أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية














المزيد.....

في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2156 - 2008 / 1 / 10 - 11:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لم يعد اعتقال مثقفين ناشطين في المجال العام أمرا خارج نطاق المعتاد في سورية. وليس ميشيل كيلو ومحمود عيسى وأكرم البني وعلي العبدالله أول مثقفين سوريين يعتقلون في بلدهم، ولو لأن الأربعة يعتقلون للمرة الثانية (ميشيل ومحمود) أو الثالثة (أكرم) أو الرابعة (علي).
الواقع أن اعتقال المثقفين مرتبط في سورية بوجود نظام رسالي أو "ثقافي"، يمارس السياسة بمنطق الهداية والخلاص وليس بمنطق التفاوض الاجتماعي، ويصادر على وحدة لا فجوات فيها للمجتمع المحكوم، ويحتكر وسائل تشكيل الوعي والمواقف العامة، ويعمل باجتهاد على اجتثاث أي اعتراض عليه ولو بالعنف المطلق، الملازم لكل نظام خلاصي. فإذ هو نظام "ثقافي"، فإن الاعتراض عليه هو اعتراض ضد "الثقافة" و"الحقيقة" والخلاص الوطني. وهو لذلك أدخل إلى باب الخيانة والمروق منه إلى باب الخلاف المشروع في الرؤى والمواقف. العنف تاليا هو الحل الحلال.
النظام هذا يقمع المثقفين لأنه هو ذاته "ثقافة". لكن لأنه "ثقافة"، فإن من يعترض عليه هم المثقفون أكثر من غيرهم. فهم إما أقل تقبلا للأساطير الخلاصية التي يقوم عليها نظام كهذا، أو أن لديهم أساطيرهم الخلاصية الخاصة. لكن الأهم أن بنية أنظمة كهذه تلغي الصفة العمومية للطبقات الاجتماعية والأحزاب السياسية، وتفرض نظاما "كوربوراتيا" شبه طائفي على المجتمعات المحكومة، فتقوض من الأساس إمكانية نشوء حركات اجتماعية كما شهد المثال الشيوعي في الاتحاد السوفييتي وأوربا الشرقية. ويقتصر أمر الاعتراض في مثل هذا الشرط على حركات خلاصية أخرى منفصلة اجتماعيا إلى هذا الحد أو ذاك، أو على حركات مثقفين رساليين أو منشقين. والحال تعرض حركة المعارضة السورية الوجهين معا. وقد كان يغلب الوجه الأول، الخلاصي، على نشاطها في سبعينات القرن العشرين وثمانيناته، بينما برز الوجه الانشقاقي والرسالي في السنوات المنقضية من هذا القرن. بينما كانت تسعينات القرن العشرين سنوات تصحر سياسي تام في البلد.
من هذا الباب يمكن وصف جميع المعتقلين السياسيين بأنهم مثقفون، بل معتقلون ثقافيون. هذا ينطبق على الدكتورة فداء الحوراني، الطبيبة والناشطة ورئيسة "المجلس الوطني لإعلان دمشق"، وعلى زملائها الآخرين الذين اعتقلوا في الموجة الأخيرة (بين 9 و16/12/2007)؛ ينطبق كذلك على رياض درار، الناشط الإسلامي المعتدل، وعلى أنور البني المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان، وعلى فائق المير الناشط في حزب الشعب الديمقراطي السوري، وبالطبع على الدكتور عارف دليلة الذي يمكث في زنزانة منفردة منذ نحو ست سنوات وأربعة أشهر.
ونفترض أن "ثقفنة" النشاط الاحتجاجي أو اتصافه بصفة انشقاقية سمة مميزة لنمط السلطة "الشمولية" (وإن تكن هجينة يمتزج فيها الشمولي بالأهلي). ولعل أصل السمة هذه أن نمط السلطة هذا ينزع السياسة من المجتمع المحكوم، وينصب حواجز عالية بين القوى الاجتماعية والتيارات الثقافية والفكرية. فتجنح الأخيرة لأن تعرف نفسها بأهدافها وأفكارها لا ببرامجها السياسية ودورها الاجتماعي، بينما تنكفئ القوى الاجتماعية على نفسها لتمسي جماعات مصالح أو مراتب دخل. وبالعكس، يبرز الطائع السياسي للنشاط الاحتجاجي حين تنخفض أو تتحطم الأسوار الفاصلة بين المصالح الاجتماعية والرؤى الفكرية. وإنما هنا يأخذ المعارض بالحلول محل المنشق، والسياسي محل المثقف.
فلا تكون المعارضة سياسية إلا إذا كان النظام الحاكم سياسيا. والحال إن نظامنا ثقافي (وإكراهي)، خلاصي (وعنفي). فما كان له أن يستطيع أن يجرد المجتمع المحكوم من السياسة دون أن يتجرد هو منها كذلك. ومن المتوقع، تاليا، أن تكون معارضته المحتملة ثقافية (وإلا فإرهابية). ومعلوم أن الشكلين الثقافي والإرهابي للمعارضة برزا في وقت واحد في سورية في النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين، حين كان يبرز ويتفاقم الطابع الشمولي (المهجن بالأهلي) والنازع للسياسة لممارسة السلطة. والواقع أن الصنف الثاني من المعتقلين السياسيين اليوم في سورية هم إسلاميون، يحملون مشروعهم الخلاصي الخاص، الرافض بدوره للسياسة والمتوسل للعنف، حيثما تيسر.
إذن يعتقل مثقفون في سورية لأنه يغلب على النشاط العام، المعارض والمستقل، بما في ذلك "الأحزاب السياسية"، طابع حركة مثقفين. هذه سمته البارزة التي تنبع من بنية النظام "الكوربوراتي". لكن هذه أيضا حدوده، المترتبة على عزلته عن الطبقات والشرائح الاجتماعية. ولا ريب أن التركيز الكبير من طرف الناشطين السوريين على قضية الديمقراطية والحريات ومناهضة الاستبداد يعكس وضعهم كمهمشين ومحاصرين سياسيا. ومن غير المتصور في تقديرنا أن تنجح حركة المعارضة السورية في صورتها الراهنة في تقديم بديل للنظام قبل أن يصاب هذا بالوهن وتتداعي آليات سلطته الإيديولوجية والإكراهية والاجتماعية.
هذا ما يستدل عليه من "طبائع عمران" الدولة الشمولية في عصرنا. فللوهن ذاك وللتداعي هذا مفعول تهديم الحواجز التي تفصل المصالح الاجتماعية عن التيارات الفكرية، ما يشرط قيام معارضة سياسية فاعلة. ولعل التهديم هذا بلغ طورا متقدما نسبيا في مصر التي شهدت احتجاجات اجتماعية في عام 2007 واحتجاجات "سياسية" عامي 2005 و2006، وأضحت فرص التقاء الاحتجاجين أكبر مما مضى. في سورية لا يزال من المبكر توقع مثل هذا اللقاء، لكنها سائرة على درب سبقتها إليه مصر، وإن اختلفت الأقنعة الإيديولوجية.
على أية حال، حين تؤذن الشروط بتغير النظام فإنها تحمل معها شروط تغير الصيغة الحالية للمعارضة أيضا. ذلك أن شكلها المثقف أو الانشقاقي مرهون بالشكل الشمولي للنظام. و"ستبدع" الشروط التاريخية الجديدة معارضة جديدة، أقدر على خوض صراعات المستقبل.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
- العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة


المزيد.....




- بايدن واثق من أن ترمب -لن يقبل- نتيجة الانتخابات الرئاسية
- حماس: إسرائيل غير جادة وتستغل المفاوضات غطاء لاجتياح رفح
- بايدن: القنابل التي قدمناها لإسرائيل استخدمت في قتل المدنيين ...
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- بايدن على قناعة بأن ترامب لن يعترف بهزيمة في الانتخابات
- قائد -نوراد-: الولايات المتحدة غير قادرة على صد هجوم بحجم ال ...
- أبرز مواصفات iPad Pro 13 الجديد من آبل
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- الجيش الإسرائيلي: معبر -كرم أبو سالم- تعرض للقصف من رفح مجدد ...
- -يني شفق-: 5 دول إفريقية قررت إنهاء عمليات الشحن البري مع إس ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية