أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية















المزيد.....

نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2182 - 2008 / 2 / 5 - 10:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تهمين في الثقافة العربية العالمة مقاربتان متعارضتان للعلاقات العربية الغربية. مقاربة حضارية ترى أن الغرب متحضر ومتقدم والعرب متأخرون، وأن أولى ما يتعين عليهم القيام به هو الاجتهاد الثقافي والسياسي والاقتصادي لردم الهوة الحضارية، الأمر الذي يقتضي تحييد عوامل الصراع أو تبريدها. المقاربة الثانية، بالعكس، صراعية، ترى أن الغرب معتد ومسيطر، وأن تقدم العرب مرهون بمواجهة ناجحة للعدوانية الغربية، ما يدفع إلى الوراء إشكالية التقدم والتخلف أو النهوض الحضاري.
وينحاز القوميون عموما إلى المقاربة الثانية، فيما يميل الليبراليون إلى الأولى. وكانت ميزة الماركسية الشيوعية في وقت سابق أنها اقترحت مفهوما للتقدم يوحد بين المقاربتين ويحلهما معا. فقد جعلت من مواجهة الامبريالية كمرحلة عليا من الرأسمالية وكتوسع استعماري تقدما تاريخيا وأخلاقيا في آن معا، أي المزيد من الحضارة ومن العدالة. ولحين من الدهر كان بدا أن الاتحاد السوفييتي يوفر التجربة الحاسمة التي تصادق على وحدة التقدم كمقاومة للسيطرة والاستغلال والتقدم كحضارة اشتراكية مغايرة، وهو وحدة مؤسسة على وحدة الامبريالية كاستعمار وكرأسمالية (كما قد تتلاشى المسألة الحضارية تماما، كما في المماهاة التي كان قررها المرحوم مهدي عامل بين النضال الوطني والنضال الطبقي، أو في كتابه "أزمة الحضارة أم أزمة البرجوازية العربية؟"). غير أن تفكك الاتحاد السوفييتي ومعسكره، وتكشف التشوه العميق للنموذج التنموي الخاص به، والتخلف متعدد الجوانب لبناه الإنتاجية والعلمية، والامتيازات غير العقلانية للنومنكلاتورا الحاكمة مقابل حرمان واسع الناطق للجمهور العام، يضاف إلى مصادرة الحريات المدنية والسياسية.. كل ذلك أفقد المهتمين العرب حلا ممكنا. فلم يعد في وسعنا اليوم أن نقول بعد عبد الله العروي إن ميزة الماركسية أنها تتيح لنا نقد الغرب دون الارتهان للماضي، ونقد ماضينا دون الوقوع في التبعية للغرب. فرغم أن تفكير العروي التاريخاني كان أقرب إلى ماركسية ماركس، إلا أن الماركسية الشيوعية في مطالع سبعينات القرن الماضي، وقت ألف المفكر والمؤرخ المغربي كتابه "أزمة المثقفين العرب"، هي التي تؤسس لموضوعته. بالمقابل، يبدو اليوم أن المركب الشيوعي، "الماركسية اللينينية"، ينفك إلى ماركسية، تتماهى مع غرب الأنوار والليبرالية، وتتآلف مع الرأسمالية والاستعمار؛ وإلى شيوعية أو لينينية، تعي ذاتها بلغة "مناهضة الامبريالية". والشيوعيون العرب اليوم هما استمرار لواحد من الاتجاهين الذي يبدو التركيب بينهما متعذرا. واللافت أن التنويعة الثانية، اللينينية، هي التي ترفع راية الشيوعية وليس الأولى، الماركسية. ولذلك صلة فيما نرجح بملاءمة الطابع الأبوي للشيوعية السوفييتية (صراع، معاداة الأجنبي، نزعة قومية، تعبئة..) لاستعداداتنا الثقافية وللطور التاريخي الذي نحن فيه اليوم (الطور القومي) أكثر من الماركسية التي احتفظت بعناصر نقدية وعقلانية وليبرالية قوية.
ومن موقعنا اليوم لا نرى أن التركيب ممكن أصلا. ينبغي أن نكون متقدمين سلفا كي نستطيع الجمع بين مزيد من التقدم ومقاومة السيطرة الغربية. لكن لو كنا متقدمين لما طرحت المشكلة، وربما لتشكل موقفنا من السيطرة تلك على نحو مختلف. التركيب اللفظي ممكن طبعا وسهل، لكن أصح أن نسميه توفيقية، وهذه لا تكف عن التفكك أمام الصعوبات الواقعية. وتجربتنا التاريخية خلال أزيد من ستين عاما تظهر أن التصارع مع الغرب اقترن بضعف التقدم الحضاري، إن لم يكن بالنكوص عن قليل قد يكون تحقق أحيانا على مستوى الثقافة.
ماذا عن الخيار المعاكس؟ منح الأولوية للمجهود التحضري، ولو أدى إلى تحييد الصراع أو تجميده؟ لا نرى بديلا عن ذلك. فمن جهة، الصراع مع الغرب وهو في أوج قوته يعني أننا نلعب لعبته، أي ننافسه في مجال تفوقه ونستدرج نفسنا إلى الخسارة. وهذا غير عقلاني. ومن جهة أخرى، لم تدر المقاربة الصراعية ثمارا، على مستوى أهدافها الذاتية، وليس فقط على مستوى الترقي الحضاري. ومن جهة أخيرة، نرجح أن من شأن أي تقدم حضاري يتحقق لنا أن يؤهلنا بصورة أفضل لإدارة العلاقة الصراعية مع الغرب.
لكن من يملك القرار الشرعي في التحول نحو المقاربة الحضارية؟ لا يبدو أن أحدا في مجتمعاتنا مهيأ لذلك. بل يبدو متعذرا أن تتوحد مجتمعاتنا حول قرار كهذا فيما لو بادرت إليه السلطات. وليس ثمة ما يشير إلى أن جنوح مصر للسلم مع إسرائيل وانحياز حكوماتها طوال جيل كامل إلى الغرب وطليعته الأميركية جعلها في وضع أفضل للتقدم الحضاري. لكن ليس أكيدا أصلا أنه صدر عن مقاربة حضارية متسقة. على أن نخب السلطة المصرية ذاتها تتبنى المقاربة الصراعية على المستويين الثقافي والإعلامي، بما يتيح للنظام أن يضعف خصومه السياسيين، لكن باللعب على ملعبهم.
ودلالة ذلك أن المقاربة الصراعية هي التي تدر الشرعية، وليس نقيضتها. وقد تتمثل المشكلة، تاليا، في البنى الثقافية والدينية التي تسند المقاربة الصراعية، والتي يؤثر مثقفون، وليس الحكام فقط، بذل الولاء لها كي يفوزوا بالشرعية. توفر هذه البنى ذاكرة وتمثلات ونظرة إلى العالم أكثر ملاءمة للتصور الصراعي منها للتصور الحضاري (ولعل هذا من خصائص الطور القومي). وهي تقترن بالهوية والوطنية وميراث الآباء، إلى حد أن نقدها وتحديها يُخْرِج من الشرعية وقد يبدو فعل خيانة.
لكن بالمقابل لا يبدو أن تغذية الامثتالية الثقافية تحل أية مشكلة. إنها تنشر مناخا ذهنيا ونفسيا خانقا، وتسوغ سياسات أبوية واستبدادية في الداخل، وتغذي مواقف انعزالية عن العالم.
لذلك لا نرى بديلا من استئناف الجهود الفكرية والثقافية لنقد وإعادة تشكيل ثقافتنا باتجاه أكثر نقدية وليبرالية، وأقل أبوية وقومية. أي التحول إلى شرعية جديدة، شرعية الأبناء في مواجهة شرعية الآباء، وشرعية الفرد وحقوقه ضد شرعية الهوية و"الأمة"، وشرعية المواطن مقابل شرعية "الوطن". وبقدر ما نتقدم في هذا الاتجاه فسيبدو الغرب والموقف من الغرب شيئا ثانويا. وسوف نكون على الأرجح في وضع أنسب لمواجهة السيطرة الغربية أو مفاوضتها.
فيما وراء الموقف من الغرب، المسألة، إذن، تتعلق ببنيتنا الثقافية وبالصراع بين شرعيتين داخلها. ولا ريب أن تفوق الشرعية الصراعية، أي القومية، يستفيد إلى حد كبير من التوتر المستمر في العلاقات العربية الغربية، لكن كذلك من واقع أن الشرعية هذه أنسب لهيمنة سلطات بطريركية مستبدة، تفرض مفهوما قَبَليا للوطنية على مجتمعاتها. ومن البين على سبيل المثال أن الشرعية الأبوية احتلت مواقع جديدة في السنوات الأخيرة التالية لاحتلال العراق، فيما تراجعت الشرعية البنوية والنقدية، وبدا أن القومي والإسلامي والشيوعي ينتعشون على حساب الديمقراطي والليبرالي. واضح أيضا أن المستفيد الأول من ذلك هو النظم الاستبدادية الحاكمة، والإيديولوجيين السائرين في ركابها.
ولا نرى أن الطور القومي الجديد سيكون أكثر نجاحا من سابقه. بل لعله هو ذاته من أعراض الخروج المتعسر من تنظيمات القومية وحساسياتها بعد أن أخفقت في حل أي من المشكلات التي تصدت لها. وهو ما سيعني ترحيل هذه المشكلات إلى طور جديد، لتعالج بوسائل تصورية وسياسية جديدة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيديولوجيات السوريين وصعود الجيوسياسي
- الطائفية كحصيلة للفقر السياسي وحدٍّ له
- في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه
- لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية
- -وضعية علمانية-: أفكار في شأن العلمانية والإسلامية والدولة
- وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي
- في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية