أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه















المزيد.....

في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2171 - 2008 / 1 / 25 - 08:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إذا صح تسمية عام 2007 المنقضي في سورية بموضوع النقاش السياسي والفكري الأبرز فيه، فسيكون الاسم الأنسب هو عام العلمانية. فقد شهد شهر آذار التئام ورشة نقاش حول العلمانية طوال يومين في المعهد الفرنسي في دمشق، بمشاركة ريجيس دوبريه وهنري لورنس وآخرين من فرنسا وسورية. وطوال يومين آخرين من شهر أيار انعقد مؤتمر حول "العلمانية في المشرق العربي" في المعهد الدانمركي في دمشق بمشاركة عزيز العظمة وجورج طرابيشي وآخرين من سورية ولبنان والدانمرك. وخصصت مجلة "الآداب" البيروتية ملفا توزع على ثلاث من أعدادها عن "العلمانية في السياق العربي الإسلامي"، وبمشاركة نشطة من كتاب سوريين. وكان موقع "الأوان" مسرحا لسجال واسع في الشأن ذاته، وبإسهام نشط من سوريين أيضا. واختتم "العام العلماني" بمؤتمر "رابطة العقلانيين العرب" في باريس في الثلث الأخير من شهر تشرين الثاني الماضي، بغرض "إعادة هيكلة" موقع الأوان نفسه في اتجاه شد تمركزا حول العلمانية ("العلمانية هي الحل")، كما يمكن استخلاصه من مقالة لدلال البزري التي حضرت المؤتمر (23/12/2007). وهنا أيضا كان لسوريين دور مهم في الرعاية الفكرية والرمزية. وكان لكاتب هذه السطور مشاركة من نوع ما في هذه الأنشطة جميعا، حتى أنه كان "حاضرا" في المؤتمر الباريسي رغم غيابه عنه!
ويسع المتابع أن يتبين مقاربتين متعارضتين في التداول السوري لمفهوم العلمانية. واحدة تتخذ من العلمانية محورا أول أو حصريا لتفكيرها، وتنزع نحو ترتيب الشواغل الفكرية والسياسية الأخرى حوله أو بناء عليه؛ وأخرى تدرج العلمانية ضمن جدول اهتمامات أوسع، ما يعني بالضرورة إشغالها مكانة أدنى. ستحاول هذه المقالة رصد كيفية تشكل التنويعة الأولى لفكرة العلمانية في هوية تميز أهلها وتحتشد لخوض صراع ضد أعدائها المفترضين، وتتلمس تجسدها في صيغ مؤسسية وشبه مؤسسية وكيفية انقلابها على ذاتها لتغدو ميثاق تماسك "طائفة"، بدل أن تكون العلاج المفترض للطائفية.
والحال إنه حيث يكون مفهوم العلمانية محورا حصريا للتفكير والنشاط العام فإنه ينزع إلى اكتساب شحنة تعبوية ونضالية، تجعله رمزا وشعارا (موحدا لطرف أو عصبة)، فيضيق ذرعا بالدقائق والفوارق والتلوينات، معرفية كانت أم تاريخية أم سياسية، على ما شهد به فوز الباحثة الدانمركية ماني كروني بسخط زملاء سوريين لها لأنها طلبت في "مؤتمر العلمانية في المشرق العربي" في أيار 2007 براهين على نجوع العلمانية علاجا للطائفية، وتمنت مزيدا من الوضوح في تعريف العلمانية، ودعت إلى التمييز بين نماذج مختلفة من العلمانية في الغرب.. المغزى البديهي لذلك أن التعبئة تتقدم على التحليل.
ولعل الأهم في شأن "الهوية العلمانية" هو ما قد يستخلص من المناشط العلمانية وتنظيمها وأجوائها، وليس نصوصها ومناقشاتها العامة. لست "داخليا" في تلك المناشط، لكني ألاحظ تناسبا طرديا بين (1) تشدد الدعوة العلمانية وانفرادها عن غيرها، ومقياسه موقفها التحريمي، إن لم نقل "التكفيري"، من الإسلاميين (بل وممن لا "يُكفِّر" الإسلامين)؛ و(2) اجتذابها دعاة ساخطين عصبيين، يتملكهم تثبّت نفسي شديد حول "الأصولية"؛ و(3) نزوع هؤلاء إلى الاعتصاب أو الميل إلى تشكيل عصبية عدائية حيال غيرها، "طائفة" مغلقة. ثمة شيء ما في سيكولوجية الداعية العلماني السوري، وربما العربي، يلفت النظر بالتزمت والعدوانية حيال أخصامه المفترضين، والتعصب لـ"إخوانه"، ما يجعل منه نسخة مقلوبة من المجاهد الإسلامي (وهذا عصبي وعصبوي بدوره، وتكفيري طبعا). ولأنها كذلك تشكل "العلمانية المجاهدة" هذه أرضية لتجديد سيكولوجية المناضل المتوفز، التي تجمع بين الانعزال والرسالية وعشق السلطة، السيكولوجية التي كانت تشكلها وتشبعها في عقود خلت التنويعات الأشد انغلاقا من الإيديولوجية الشيوعية.
وبقدر ما تتقدم التعبئة التي تشتغل بالشعارات والرموز، فسيتعين على الشعار الموحِّد، أي العلمانية، أن يكون موحَّدا هو ذاته، أي مفرغا من التعدد والاختلاف والنسبية. وسيكون القول إنه ثمة علمانيات مختلفة، إن هناك تاريخا للعلمانية، إن وظيفة المفهوم الاجتماعية قد لا تطابق وعيه لذاته..، سيكون غير مرغوب لأنه يضعف الفاعلية التعبوية المرومة. لذلك فإن النموذج الفرنسي، وما يكتنزه من روح نضالية ويعقوبية، مفضل على غيره من نماذج العلمانية. وستواجه أية مقاربات تشتغل بإدخال شيء من التعدد إلى مفهوم العلمانية، أو إدراجه كعنصر في متعدد أكبر، أو إدخاله في علاقة أو نسبة (مع الديمقراطية أو بناء الأمة..)، وتاليا خلخلة تماسكه و"نسبنته"، ستواجه بالتشكك أو "التكفير". أو بما هو أحلى: قوائم بأسماء "معادين العلمانية"، من صنف ما هو لائق بالتوتاليتاريات جميعا.
وبينما ليس ثمة فكرة تمتنع تلقائيا على توسلها ميثاق توحيد جماعة أو قاعدة تطييف وبناء هوية حصرية، العلمانية في ذلك مثل غيرها، فإنه ينبغي لمسار تحول العلمانية إلى قاعدة لعصبية خاصة أن يكون من سخريات الواقع الأليمة. إذ أن العلمانية هي الحل المفترض للمشكلة الطائفية، وفقا لإجماع مستقر، بقدر ما هو غير مؤسس، في أوساط حملة الهوية هذه، من أفضل تسميتهم بالعلمانيين المطلقين أو العلمانويين. غير مؤسس لأنه ليس ثمة في حدود ما أعلم دراسة واحدة تثبت، ببراهين غير دائرية، أن العلمانية هي العلاج الحصري للطائفية.
والحال إن تشكل العلمانية في عصبية هو عنصر أساسي في بناء "ما وراء النقاش" السوري حول العلمانية. وللماوراء هذا وجهان. يحيل وجه أول إلى السياق المؤسسي الذي ينتظم فيه النقاش، فيما يحيل وجه ثان إلى السياق السياسي والسوسيولوجي للنقاش. ويتكون السياق الأول من ممارسات عملية "شارحة" للنقاش، ومن صيغ تكتل ومراتب سلطة تحتجب وراءه، ومن عمليات "تعبئة" و"نضال" بالغة العنف تهتدي به وتوجهه، فضلا عن أشكال تنظيم وتمويل تشكل في آن رهانا وأطر تنظيم للنقاش. هذه أشياء لا يشف عنها النقاش ذاته، ويتعين إبقائها في البال لأنها قد "تقول" ما لا يقوله النقاش، وقد تفصح عما يغمض إدراكه على من تقتصر متابعته على النصوص وحدها. ولقد كان ما هو أغنى بالدلالة في "مؤتمر العلمانية في المشرق العربي" مثلا هو أطر رعايته وتنشيطه، والمداولات الجانبية فيه. والأرجح أن مثل ذلك ينطبق على مؤتمر "رابطة العقلانيين" كما توحي إشارات وردت في مقالة دلال البزري المومأ إليها فوق.
ولا يجري التحول من المفهوم إلى الشعار، ومن الفكرة إلى الهوية، في فراغ اجتماعي وسياسي، بل إنه مشروط اجتماعيا وسياسيا هو ذاته. فالهوية مطلب أول في كل صراع سياسي. وانغلاقها وتطييفها يتناسب طردا مع حدة الصراع هذا وعلو الرهانات التي يمكن أن تترتب عليه. سنلاحظ فقط أن تطييف العلمانية، أي تشكلها في عصبية مغلقة، يؤشر على غلبة التطييف في حياتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية. ولعل من شأن مقاربة الطائفية كعملية تطييف أن يتيح لنا فهم كيف تتشكل طوائف دون وجود "طوائف" بالمعنى الدارج للكلمة، بما في ذلك تشكل طوائف تعي ذاتها ضد الطائفية. يتيح لنا أيضا أن نفهم أن تجاوز الطائفية يمر حتما بنقد التشكل الطائفي للعلمانية، هذا الذي يموه وعيها ويتعايش معها عمليا. ويمكننا أن نفهم أخيرا أن تطوير موقف علماني مستنير يتجاوز النقد الضروري لكن السهل فكريا للإسلاميين، إلى نقد أصعب للعلمانية الطائفية.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية
- -وضعية علمانية-: أفكار في شأن العلمانية والإسلامية والدولة
- وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي
- في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية


المزيد.....




- “TV Toyour Eljanah”‏ اضبطها حالا وفرح عيالك.. تردد قناة طيور ...
- إنشاء -جيش- للشتات اليهودي بدعم من كيان الاحتلال في فرنسا
- بينهم 5 أمريكيين.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل سبعة يهود حاولوا ...
- اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ممتعة لاحلي اغ ...
- لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا ...
- -باسم يوسف- يهاجم -إيلون ماسك- بشراسة ..ما السبب؟
- إسرائيل تغتال قياديا بارزا في -الجماعة الإسلامية- بلبنان
- -بعد استعمال الإسلام انكشف قناع جديد-.. مقتدى الصدر يعلق على ...
- ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة الجديد الحديث على القم ...
- معظم الفلسطينيين واليهود يريدون السلام، أما النرجسيون فيعرقل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه