أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - ما العمل حين يستحيل العمل؟














المزيد.....

ما العمل حين يستحيل العمل؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2254 - 2008 / 4 / 17 - 10:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يحدث، في شروط بعينها، أن يكون الامتناع عن فعل أي شيء هو الشيء الوحيد الصحيح.
من هذه الشروط أن تكون معارضا في سورية مثلا، حيث تحرص السلطات على شل معارضيها أو إيذائهم إن نشطوا بما يوافق مفهومهم كمعارضين، أي حيث يعتبر المعارض الجيد هو المعارض غير الموجود. هذا هو الحال منذ عقود طويلة لم تتوفر فيها أية شروط سوية لعمل عام سوي. يستحق المعارضون السوريون في الداخل التضامن معهم بلا ريب، وهم جديرون غالبا بالاحترام، لكن هذا لا يعني بحال أن عدالة قضيتهم تغني عن النظر في نهجهم السياسي، أو تعفي من رصد أخطاء محتملة لهم. والمنبع الأساس للأخطاء هو الإصرار على العمل السياسي المباشر في شروط نزع السياسة، ما يقود إلى السرية أولا، وإلى التسييس المفرط ثانيا، وإلى ضعف الإنجاز والتراكم، بل إلى التآكل والعزلة ثالثا، وإلى انعدام النقد الذاتي والانفتاح الفكري رابعا، وإلى التعصب للذات والدكتاتورية داخل التنظيمات خامسا، وإلى نضالية مفرطة تشوش التفكير وتحل محله سادسا. أما أخطاء التحليل أو الموقف فهي الأقل أهمية لأنها ممكنة دوما، وإن كان يحصل أن تكون كبيرة في شروط كهذه.
وشروط التسلط الغشيم الفاقد لأي معنى عام هذه تعوق تحقيق تقدم على مستوى الحساسية والفكر والتحضر في أوساط المعارضة، فلا تترك موقعا مستقلا أرقى يمكن منه نقد الذات وتقويمها. وعلى هذا النحو ينضاف شرط ثقافي يتسم بالضعف والرثاثة إلى شرط سياسي موسوم بالتسلطية واحتكار المجال العام ليجعل فرص ارتكاب الأخطاء الكبيرة وفيرة من جهة وفرص النقد المصحح لها ضئيلة من جهة أخرى. وهذا كله على خلفية شرط ثقافي سوري وعربي لا يوفر منذ ثلاثة عقود على الأقل ركائز متينة لمشروع اجتماعي وسياسي جديد.
ولا يزال المعارضون والمثقفون يتصرفون كما لو أنه لا أهمية لذلك، وكما لو أنه يمكن الاستمرار على قيد السياسة دون مشروع جديد يكون في الوقت نفسه أساسا لشرعية سياسية جديدة.
هذا الكلام صحيح بصورة خاصة بعد الاعتقالات التي جرت أواخر العام المنقضي ومطلع هذا العام في أوساط ائتلاف "إعلان دمشق". لقد عمل النظام على تقويض الائتلاف، فاعتقل 14 من ناشطيه الأساسيين وشل حركة الآخرين أو قيدها إلى أقصى حد. وهو ما يعيد التذكير بسوابق كانت أفضت إلى تحطيم المعارضة في ثمانينات القرن العشرين وانهيارها الفعلي في التسعينات.
في مثل هذه الحال التي تتخطى نزع سياسية المعارضة إلى تخوينها ونزع وطنيتها، بل وإلى تنكيد حياة المعارضين وأسرهم والمساس بموارد عيشهم، الشيء الصحيح الذي يتعين عمله هو ..لا شيء. ينبغي أن لا ننخرط في عمل سياسي ونحن على هذه الدرجة من البؤس ونزع الإنسانية. وإلا فإننا نتواطأ مع نزع إنسانيتنا، ليس فقط لما قد نتعرض له من معاملة لا إنسانية، وإنما لأن من شأن الاستماتة في العمل في مثل هذه الشروط أن يميت أرقى المشاعر الإنسانية، ويجعل المعارضين مشابهين لخصومهم التسلطيين.
أعني لا شيء سياسيا بالطبع. هناك أشياء أخرى كثيرة لا سياسية يمكن ويتعين الاعتناء بها. وأولها هو الثقافة. لقد ترافق نزع السياسة من المجتمع السوري مع نزع أشد للثقافة. ومنذ أواسط السبعينات من القرن الماضي صنعت بيئة سياسية يسودها الخوف وعدم الثقة، متشككة بالثقافة أو معادية لها صريحة، تقمع النقد والتساؤل والفضول، وتعادي استقلال الرأي والضمير. لا ثقافة ممكنة في بيئة كهذه. وتاليا ما من تفكير جسور منفتح، ما من معان جديدة غير مسبوقة، ما من إحساس جديد شجاع، وبالطبع ما من ساحة عامة لتداول الأفكار، وما من نقاش عام من أي نوع. ما سيكون حال السياسة إذن دون الفاعلية الفاتحة والمحررة للثقافة؟ ستكون صناعة لعصبيات جديدة أو انكفاء على عصبيات قديمة، إي إنتاجا لانغلاق ينسخ بنية الانغلاق التسلطي.
استعادة الثقافة، لذلك، أولى وأهم من استعادة السياسة، بل إنها شرط لها. هذا ليس فقط بسبب النظام النازع للثقافة وإنما كذلك لأن تحررا سياسيا في مجتمعاتنا غير متصور دون ركائز ثقافية نفتقر إليها اليوم بوضوح. ركائز علينا بناؤها، إذ لا يمكن أن تفد إلينا من الخارج أو تستورد من الماضي. ما يأتي من عند غيرنا (وماضينا هو "غير" قدر ما هو خارجنا) هو إيديولوجيا وليس ثقافة. يمسي ثقافة حين نتمثله بأن نعيد تمريره عبر حواسنا وحساسيتنا، أي نمزجه بتجاربنا وخبراتنا، ونعقله. الأصح لذلك أن نتكلم على بناء الثقافة والسياسة وليس عل استعادتهما.
لكن ما شأن المعارضة بذلك؟ لعل في ما سبق ما يسوغ اشتغال المعارضة بالثقافة. أولا، إنها ممنوعة من مطابقة مفهومها كمعارضة سياسية. ثانيا، إن مجتمعنا منزوع الثقافة وليس منزوع السياسة فقط، ولأن استعادة السياسة دون استعادة الثقافة على ما هو جار اليوم تفضي بسرعة إلى طريق مسدود نظننا بلغنا سدّه فعلا. وثالثا، لأن المعارضة في سورية كانت دوما قريبة من الثقافة، ومن أوساطها ظهر بعض أهم المثقفين السوريين، ولأن إرادة الاعتراض والاحتجاج المقترنة بعمل المعارضة يمكن أن تتحول إرادة نقد فكري وثقافي. ورابعا، لأن صون إنسانية المعارضين وترقيهم الحضاري يقتضي مداورة سياسة يصفها معارضون نبهاء بحق أنها وحشية و"بنت حرام".
تدفع الصيغة السياسية القائمة في سورية إلى انتظام المجتمع على أساس الطبيعة، الغريزة وموروثات الماضي، لا على أساس الثقافة ومشروعات المستقبل. ستدفع سورية ثمنا باهظا لذلك على الأرجح. فالدول والمجتمعات التي لا تحل مشكلاتها بالعقل ستنحل مشكلاتها بأن تفسد وتتحلل هي ذاتها. على هذا النحو تشتغل الطبيعة. أما الحلول العقلانية فهي نتاج الثقافة. ورغم أن تدخل الثقافة واستقلالها ليس شيئا يتحصل بمحض وجود ناشطين ومثقفين حريصين على استقلالهم، إلا أن هذا أوله وأساسه.
لطالما قلنا في سورية وفي بلاد عربية أخرى إن نظمنا مستبدة وتسلطية وأن الاعتراض عليها حق. هذا صحيح. لكن قد يكون آن أن نستخلص منه ضرورة تغيير المعارضة باتجاه أن تمسي حركة تجدد ثقافي، وكشرط لتغيير السلطة. دون ذلك سوف تصاب هي ذاتها بالتحلل. أليس هذا ما يجري في أكثر البلدان العربية؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد متأخر لنظرية -قوى التغيير-
- في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي
- من أجل ماذا سلام سوري إسرائيلي؟
- في -المسألة الكردية- وتمثيل الذات الوطنية السورية
- الممانعة وامتناع السياسة
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)
- من -الديمقراطية البرجوازية- إلى -الليبرالية الجديدة- و.. -ال ...
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (1 من 2)
- اللاعقل يحكم الشرق الأوسط
- شركاء في العالم، نشبهه ونتشبه به..
- في أصول نظام الاستثناء السوري: محاولة ماركسية
- الفساد الصغير ثقافة والفساد الكبير سياسة!
- من إسرائيل إلى أخرى: في أصل حاجتنا إلى شيطان رجيم
- سورية بين 1978 و2008: عود على بدء!
- جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف
- -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي
- من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة
- هل يمكن لتركيا أن تكون مثالا إيجابيا للسوريين؟
- من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟
- أزمة حركات المعارضةالعلمانية العربية ... فكرية


المزيد.....




- إيران تستهدف مستشفى سوروكا في تل أبيب.. وإسرائيل ترد بتصعيد ...
- قبل إعلان ترامب عن مهلة لإيران.. مصادر تكشف لـCNN عن تحركات ...
- تحليل لـCNN: هل يستطيع الكونغرس منع ترامب من ضرب إيران؟
- -كتائب حزب الله- العراقية تتوعد ترامب إذا ضرب إيران: ستخسر ك ...
- صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل للتحذير من هجوم صاروخي إيراني ...
- غروسي: إيران لم تكن تصنع قنبلة نووية عند بدء الهجوم.. لا تنس ...
- 34 شهيدا في غزة منذ فجر اليوم أغلبهم من المجوعين
- الرئيس الأوكراني يعيّن قائدا جديدا للقوات البرية
- شي وبوتين يتفقان على أولوية وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائ ...
- وول ستريت جورنال: تكلفة خيالية تتكبدها إسرائيل لاعتراض صاروخ ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - ما العمل حين يستحيل العمل؟