أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي















المزيد.....

-المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2202 - 2008 / 2 / 25 - 10:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أراد جورج قرم في كتابه "المسألة الدينية في القرن الحادي والعشرين" (دار الفارابي، بيروت، 2007) أن يتقصى "نسابة" العنف التوتاليتاري الحديث عودا إلى الحروب الدينية التي واكبت الإصلاح الديني في أوربا ومازجته.. رافضا ردها إلى الثورة الفرنسية ما تلاها من إرهاب، على نحو ما يفضل مزاج محافظ ويميني ساد الثقافة الفرنسية والأميركية في ثمانينات القرن العشرين وما بعدها. وينتقد قرم السرديات التي تحتفي بـ"عودة الديني"، وتجعل منها نتاجا طبيعيا لـ"انهيار الإيديولوجيات العلمانية، المكرس باختفاء الماركسية". ويرى، على الضد من ذلك، أن "عودة الديني" "ظاهرة سياسية كبرى ليس لها من الديني سوى الاسم"، لكونها "غير مرتبطة بأي تطور كبير على صعيد تطوير العقيدة الدينية من الناحية اللاهوتية والسياسية أو التعبيرات الإيمانية". ويميل، بالمقابل، إلى الربط بين تسييس الديني أو توظيفه سياسيا وبين أزمة السلطة في المجتمعات التوحيدية، الأمر يسهم في حجب أزمة الديني ذاته في رأيه. وتعود أزمة السلطة ذاتها إلى "انهيار التراث" حسب العبارة التي اختارها المترجم خليل احمد خليل (ألف الكتاب بالفرنسية في الأصل)، وربما كان أنسب اختيار كلمة تقليد نظرا إلى أن الدلالة الشائعة لكلمة تراث العربية تحيل إلى الموروث المكتوب، فيما تتسع دلالة تقليد للأعراف والنظم والاستعدادات الموروثة. ويبدو أوفى لمقاصد المؤلف رد أزمة السلطة إلى انهيار العالم التقليدي، بما في ذلك "تغيرات فوضوية ومنحرفة في طريقة التعبير عن الإيمان الديني ذاته". ويفضل المؤلف الكلام على الاستعانة بالدين في عالم العولمة بدلا من الكلام على عودة الدين. وعلى ربط الاستعانة تلك بالحداثة "بوصفها أزمة في الثقافة والسلطة"، وخيبة للعالم.
على أن كتاب قرم يساعد أيضا، وربما أولا، في وضع العنفية الإسلامية العاصرة المعاصرة في سياق نسبي ومقارن ينزع عنها شذوذها واستثنائيتها، ويسهم من ثم في عقلنتها وتنظيم التفكير في شأنها في الوعي العام.. ففي فصل طويل بعنوان "الأنماط الأولية لأشكال العنف الحديثة: الحروب الدينية في أوربا" يتاح لقارئ العربية الاطلاع على سياق من "العنف الفائق" المنسي، مشابه من وجوه عديدة للحال السياسية الدينية الراهنة في العالم العربي إلى درجة ربما تغري بالاعتقاد بأننا من الوجهة هذه نعيش اليوم في القرن السابع عشر الأوربي. إن الحرب الدينية "حرب بلا رحمة، فهي تثير الإنسان على الإنسان، وغايتها ليست الهيمنة على الخصم،؟ بل تدميره وتحويله إلى رماد- كما يفعل مفتشو المحاكم" (محاكم التفتيش). ويرجع المؤلف "أشكال العنف الثورية الحديثة، أكانت فرنسية، روسية أم صينية، وكذلك أساليب مراقبة الفكر بالنميمة والجاسوسية" إلى الحروب الدينية.
كما نطلع على معادل مسيحي لعقيدة "الولاء والبراء" التي تستحضرها التيارات الإسلامية الأشد انغلاقا وميلا إلى التطرف والعنف. لقد أعلن البابا إنوسنت الثالث "أننا، بحسب الشرائع، لا يتعين علينا أن نحفظ الوفاء تجاه من لا يحفظها أمام الله". وجعل من أصدقاء الهراطقة كفارا، ودعا إلى الوشاية بهم والتوبة عن كتمان أسرارهم. وكان التنكيل بالهراطقة يعتبر "فعل محبة" على نحو ما يعتبر قتل المرتد عند إسلاميين تخليصا لروحه من إثم الارتداد. بل نجد معادلا لدى كالفن لـ"حاكمية الله" التي نصادفها إسلاميا عند كل من أبو الأعلى المودودي وسيد قطب.
والكتاب بذلك، ودون قصد على الأرجح، ينهض ضد مقاربة "عقلانية" رائجة في أوساطنا، تكاد تستفرغ كل جهدها في المزيد من "تشذيذ" العنفية الإسلامية المعاصرة وإخراجها من كل قياس، عقلانية تتميز بقوة مشاعرها وحدة حالاتها النفسية، لا بانضباطها النفسي ولا بتفكيرها التاريخي والمقارن. لا ريب أن "عقلانيتنا" هذه تنحو هذا المنحى بغرض عزل العنفية الإسلامية والتعبئة ضدها، لكن حصيلتها الفعلية لا تتعدى تغذية شعور قار بالبؤس والشذوذ، يفاقم من أزمة الضمير الإسلامي والعربي (تيمنا بعنوان كتاب بول هازار: أزمة الضمير الأوربي، الذي يحيل إليه قرم في كتابه) بدل أن يساعد على وعيها ومعالجتها. وليس المقام مقام تساؤل عن علاقة المثقفين بالتعبئة، ولا عن صلة هذا الشاغل التعبوي في أوساطنا بنزعات ومطامح زعامية محبطة.
يدعو قرم إلى ميثاق جمهوري أو علماني عالمي، يشكل استئنافا عصريا للنداء الجمهوري للثورة الفرنسية. لكن مهما يكن نقده للاتهامات المحافظة للتنوير والثورة الفرنسية في محله .. فإن من البين أن نداء الأخوة والحرية والمساواة على نحو ما كانت صاغته الثورة قد وصل إلى طريق مسدود في عالم اليوم. وتعويل المؤلف على أوربا للوقوف في وجه العولمة الأميركية يبدو لنا ضعيف الأساس. فالغرب الحديث ككل متمسك بما حقق ويظهر استعداد لحماية أنماط حياة غير قابلة للتعميم عالميا، ولو بالعنف الذي استطاع أن يوصل وسائله إلى درجة غير مسبوقة من التطور والإتقان. قرم نفسه يظهر أن تعريف الغرب بتراث يهودي مسيحي يقترن مع مزاج محافظ جديد يمنح قيمة مركزية، سالبة طبعا، لعنف الثورة الفرنسية وتجربة الغولاغ السوفييتية (يمثل عليه بتاريخ فرانسوا فورييه للثورة الفرنسية، وهو مترجم إلى العربية)، ومع نظريات من نوع "صراع الحضارات"، ومع إبراز استثنائية الغرب، الاستثنائية التي تشكل نقطة إجماع، يتصالح عليها المحافظون والتقدميون الغربيون،. ومن باب أولى المصالحة بين الأميركيين والأوربيين. ولعل النزعة المحافظة المرحبة بعودة الديني هي نتاج إدراك عميق لكون الغرب محلة في العالم، تتميز عن غيرها بأصلها، بعد أن اتسع هذا وتكشف مكونا من مليارات من محدثي الكلمة المطالبين بالمساواة.
لكن ما هو أهم من نزعة محافظة غربية نراها مرشحة للتفاقم هو أن ميثاقا جمهوريا أو علمانيا عالميا هو أمانة العالم كله، وليس رهانا يلقى على عاتق قارة أو أمة أو طبقة أو دين أو ثقافة. ففي النهاية ما من فرق جوهري بين رهن مستقبل العالم بأوربا أو الغرب، وبين التعويل على الإسلام على غرار ما يقرر سيد قطب، أو على الطبقة العاملة حسب السنة الماركسية، أو على الأمة الفلانية على نحو ما يدعو القوميون من جميع الأمم.. فلا ينقذ الكوسموبوليتية التي يتحمس لها مؤلفنا طرف بعينه في عالم متعدد الأطراف.. ما يمكن أن يسهم في إنقاذها، وفي تجديد النداء الجمهوري هو الروح النقدية والضمير المستقل اللذين يتعين تنشيطهما في كل الثقافات والأمم والقارات، وفي كنف الأديان جميعا. هذا ربما واجب المثقفين المدعوين إلى التحرر من أزمة الضمير التي خلفها سابق انحيازهم إلى مشاريع آلت إلى الطغيان.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة
- هل يمكن لتركيا أن تكون مثالا إيجابيا للسوريين؟
- من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟
- أزمة حركات المعارضةالعلمانية العربية ... فكرية
- في نقد الثقافة السياسية السورية
- نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية
- إيديولوجيات السوريين وصعود الجيوسياسي
- الطائفية كحصيلة للفقر السياسي وحدٍّ له
- في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه
- لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية
- -وضعية علمانية-: أفكار في شأن العلمانية والإسلامية والدولة
- وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي
- في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟


المزيد.....




- ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على الأقمار الصناعية مجانًا ...
- ترامب ينشر صورة -مثيرة للجدل- بزي بابا الفاتيكان
- ترامب ينشر صورة له بلباس بابا الفاتيكان بعد -مزحة- أنه يرغب ...
- أحدث تردد قناة طيور الجنة للقمر الصناعي نايل سات 2025 “نزلها ...
- استعدادا لانتخاب بابا جديد... الفاتيكان يثبت المدخنة فوق سقف ...
- جهود سياسية - دينية لمنع تمدد -الفتنة الطائفية- من سوريا إلى ...
- ألمانيا.. زعيم يهودي يدعو لاتخاذ موقف حازم من حزب البديل من ...
- استعدادا لانتخاب بابا جديد.. شاهد لحظة تركيب المدخنة على سطح ...
- الغويري في بلا قيود: حظر جماعة الإخوان ليس موجهاً للعمل السا ...
- دور ليبي ومسجد -مغربي-.. كيف أسلم بونغو وانتشر الإسلام بالغا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي