أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعقل والدولة















المزيد.....



حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعقل والدولة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2065 - 2007 / 10 / 11 - 11:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يجد الأستاذ الطاهر إبراهيم ما يصف به مقالي "قضية محمد حجازي وحرية الاعتقاد الديني" غير أنه "سقطة كبرى" (مقاله "الإسلام وحرية الاعتقاد الديني.. ردا على ياسين الحاج صالح"، وقد نشر في موقعي "الرأي" و"أخبار الشرق" http://www.thisissyria.net/2007/09/18/forum/03.html). وتعبيرا عن حسن ظنه بي، أردف الرجل أنه لم يكن لمثلي أن يتورط بمثلها. سيوضح هذا الرد المطول سبب "تورطي" ويظهر مداه. لكن لنبدأ أولا بالتساؤل عما جعل المقال "سقطة كبرى". يورد الكاتب والناشط الإسلامي السوري المنفي ثلاث قضايا يبدو أني جانبت الصواب فيها. أولاها مسألة حرية الاعتقاد، والثانية تمكين النساء من حق الطلاق، والثالثة قولي ما لا يليق بحق الذات الإلهية.
سأغتنم فرصة الرد على الأستاذ إبراهيم لتوضيح ما آمل أنه موقف عقلاني وديمقراطي من القضايا الثلاث، وللدفع نحو نقاش وطني منتج حول مسائل تقع عند التقاطع الخطر للدين والسياسة، فتمس حاضر سورية ومستقبلها من جهة، وتطل على فهمنا للدين الإسلامي وعلاقته بالحياة العامة والقانون والحريات والثقافة من جهة أخرى. وتتصل، بعد، بموقع الإسلام في العالم المعاصر.
من وراء مقاله، يخاطب هذا الرد المطول "إشكالية" الأستاذ الطاهر إبراهيم، أي ما يسند مقاله من افتراضات ومسلمات. وسأحرص على أن يكون النقاش مباشرا وشخصيا وصريحا. وسأعرض موقفي دونما تقية وممالأة، دونما لين أو مجاملة حيال أفكار وقناعات أتحفظ عليها أو أرفضها، ودونما تنطع واستفزاز مجاني. الوضوح والاتساق والاحترام، هي السجايا الثلاثة التي تصبو هذه المناقشة إلى التحلي بها. وكانت هذه خطتي قبل أن يكتب الأستاذ الطاهر إبراهيم مقالين إضافيين يرد فيهما على كل من محمد علي الأتاسي وأحمد مولود الطيار، ويلطف فيهما لغة مقالته الأولى وأحكامها.

الطلاق وصراع الشرعيات
أبدأ بقضية الطلاق. كنت أوردتها في مقالي الأصلي لا لذاتها، بل من باب التمثيل على أن تغيير الاعتقاد الديني يتعين أن يشبه الحق في الطلاق: كفالته لا تعني الدعوة إليه. ولم أعرّج على تمكين النساء من الحق في الطلاق إلا في سياق تعبير عن الحرص على تهذيب هذا السلاح والدفاع عن ثقافة زواجية مختلفة عن القائمة اليوم في مجتمعاتنا، ثقافة تراعي المساواة، وإن شاء ناقدي "المودة والرحمة"، بين الأزواج. وقستُ على ذلك أن إطلاق حرية الاعتقاد في المجتمعات الإسلامية المعاصرة يقتضي في الواقع ما قد يوصف بأنه ثقافة إسلامية جديدة، تشتغل على روح الأفراد وضمائرهم وليس على العصبية والهوية، على الإيمان بالله لا على التعصب للدين. وكما أن ثقافة زواجية أكثر إنسانية تتعارض في آن مع إنكار الحق في الطلاق ومع إرساله تعسفيا وحصره بيد الجنس الأقوى، فإني أفترض أن إسلاما أكثر مودة حيال الروح هو إسلام لا يتحمل حرية الاعتقاد الديني فقط، وإنما هو لا يعيش من دونها. ولقد اتخذت العلاقة الزوجية مثالا للعلاقة الاعتقادية (أو قست هذه على تلك) لأني افترضت أن المثال واضح لا يكاد يثير جدلا.
فإذا به يغدو نقطة خلافية عند أستاذنا الطاهر. وإذ بالمعارض الإسلامي يدافع عن حصر الطلاق بيد الرجال، ويؤسسه على سيكولوجية متقادمة ومتعسفة في ذكوريتها، تفترض أن المرأة "سريعة التأثر تثور وتغضب، فتبادر لإيقاع الطلاق على زوجها لأتفه الأسباب فيما لو كانت العصمة بيدها. أما الرجل فهو يَعُدّ للعشرة –حفاظا على أطفاله أو لأسباب مادية- قبل أن يوقع يمين الطلاق". والحال، إن الملاحظة المطردة في مجتمعاتنا تظهر أن النساء أكثر حرصا على الأسرة من الرجال، وأن فرص المرأة المطلقة في الزواج من جديد أدنى بكثير من فرص الرجل المطلق، وأن النساء يخشين الوحدة أكثر من الرجال (في هذا الشأن ثمة مثل مصري بليغ: "ظل راجل ولا ظل حيطة"!)، وأنهن تاليا من قد يعددن للعشرة قبل "إيقاع يمين" الطلاق لو مُكّن منه. ولأن قضية الطلاق كانت تمثيلا على ممثول في مقالي، لم تستدع مني الإشارة إلى أن ثقافة زواجية أكثر إنسانية تقتضي أن يغدو الطلاق شأنا تتولاه المحاكم، وليس يمينا يوقع في لحظة انفعال أو طيش.
وبصرف النظر عن ذلك، فإن ما يؤسس تمكينا متساويا للرجال والنساء في الحق في الطلاق هو المساواة الحقوقية بين الجنسين. الأستاذ الطاهر إبراهيم يرفضها لأسباب فقهية، ويسند رفضه إلى سيكولوجيا قديمة، وأنا أنحاز إليها على أسس فكرية وفلسفية مختلفة، هي أيضا أسس الدولة الحديثة ومفهوم المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان. هاتان شرعيتان متنازعتان اليوم في مجتمعاتنا، وتنازعهما مصدر توتر سياسي واجتماعي ونفسي وفكري ملحوظ فيها. وكنت في مقالة أخرى ("أمتان": حكم ذاتي إسلامي في دولة علمانية، أو العكس) بنيت على ثنائية الشرعية، الإسلامية الحداثية، هذه تصورا لنظام سياسي يقوم على حكم ذاتي إسلامي واسع ضمن دولة علمانية، أو حكم علماني واسع ضمن دولة إسلامية، أي ازدواجية قانونية في دولة واحدة، تجنبا للعنف أو انقسام الدول. لم أتبن هذا النموذج. قادني إليه صراع الشرعيات في مجتمعاتنا الراهنة. ما أدافع عنه هو شرعية واحدة، ونظام قانوني واحد. الشرعية والنظام القانوني الذي يكفل المساواة بين مواطنين مختلفين في الدين والمذهب والإثنية والجنس، هو الذي يفوز بالهيمنة والسيادة. إنها، بكلمة واحدة، شرعية علمانية (أو مدنية، إذ "لا مشاحة في الاصطلاح" عل قول الفقهاء الإسلاميين القدامى). لماذا؟ لأن هذه تكفل مبدئيا مساواة بين الناس المختلفين وتصدر أصلا عن افتراض المساواة، وهي تقبل التعديل أيضا بحيث يدنو الواقعي من المبدئي. الشرعية الإسلامية في صيغة "الشريعة" تنكر المساواة من حيث المبدأ (بين الجنسين، بين المسلمين وغير المسلمين..)، وتاليا لن تسعى لتحقيقها في الواقع. ولن تكون مساهمة الشريعة الإسلامية في بناء الشرعية الوطنية أكبر إلا بقدر ما يتطور فهم جديد لها يستوعب مطلب المساواة.
يخرج النقاش في هذا الشأن مسألة الطلاق، لكنه يتصل بمجمل هذه المناقشة حول الحرية الدينية والنظام القانوني والعلاقة بين الإسلام والدولة في مجتمعاتنا المعاصرة. ويبدو لي أن صراع الشرعيات هذا ينذر مجتمعاتنا بالتفكك والانهيار، أو بمستقبل من النزاعات الأهلية الخطيرة. وهو يفضي في أحسن الأحوال إلى تشكل طائفي للمجتمعات المعنية، أي تعايش شرعيتين أو عدة شرعيات، توافق إلى هذا الحد أو ذاك الجماعات الدينية والمذهبية القائمة. ومن سيدفع ثمن تطور كهذا هم أولا المثقفون والناشطون المستقلون الذين يرفضون الالتحاق بالطوائف والجماعات الدينية.
ولا ينفصل صراع الشرعيات عن واقع أن حداثتنا الواقعية، وأحيل هنا إلى سورية، لم تقترن بضمان الحرية والمساواة بين المواطنين، فكان أن تعطلت عملية تشكيل مجتمع وطني موحد الشرعية، يستوعب الشريعة الإسلامية ويضمن لها مقاما مستقلا في معاملات المجتمع المدني. آلت حداثة الأمر الواقع لدينا إلى تشكل هجين، عاجز عن تكوين أمة مواطنين حديثة. وهذا هو منبع الطائفية. فهذه ليست هي الأمة الحديثة ولا هي الملة القديمة، إنها تشكيل اجتماعي محدث في دوافعه ورهاناته، يستحضر من الماضي ذاكرة وتاريخا يديمانه. والإسلاميون لا يملكون حلا للمشكلة. الواقع أن النموذج الذي يدعون إليه هو ذاته طائفي، لا يضمن المواطنة ولا المساواة.
ويبدو أن ثنائية الشرعية هذه تفوت إدراك الإسلاميين. لكن لو فكروا قليلا في تكوين المجتمع السوري لتبدى لهم أن فرض شرعية إسلامية في سورية هو وصفة لتفجير البلد لا أكثر ولا اقل. هذا واقع صلب، لا تبخره حماسة دينية ولا مداورة إيديولوجية. والأصل فيه تحول تاريخي كبير يفوت بدوره إدراك الإسلاميين: لقد تحول الإسلام في مجتمعاتنا "الإسلامية" نفسها من "الأمة" إلى طائفة. اليوم ليس لدينا أمة، لسنا أمة كسوريين ولا كعرب ولا كمسلمين. وليس هناك شرعية توحدنا، تضمن لنا المساواة، وتكون موحدة هي ذاتها. الأمة الإسلامية شيء من الماضي. وما يبقي طيفها حيا هو حرماننا من أمة /أمم حديثة.
جبروت المفاهيم وحرية الاعتقاد
النقطية الثانية والأساسية في مقالة الطاهر إبراهيم تتصل بحرية الاعتقاد الديني. كنت قلت في مقالي الأصلي إن "حرية الاعتقاد لا معنى لها إن لم تشمل حرية عدم الاعتقاد وحرية تغيير الاعتقاد، وكذلك "حرية التحير" في قضايا الاعتقاد". الكاتب الإخواني يقر مبدأ عدم الاعتقاد، فقد "منع الإسلامُ منعا باتا إكراه غير المسلم على اعتناق الإسلام". يستطيع المسيحيون واليهود أن لا يسلموا (في بلد السيادة فيه للمسلمين)، والإسلام لن يجبرهم على اعتناقه. واضح أنه يفهم حرية الاعتقاد في وصفها حرية غير المسلمين في عدم اعتناق الإسلام. لكن هل يستطيع المسلم، من وجد أباه على ملة الإسلام، أن يمتنع عن تقليده ويتحول عن الإسلام، كما يقتضي مفهوم حرية الاعتقاد بالضرورة؟
بداية، كثيرون يفعلون ذلك في الواقع. نصف المسألة فحسب هنا. النصف الآخر يتمثل في إقرار الفكر الإسلامي بأن هذا شأنهم، وأنه لا يتعارض مع الإيمان الإسلامي الحقيقي، بل إن هذا يقتضيه كي يكون نقيا صافيا. فهذا وحده ما يقضي على الازدواجية الأخلاقية والنفاق اللذان يقعدان مجتمعاتنا عن الرقي الأخلاقي، وهو وحده ما يجعل حرية الاعتقاد ثقافة، وليس محض واقع أمي غير معروف وغير معترف به. مبدأ حرية الاعتقاد يعني حق جميع الأفراد وكل فرد في أن يؤمن أو لا يؤمن بأي دين أو عقيدة اجتماعية أو سياسية، دون إكراه أو تعد على القانون العام. وجميع الأفراد يعني جميع المسلمين كما جميع المسيحيين وغيرهم، من جميع الأديان والعقائد.
لا ألح على ذلك تنطعا ولا تعسيرا للتفاهم مع الأستاذ إبراهيم. ألح عليه هنا، كما ألححت في المقال الذي يرد عليه أخونا الطاهر، ببساطة لأنه لا الإيمان ولا العقل يستقيمان من دونه. لا يستقيم الإيمان بالقوة. وكما لا يستقيم فرض اليهودية أو المسيحية بالإكراه، لا يستقيم كذلك فرض الإسلام. ولا يستقيم يعني بالمحكية السورية المحببة "ما بيزبط" أو "ما بيركب". فالعقل "يكربج" إذا فرضْتَ عليه قاعدة تنص على حرية الاعتقاد، ثم أخذت "تبخشها" بالاستثناءات لمصلحة دينك أو مذهبك أو جماعتك. والمجتمع ينشل وينقسم حين تشغّله على الاستثناءات. ما بتزبط يا أخي الطاهر أن لا تشمل حرية الاعتقاد حرية عدم الاعتقاد (أي إن شئت "الإلحاد")، وحرية تغيير الاعتقاد (ما قد تفضل تسميته "الارتداد") وحرية التحير في شؤون الاعتقاد (ما قد يسمى "اللاأدرية"). هذه مقتضيات المفهوم، أي ضرورات العقل. وتغيير الاعتقاد وعدم الاعتقاد متضمنان في مفهوم حرية الاعتقاد بقدر ما إن الإسلام متضمن في مفهوم الدين، والعنزة في مفهوم الحيوان الثديي الذي لا يطير. وكما أنه ما من سلطة تستطيع إخراج العنزة من الثدييات، لا يمكن لأية سلطة أيضا أن تخرج تغيير الاعتقاد وعدم الاعتقاد من حرية الاعتقاد. المفاهيم أشد جبروتا من السلطات. فإن أمكن للسلطات كسر المفاهيم، وفرضت على رعاياها الاعتقاد بأن الماعز يطير، قاد ذلك إلى تحطيم العقل ذاته، وانهار كل اعتقاد.
ولا يشتغل العقل دون استقامة المفاهيم، أي دون اتساقها. أنت وأنا شركاء في الاعتراض على النظام البعثي القائم في بلادنا. ليش؟ لأنو يعطي استثناءات للحزب والقرابة والمال والسلطة، لأنه يتجبر فوق المفاهيم، فيجعل الطارئ دائما والكذب حقيقة وطنية والخوف العام أمنا. لأنه كذلك كان يعدم الناس لمجرد انتسابهم إلى حزب معين، ودون النظر إلى ما فعلوا أو لم يفعلوا. طيب شلون بدك إيانا نعترض على الإعدام السياسي اللي أنت بالذات معرض له لو عدت إلى بلدك وندافع عن الإعدام الفقهي أو الديني الذي تتفهمه أنت أو تسوغه، وهي المفارقة التي أبرزها الصديق محمد علي الأتاسي في مقال لامع في "النهار" (24/9/2007) يعلق فيه على مقالك. اعتراضك شكلي حين قلت إنك لم تفت بإعدام "المرتد". نعم، أنت لم تفت. لكنك لم تتخيل لأحد قولا في هذا الشأن إلا لأهل الفقه، ولم تسق من الاعتبارات إلا ما يسوق "المرتد" منكود الحظ إلى النطع أو إلى سجن مؤبد. والسؤال هنا ماذا يبقى من حرية الرأي والتعبير والحريات السياسية إن لم تكن الحريات الدينية مقررة دستوريا، وترك الحكم للفقهاء و"الحاكم المسلم" في شأنها؟ بالمناسبة، أليست هذه نظرية الحاكمية، أي السيادة العليا والحصرية لما قد تصفه بـ"الشريعة الإسلامية"؟ وهل إلغاء الحزب القومي للحريات مرفوض فيما إلغاء الحريات من قبل الحزب الإسلامي مقبول؟
هالحكي ما بيركب. وتركيبه غصبا هو بمثابة تربيع الدائرة كما يقول الغربيون. وينتمي إلى باب تربيع الدائرة تفسيرك لحرية الاعتقاد بأنها عدم إجبار غير المسلمين على اعتناق الإسلام (لكن مع الترحيب بهم إن تحولوا عن أديانهم إلى الإسلام)، هذا بينما يجبر من فقد إيمانه الإسلامي على أن يبقى في ربقة الإسلام أو يخرج منها بدون رأس. لهذا معنى واحد فيما أرى: الاعتباط والعسف، وهذان ثمرة طلاق مديد بين التدين الإسلامي وكل من العقل والحرية. وهما بعد قرينان في تاريخنا كله: الاعتباط آفة العقل وحسم قضاياه بالسلطة لا بالبرهان، والعسف هو منهج سلطة بلا قانون أو قاعدة عقلية مطردة. اللاعقل لدينا هو الاعتباط واللاقانون أكثر مما هو الأسرار كما كان الأمر في أوربا المسيحية. والعقل تاليا هو الاتساق والاطراد والقانون، وهو ما يساعد على محاصرة الاستبداد والعسف، بل الطغيان، في الأذهان كمقدمة للتغلب عليه في الواقع. التغلب على الاستبداد دون استئصال جذوره من عقولنا هو محض وهم غادر.
وهل تظن أن الدين يكون بخير حين لا يكون العقل بخير؟ وما قيمة إيمان المكره، فاقد الحرية؟ ولنفترض أن السلطات الدينية المصرية، ممثلة بالشيخ يوسف البدري شخصيا، وضعت يدها على محمد حجازي، وخيرته بين أن يتوب أو يعدم، فغلب حب الحياة لديه على الإخلاص للنفس، فجنح إلى التوبة. هل هذا نصر للإسلام؟ أما أنا فأعتقد أنه إهانة للإسلام ولكل مسلم. لقد فازت "الأمة الإسلامية" أو استعادت شخصا جبانا، مسموم القلب، ملوث الروح بالضغينة واحتقار النفس. يا له من فوز! ويوم القيامة، هل يكون النصيب العادل لهذا "المسلم بالإكراه" هو الجنة أم جهنم؟ الله يحاسب الناس كأفراد لا كأمم، أليس كذلك؟ وإلا لذهب جميع المنتسبين إلى الإسلام، بصرف النظر عن أعمالهم، وبمن فيهم الطغاة والفاسدون والقتلة إلى النعيم، وهذا محال. فالله ليس قوميا ولا طائفيا، وهو أيضا ليس مسلما. والمنطقي، إذن، أن يذهب مسلم بالإكراه إلى جهنم لأن قلبه غير عامر بالإيمان. هذا بالطبع حسب المنطق الفقهي الذي تبقى رحمة الله اللامتناهية خارج موازينه ومقاييسه. لكن وفقا للمنطق نفسه، ماذا سيحل بمن أكرهوا شخصا على الإسلام فمنعوه من تحمل مسؤولية خياراته؟ هل يذهبون إلى الجنة؟ هذا غير عادل. فبإكراههم له على الإسلام أضافوا فردا إلى "الأمة"، لكنهم غير قادرين على الشفاعة له يوم الحساب. ولو تركوه وشأنه، لربما عاد واهتدى إلى الإسلام طوعا. ألا يتحملون والحالة هذه مسؤولية إكراهه على الإسلام في الدنيا، مع عجزهم عن ضمان نجاته في الآخرة؟ ألا ينبغي أن يحاسبوا على ذلك؟ هذا كله وفقا لمنطق المحاسبة الفقهية، وهي تبقى رحمة الله وعفوه وغفرانه خارجه كما قلنا.
الآن لنفترض أن نازع البطولة والاستشهاد هو الذي تفوق لدى حجازي، هذا الذي غدا رمزا للحرية الدينية من حيث لا يحتسب، فكان أن أعدم. أليس صنيعه هذا صنيع بطل للدفاع عن حريته وإيمانه وصدقه مع نفسه؟ وعند الله، هل سيذهب إلى النار لأنه غير مسلم (الإسلام هنا "أمة")، أم إلى الجنة لأنه مستقيم يرفض النفاق والزيف (أي "مسلم" بالمعنى الذي يجعل من الإسلام رسالة الله لهداية الناس، أو يجعل الدين عند الله الإسلام، هذا الذي ينتسب إليه إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد..)؟ وهل من يحكم عليه يوم القيامة هو الله، أم الفقهاء و"الحاكم المسلم"؟ وهل سيطالب هؤلاء الله لأنفسهم بالخلود في النعيم لأنهم قتلوا شخصا، وكان بودهم لو قتلوا أكثر، في سبيله؟ وهل سيأخذ الله برأي هؤلاء وشهاداتهم في ضحاياهم في الدنيا؟ وهل يكون من لم يقتلوا أحدا بحسبانهم له غير مؤمن أقل مرتبة عند الله ممن قتلوا؟
ولعلك تعلم، أيها الأخ المسلم، أن المعتقلين السياسيين في بلدنا، ومنهم معتقلي جماعتك، كان يفرض عليهم أن يوقعوا تعهدا بالتخلي عن أحزابهم وأفكارهم والتعاون مع السلطات. هل هذا مختلف عن الاستتابة؟ وأي فرق بين أن يستتيب الحاكم المسلم من غير دينه وبين أن يستتيب الحاكم البعثي خصومه السياسيين؟ وهل سيكون نصيب أمثالي أن ينتقلوا من الاستتابة البعثية إلى استتابة إسلامية، كما ساءلك أحمد مولود الطيار (النهار، 26/9/2007)؟ أليس لديك خيار آخر تطرحه علينا؟
ستقول، وقد قلت في مقالاتك اللاحقة، إنه أسيء فهمك. أصدقك. لكن ثمة فجوة ثقة عميقة تفصل الإسلاميين عن قطاعات واسعة من المجتمع السوري، تشمل جميع غير المسلمين وغير المسلمين السنيين وشرائح من المسلمين السنيين. هذه الفجوة وجه من وجوه أزمة ثقة وطنية شاملة ومتعددة المستويات تنذر بمستقبل غير مأمون لهذا البلد. وفيما يخص العلاقة مع الإسلاميين تنفتح فجوة الثقة على الريبة في أنهم سيفرضون شرائعهم على الناس، بما فيها أسلمة المجتمع وفرض الدين بالقوة. وأنتم تقولون كلامين: كلام سياسي يوجهه إدراككم للواقع ويتحدث عن الديمقراطية (لكن مقلصة إلى إجراءات)، وكلام "مبدئي" يصدر عن مرجعتيكم ويتحدث عن "تطبيق الشريعة". هذا يهدد بأن تكون ثقتي الشخصية بما تقول بلا معنى. فالمسألة هي أزمة الثقة الوطنية التي تقتضي منك كلاما ومواقف متسقة.
وخلافا لما ظننت في ردك، فإني لم أفت في حرية الاعتقاد ولم أجتهد. مرجعيتي ليست فقهية ولا تتحرك ضمن أفق الإفتاء والاجتهاد. أتحرك ضمن دائرة مختلفة تماما، دائرة القيم الإنسانية العامة من مساواة وحرية وعدالة وكرامة إنسانية متكافئة واحترام متبادل، وهي تتكثف في وثيقة يعرفها الأستاذ إبراهيم بلا ريب: الميثاق العالمي لحقوق الإنسان. وهو الميثاق الذي نستند إليه، الطاهر إبراهيم وأنا وغيرنا، في إدانة القانون 49 في سورية ومحكمة أمن الدولة، وباسم مبادئه ندعو إلى الإفراج الفوري عن معتقلي الرأي، وكذلك عن المعتقلين السياسيين أو تقديم هؤلاء على محاكم عادلة وغير استثنائية.
وكي يكون الحوار صريحا مع أخينا الطاهر فإنه يمكن بالاستناد إلى الميثاق هذا التنديد بما يتعرض له الإسلاميون، بما فيهم معتقلي القاعدة في غوانتانامو، من تمييز واضطهاد. هل يمكن الاستناد إلى "الفقه" للدفاع عن حق مواطنك العلماني والشيوعي والليبرالي في عدالة مساوية؟ ألا يخرج الفقه الإسلامي السني المذاهب الإسلامية الأخرى من الإسلام؟ وإذا كنت تناضل من أجل انتصار تصورك القانوني لمجتمع يميز بين المسلمين وغيرهم، ويستتيب من فقد إيمانه، وإلا فيعدمه، فهل تدهش إن وجد من يقاوم مثالك هذا بالقوة؟ وهل يكون موقفي إلا متهافتا حين أدافع عن حقك في التعبير عن آرائك وقناعاتك فيما أنت تصرح الآن، وأنت معارض و"منفي" ويمكن أن تتعرض لتعذيب قد تفقد حياتك تحته إن عدت إلى بلدك، قبل أن تقدم إلى محكمة أمن الدولة العليا التي ستحكم عليك بالإعدام ثم تخففه إلى 12 سنة؛ أقول فيما أنت تصرح الآن أن من يتحول عن الإسلام بعد فقد إيمانه به يعتبر "مرتدا"، يحبس إلى أن يموت في "أهدى" الحالات أو يستتاب ثم يقتل في أكثرها حظوة بـ"الإجماع"؟ أثناء التحقيق المفترض معك، ستدفع بأنك لم تقتل أحدا ولم تفعل شيئا ضد النظام، وأنك تعيش خارج سورية منذ أكثر من ربع قرن. لكن في حوزة محققيك قانون يبيح لهم أن يأخذوا راحتهم وحريتهم معك لمجرد انتسابك إلى الإخوان. ألست تمنح تبريرا لكل تجاوزاتهم اللاإنسانية حين تخير كل من لا يوافق على مرجعيتك ويدافع عن حريته بين أن يكون نسخة منك وإلا "يوقع" على "الانسحاب" من عقيدته، أو يعدم؟
ثم ماذا يبقى من مبدأ فصل السلطات ومن الدولة المدنية التعاقدية القانونية.. التي تضمنها "المشروع السياسي لسورية المستقبل"، وقد أحلتني إليه في مقالك، إذا كنت تنكر حرية الاعتقاد، أو تقوض مفهومها بالاستثناءات، أو تحيل القرار بشأنها إلى "الحاكم المسلم"؟ ماذا يبقى منها إذا كانت أحكام الفقه هي مصدر الشرعية، وهي التي قد تعرض عليها مقالاتي لتقرر ما إذا كنت خرجت على الإسلام أم لا؟ وإذا كانت منظومتك تتسع لواحد من ثلاثة أشخاص في سورية: مسلم مثلك له السيادة؛ أو "كتابي" مسود؛ أو "مرتد" "كافر"، يقام عليه الحد؛ فأين موقع الديمقراطيين والعلمانيين واليساريين، فضلا عن الجماعات المذهبية الإسلامية الأخرى؟ حتام تعتقد أنه يمكن تجنب هذا السؤال؟ أو سؤال حرية الاعتقاد بالمعنى المقرر عالميا، اللصيق بمفاهيم الإنسان والحرية والعقل، والدين ذاته، وليس بالمعني المجزوء الذي قدمته أنت؟ وسؤال "أسلمة المجتمع": هل تفكرون في فرض الحجاب والفصل بين الجنسين ومنع تقديم الخمور في مطاعم.. إن حزتم السلطة في سورية؟ الإجابة على هذه الأسئلة، صدقني، أهم من "المشروع السياسي..". الحريات الاجتماعية هذه أهم من أية حريات سياسية ممكنة، ولا يتقدم عليهما معا إلا الأمن. هل ترى أحد أسباب دوام النظام؟
أدرك أنه ليس في وسعك وليس في وسع الإسلاميين السوريين تقديم إجابة متسقة على الأسئلة المذكورة. فهذا يقتضى فكرا إسلاميا متحررا وأكثر ثقة بنفسه وانفتاحا على العالم المعاصر وتياراته الفكرية والفلسفية. وللأسف لا تمتنعون فقط عن الشغل في هذا الاتجاه، بل إنكم تظهرون اكتفاء بما لديكم يتناسب مع فرط انشغالكم السياسي. ولعلك تعلم أن مقتضيات السياسة في مجتمعنا، وربما في كل مكان، تتعارض مع اتخاذ مبادرات فكرية وثقافية ودينية جسورة. فالسياسي منشغل بالتحريض والتعبئة، والتعبئة تقتضي نفي التعدد والاختلاف من داخل مذهبنا أو ديننا أو فكرنا، كل ما من شأنه أن يشوش وحدة العقيدة وتماسكها وصلاحيتها كحبل اعتصام. لذلك لا يجتمع المجدد الفكري والسياسي في شخص واحد. بل لذلك هما خصمان. ويقيني أن حاجتنا لمجددي الفكر ومصلحي الدين أكبر من حاجتنا للسياسيين، عند الإسلاميين وعند غيرهم.
ولعلي محتاج إلى تذكيرك بما كنت أنت مؤهلا لتذكيري به: ورقة "جبهة الخلاص الوطني" التي قدمت قبل عام أو أزيد قليلا، ويصح أن تعتبر "ميثاق شرف اجتماعي". الورقة تنص على "حرية الاعتقاد والرأي والتعبير في الدين والسياسة والاجتماع والفن، ما لم تحتو هذه الآراء على دعوة إلى العنف، أو التحريض على الفتنة، وضمن حدود النظام والدستور"؛ وتعلن: "المواطنون متساوون أمام القانون بغض النظر انتماءاتهم الدينية والسياسية، ولا يستثنى أحد من حكم القانون لأي سبب كان"؛ وتضيف: "المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وعدم التفريق بينهما في التعليم والعمل والمعاملات الحياتية والتجارية والقانونية والأجر". الورقة منسية. لماذا؟ لأنها وراء مظهرها المبدئي ورقة سياسية جدا، صدرت في سياق انخراطكم في تحالف إشكالي وتأليف القلوب حوله، فكانت مبادرة دعائية أو فعل علاقات عامة، وكان طبيعيا أن لا تنال الاهتمام والثقة الذي حظي به "ميثاق الشرف الوطني" قبل أكثر من ستة سنوات.
أعود إلى القول إن المجتمع السوري أشد تعقيدا بكثير من أن يرد إلى صنفين أو ثلاثة من البشر. ثمة مسلمون مؤمنون لا يؤدون الصلاة إلا في المسجد، ويقومون بفروضهم جميعا بدقة متناهية. وثمة مسلمون مؤمنون يؤدون فروضهم أنى تسنى لهم. وثمة مؤمنون مسلمون لا يلتزمون بالفروض، أو يلتزمونها بالمناسبات: شهر رمضان أو أوقات المحن التي يمرون بها. وثمة مسلمون ثقافة وانتماء لكن نصيبهم من الإيمان قليل. وثمة حائرون، قد يتحولون مؤمنين متدينين أو ملحدين. وثمة مسلمون ملحدون. وثمة مسلمون معادون للإسلام. ومن العادي أن يتحول غير مؤمن إلى مؤمن متدين أو متشدد، وأن يتحول مؤمنون من إيمان أصولي إلى إيمان غير أصولي أو أقل مذهبية، وربما يفقدون إيمانهم تماما. سواء تحولوا إلى دين آخر كما فعل محمد حجازي وكثيرون في سورية ومصر، أو اكتفوا بموقف "لا أدري"، أو اتخذوا موقفا نضاليا ضد الدين. لعلك لا تعلم، أو ربما تعلم، أن مسلمين، سنيين وعلويين وربما غيرهم، يتحولون إلى المسيحية ويمارسون الطقوس الدينية المسيحية مع بقائهم رسميا مسلمين لأن الكنائس لا تستطيع قبول تحولهم الرسمي. هذا كله موجود في سورية اليوم، وقد كان موجودا قبل العهد البعثي. وما يحتمل أنه استجد منه أوثق صلة بأزمة التدين والفكر والعمل الإسلامي منه بطبيعة النظام الحاكم. هذا أيضا دون قول شيء عن جماعات مذهبية إسلامية غير سنية، بينها أيضا مؤمنون بعقائدهم وغير مؤمنين. وفي كل الحالات ما من تطابق بين الأخلاق والتدين. فكثير من المتدينين ليسوا أنقياء القلب ولا مستقيمي السلوك. وكثير من غير المتدينين وغير المؤمنين مستقيمون متجردون نزهاء. التفكير الديني الإسلامي لا يمكن أن يتقدم خطوة واحدة إن لم ينطلق من وقائع بسيطة وأساسية كهذه.
أذكر هذه التفصيلات لأقول إن رد المجتمع السوري، وأي مجتمع آخر حتى السعودية، إلى مسلمين ملتزمين وكتابيين، أي إلى جماعات معرفة حصرا بأديانها، تبسيطي وخطير و"أصولي". فالأصولية تجمع بين تصور اختزالي للمجتمع، يقسمه إلى أخيار وأشرار، أهل دين ومن لا دين لهم، وكذلك إلى تقدميين ورجعيين، علمانيين و"أصوليين".. إلخ، وبين إنكار التاريخ. ثم إن معادلها السياسي هو نظام ملل في أحسن الأحوال. وحده الاعتراف بتعقد مجتمعاتنا العيانية ينفتح على تطوير نظم سياسية مركبة ومتطورة فيها. فإن شئنا نقدا منتجا للأصولية تعين علينا نقد تصورها التبسيطي هذا وإظهار كم أن مجتمعاتنا معقدة ومتغيرة، والخروج من وعلى العدمية التاريخية الواسمة للفكر الإسلامي المعاصر، التيارات الأصولية بخاصة، أعني اعتبار التاريخ عرضا زائلا على جوهر مجتمعاتنا الإسلامي الثابت والخالد. ومن شأن ذلك أن يساعد على إدراك كم أن الإسلام ذاته معقد وتاريخي ومتعدد (أنوه في هذا السياق بسلسلة "الإسلام واحدا ومتعددا" الصادرة عن دار الطليعة في بيروت ورابطة العقلانيين العرب بإشراف عبد المجيد الشرفي. بين يدي أربعة عشر كتبا منها، متفاوتة القيمة، لكنها تعطي فكرة عن تعدد الإسلام ولا قابليته المطلقة للاختزال إلى نموذج معياري واحد).
أذكر لك التفصيلات تلك أيضا من باب اقتراح تفسير سببي لضعف تأثير الخطاب الإخواني المنفتح سياسيا. فمرجعيته الفقهية المتصلبة تصطدم بمرونته السياسية وتطيح بها. والأهم بعد لأقول لك، ثانية، إن حكما إسلاميا يقوم على "تطبيق الشريعة" هو وصفة لحرب أهلية لا تنتهي، أو لتقسيم البلد. بحكم تكوينها الاجتماعي، سورية لا يمكن أن تحكم إسلاميا. يمكن أن يشارك الإسلاميون في حياتها السياسية، لكن فقط بطريقة حزب العدالة والتنمية في تركيا الحالية.
مرجعية مستقلة
سبق القول إن مرجعيتي ليست فقهية، ولا دينية في الواقع. هذه مرجعيتك أنت. وواضح أنك لا تتخيل غيرها حين تنسب إلي أني أفتيت أو اجتهدت. أو حين تلخص مقالي في ردك على محمد علي الأتاسي: "مقال الحاج صالح يقرر حق المسلم في أن يرتد عن دينه لأن هذا متضمن في حرية الاعتقاد التي كفلها الإسلام" (النهار، 24/9/2007). ليس هذا هو الصواب. لم أحتكم إلى ما تعتبره أنت "حرية الاعتقاد التي كفلها الإسلام". ولا أتبنى المصطلحية الفقهية التي تسمي من غير دينه، دون إكراه ودون عدوان، مرتدا. تصويرك الأمر على هذا النحو يظهر كم أنت متمركز حول مرجعيتك، لا ترى غيرها، وتجعل منها معيارا لغيرك.
لا أتطرق هنا، ولم أتطرق في مقالي الأصلي، إلى الفقه والآيات القرآنية والأحاديث النبوية لأني أصدر عن مرجعية مختلفة، تكونت في تاريخنا الحديث والمعاصر من تفاعلنا مع العالم من حولنا وتقوم عليها اليوم الدولة في بلادنا والحياة السياسية والثقافة الوطنية. والإسلاميون مطالبون بأن يعترفوا باستقلال وشرعية المرجعية الحداثية هذه، إن شاءوا التفاهم مع غيرهم. لا تقدم خطوة واحدة نحو الديمقراطية دون ذلك.
ولا يقوم إلا على مرجعية حداثية دوري كمثقف. وصفتي هذه هي ما دفعتني للدفاع عن مفهوم متسق لحرية الاعتقاد. هي أيضا ما دفعتني إلى الاطلاع عبر الكتب على أحوال الإسلام والتفكير الإسلامي والحركات الإسلامية والنقاش حول الإسلام. ومما تسنى لي الاطلاع عليه أن حديث من "بدل دينه فاقتلوه" الذي رواه ابن عباس عن النبي هو "حديث آحاد" حسبما يقول أهل الاختصاص. أي أن أحدا غير ابن عباس لم يروه. وهذا يضعه في مرتبة أدنى من حديث متواتر كما تعلم. هذه نقطة. النقطة الثانية أن ابن عباس كان في العاشرة من عمره أو نحوها حين توفي الرسول. أليس في ذلك ما يثير بعض الريبة في روايته أحاديث نبوية؟ خصوصا أنه من أكثر الرواة حديثا، لا يفوقه إلا أبي هريرة، وأنت أفضل معرفة مني بالمطاعن على الأخير. ثم إن صيغة الحديث توحي بأن المخاطبين هم جمهرة المسلمين، بخاصة أولئك القادرين على تنفيذ الحكم بالـ"مرتدين"، أي عيون القوم أو "أهل الحل والعقد"، فكيف حصل أن الحديث لم يرو إلا على لسان طفل في العاشرة؟ أما وروده في صحيح البخاري، فأنت تعلم أن معايير الصحة في كتب الصحاح أوثق صلة بسلسلة النقل منها بالتوافق مع مقاصد الدين أو مع المعقول. والبخاري، كما أي منا، رجل يصيب ويخطئ.
وتعلم أيضا أنه ليس ثمة في القرآن آية واحدة تتضمن ما يشرع هذا الحكم. لم تستطيع أنت نفسك الاستشهاد إلا بآية لا تثبت أنك على صواب: "ومن يرتددْ منكم عن دينه فيمتْ وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (البقرة، الآية 217). هذا وعيد بالعقاب الإلهي. ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالاستتابة والقتل كما يتضمن مقالك، وكما لا يكف يرغي ويزبد الشيخ يوسف البدري في مصر (بالمناسبة، سورية تختلف كثيرا عن كل من مصر والسعودية؛ وكلما ابتعد الإسلام السوري عن التأثر الفكري والسياسي بهما كان أقدر على تطوير فهم إسلامي أكثر عصرية وسياسة إسلامية أنسب للبلد).
هذا ليس من باب نقاش المسألة على أرضيتك بالذات. فلا شك أن لدى مرجعيتك حجج وبراهين تحرس تكاملها وتصون تماسكها وانغلاقها دون غيرها. هو فقط محاولة لفتح نوافذ من أجل الحوار، نوافذ يطل منها الإنساني والنسبي والتاريخي والدنيوي من وراء سجف المقدس والمطلق، والمتعالي على التاريخ، التي تراكمت عبر القرون. ورغم أن شرعية الموقف المعبر عنه هنا لا تتأسس على الفقه وتصور الشريعة الإسلامية السائد، فإني أخالف من يعتقد انه لا يمكن تأسيس حرية الاعتقاد، بما فيها دوما حرية عدم الاعتقاد وحرية تغيير الاعتقاد وحق التحير في شؤون الاعتقاد الديني، لجميع الأفراد، إلا بالتحرر من الإسلام ذاته. هذا موقف بالغ التطرف، وتحتاج ترجمته السياسية إلى نظام استئصالي أشد وحشية وتعصبا من نظام ستالين. بلى، ثمة مرجعية حداثية مستقلة، لكن استقلالها هذا تاريخي، وليس انفصالا مطلقا أو دينيا؛ وهي لا تجُبُّ الدين وتلغيه، لكنها تغير موقعه في الدولة. وليست الحداثة دينا آخر، خلافا لم يظن القطبيون والمودوديون والسلفيون الجهاديون. لذلك الحوار السياسي والتفاعل الفكري ممكن بين الحداثة وبين الدين والتيارات الدينية. من يرفض الحوار مع الإسلاميين لأنهم إسلاميون ولأنه حداثي أو علماني يجعل من الحداثة أو العلمانية دينا آخر. والإسلامي الذي يرفض الحوار مع الحداثيين لأنهم حداثيون يسهل تديين الحداثة.
بالقدر نفسه لا مجال للاتفاق مع الإسلاميين الذي يتمحور برنامجهم حول "تطبيق الشريعة" و"أسلمة المجتمع". هذا موقف متطرف بدوره، وتطبيقه غير ممكن دون دكتاتورية متعصبة من نوع نظام طالبان.
وقد يسأل أخونا الطاهر إبراهيم: ما دمت تصدر عن مرجعية مستقلة، فلماذا تتدخل في الشأن الإسلامي وتتحدث عن تطرف واعتدال فيه؟ ما شأنك أنت؟ أسبابي وفيرة. أولا لأن الإسلام مرفق عام، يعنيني كمواطن في بلد أكثر سكانه من المسلمين، حتى لو لم أكن مسلما، ولأن تطور التفكير والتدين الإسلامي ينعكس علي شخصيا وعلى من يعنيني أمرهم من الناس، وعلى بلدي خيرا وتقدما. ثانيا لأن نشأتي الإسلامية تخولني، بل تلزمني، بأن أناقش مشكلات الدين الإسلامي، من وجهة نظر تجمع بين احترام الإسلام والاستجابة لمقتضيات عصرنا الفكرية والسياسية والأخلاقية. ثالثا لأني لا أصدر عن موقف أصولي، يقيم تقابلا مطلقا بين الإسلام والحداثة، فتنحصر خياراته بين إسلام معاد للحداثة مثل طالبان والقاعدة، أو حداثة متعصبة ضيقة الحوصلة وحامضة النفس، لا ينقصها "مجاهدون" رداحون باسمها.
عبادة الإسلام
يعتقد الأستاذ الطاهر أني تطاولت وقلت ما لا يليق بحق الذات الإلهية. ويقتبس من مقالي الكلمات التالية: ".. انعقاد التقديس والعبادة والولاء على الإسلام معرفا كأمة وعقيدة أمة، لا كإخلاص الدين لله. الله ذاته مقيد بهذه العبادة، متعادل معها، وهو يبدو حاكما سياسيا أكثر مما هو طاقة تعالٍ لا تتناهى، تفيض على الإسلام وكل دين". ويبدو أن ما ساءه هو العبارات التي أبرزها بأن وضع تحتها خطا. لكن إذا كان ما قلته عن عبادة الإسلاميين للإسلام لا لله صحيحا، ولم أقله إلا لأني أعتقد أنه صحيح، فإن من يقيد الله بعبادة الإسلام ويذيبه فيها هو الإسلاميون وليس أنا. وكان أولى بأستاذنا الطاهر أن يناقش الفكرة الأساسية: هل يعبد الإسلاميون الإسلام؟ هل يشركون مع الله ربا آخر هو الإسلام؟
سأفرد لهذه القضية البالغة الخطورة الفكرية والسياسية تناولا خاصا، أطرح فيه فكرة أن دعوى الحاكمية تقوم وراء رفضها لما اعتبرته شركا بالله بمنح الناس حق التشريع على شرك آخر هو عبادة الإسلام ورده إلى مدونة فقهية جامدة، تخلو من الروح وتقترن بالخوف والرهبة وباستبداد مطلق رأينا نسخة منه في أفغانستان الطالبانية. والحاكمية هي النموذج الإرشادي (الباراديغم) لكل حركات الإسلام السياسي القائمة، بعضها أكثر اعتدالا وبراغماتية عمليا، لكن أي منها لم ينتقد ويرفض نظرية الحاكمية في حدود علمي. وما الدعوة إلى "تطبيق الشريعة" إلا الصيغة التنفيذية لنظرية الحاكمية. لا "قطيعة إبستمولوجية" بين الإسلام الإخواني والإسلام السلفي الجهادي في هذا الشأن، بالعذر من الأستاذ والصديق محمد جمال باروت.
ولعل عبادة الإسلام نشأت في وقت مبكر مع تراجع علم الكلام والفلسفة والتفكير في العقيدة، لمصلحة الفقه والشريعة. وهو ما جرى في ظل سلطات استبدادية ضعيفة الشرعية وفي وسط صراع سياسي وديني محتدم وأزمة روحية حادة. وكان من ثمراته أن تقنن الإسلام إلى درجة اليباس الروحي. والبعد الروحي المهمل سينفصل عن البعد التشريعي، ويتجسد في التصوف. وسيرافق التقنين قصر العقيدة الصحيحة على هذا المذهب أو ذاك، السنة و الشيعة، وداخل السنة المذاهب الفقهية التي لم يندر أن كانت العلاقات بين أتباعها عنيفة وعدائية. وكانت لا تزال كذلك حتى وقت قريب جدا في السعودية بين حنابلة نجد وشوافعة الحجاز. ماذا يعني ذلك؟ يعني التوسع في التكفير. كل من ليس منا كافر. ماذا يعني أيضا؟ يعني أن عقيدتنا هي الدرب الوحيد إلى الله (بالمقابل، يقول أهل التصوف ‘إن الطرق إلى الله بعدد السالكين إليه"). يعني أن الشيعة كفار. وبالطبع المذاهب الإسلامية الأخرى. وبالطبع جميع الديانات والعقائد الأخرى. يعني أن الله راض عنا نحن فقط. ألا يعني ذلك تقييد الله بمذهبنا؟ ألا يعني احتكاره؟ ألا يعني أنه لا يفيض بحال عن هذا المذهب أو ذاك؟ أي أنه متعادل بمذهبنا في عيننا، وبمذهب غيرنا في عينهم؟ تعلم أن المسلمين السنيين يصفون الشيعة بأنهم "روافض"، يرفضون شرعية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان؛ وأن المسلمين الشيعة يصفون السنة بأنهم "نواصب"، يناصبون آل بيت الرسول العداء. تعلم أكثر من ذلك أن هذا ليس من الماضي.
من معاني إسلامي، بالمناسبة، إدارة الظهر لهذه الانقسامات ورفض ميراثها. فيما يبدو أنك، أيها الأخ الطاهر، تصدر عن موقع محدد ضمنها، وتعتبر أن السلطة ينبغي أن تكون لجماعتك فوق كون لله معها وحدها، أو لأنه معها وحدها. ولم لم تكن محتكرا لله لما بلغ بك أن تحدد لي كيفية التخاطب مع من يفترض أنه رب السموات والأرض الذي وسعت رحمته كل شيء والأقرب إلينا من حبل الوريد. لا تكلف نفسك هذا العناء. فالله يناجى ويعاتب ويساءل و.. يُزعل منه أيضا! أنت في لندن أو في الرياض أو لست أدري أين، والله في كل مكان، فلا تشغل بالك بكيفية كلامي معه وعنه!
.. وتعلم بعد أن لإسلام الحاكمية، وهو اختراع حديث عمره أقل من نصف قرن ، بلوره أبو الأعلي المودودي وسيد قطب، ركيزة أخرى تضاف إلى احتكار الله وتحميه هي التكفير، وهو ما يجد معادله العملي في نصب أسوار شاهقة بين المسلمين وغير المسلمين، وبين المسلمين أنفسهم، وبين الإسلام مفسرا تفسيرا ضيقا ومتشددا وكل ما هو خارج سياجه. هل تفريق البشر بهذه الصورة منفصل عن احتكار الله؟ وهل التكفير غير استخدام الله سلاحا مطلقا في صراعات إنسانية دنيوية؟
على أن تقييد رب العالمين أو "اغترابه" في دين بعينه، أي هذا النوع من الشرك الشائع جدا وغير المدروس أبدا، حالة خاصة من اغتراب المعنى أو تصنيمه في كل عقيدية دينية أو دنيوية. تنشأ دعوة أخلاقية أو عقيدة دينية أو مذهب اجتماعي فتدعو إلى الله أو الخير أو العدالة بلغة وعقل عامين، تخاطب عقل الإنسان ووجدانه محتكمة إلى قيم مقبولة وعقل مستقر مشترك بين الناس في زمنها. كانت مدركات العقل (تعقلون..) والعلم في القرآن تحيل إلى فهم مشترك بين المؤمنين والكتابيين والمشركين في الحجاز، ولعل العلم كان يحيل إلى مخزون من المعارف مشترك في الشرق الأدنى ككل. بعد حين، وإذ تتكون حول تلك القيم والمدركات أمة أو حزب أو جماعة، تأخذ العقيدة أو المذهب أو الدعوة في تكوين عقلهم وأخلاقهم، فيغدو عقل الدعوة هو العقل وأخلاقها هي الأخلاق، وتكون لنفسها نسخة خاصة من القيم والخير والعدالة. وفي طور صعودها تشكل النسخة هذه العقل المشترك والقيم العامة، وتطالب كل ممارسة عملية ونظرية بأن تبرر نفسها أمامها. فإذا توقف صعودها، أو إذا ظهرت نظم معرفة وأخلاق أكثر اتساقا وعمومية، بدت النسخة تلك حالة خاصة، يتعين إعادة هيكلتها وترتيبها بالتوافق مع النظم الجديدة من أجل أن تحافظ على بقائها أو حتى تصون ما فيها من خصوصية. هذا ينطبق على سبيل المثال على الماركسية. لقد نشأت ضمن الثقافة الأوربية الغربية فاستبطنت عقلها وقيمها، لكنها انتقدتها من موقع يقع داخلها وإن على طرفها. في طورها الشيوعي تحولت من معرفة ودعوة اجتماعية تحتكم إلى عقل مشترك ومفتوح هو عقل القرن التاسع عشر الأوربي إلى دعوة خاصة، تطالب كل معرفة وعمل بأن يسوغا نفسهما أمامها. غدت صنما. ثم دفعت الثمن حين تكشف أن عقلها وأخلاقها لا يشكلان طريق الإنسانية العام، بل هما زقاق ضيق متفرع عنه، أي أنهما عقل وأخلاق طائفيان، يسيجان من المعنى أقله ويهدران أكثره.
هذا حال الإسلام اليوم. وهذا مبرر الإصلاح الديني الإسلامي. ويعني الإصلاح الديني في هذا المقام إعادة هيكلة المعاني والعقائد والقيم الإسلامية بما يتيح لها أوسع تفاعل مع الحداثة. وأرجو ألا تندفع إلى القول إني أقارن بين دين الله وأباطيل العباد. فهذا موقف إيماني يستطيع صاحب كل عقيدة أن يقوله. ثمة ماركسيون متعصبون سيرفضون المقارنة أيضا لأنهم يرفضون وضع "علمهم" و"أفيون الشعب" في علاقة مشتركة. وسيرفض مسيحيون متدينون أن يضعوا دينهم في علاقة تقابل مع أي دين آخر. فالمسيح هو الله، وتاليا الله نفسه مسيحي، وهو منبع تعصب هائل ورثه الغرب الحديث. واليهودي المتدين يحتكر الله، مثلما يفعل مسلم متدين اليوم. هذا يفتت الإنسانية ويحطم المشترك بين البشر، أي العقل، ويفتح بابا واسعا للاعتباط والعنف. وقبل كل شيء، يسد الدروب على الله. ألا ينبغي أن نوسع دروب الله كي نغلق دروب العنف والانقسام؟ لا ريب عندي في أنه يمكن أن تكون للإسلام كلمة في ذلك.
مسألة استملاك رب العالمين ليست خاصة بالإسلام، إذن. ما يبدو أنه سمة إسلامية خاصة في أيامنا هو رفض التفكير في هذه المسألة: كيف نوفق بين اعتبارنا الإسلام (بأي من مذاهبه..) دين لله، وبين كون الله هو رب الأديان والبشر والأكوان جميعا؟ كيف يكون السبيل إلى اللامتناهي هو عقيدة متناهية؟ يعني بالعربي، كيف يكون، أيها الأستاذ الطاهر، الإسلام السني هو السبيل الوحيد إلى الله الذي هو أكبر من الإسلام السني، ومن الإسلام ذاته، ومن كل دين، ومن كل البشر، ومن كل العوالم، بما لا نهاية له؟ هل الله هو الذي يضيق الدروب إليه؟ المسألة حقيقية. ومن شأن الاضطلاع بها، وأمثالها كثيرة، أن يحرك الفكر الإسلامي وربما يؤسس لفلسفة دينية إسلامية لا غنى عنها. اليوم ثمة رفض للتفكير واستسهال للتكفير. ويقيني أنه كلما تحرر الفكر نهض العقل وضعف إغراء العنف وانكسر احتكار المقاربة الفقهية الضيقة للإسلام، هذه المقاربة التي تخبرك بأن الصح هو كذا وكل ما عداه مما خلق الله باطل. ليس فقط أن دربك يفضي إلى الله بل إن الله لا يحيد عن نهاية دربك. تكف عقيدتك أن تكون سبيلك إلى الله لتمسي السبيل الحصري إلى الله لكل الناس. دستور يقيد الله ذاته وليس دستورا يحكم سلوكك إليه. كأن اللامتناهي يقيم في نقطة معينة لا يعرف أحد غيرك الطريق إليها. كأن الله ملكك أنت بدل أن تكون أنت وكل شيء ملكه. آن الوقت لإعادة نظر جذرية في المقاربة الفقهية التي تخنق الإسلام وتقضي على روحه.
هل هذه لغة حداثية كما تفضلت؟ إنها لغة تتصارع مع "المعنى" وتحاول أن تمسك به. لا تنجح أبدا. لكنها لا تكف أبدا. لو نجحت لأنتجت مذهبا متزمتا للحقيقة، نوع من حاكمية المعنى إن شئت. وإذا استحال الإمساك بالمعنى نهائيا حصلنا على عالم بابلي، مقسم بعمق ولا يطل على مبدأ يوحده. إذا عرفنا اللغة الحداثية بأنها اللغة المتوترة في صراعها مع المعنى، فلغتي تسعد بأنها حداثية.
لكن، هل لك أن تشرح لي معنى قولك إن هذه لغة "لا نقبلها عند التطرق إلى الشأن الذي يتناول أمر العقيدة"؟ أو قولك إن "عليه [على كاتب هذه السطور] أن يحتاط في كلماته، فإن فيها ما ليس مقبولا أبدا". مقبول ممن؟ باسم من تتكلم أيها الزميل الكاتب المعارض المنفي؟ وبأي حق تقرر ما يقبل وما لا يقبل؟ وماذا يعني بالضبط أنكم لا تقبلون؟ من أنتم؟ هل كنت سأستدعى إلى فرع الأمن المختص بالعلمانيين والحداثيين (على غرار الفروع الأمنية بالأحزاب المعارضة اليوم في سورية البعثية) للتحقيق معي في مغزى عبارات كهذه لو كان الأمر بيدك؟ وهل سيطلب مني أن أثبت إسلامي كما تطلب فروع الأمن اليوم من المواطنين أن يثبتوا وطنيتهم أمامها؟ وإذا رفضت أن أوضع في هذا الموضع هل سأعود إلى بيتي، أم أحال إلى محققين فقهاء يتولون استتابتي؟ وهل سيكون علي أن أوقع في النهاية على التعاون مع المخابرات الدينية، وأشي بأصدقائي "الحداثيين"؟ فإذا "يبّستُ رأسي" وعاندت، هل سأعدم؟
أصارحك القول بأني أجد كلامك غير مقبول، وأنه فهم مني وليس من أحمد الطيار فقط كتهديد، وهذا بالطبع مرفوض.
من يملك الإسلام؟
لم يخرجني أخونا الطاهر من الإسلام. اكتفى بالقول: "إننا لا نتهمه ولا يحق لنا أن نخرجه عن الإسلام لأنه كتب ما كتب، لكن عليه أن يحتاط في كلماته، فإن فيها ما ليس مقبولا أبدا". غير أن إشكاليته، الإسلام السني الحركي القائم على سيادة الشريعة، لا تتسق إلا إذا أخرج أمثالي من "الإسلام". وسأناقش في هذه الفقرة هذا الشأن.
هناك إسلام لا يستطيع أحد إخراجي منه، لا الأستاذ إبراهيم ولا الفقهاء جميعا ولا "الحاكم المسلم". إسلام وجدت آبائي عليه ولا أنوي هجره. هو ليس إسلاما تعبديا أو معياريا. وأقر أن نصيبي من الإسلام التعبدي، إسلام الفقهاء والإسلاميين، شحيح جدا. الإسلام الذي أنتمي إليه ورثته ثم اخترت أن اضطلع بما يستطاع من مشكلاته بحكم اشتغالي في مجال الثقافة. في وسعك أن تسميه إسلاما ثقافيا، يصدر عن تضامن حر، لكن نقدي، مع إنسانية سكنت روحها إلى الإسلام وأسكنته في روحها. وبحكم تكوينه المفتوح لا يتعارض هذا الإسلام مع أن يكون المرء علمانيا أو يساريا أو ليبراليا. لعله يتعارض مع التكوينات المذهبية المغلقة، بما فيها الأصولية أو الإسلاموية.
وأود أن أمثل على مضمونه الأخلاقي والكوني بحكاية سمعتها من والدي وأنا طفل، كمثال على سعة رحمة الله وتعدد الدروب إليه. تتحدث الحكاية عن امرأة لم تفعل خيرا قط في حياتها وليس في سجلها ولو حسنة واحدة، وطبعا اقتيدت يوم الحساب إلى جهنم، مثوى الأشرار. بعد وقت تفطنت المرأة إلى أنها أعطت ذات يوم في حياتها الدنيا عذق بصل أخضر لعابر سبيل. فأخذت تنادي حراس الجحيم، ورجتهم أن تُلقى نظرة مدققة في سجلاتها. عاد الملائكة إلى السجلات، وتبين أن ما تقوله المرأة صحيح، وأنهم إنما سهوا عنه لأنه أشبه بعشبة خضراء وسط بيدر يابس. وبقرار إلهي صدر الأمر للملائكة أن ينتشلوا المرأة من قعر جهنم بأن يمدوا لها عذق البصلة الذي كانت جادت به في دنياها. وهكذا كان. أمسكت المرأة بطرف العذق وأخذ الملائك يسحبونها. ولم يلبث أن تشبث بها نزلاء الجحيم الآخرون. ومن لم يستطع التعلق بها تعلق بمن تعلقوا بها. عناقيد من الناس متسلسلون، والعذق الأخضر الصغير صامد يرفع الكل. غير أن لؤم الشريرة وأنانيتها غلبا أمل الخلاص لديها حين كانت على وشك أن تنجو وينجو معها أهل النار، فأخذت ترفس المعذبين البائسين المتعلقين بها. فكان أن سقطوا وسقطت هي معهم في الهوة من جديد.
لو كنت داعية إسلاميا لما شرحت الإسلام كله بغير هذه الحكاية البديعة (على ما فيها من تحيز ضد المرأة، وتحميلها مسؤولية جهنم). ومغزاها الذي لا يفوت أخانا الطاهر هو أن دروب الله كثيرة. عذق بصل متواضع أحدها. ولا ريب أن الصدق مع النفس ومع الناس ومع الله أحدها. وأن نقاء القلب أحدها. ولأن الدروب كثيرة جدا فإن أهل جهنم قليلون، وكان من شأن عذق بصل أخضر لا قيمة له في حياتنا الدنيا أن ينقذهم جميعا. ويقيني أنه ليس من دروب الله إكراه الناس على الإيمان أو سلبهم حرية الاعتقاد. أما استتابة وقتل من ترك الإسلام فليس دربا إلى الله. إنه درب إلى الدنيا. إلى السلطة. إلى الشهرة. أقنعة إبليس الكثيرة.
وأخمن أن تغليب عدالة الله على رحمته متولد من الرغبة في استخدام الدين سلاحا سياسيا للفوز بسلطة ما، سواء سلطة الفقهاء على الجموع أم سلطة الحركات الإسلامية على الجمهور المسلم. الله الرحيم فائض عن حاجة الإسلاميين السياسيين.
كلمة عن العقل الطائفي
قد يتساءل أخونا الطاهر أيضا: ما الذي يدفعني ويدفع أمثالي إلى الدفاع عن حق مسلم في التحول إلى غير دين الإسلام، ونحن مسلمون؟ ليس إلا تعميما للموقف الذي يدفعنا، مع كوننا غير إسلاميين، لإدانة القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم على كل منتسب للإخوان المسلمين بالإعدام. لا أستطيع أن أدين القانون غير الإنساني هذا وأغض الطرف عن إنكار حق محمد حجازي في تغيير دينه. ولا تستطيع أنت، كما سلف القول، أن تنكر موقفي دون أن تقوض في الوقت نفسه حقك بمطالبتي في أن أدين القانون 49. لماذا؟ لأن اتساق موقف كل منا هو شرفه وعدالته. لأن العدالة تتحطم، مبدأ وواقعا، حين يكون ثمة عدالة خاصة بنا وعدالة للآخرين. أي حين نرفض المساواة. إن كوني مسلم هو ظرف تشديدي لوجوب الدفاع عن الحرية الدينية لحجازي وأمثاله. لو كنت مسيحيا لكان دفاعي ملتبسا بالمصلحة، ولحق لك أن تشتبه في دوافعه.
يحق لك نقد موقفي فقط إذا كنت أنتقد موقف الإسلاميين المعاصرين من حرية الاعتقاد مستندا إلى معايير مختلفة عن المعايير التي تسند نقدي للسلطات الحاكمة في سورية أو مصر مثلا. أو نقد مواقف تيارات فكرية وإيديولوجية أخرى. والطائفية في حكمي هي ازدواج المعايير أو تعددها، أي الاستناد إلى قيم خاصة في تقييم الغير تختلف عن تلك التي نعتمدها لتقييم الذات. الدفاع عن الإسلاميين والمطالبة بمحكمة عادلة لجميع المعتقلين بمن فيهم معتقلي الإسلاميين (وليس فقط عن المعتقلين "الوطنيين"، وفق لغة كانت رائجة في أوساط يسارية سورية في الثمانينات) يصدر عن رفض الطائفية بهذا المعنى المخصوص، المعنى الذي يجدر بنا أن نسميه الطائفية العقلية. هذا المعنى المخصوص يطل مباشرة على المعنى الشائع الذي يجعل طوائفنا معايير لمواقفنا في الشأن العام. أما موقفك أنت حين تنكر على الآخرين حقوقا تبيحها لنفسك فطائفي بلا ريب وفقا للمعنيين. وهذا ليس اتهاما لك، بل هو مؤدى تحليل موقفك. فأنت من جهة تستثني جماعتك من قاعدة عامة، حرية الاعتقاد الديني، ما يردها إلى جماعة خاصة أو طائفة. ومن جهة ثانية تجعل من عقيدة جماعتك الخاصة هذه معيارا موجها لسلوكك وتفكيرك في المجال العلم، وكذلك معيارا عاما للمجتمع ككل، وتطلب لها فوق ذلك السلطة العمومية. هذا لا يستقيم. ما بتزبط السلطة العامة والاستثناء معا. من يريد الاستثناء "ينزل" إلى المجتمع المدني، ومن يريد السلطة العمومية عليه ألا يقبل أو يطلب لنفسه أي استثناء. فإذا جمعت السلطة العمومية والاستثناء معا، وهذا قوام "المعجزة البعثية" في سورية وقبلها العراق، كانت النتيجة كارثة أو وعدا بالكارثة لم نعد نطمع في أكثر تلطيفه.
والواقع أني أجد موقف مساجلي الإسلامي مشابها لموقف مساجلين "علمانيين" في أوقات سابقة. يمكن وصف هؤلاء بأنهم علمانيون مطلقون أو، بما يناسب نقاشنا هنا، علمانيون طائفيون. أعني بذلك أنهم لا يستندون إلى معايير موحدة في نقد الإسلاميين والسلطات والتيارات السياسية والإيديولوجية الأخرى. تجدهم يحكمون على الأفعال والسياسات بدلالة فاعليها لا بدلالة مضامينها، فيهولون من كل ما يتصل بالإسلاميين، ويهونون مما تفعله السلطات أو يعفونها من المسؤولية، ما يعوق تكون ضمير وعقل عام متجردين. وما يسهم في تعميق انغرازنا في الطائفية والاعتباط بدل مواجهتهما.
ويحصل أن يكون بينهم طائفيون بالمعنى الشائع أيضا، يتصرفون في المجال العام بدلالة انتماءاتهم الجزئية. وهو ما لا يستطيع الأستاذ الطاهر إبراهيم، من بين كل الناس، الاعتراض عليه. لماذا؟ هو نفسه يصدر عن انتماء جزئي محدد، أي طائفي، ويناضل من أجل هيمنته في المجال العام الوطني.
العلم الديني والسلطة العمومية
يقول الأستاذ الطاهر إبراهيم في مقاله: "كثيرا ما كان علامة سورية الشيخ "علي الطنطاوي" رحمه الله يقول: القضاء يعاقب على الاشتغال بالطب لمن ليس طبيبا، أو الاشتغال في الهندسة لمن ليس مهندسا، ولكن لا أحد يعاقب من أفتى في الدين وهو غير عالم فيما يفتي". مغزى الكلام أن العلم الديني اختصاص علمي مثل الطب والهندسة، يتولاه أناس مؤهلون تأهيلا خاصا. لا بأس. لماذا عليّ، والحال كذلك، أن أمتثل لسلطة هؤلاء الناس؟ ليس لي أن أتدخل في شغل الطبيب لأن الطب اختصاص نوعي، لكن الطبيب لا يفرض علي شيئا إلا حين ألجأ إليه مريضا. وحتى هنا هو لا يكرهني على شيء. كل ما يقوله إن علي أن أفعل كذا وكذا كي أتعافى. هل عالم الدين مثله؟ أنا راض بأن يكون مثله، فهل ترضى أنت؟ أليس كل نقاشك مبنيا على أن ما يراه "العالم" هو ما ينبغي أن أراه أنا أيضا؟
مشكلة. فإذا كان العلم الديني اختصاصا نوعيا فينبغي ألا يتدخل رجاله في شؤوني، وإن تدخلوا في شؤوني لزم ألا يكون علمهم اختصاصا نوعيا، وحق لي التدخل فيه برأيي. الفقيه وصاحب الفتوى يتخذ قرارات تمسني في صميم حياتي وعملي، مثل كيف أكتب، وما هو مقبول وما هو غير مقبول من مواقف وطرق في التعبير، ويطلب مني أن أخضع وأطيع. لماذا؟ لأنه ينطق باسم الله! من قال ذلك؟ هو الذي يقول! هل أصدقه؟ الأستاذ الطاهر إبراهيم، وهو مهندس وكاتب وعضو في جماعة الإخوان المسلمين، يلزمني بالتصديق. لماذا؟ لا يشرح، لكن يبدو أنه يظن أن له الحق في ذلك. إذن، الفقيه أو المفتي أو العالم ليس صاحب اختصاص علمي فقط، وإنما هو صحب سلطة عامة أيضا. طيب، وماذا إذا تصرفت السلطة الفقهية هذه على هواها، سعيا وراء مصالح مادية أو معنوية أو سياسية خاصة بها؟ ما هي الضمانة بأن لا تفعل ذلك؟ أليس توسل الدين لدعم سلطات فاسدة واستبدادية مألوفا؟ أليس الاتجار بالدين شائعا في تاريخنا وتاريخ غيرنا؟ أخونا الطاهر لا يجيب على سؤال لا يطرحه. لكن ثمة خبرة إنسانية عريقة تفيد أن السلطة التي لا تجد ما يضبطها ويحد منها تجنح نحو التوسع و"الفرعنة". والمثل الشعبي يعرف ذلك جيدا: "قيل يا فرعون من فرعنك؟ قال تفرعنت وما حدا ردني!" السلطات تتفرعن إن لم يردها أحد. وما يرد السلطات عن الفرعنة ليس عقيدة القائمين عليها أو بها، ولا دينهم، ولا إعلانهم أنهم ليسوا فراعنة. فكم عرف التاريخ، ومنه تاريخنا، طغيان حكام مؤمنين! بل إن الدين أو الوطنية أو الثورة أو الشعب .. هي التسويغات الأنسب للطغيان. فلا طغيان من غير عقيدة تبرره، وكلما كانت العقيدة أكثر قداسة، وكلما كانت متحررة من الرقابة، كانت أشد إغناء عن التعاقد الحر بين بشر متساوين، و كان الطغاة الحاكمون باسمها اشد إطلاقا وطغيانا وفسادا. لذلك تجد كل الطغاة أخيارا، أبرارا، صلحاء، مؤمنين في عين أنفسهم وأتباعهم. ولذلك أيضا فإن نظرية الحاكمية هو وعد بطغيان أشد قسوة من أي طغيان آخر لأنها تصادر على أن "الحاكم المسلم" آلة تنفيذية لـ"حكم الله"، آلة بريئة من الغرائز والمصالح والأهواء. لكن هذا بالضبط ما يقوله كل الطغاة. نحن آلات بيد "الجماهير"، بيد "الأمة"، بيد "قوانين التاريخ"... كلا يا إخوان! كونوا بشرا عاديين مثلنا كي نعرف كيف نعترض عليكم وننتقدكم، نثق بكم ونسحب الثقة منكم. فالثقة بناء إنساني صنعي، مبني على عدم الثقة بالإنسان، على أن نفس الإنسان أمارة بالسوء. وعلى أن النفس هذه قد تستخدم الدين والله ذاته لتحقيق مطامعها وشهواتها.
ما الذي يضبط السلطة إذن؟ سلطة أخرى مستقلة عنها وموازنة لها. من هنا مبدأ فصل السلطات الذي استقر ركنا من أركان كل حكم ديمقراطي.
والسؤال الآن: بم تنضبط سلطة الفقهاء؟ وقبل ذلك، ما موقع هذه السلطة ضمن الدولة؟ ثمة واحدة من إجابتين. إما أن سلطة الفقهاء واحدة من سلطات الدولة، ويتعين في هذه الحالة أن تخضع لمبدأ فصل السلطات، بحيث لا تجتمع السلطة الدينية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية في يد واحدة، لأن هذه سيفضي إلى الاستبداد و"الفرعنة". أو أن سلطة الفقهاء خارج سلطات الدولة، وفي هذه الحالة ينبغي أن تنضبط بمبدأ العلمانية، أي الفصل بين الدين والدولة، بحيث تقتصر سلطة الفقهاء على المؤمنين وتفقد أي طابع قسري. خارج الدولة، أين؟ في المجتمع المدني. وإحالة الدين من السلطة السيادية والعمومية إلى المجتمع المدني هو.. العلمانية. فإذا حصل العكس، أي ترقت سلطة اجتماعية من المجتمع المدني إلى الدولة، ماذا يحصل؟ العين المجردة تكفي للإجابة: الطائفية وخراب الدولة.
لدى الإسلاميين جواب ثالث: ليس الإسلام سلطة من سلطات الدولة، ولا هو سلطة اجتماعية جزئية، الدولة أداة في خدمة الإسلام. مرة أخرى نجدنا وجها لوجه أمام باب الاعتباط، الوجه العقلي للاستبداد. ومرة أخرى يمكن تفادي هذا الباب لو فكرنا أن لدينا مشكلة حقيقة. وأن التفكير فيها أفضل من فرض جواب جاهز لها. ومن التكفير طبعا. وأكثر اقتصادا في الحياة البشرية والكرامة الإنسانية.
ختاما، هناك واحد من نموذجين اثنين لضبط العلاقة بين الشرعيتين الإسلامية والحداثية في مجتمعاتنا: نموذج حكم ذاتي إسلامي أو علماني في دولة واحدة علمانية أو إسلامية، وكنت أطلقت عليه اسما غير موفق هو الكونفدرالية الدينية؛ أو نموذج استقلال الدين الذاتي في المجتمع المدني مع كون الدولة علمانية. أما الإكراه فلا يحل أية مشكلة، فقط يحل مجتمعاتنا، وينذرها للحروب الأهلية والطائفية.
وبعد، لعل أخانا الطاهر علم كم أنا "متورط" في ما اعتبره سقطة، ولعله عرف الآن بعض أسباب تورطي.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في النموذج الإخواني وتناقض الإسلامية المعاصرة
- نحو إعادة هيكلة الدور الإقليمي لسورية
- خواطر مرسلة في شأن السياسة والثقافة
- في أن الليبرالية الاقتصادية سياسة الجيل البعثي الثالث
- في أصول المشكلة الثقافية العربية وجوهرها
- في أزمة الهيمنة ومصير العروبة في سورية
- قضية محمد حجازي وحرية الاعتقاد الديني
- صراع مطلق فصنع طوائف فتقسيم دول..
- تأمل في شأن الحرية ونقد الدين
- العلمانية أهم من أن تترك للعلمانويين!
- العرب أمام المشكلة الغربية
- سورية والدول العربية بين ما دون الدولة وما فوقها
- -أمتان-: حكم ذاتي إسلامي في ظل دولة علمانية، أو العكس!
- في أصل خراب الديمقراطية والوطنية في المشرق
- تقييم ائتلاف -إعلان دمشق-
- في شأن النقد والتضامن ودور المثقفين
- هل نعرف الطائفية؟ تعقيب على ملف الآداب عن -الطائفية في الوطن ...
- بعد قرن السياسة، أقرن للثقافة والدين في عالم العرب؟
- علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون؛ لكن أين الأمة؟!
- أفكار في شأن العنف والهيمنة والمعرفة


المزيد.....




- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعقل والدولة