أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟















المزيد.....

نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 10:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يشغل المشرق العربي حيز تداخل وتراكب نظامين إقلميين: النظام الشرق أوسطي الذي تهيمن الولايات المتحدة على تفاعلاته وتضمن تفوق حليفها الإسرائيلي على دوله متفرقة أو مجتمعة، والنظام العربي الذي تشده وتوحد مخيلته روابط ثقافية ولغوية عميقة. ويعني النظام في الحالين نسق تفاعلات متنوعة، جيوسياسية في الشرق الأسط، وجيوثقافية في النظام العربي، يتعذر تحليل سلوك أطراف النظام دون أخذها في الاعتبار. فالنظام هو وحدة التحليل المناسبة لفهم سلوك الدول المندرجة فيه وليس هذه الدول ذاتها.
بيد أن أهم مفاعيل النظام هو أنه إطار التغيرات السياسية المحتملة، أي أن أي تغيير أساسي متعذر في أي بلد واحد من بلدانه. هذا ما يبدو أن نظم الحكم العربية تدركه أفضل من معارضاتها المعزولة عن السياسة الإقليمية والدولية والتي تظن أن تغير نظم الحكم مسألة داخلية. لكن النظم تعلم أن تغيرا يجري في العراق مثلا ليس شأنا عراقيا داخليا، ولا تقتصر مفاعيله المحتملة على العراقيين وحدهم، وإنما هو يمس الدول المحيطة بالعراق بكيفيات متنوعة، سياسية وأمنية ومعنوية واقتصادية وإنسانية. وفي السنوات الثلاثة الأخيرة كانت سورية التي تشغل موقع مركزيا في النظامين الشرق أوسطي والعربي طرفا احتدمت حوله تفاعلات حادة تمخضت عن إخراجها من لبنان، وتبدو محصلتها الراهنة كفالة استقرار النظام وبقائه، وفي الوقت نفسه ضبط سلوكه، بما يحافظ على استقرار النظام ككل. وأكثر ما يكشف عن فاعلية النظام الشرق أوسطي حرص إسرائيل على الستاتيكو السوري، الأمر الذي لا يمنعها من توجيه ضربات تستهدف ما تقدر أنه قد يكون خطرا عليها في المستقبل. فتفاعلات النظام حرجة دوما، لكنها ليست مغلقة ولا إيديولوجية أو تآمرية، تحتمل تفاهمات موضوعية، ولا تستبعد أشكالا من العنف دون الحرب المفتوحة. يوجهها في جميع الحالات حساب عقلاني مبدئيا للمصالح، مصالح الدولة في الحالة الإسرائيلية، لكن كذلك المصالح الانتخابية للحزب الحاكم (لكن المصالح والمؤسسات الوطنية مستقلة إلى حد واسع عن تبدلات الفريق الحكومي...) ومصالح النظام في الحالات العربية التي تعتبر المصالح الوطنية متماهية معها. لذلك يتعين على التحليل، من أجل الفهم ومن أجل العمل، أن يتحرر من إيديولوجية المواجهة كي يكشف نظامية العلاقات بين الأطراف العربية وإسرائيل. عليه كذلك أن يتحرر من إيديولوجية السيادة كي يدرك ترابط أطراف النظام.
هذا النظام المزدوج والمركب مكون من تفاعل هيمنات ثلاثة: هيمنة أميركية كلية تدين لها السيادة الحقيقية في النظام، وهيمنة إسرائيلية واسعة النطاق لكنها عسكرية حصرا تقريبا، وهيمنة نظم تسلطية عربية على مجتمعاتها المحلية وما تستطيع من محيطها. وبين المهيمنين الأميركي والإسرائيلي علاقات ثقة ومودة عميقة، قلما يعكر صفوها توتر عابر. أما علاقة المهيمنين المذكورين مع الأطراف العربية فتمزج بين عدم الثقة وعدم الاحترام، وهي أقرب إلى علاقة سيد بمسود، يمتزج فيها انعدام الثقة بانعدام الاحترام وبالكره والخوف. ويتمثل المنبع الفياض لعدم استقرار النظام في كون المهيمنين الثلاثة قوى مارقة في الواقع، لا تلتزم بأي قانون.
في المجال العربي الشرق أوسطي بالذات، وفي ظل إدارة بوش الحالية بخاصة، تتصرف الولايات المتحدة باستهتار معلن بقرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي. يظهر هذا بخاصة في تعاملها مع الشأن الفلسطيني الإسرائيلي والعربي الإسرائيلي بصورة عامة. وتبدى بوضوح كذلك في إقدامها على غزو العراق واحتلاله دون تفويض دولي.
وهي تمضي أبعد بكفالتها حصانة إسرائيل أمام الشرعية الدولية وضمان أن لا تلام حين تتصرف بطريقة غير مسؤولة. وحظوتها بدعم أميركي غير محدود، عسكري ومالي وتكنولوجي وثقافي وعاطفي..، فضلا عن عقيدة تفوق يهودي متأصلة وعن إيديولوجية تفوق أخلاقي بسبب الهولوكوست النازي، تبيح لإسرائيل أن تتحلل من القوانين الدولية، خلافا لما تقرره عليها عضويتها في الأمم المتحدة.
إسرائيل وأميركا دولتان مارقتان في النظام الشرق أوسطي، بيد أن الداخل الوطني لكل منهما معزول عن الشرق أوسطية. إلى متى؟ هل ستستطيعان المثابرة على المروق والتصرف بطريقة غير مسؤولة في الشرق الأسط، مع بقائهما ديمقراطيتين داخليا؟ نشك في ذلك. لكن هذا شأن آخر.
أكثر نظم الحكم العربية، بالمقابل، لا تلتزم حتى بالقوانين التي يحصل أن تضعها هي لنفسها. نمط ممارستها للسلطة لا يرفض قوانين بعينها (تنص على حقوق وحريات أو تراقب عمل أجهزة السلطة..) بل يتعارض مع فكرة القانون بالذات، هذا الذي يبدو لها قيدا لا يطاق يحد من حريتها المطلقة في التصرف. وهي تشارك أميركا وإسرائيل عدم الالتزام بالقوانين الدولية ما أمنت لذلك.
ويقع على مجتمعاتنا المحلية وطأة تفاعل قوى المروق، وفائض العنف الهائل الذي تمارسه ثلاثتها حيثما تصورت أن سلطانها يواجه بتحد، واشتراكها بمبدأ الحرب الاستباقية ضد أي خطر متصور..، الأمر الذي يفسر أكثر من غيره تمزق مجتمعاتنا الجاري والمتفاقم.
من أين الاستقرار لنظام تسيطر على تفاعلاته ثلاثة قوى مارقة؟ ومن أين العدالة؟ ومن أين الإصلاح؟
مبدئيا من إصلاح النظام ككل. فالنظام هو وحدة عمل وليس وحدة تحليل فقط. ولا مجال لديمقراطية في أي بلد واحد من بلدانه. إما سيقضى عليها أو تنعزل بأسوار أمنية، أي ستقضي على ذاتها.
ويولد النظام حتمية حافظة له ومضادة لإصلاحه، هي بمثابة غريزة بقائه واستقراره، ولا مناص من التغلب عليها من أجل الإصلاح. بيد أن هذا يبدو متعذرا كل التعذر. فترابط المارقين الثلاث، وإن يكن حرجا وخصاميا، لا يسمح بتعديل مهم فيه، سرعان ما يحبطه أو يحتويه ويفسده إن حصل. هذا هو جدار المستحيل الذي تصطدم به حركات الاعتراض العربية التي تفكر بدولة القانون والمسؤولية الدولية. ولعل رسوخه وثيق الصلة بعد بظهور حركات اعتراض عربية مارقة بدورها، لا تعترف بقانون دولي ولا قانون محلي، الحركات الجهادية. بيد أن المحصول المرجح لدخول المارق الرابع هذا هو المزيد من تأزم النظام ومن تمزق مجتمعاتنا المحكومة. تبقى حتميات النظام المضادة للتغيير أقوى من الفاعلين التغييريين المحتملين، إل درجة أنها تجتذبهم وتسخرهم إعادة إنتاجها.
هل من سبيل لإطلاق دينامية إصلاحية في النظام، وأي معنى يتخذه إصلاح النظام؟
لا نتبين بوادر دينامية إصلاحية. لا يزال المجتمعان الأميركي والإسرائيلي يوفران أرضية ثقافية وسياسية ومادية لسياسات مخربة في المجال العربي والشرق أوسطي. ومجتمعاتنا أنتجت الجهاد الذي يبدو مغذيا لحتميات النظام رغم عدائها له وتمردها عليه. من المرجح لذلك أن يمضي وقت طويل، جيل أو جيلان، قبل أن تتولد قوى وطاقات إصلاحية فعالة في نظام المارقين هذا.
ومبدئيا، يعني إصلاح النظام إلزام أطرافه بالقانون، أي نزع الصفة المارقة عنهم، لتمسي إسرائيل دولة مثل غيرها، دون تفوق كياني أو أخلاقي أو عسكري. ولتغدو أميركا دولة عادية، تتفاعل مع دول المنطقة بمنطق توازن المصالح. ولتغدو دولنا دولا عقلانية وديمقراطية. وليندرج الإسلاميون في الحياة العامة لمجتمعاتهم دون عقد تفوق أو نقص.
لكن يبدو أن مروق هذه الأطراف جوهري، وأن نزعه يقتضي لا أقل من الثورة عليها، وعلى النظام ككل.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
- العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
- في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها
- في نقد الردح والردح الذاتي
- حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعق ...
- في النموذج الإخواني وتناقض الإسلامية المعاصرة
- نحو إعادة هيكلة الدور الإقليمي لسورية
- خواطر مرسلة في شأن السياسة والثقافة
- في أن الليبرالية الاقتصادية سياسة الجيل البعثي الثالث
- في أصول المشكلة الثقافية العربية وجوهرها
- في أزمة الهيمنة ومصير العروبة في سورية
- قضية محمد حجازي وحرية الاعتقاد الديني
- صراع مطلق فصنع طوائف فتقسيم دول..
- تأمل في شأن الحرية ونقد الدين
- العلمانية أهم من أن تترك للعلمانويين!
- العرب أمام المشكلة الغربية
- سورية والدول العربية بين ما دون الدولة وما فوقها
- -أمتان-: حكم ذاتي إسلامي في ظل دولة علمانية، أو العكس!
- في أصل خراب الديمقراطية والوطنية في المشرق


المزيد.....




- ماذا قالت المصادر لـCNN عن كواليس الضربة الإسرائيلية داخل إي ...
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل
- CNN نقلا عن مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تهاجم مفاعلات إيران
- إعلان إيراني بشأن المنشآت النووية بعد الهجوم الإسرائيلي
- -تسنيم- تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان
- هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني - لحظة بلحظة
- دوي انفجارات بأصفهان .. إيران تفعل دفاعاتها الجوية وتؤكد -سل ...
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟