أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية















المزيد.....

لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2167 - 2008 / 1 / 21 - 11:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


إلى فايــز سـارة
على سؤال كيف يمكن لدمشق أن تكون عاصمة للثقافة العربية عام 2008، بينما يعتقل مثقفون فيها، رد وزير الثقافة السوري: "أنا لا أعلم ذلك!!. أعلم أن هناك ناس يحاكمون وهذا موضوع آخر، وهل توجد دولة في العالم ليس فيها سجون أو محاكم أو محاكمات؟!!، فهل علينا أن نتوقف عن الطعام والشراب وقراءة الأدب والفن حتى تنتهي المحاكمات، لا أظن أن أحدا يطلب ذلك".
حيال سؤال غير معتاد، اشتغل تفكير الوزير بطريقة فرويدية جدا: أولا، أنا لا أعلم؛ ثانيا، ليس هناك دولة ليس فيها سجون؛ ثالثا، هل نتوقف عن .. حتى تنتهي المحاكمات؟ وهناك رابعا أيضا: "أنا على استعداد فيما إذا كان أحد القابعين في السجون لديه قصيدة جيدة أنا على استعداد أن أنشرها له". وكان من سماه الوزير نفسه في جريدة محلية "عالم النفس الصهيوني"، المدعو فرويد، قد ضرب مثلا طريفا على منطق الإنكار الذي يعمل في خدمة اللاشعور ولا يبالي بالتناقض: استعارت امرأة من جارتها وعاء وأعادته مثقوبا، وحين انكشفت فعلتها بررتها بطريقة الوزير: أولا، أنا أعدت لك الوعاء سليما، ثانيا كان مثقوبا حين استعرته منك، ثالثا إني لم أستعر منك وعاء أصلا.
ويشارك السيد صابر فلحوط، نائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب ورئيس اتحاد الصحفيين السوريين سابقا، وزير الثقافة اليقين بأنه "لا يوجد بلد على وجه هذا الكوكب لا يوجد فيه معتقلون، سواء سياسيين أو مجرمين أو جانحين". قبل أن يقترح، ثانيا، أن "هذه المواضيع [الكلام على معتقلين] تثار وفق المواسم، وعندما يردون زيادة الضغط على سورية يصدر بيان من منظمة العفو الدولية". ثم ليضيف، ثالثا، أن "من يسمون بإعلان دمشق يغردون خارج السرب الوطني بشكل كامل، وبالتالي مسألة اعتقالهم ومساءلتهم وتقديمهم إلى القضاء أمر طبيعي وبديهي وهو من حقوق الدولة".
لم يتكرم السيد فلحوط بتعريف "السرب الوطني" أو يرشد إلى أصول "التغريد" فيه، أو يذكر شيئا عن حقوق رعايا "الدولة". غير أنه استطاع أن يزيد: "لا يوجد معتقل لا يقدم إلى القضاء خلال 48 ساعة، والقاضي يقرر إبقاءه في السجن أو إطلاق سراحه". وللأسف لم يشعر محاوره بحاجة إلى التساؤل عن سبب عدم تقديم معتقلي إعلان دمشق التسعة إلى القضاء، وقد تجاوز أمد اعتقال بعضهم إلى اليوم أزيد من عشرين ثمان وأربعين ساعة؟
ليست صورة "السرب" غريبة على الثقافة السياسية المقررة في سورية، الثقافة التي تنظر إلى المجتمع ككيان عضوي متجانس، أشبه بقبيلة أو "أوبة" (عشيرة في التركية، وتستخدم الكلمة بدلالة تبخيسية في حلب) كما كتب بكر صدقي في مقالة لامعة قبل حين (الحياة، 11/1/2008)، "أوبة" طبيعية يوجهها طبعها الأصيل، فلا تفسدها ثقافة ولا يحرفها عن "ثوابتها" اصطناع وتاريخ. وهي "تغرد" سعيدة، خالية البال، بريئة من أي خصام أو منازعة في دوحتها الفيحاء. وينضبط السرب بغريزة لا تخطئ، تسوقه إلى الوقوف "صفا واحد خلف القيادة التاريخية الحكيمة" حسب تعريف معياري لـ"الوحدة الوطنية". أما "التغريد" خارج "السرب الوطني"، أو الوقوف خارج "الصف"، فهو خروج على هذه الغريزة التي قد تسمى أصالة أو هوية. ولما كان هذا أمرا شاذا، واعتداء على "حقوق الدولة"، ساغ أن يكون جزاءه النبذ والاعتقال.
وفي مملكة الطبيعة والأصالة والثوابت والغريزة هذه، هل من مكان للثقافة؟ لا يخفى أن هذه نقيض الطبائع، وأنها عالم الشذوذ والاصطناع والاختلاف والتهجين والخروج من الأسراب وعليها والتمرد و"الخيانة"، والنقيض التام للتغريد العذب الجميل. فحيث الثوابت والطبيعة والأصول والهوية.. والأسراب والتغريد تحتضر الثقافة، الأمر الذي يمكن التمثيل عليه بصورة كافية باستذكار أيام عز كل من السيدين فلحوط وعلي عقلة عرسان في ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته، حين كان الصحافة تغريدا خالصا، والثقافة ثوابت وأصالة وهوية، و"الفكر" مقالات تقول الشيء نفسه مئات المرات ضد .."التطبيع".
ما الذي يقحم الثقافة في هذه الخميلة الغناء؟ أما كان أحرى اختيار دمشق عاصمة لـ"الطبيعة" لا للثقافة العربية؟ أم لعل "الثقافة العربية" اسم آخر لـ"الطبيعة"؟ الواقع أن هذه هي بالضبط المعادلة التي يراد للثقافة في سورية أن تنتظم حولها: ثقافة هوية وثوابت لا ثقافة اختلاف وتجدد، ثقافة أصالة وآباء لا ثقافة أبناء وتهجين، وبالطبع ثقافة "القصائد الجيدة" لا النثر السيئ.. تعريفا.
ومن أجل ثقافة كهذه يتعين أن تكون أسماء المحال التجارية والفنادق والمطاعم بالعربية الفصحى وحدها، وأن ينفذ ذلك بأسلوب أوامري ودونما نقاش. وهذه هي المرة الثالثة إن لم تخني الذاكرة التي يصدر فيها قرار بيروقراطي بهذا المعنى منذ سبعينات القرن العشرين، وتجري متابعته أسابيع أو شهورا، قبل أن ينساه من أصدروه، ويعود الناس إلى إطلاق أسماء أجنبية على منتجاتهم ومحلاتهم تستجيب لنازع التنفج (سنوبيزم) عند المستهلكين.
هنا أيضا ثمة أولوية الطبيعة والهوية والأصل والثوابت والسرب على التهجين والاختلاط وتعدد الأصوات والألسنة.
والحال، ليس هناك أي خطأ في أن تحتل اللغة القومية موقع السيادة الرمزية في أي بلد. لكن هذا لا يتأتى بوسائل بيروقراطية سبق تجريبها غير مرة، ولم تثمر. ولا مجال لمناقشة جدية في هذا المقام لسبل ترقية السيادة الرمزية للغة العربية، لكن لا ريب أنه ليس من بينها توسل التعريب أداتيا وموسميا لأغراض الدعاية السياسية ودغدغة المشاعر السربية أو "الأوبوية". فلا شيء يسيء للعربية، وهي أساس إجماع محتمل في البلد، من تسييسها، أي زجها في حلبة الاختلاف والتنازع والمزايدة السياسية. هذا باب بهدلتها، لا باب تشريفها.
والواقع أن المشهد الرمزي كما تعكسه أسماء المحلات والمطاعم والإعلانات التجارية... فوضوي وقبيح في سورية فعلا، لكنه ليس أشد قبحا من المشهد القانوني (وليسمح لنا السيد فلحوط بنسيان ساعاته الثمانية وأربعين) أو الاقتصادي أو السياسي، أو الديني. وأن تتولى شركة إيطالية إدارة الطقس الاحتفالي التدشيني لعاصمة الثقافة العربية لأمر يشير إلى أن نوبة التعريب الراهنة (نتوقع أن تكون أقصر عمرا من سابقاتها) عنصر من عناصر الفوضى وليس بندا في خطة ضدها.
ما الذي يوحد بين اعتقال مثقفين وإرادة طمس أسماء أجنبية لمتاجر ومطاعم (بقدر ما أتبين، فإن العملية جزئية جدا، ولعلها أصابت فقط بعض صغار أصحاب المتاجر.. حتى الآن على الأقل)؟ العودة إلى "الطبيعة"، إلى السرب والأصل والثوابت والهوية. لا يطعن في ذلك أن "الطبيعة" تلك، مصنوعة لأغراض سياسية تناسب نمط ممارسة السلطة الجاري في البلد. فهويتنا وثقافتنا الأصيلة (التي لا تتوافق مع الديمقراطية مثلا) وثوابتنا الوطنية والقومية هي الطبائع البسيطة المناسبة لتحجيب سيطرة سياسية يشغل الإكراه موقعا بارزا فيها، كما يشهد اعتقال أكرم البني وعلي العبدالله وفايز سارة وزملائهم من قبل.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -وضعية علمانية-: أفكار في شأن العلمانية والإسلامية والدولة
- وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي
- في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية