أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - ياسين الحاج صالح - بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية















المزيد.....

بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2143 - 2007 / 12 / 28 - 12:32
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الغرب متفوق ونحن في مرتبة متدنية حضاريا. هذا واقع مؤسف، لكن لا جدال فيه فيما نرى. على أن غرضنا من قول ذلك لا علاقة له من قريب أو بعيد بعقدة نقص تجاه الغرب ولا باحتقار للذات. الغرض بالأحرى وعي النقص من أجل أن التخلص منه. فنحن "ناقصون" فعلا، وإنكار النقص ليس إلا نقصا في الشعور في شروطنا الراهنة. ولا ينبغي للسعي السليم إلى التحرر من عقدة النقص أن يلتبس بإنكار نقص حقيقي في مؤسساتنا ونظمنا ووعينا، ولا للتطلع الواجب إلى التحرر من ازدراء الذات أن ينزلق إلى تمجيد أجوف لها. إن وعي النقص هو شرط التحرر من عقدة النقص، وهذا لا يتأتى دون نقل النقص من مجال الشعور حيث الاختلاط والشمول وعدم التمييز، إلى الوعي حيث التحديد والوضوح والضبط والانفصال. عقدة النقص لا تتولد عن تقرير النقص. ما تقرره هو أننا ناقصون تكوينيا وجوهريا، وأننا لا نتحرر من نقصنا دون الانسلاخ عن ثقافتنا ولغتنا وأدياننا، والالتحاق غير المشروط بالمتقدمين. هنا يمر التحرر من نقصنا الذاتي بالتحرر من الذات ذاتها. وهذا فيما نرى موقف متطرف، يشكل طباق موقف من يرى أننا مستغنون بما في أيدينا، بالإسلام على رأي السيد يوسف القرضاوي، عن كل شيء آخر. هذان معا موقفان إيديولوجيان، نميز عنهما موقفا ثالثا يعتبر نقصنا واقعي ويسعى إلى جعله موضوعا لمعرفة، ولعمل منظم يتجاوزه.
التمييز بين نقصنا الواقعي والشعور بالنقص أو عقدة النقص ضروري لأن الشعور المرسل بالنقص هو بمثابة سلاح تدمير شامل يقوض أي قدرة على لنهوض والعمل. غرضنا هو المقارنة، وهي تبقى جزئية ومهددة كل لحظة بالانحطاط إلى مستوى المعايرة ما لم نوسع قاعدة المقارنة لتشمل عوالم حضارية وثقافية أخرى. بالمعايرة اعني اعتبار أحد الطرفين معيارا، كاملا بالتعريف، للطرف الآخر. الغرب معيار لنا، ولأنه كامل باعتباره معيارا، فنحن ناقصون بقدر ما لا نطابقه. أي أن المعايرة تنكر الاختلاف مبدئيا، وترد كل اختلاف إلى نقص أو تخلف. وهو بالطبع ما يستفيد في أوضاعنا الراهنة من تخلف حقيقي لا ريب فيه، لكنه يتحول هنا إلى تخلف مطلق. أما المقارنة فتقابل طرفين أو أطرافا مختلفة دون أن تجعل أيا منهما معيارا لغيره. وهي لا تنكر المعيار، ولا شرعية الحكام المعيارية، لكنه تعتبر المعيار تركيبا ذهنيا نبنيه هو ذاته من المقارنة وليس سابقا عليها وشارطا لها. ومن وجهة نظر المقارنة التخلف حقيقي، لكنه نسبي ويمكن تداركه.
ثمة مقاربة ثالثة، ترفض المعايرة لكنها تنكر إمكان المقارنة ذاتها، وتصادر على أن المختلف هو الوحيد الموجود، أو على أن الاختلاف مطلق، فترفض المعيارية تماما. إنها المقاربة ما بعد الحداثية، التي تصدر عن نسبية مطلقة. هنا لا معنى للتخلف إطلاقا. وهذه المقاربة يرتاح إليها دعاة الخصوصية والأصالة الثقافية والحضارية، الإسلاميون بالخصوص. في هذا تدعم المقاربة ما بعد الحداثية الذهنيات ما قبل الحداثية.
ويعمل منهج المعايرة، جعل الغرب معيارا جاهزا ونهائيا، في خدمة الشعور (لا الوعي)، ويخدم ترسيخ عقدة النقص (لا وعي النقص). يعرضه بعضنا بفظاظة حين يلحون بتشفٍ على أن الغرب أصل لكل تجديد، وأننا بالمقابل عراة من أي مساهمة في حضارة العالم. ليس غرضهم في الغالب ترسيخ النقص، بل شحذ روح النقد وإرادة التغيير. بيد أن من شأن جعل المعيار مطلقا أن يفضي عند ممارسيه إلى نقد خارجي لأوضاعنا، نقد بلا تضامن (يتماهى الناقد بالغرب)، وأن يغرس شعورا مقعدا بالنقص عند مستهلكيه. ويتعين القول إن نقد المعيارية الغربية هو نقد لتمثيلاتنا وليس للغرب ذاته. بل إن نقدها ضروري لفهم الغرب ذاته دون غلالات مثالية تقول عنا أشياء دون أن تقول عنه شيئا.
ولا يقف ضد عقدة النقص هذه غير عقدة كمال أو تفوق، هاذية أو منفصلة عن الواقع، نجدها في أوساط الإسلاميين. الأمر هنا لا يتعلق بوعي مناسب بالنقص، باتزان نفسي وروحي، بتصالح مع النفس وانفتاح مع العالم، بل بتمركز مفرط حول الذات وازدراء للعالم، يتناسبان دوما مع معرفة محدودة للذات والعالم معا. ومن المألوف أن ينقل الموقف هذا إلى معيارية مقلوبة، تجعل من الذات الإسلامية المفترضة معيارا للعالم. سيد قطب يقول ذلك صراحة.
ومن الآليات المعرفية العاملة في خدمة الشعور بالنقص آلية التفسير بالغياب. تفسير جوانب من أوضاعنا الاجتماعية والسياسية بنقص أو غياب الديمقراطية أو العلمانية أو "الوعي المطابق" أو نظرية علمية أو ما إلى ذلك. يقال إن ثقافتنا ضعيفة الإبداعية بسبب غياب الحرية، وإن الطائفية مزدهرة في مجتمعاتنا بسبب غياب العلمانية، وإنه ثمة تشدد ديني بسبب غياب الليبرالية.. وهذه التفسيرات إما دائرية (نعرف العلمانية بأنها تزيل الطائفية فتكون الطائفية نتاج غياب العلمانية..) أو إنها تفسر بما يحتاج هو ذاته إلى تفسير: غياب الحرية أو العلمانية.. فضلا عن أن الآلية التفسيرية هذه تجعل من الديمقراطية والعلمانية ... مطلقات لا تاريخية يتعذر فهمها، دع عنك نقدها. القول إن التفسير هذا مثالي بالمعنى الفلسفي لا يعدو الصواب، رغم أن أكثر متوسليه ينسلون أنفسهم إلى اتجاهات فكر علمية ومادية وعقلانية وعلمانية.
وفي جميع الأحوال ليس التفسير بالغياب إلا غيابا للتفسير، أي لتمييز الظاهرة المعنية والكشف عن شروطها وأسبابها الموجبة. إن ضعفنا الثقافي مثلا يقتضي النظر في تراثنا الثقافي ونوعية نظام التعليم وأحوال طبقة المثقفين ومدى استقلالها المادي والسياسي وعلاقتها بالسلطات والطبقات الاجتماعية وما إلى ذلك. والطائفية قد تفسر بسوية الاندماج الوطني ومستوى التنمية وشروط الحقل السياسي ومنافساته وصراعاته ونوعية النخب السياسية والاجتماعية إلخ. فالاجتماعي يفسر بالاجتماعي على قول بيير بورديو، لا بما فوقه من أفكار ومثل ومعايير وعقائد، ولا بما دونه من جغرافيا ومناخ وموارد طبيعية. والمقولات الاقتصادية ذاتها لا تفيد مباشرة في تحليل الاجتماعي، تحتاج إلى شغل إعدادي عليها، "تأهيلها اجتماعيا"، كي تكون مفيدة.
لكن كيف يخدم التفسير بالغياب ترسيخ الشعور بالنقص؟ ببساطة لأن التفسير هذا يحيل إلى مثال كامل، معيار. ولما كان التطابق مع المثال متعذرا، كان لا بد أن تولد الإحالة إليه الإحباط والشعور بالنقص. هذا فضلا عن أن التفسير بالغياب هو أصلا تفسير بالنقص، لا يقترح لتجاوزه غير التطابق مع معيار معروف وجاهز. وهكذا تجعل "سياسة" التطابق هذه من الاقتداء والتبعية نهجا للتقدم والتحرر. وبقدر ما إن هذا مستحيل، فإن عقدة النقص المتولدة عن استحالته ممكنة و.. واقعة. التحرر منها ممكن أيضا، ويقتضي في آن وعي نواقصنا ونقد المعايرة والتفسير بالنقص أو الغياب.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
- العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
- في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها
- في نقد الردح والردح الذاتي
- حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعق ...
- في النموذج الإخواني وتناقض الإسلامية المعاصرة


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - ياسين الحاج صالح - بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية