أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أميركا الشرق أوسطية ونحن.. الأميركيون!














المزيد.....

أميركا الشرق أوسطية ونحن.. الأميركيون!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2266 - 2008 / 4 / 29 - 11:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يسع الولايات المتحدة أن تصمم شرقا أوسط كبيرا أو واسعا دون أن تمسي دولة شرق أوسطية. وإن كان من حصيلة عينية حتى الآن للمشاريع الأمريكية فهي المزيد من تحول أميركا إلى دولة شرق أوسطية، والقليل جدا مما يتجاوز السطح من أمركة المنطقة. ومنذ الآن يعني هذا الواقع أن تحولا أساسيا في المنطقة مشروط بتحول أساسي في العلاقة الشرق أوسطية، التي تقوم على هيمنة أميركية متعددة الأشكال فيها.
لا أفق لذلك اليوم. إن حجم المصالح الاقتصادية والرهانات الجيوسياسية والتفاهمات الأمنية والدبلوماسية بين دول المنطقة والأميركيين هائل بحيث تبدو العلاقة الشرق أوسطية مرشحة فقط لمزيد من التشابك والتعقيد. فإذا شنت الولايات المتحدة حربا جديدة، على إيران أو غيرها، تعمقت صفتها الشرق أوسطية. وإن لم تخض لم تكد الصفة هذه تخسر شيئا من العمق. ولا يبدو أن ثمة مخرجا من هذا التشابك المعقد والمصيري الذي يقترن بتباعد عاطفي ونفسي متنام. في سنوات ما بعد احتلال العراق زاد مقت أكثرية العرب لأميركا بعد أن لم يكن قليلا قبله. وفي السنوات نفسها، أو منذ 11 أيلول 2001، زاد احتقار الأميركيين لنا بعد أن لم يكن ضعيفا قبل ذلك.
في المحصلة نحن أسرى كره للأميركيين، يفاقمه شعورنا بالحق وعجزنا، وهم أسرى غرورهم واحتقارنا وشعورهم الزائف بأنهم أمة لا كالأمم، أمة أخلاقية وغيرية. ويبلغ من عمق هذه العلاقة الفاسدة والمهلكة أنها خرجت من مجال السياسة إلى مجال الثقافة منذ عقود، وهي منذ قرابة عقدين تتربع في مجال الدين ذاته. هذا يعني أنها أضحت علاقة غير عكوسة، غير قابلة للإصلاح.
وهذا تشابك لا يفضي إلا إلى شر عميم. وهو يبدو الآن مندفعا نحو الأسوأ دون أن يكون ثمة ما يحد من اندفاعه. ونرجح أن العجز عن إصلاح العلاقة واستحالة الانفصال بين الطرفين سيجعل أي تطبيع في المنطقة غير ممكن، ما يعني منطقيا أن أي تغيير جدي فيها ينبغي أن يستهدف نظام الهيمنة ككل. هذا أمر بالغ الصعوبة، ومن غير المتصور أن يتحقق في المدى المتوسط، دع عنك المدى القريب.
وأحد وجوه تعذر التغيير في المنطقة يتصل بحقيقة أن أميركا التي مثلت نموذجا إيجابيا يمكن التماهي معه بخصوص بلدان أوربا الشرقية وقبلها ألمانيا، وبدرجة ما اليابان، هي نموذج فاسد وأناني في المنطقة العربية. فاسد وأناني بحق، وليس بفعل دعاية جائرة من إسلاميين أو قوميين أو يساريين عرب. وما من لعبة علاقات عامة يمكن أن تتدارك ذلك إن لم تندرج في إصلاح جذري للعلاقة الأميركية الشرق أوسطية، إصلاح يبدو الأميركيون عاجزون عنه قدر عجز العرب عن فرضه أو الدفع نحوه.
خلافا لما تفضل أن تتصور نزعة العداء العربي لأميركا فإن "الشرق الأوسط"، وبالخصوص قلبه العربي، البترولي والإسرائيلي، يعاني من قصور "الأمركة" لا من فرطها، أو من اتخاذها شكلا امبرياليا وعسكريا وأمنيا، مع ضمور مفرط لعناصرها الحقوقية والاقتصادية والسياسية. وخلافا لما يحب الأميركيون أن يعتقدوا فإن القيم التي وجهت حربهم ضد النازية الألمانية أو القومية العسكرية اليابانية متعارضة تماما مع القيم التي وجهت الحرب ضد العراق أو العلاقة الغرامية الملتهبة مع إسرائيل. لقد هزم الألمان واليابانيون، لكن النموذج الأميركي استطاع أن يكون مهيمنا دون صعوبة، ربما لأن مواطني تلك البلدان شعروا بقربه منهم واحترامه لهم. ليس الناس عندنا مختلفون، لكنهم لم يلمسوا يوما ذرة احترام واحدة. والتحريم الذي أحيط به الهولوكوست و"معاداة السامية" يمنع الأميركيين، والغربيين بعامة، من إصلاح أسوأ أخطائهم السياسية والأخلاقية. وهي كبيرة وهائلة إلى درجة انه لا غنى عن حجاب أخلاقي سميك جد من أجل تغطيتها وحجبها عن الأنظار. هذا ما يجعل الأمر أكثر إيذاءا للعرب. فكل وضاعة تمارس ضدهم تجد فورا تبريرا أخلاقيا ساميا. هل يبدو أن القوم يخدعون أنفسهم؟ هذا ما يفعلونه حقا. لو استطاعوا التغلب على التحريم ورفع الحجاب الأخلاقي السميك، لربما تبدت علاقتهم الدافئة جدا بإسرائيل من صنف السكوت على النازي لا من صنف مواجهته.
لم تفض الحرب العراقية إلى تغيير إيجابي في المنطقة. ليس فقط لأن دوافعها كانت أنانية، ولأن خوضها كان غير شرعي، ولأن كثيرا من الكذب مورس لتبريرها، ولكن لأنك لا يمكن أن تعطي الديمقراطية، على افتراض أنه يمكن إعطاءها، لمن لا تحترمهم. ولم نكن محتاجين لأبو غريب من أجل معرفة ذلك. لكن أبو غريب كان تثبيتا لما هو ثابت، الدمغة التي لا تمحي لعلاقة لا تنصلح.
ثم إن الحرب أفضت إلى مزيد من انسداد الآفاق الفكرية والقيمية والنفسية في المنطقة قبل حتى إحكام انسداد آفاقها السياسية. لقد هزم الأميركيون النظام العراقي، لكنهم لم ينتصروا. وهم مؤهلون لإلحاق الهزيمة بأي خصم في المنطقة بالدلالة العسكرية للهزيمة. لكنهم عاجزون عن النصر. السبب بسيط. النصر سياسي، والأميركيون يرفضون السياسة، لأنهم يرفضون الندية مع أي طرف في المنطقة. يرفضون التفاوض والمساومات والحلول الوسط.
لكن ما نتيجة ذلك؟ إن دولة هي الأعظم في العالم تأسر نفسها في الاحتقار والنرجسية والغرور فترفض السياسة، فتعجز عن النصر، فتخسر. تخسر لأنها تملك كل مؤهلات تحقيق النصر، عدا المؤهل الأثمن: التواضع والتعاطف والاحترام. بالمقابل لا يملك العراقيون، ولا يملك العرب، أيا من مؤهلات النصر، لكن يستحيل أن يهزموا هزيمة نهائية. هذا لأننا، بفضل من الأميركيين لا بفضل منا، عادلون؛ أو لنقل إننا في موقع العدالة دون أن نكون عادلين.
أية حرب جديدة تنشب في المنطقة، وليس ثمة ما يشير إلى أن الأميركيين استوعبوا أي شيء من حربهم الأخيرة، ستكون لها نتائج في الاتجاه نفسه. والاشتباك قد يتحول إلى التحام نهائي. ومن ثم إلى إصابة الأميركيين باللعنة الشرق أوسطية التي تسببوا هم بها، أي التخبط وانسداد الآفاق والاستثنائية. أما نحن فمن غير المحتمل أن يكون حالنا أسوأ، ربما بالعكس نأخذ شيئا من أميركا وننهض. كأنما شرط "تأمركنا" هو أن تعلق أميركا عندنا، وتبقى مشلولة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرق أوسطية: الإيديولوجية والنظام
- سورية والأزمة الوطنية الدورية
- ما العمل حين يستحيل العمل؟
- نقد متأخر لنظرية -قوى التغيير-
- في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي
- من أجل ماذا سلام سوري إسرائيلي؟
- في -المسألة الكردية- وتمثيل الذات الوطنية السورية
- الممانعة وامتناع السياسة
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)
- من -الديمقراطية البرجوازية- إلى -الليبرالية الجديدة- و.. -ال ...
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (1 من 2)
- اللاعقل يحكم الشرق الأوسط
- شركاء في العالم، نشبهه ونتشبه به..
- في أصول نظام الاستثناء السوري: محاولة ماركسية
- الفساد الصغير ثقافة والفساد الكبير سياسة!
- من إسرائيل إلى أخرى: في أصل حاجتنا إلى شيطان رجيم
- سورية بين 1978 و2008: عود على بدء!
- جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف
- -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي
- من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة


المزيد.....




- وسائل إعلام: تفاصيل مقتل طالب سعودي طعنا في الرقبة في بريطان ...
- تشيلي: انتشال جثث عمال قضوا بعد انهيار نفق في أكبر منجم نحاس ...
- صدى -يوم الضمير العالمي- دعما لغزة يتردد في البقاع اللبناني ...
- شهادة مؤثرة: في غزة لجأنا إلى شرب الماء المالح حتى لا يغمى ع ...
- إل باييس: صناديق الموت من السماء مساعدات لغزة تجمّل الجريمة ...
- إيران تؤسس مجلس دفاع وطني بعد حربها الأخيرة مع إسرائيل
- هل يشتعل الصراع بين تركيا والهند في المحيط الهندي؟
- 90 ألفا تظاهروا بأستراليا تعاطفا مع غزة وإسرائيل غاضبة
- ترامب: على إسرائيل أن تطعم الناس في غزة
- إيران تعلن تأسيس -مجلس الدفاع الوطني- لتعزيز قدراتها


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أميركا الشرق أوسطية ونحن.. الأميركيون!