أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الفساد الصغير ثقافة والفساد الكبير سياسة!














المزيد.....

الفساد الصغير ثقافة والفساد الكبير سياسة!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2214 - 2008 / 3 / 8 - 11:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في استفتاء نادر للرأي أجري مؤخرا في سورية رأى 450 من أصل 452 شخصا مشاركا أن الفساد منتشر في دوائر الدولة. وبينما لم يعف الفساد عن أية مؤسسة عامة، بما فيها الجامعات، كان للجهاز القضائي شرف احتلال المرتبة الأولى. وهو ما يعني ببساطة أنه ليس ثمة ما يحمي السكان أو أن على المواطنين أن يشتروا العدالة لأنفسهم، الأمر الذي لا يستطيعه أصحاب الحق غالبا فيما يسهل على الأقوياء من أصحاب الباطل أن يشتروا أو يفرضوا العدالة التي تناسبهم. وأعاد المستفتون سبب هذه الوباء المستوطن إلى تدني الرواتب والأجور لدى العاملين في الدولة (1355 ألفا من قوة عمل تبلغ 4859 ألفا)، وإلى ضعف المحاسبة الحكومية للفاسدين.
ويسكت الاستفتاء الذي أجرته صحيفة رسمية سورية عن الجذور الأعمق لهذه الظاهرة. فلن نجد كلمة واحدة عن البنية الولائية لممارسة السلطة في البلاد، أي أولوية الولاء على الكفاءة، والتبعية على الاجتهاد والعلم، وهو ما انعكس طوال العقود الاربعة الأخيرة في قانون سوري خاص: البقاء للسيئ والارتقاء للأسوأ، أي لمن هو مستعد أكثر من غيره ليتزلف ويهتف ويمدح ويصفق لمن هم فوق. يسكت أيضا عن تحزيب الدولة بنص دستوري صريح، ما يعني أن الأولوية للبعثيين في التوظيف والترقي في المناصب العامة ونيل المنح الدراسية... ومن نافل القول أن تحزيب الدولة ينزع عنها صفة دولة الأمة ويجعل منها دولة فئوية. يسكت الاستفتاء كذلك عن الحظر الصارم لأي شكل من اشكال الاحتجاج العام، بما في ذلك الاحتجاج على الفساد نفسه. ويعتقد كثيرون أن رياض سيف اعتقل أول مرة عام 2001 بسبب كراس كان نشره عن صفقة عقود الهاتف الخليوي الذي كان حديثا وقتها في البلد، وأظهر شبهة فساد قوية في العقود.
والواقع أن من شأن كلمة فساد أن تكون مضللة بالخصوص بسبب حمولتها الأخلاقية التي توحي بأن أصل الظاهرة هو خراب ضمائر بعض الأفراد أو كثير منهم أو حتى كلهم. والحال إنه إن كان لا بد من استخدام هذه الكلمة فينبغي التركيز على الفساد كعلاقة اجتماعية وكأمر يتصل بموازين القوى الاجتماعية وعلاقات الطبقات ونمط التراكم المادي في المجتمع المعني.
على أننا سنكتفي في الحيز المتاح لهذه المقالة بإبراز الاختلاف الكبير بين فسادين يميز بينهما الاقتصاديون: الفساد الصغير والفساد الكبير. الأول هو فساد الموظفين الذي انشغل به الاستفتاء السوري، والثاني هو فساد كبار رجال الدولة ومحظييهم ومن في حكمهم.
ولا يرتد الفارق بين الفسادين إلى الحجم وحده، كأن يرتشي الفاسد الصغير بعشرات أو مئات أو ألوف الليرات بينما يحظى الفاسد الكبير بمئات الألوف أو الملايين. الفارق الأساسي أن الفساد الصغير ثقافة فيما الفاسد الكبير سياسة. كيف؟
الفساد الصغير حل لعدد غير متناه من المشكلات الصغيرة. مشكلات مواطنين يريديون تيسير تسيير أعمالهم دونما عراقبل و"مرمطة" فيضطرون إلى دفع "المعلوم" إلى الموظف أو الشرطي أو حتى الأستاذ الجامعي الذي لن ينجحوا في مقرر دراسي يدرسه إن لم "يدفعوا". والموظف أو الشرطي... لا يكفيه راتبه في ظل نظام اقتصادي واجتماعي محاب للمالكي الثروات، ويستمد الناس قيمتهم فيه من ما يملكون من مال أو يحتلون من مواقع حصينة ومجزية. وبالتدريج تغدو علاقة تبادل المنافع هذه علاقة موضوعية مستقرة، فلا معنى لإدانتها دون إدانة النظام الذي يقوم عليها.
وإنما لأن الفساد هذا حل، فإنه يمسي ثقافة، فيطور القيم والذرائع التي تسوغه أو تجعل منه "حلالا"، والأساليب العملية التي تضمن ازدهاره، فيصبح المرتشي "شاطرا" وغير المرتشي غبيا، وقد توصف الرشوة بأنها "هدية" أو "إكرامية"، وتشيع عبارات تطري من "نفع واستنفع". وينبغي أن يكون هذا مفهوما. فإذ يغدو الفساد نمط حياة مستقر وعلاقة اجتماعية عامة وآلية من آليات توزيع الدخل، فإنه سيحتاج إلى التزود بثقافة، لأن الناس لا يستغنون أبدا عن إضفاء القيم على أنماط حياتهم وعلاقاتهم. فما من لص يصف نفسه أو يرتضي أن يوصف بأنه لص، وما من قاتل لا يحاول أن يبرر جرائمه، أي أن يضفي عليها قيمة واعتبارا.
أما الفساد الكبير فهو مسألة ميزان قوى اجتماعي. ينال أشخاص نافذون صفقات كبرى لأنهم مقربون من دوائر الحكم العليا، أو ببساطة يضع "واصلون" أيديهم عل موارد عامة بالملايين والمليارات لأنهم يجمعون في الأيدي نفسها السلطة والشرعية والحصانة معا، أو قد يظفر محظيوهم بمعاملة امتيازية في تعاقدات الدولة، أو تسن قوانين "مفصلة" على قياسهم ولا يعلم بصدورها أحد غيرهم، أو يتاح لهم أن يحتكروا قطاع استيراد أو تصدير أو خدمات مجزيا..
ولا يحظى الفساد الكبير بالحصانة إلا إذا ضمن موازين قوى اجتماعي مواتية له، أو ببساطة تسخير أجهزة الدولة التي ينهبها لقمع من قد يحتجون على النهب. فالفساد الكبير هو الذي يتوسل الدولة لمراكمة الثروة.
وإنه لأنسب، تاليا، أن نسمي الفساد الكبير عملية سلب ونهب منظمة تمر عبر احتلال الدولة وفتح المجتمع المحكوم، فيما نصف الفساد الصغير بأنه آلية لإعادة توزيع الدخل بين الشرائح الوسطى والدنيا من المجتمع.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من إسرائيل إلى أخرى: في أصل حاجتنا إلى شيطان رجيم
- سورية بين 1978 و2008: عود على بدء!
- جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف
- -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي
- من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة
- هل يمكن لتركيا أن تكون مثالا إيجابيا للسوريين؟
- من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟
- أزمة حركات المعارضةالعلمانية العربية ... فكرية
- في نقد الثقافة السياسية السورية
- نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية
- إيديولوجيات السوريين وصعود الجيوسياسي
- الطائفية كحصيلة للفقر السياسي وحدٍّ له
- في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه
- لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية
- -وضعية علمانية-: أفكار في شأن العلمانية والإسلامية والدولة
- وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي
- في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...


المزيد.....




- بتدوينة عن حال العالم العربي.. رغد صدام حسين: رؤية والدي سبق ...
- وزير الخارجية السعودي: الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غز ...
- صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد ...
- وزير الطاقة الإسرائيلي من دبي: أثبتت أحداث الأسابيع الماضية ...
- -بعضها مخيف للغاية-.. مسؤول أمريكي: أي تطور جديد بين إسرائيل ...
- السفارة الروسية في باريس: لم نتلق دعوة لحضور الاحتفال بذكرى ...
- أردوغان يحمل نتنياهو المسؤولية عن تصعيد التوتر في الشرق الأو ...
- سلطنة عمان.. مشاهد تحبس الأنفاس لإنقاذ عالقين وسط السيول وار ...
- -سي إن إن-: الولايات المتحدة قد تختلف مع إسرائيل إذا قررت ال ...
- مجلة -نيوزويك- تكشف عن مصير المحتمل لـ-عاصمة أوكرانيا الثاني ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الفساد الصغير ثقافة والفساد الكبير سياسة!