وقعت هنا وهناك، تنصح بتفكير مختلف، الآن لا غدا.
إلى ذلك فإنه ما من دينامية توحيدية عربية ناشطة الآن، قد تعرقلها وطنية سورية استيعابية كالتي نزكيها هنا. لا بل إنه إن كان ثمة ديناميات ناشطة من أي نوع فهي تهدد بالتطييف والتنازع الأهلي. هذه هي المشكلة التي يخشاها الجميع في المشرق، وهي التي يصدر عنها على أية حال تفكيرنا هنا. وحيال هذه المشكلة لسنا محتاجين إلى اختراع حلول؛ أساس الحل موجود واسمه سورية. إن السورية، خلافا للدولة العربية الواحدة (وبالطبع للأمة الإسلامية العتيدة)، كيان قائم، إصلاحه أهون من بنائهما، وقد لا تكون ثمة فرصة لإطار عربي أوسع إن كان ثمة فرصة في أي يوم إلى عبر وطنيات محلية عقلانية عل نحو ما توحي التجربة الأوربية. أما تسييس الرابطة الإسلامية، ووضعها في تقابل مع العروبة أو الوطنيات المحلية، فمشروع لا نكن له أي تقدير.
غرض هذه المناقشة الحث على إدراج قضايا الهوية الوطنية والهويات الجزئية والتكوينات الأهلية كقضايا ثابتة على أجندة الإصلاح السياسي في البلدان المشرقية. فلم يعد الإصلاح السياسي أو التحول السياسي، كيفما كانت وجهته ممكنا، دون أن يتعثر بصورة ما بقضايا الهوية. فإذا أخذنا بالاعتبار أن بلداننا شهدت تغيرات سياسية غزيرة في خمسينات القرن العشرين وستيناته دون أن تندرج قضايا الهوية الوطنية والهويات الأهلية فيها، وأنها اليوم بالعكس تبدو مهددة بالانهيار والتمزق إن حصل أن تغيرت نظمها السياسية، إذا أخذنا ذلك بالاعتبار كان أولى بنا أن نولي مزيدا من الاهتمام بترابط الإصلاح السياسي والهوية الوطنية. أما رفض الإصلاح لأنه قد يتمخض عن نزاعات أهلية خطيرة فهو نهج محافظ، سياسيا وفكريا، لأنه يجعل من تجنب التغيير سياسة عليا في مجتمعات يخنقها الركود والاستبداد. ومن المفهوم أن تتحمس له طغم حاكمة ليست مبرأة من السياسة الأهلية ومثقفون سائرون في ركابها.
وخلافا لما قد يسارع إليه إيديولوجيون سوريون من ارتياب بنيات خبيثة لكاتب هذه السطور (وقد صرح بعضهم بها علنا حيال نص ورقة أوسع في شأن موضوع هذا المقالة نفسه) فإن الكاتب يفضل لو كان لهذه المقاربة فرصة أكبر في التطبيق ونصيب أقل من حسن النية. إن نشر مناخ من التشكيك والاتهام والتخوين على ما هو مألوف في النظم والتنظيمات الوصائية وأشباهها يناسب استمرار أوضاع قائمة، تتصف كما أشرنا بمفهوم سلطوي ومجرد للوحدة الوطنية تنخره ممارسات تمييزية شتى، فتجعله هيكلا أجوف آيلا للانهيار. فهل ينبغي وقوع الانهيار كي نباشر تطوير مفهوم أكثر ديمقراطية للوطنية والوحدة الوطنية؟ أم أن الانهيار ذاته لا يكفي، وأننا سنجد في اتهام أعداء من كل نوع بالتسبب في كوارثنا ما يعيننا على المثابرة على التنصل من المسؤولية، السياسية والفكرية والأخلاقية؟




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -التفاصلية- والعلمانية ونقد الشأن الإسلامي
- حزب الله مقاوماً في .. بيروت
- شتاينماير ضد كانط
- جيل عربي ثالث أمام الواقعة الإسرائيلية
- خبز شعير.. عربي
- الأولوية، عربيا، للتقدم أم لمواجهة إسرائيل؟
- الدين كحق من حقوق الإنسان
- سلام في سورية من أجل سلام لسورية...
- من أجل نقد عقلاني للسياسة الأميركية
- أميركا الشرق أوسطية ونحن.. الأميركيون!
- الشرق أوسطية: الإيديولوجية والنظام
- سورية والأزمة الوطنية الدورية
- ما العمل حين يستحيل العمل؟
- نقد متأخر لنظرية -قوى التغيير-
- في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي
- من أجل ماذا سلام سوري إسرائيلي؟
- في -المسألة الكردية- وتمثيل الذات الوطنية السورية
- الممانعة وامتناع السياسة
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)
- من -الديمقراطية البرجوازية- إلى -الليبرالية الجديدة- و.. -ال ...


المزيد.....




- إسبانيا: رئيس الوزراء بيدرو سانشيز يفكر في الاستقالة بعد تحق ...
- السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟
- كأس الاتحاد الأفريقي: كاف يقرر هزم اتحاد الجزائر 3-صفر بعد - ...
- كتائب القسام تعلن إيقاع قوتين إسرائيليتين في كمينيْن بالمغرا ...
- خبير عسكري: عودة العمليات في النصيرات تهدف لتأمين ممر نتساري ...
- شاهد.. قناص قسامي يصيب ضابطا إسرائيليا ويفر رفاقه هاربين
- أبرز تطورات اليوم الـ201 من الحرب الإسرائيلية على غزة
- أساتذة قانون تونسيون يطالبون بإطلاق سراح موقوفين
- الإفراج عن 18 موقوفا إثر وقفة تضامنية بالقاهرة مع غزة والسود ...
- الى الأمام العدد 206


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في شأن الإصلاح السياسي والهوية الوطنية في سورية