أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي














المزيد.....

في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2248 - 2008 / 4 / 11 - 10:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من شأن الفشل المتمادي في تحقيق تقدم حقيقي على طريق السلام بين أطراف عربية وإسرائيل بعد 17 عاما من تفاوض متقطع أن يشير إلى عوائق أشد بنيوية مما يفضل أن يرى فاعلون ومراقبون سياسيون غربيون، منخرطون في تفتيت القضايا، ومنشغلون بالإجراءات على حساب الجوهر السياسي للقضايا المعنية على نحو ما ظهر مرة أخرى في مؤتمر أنابوليس قبل شهور قليلة؛ ومما يستطيع أن يرى فاعلون ومراقبون عرب ضعفاء ومنفعلون ومشوشون، يولون استمرار حكمهم أهمية لا يداينها شيء آخر. والعوائق هذه حصيلة دعم متطرف من قبل قوى غربية لا تقبل المساواة مع غيرها، ووعي ذاتي إسرائيلي يرفض بدوره لمساواة أو الندية مع الفلسطينيين والعرب أيضا.
لكن، إن كان ثمة عوائق بنيوية، فلماذا إذن تحقق السلام بين كل من مصر والأردن؟ أليس هذا سلاما "حقيقيا"؟ إنه سلام من نوع ما، لكنه حائز على خاصية استثنائية تطعن في "حقيقيته" إلى حد بعيد: إنه محروس بقوة إسرائيل ودعم الغرب، والأهم بكفالة أميركية لنظامي الحكم في البلدين. أي أن النظامين يحرسان السلام المفترض بدلا من أن يحرسهما السلام، وأن استقرارهما من مقتضيات السلام المزعوم هذا بدل أن يكون هو ركنا من أركان استقرارهما. هذا لأنه سلام دون عمق ثقافي، دون ثقة بين الأطراف، دون إخلاص ومودة بين العرب والإسرائيليين؛ باختصار هذا سلام لا سلام فيه. لا مودة ولا إخلاص ممكنين بين السادة والعبيد. والعلاقة الشرق أوسطية، إن صح التعبير، التي تجمع عربا وإسرائيليين وغربيين، فيها شيء طبقي وعنصري وطائفي معا. هل من منافس لمفهوم الاستعمار من أجل وصف هذه العلاقة؟ وهل يمكن تصور سلام بين من يتجاوز دخلهم 25 اللف دولار سنويا ومن يتدني دخلهم عن 5 آلاف؟ وهل من سلام ممكن بين من يعتبر دمه عزيزا ودم غيره مبتذلا لا ضير في سفكه كل حين؟ هل كان الفارق بين الدم الأزرق النبيل والدم الأحمر العامي أكبر من الفارق بين دماء اليهود الإسرائيليين ودماء العرب الفلسطينيين؟ وهل من يعتبر دينه وثقافته و"حضارته" متفوقين على غيره، يرضى بسلام لا يثبت تفوقه هذا؟
نريد القول إن العائق دون السلام في الشرق الأوسط طبقي طائفي أو "حضاري". لا بمعنى أن المتحضرين يعاملوننا، نحن غير المتحضرين، بتعال غير مقبول، ما يبعث بيننا مزاجا انتقاميا وعاجزا في الوقت نفسه (من مخارجه الممكنة الإرهاب)، بل كذلك بمعنى أنه لا مناص من بعدى اجتماعي حضاري في أي حل النزاع، يعالج الأبعاد الطبقية والطائفية والعنصرية للنظام الشرق أوسطي، وينزع نحو المساواة في الحق وفي السياسة وفي الاحترام. وإذا أخذنا بالاعتبار أن الأديان الإبراهيمية الثلاثة متورطة في العلاقة الشرق أوسطية فإن الحل الحضاري ربما يقتضي اختراقا في المجال الديني والعلاقات بين الأديان أيضا.
ويبدو أن كل الناس عندنا يدركون تلك الأبعاد الاجتماعية الحضارية. يبقون لذلك شديدي الحساسية حيال كل ما يفعل الطرف الإسرائيلي وحليفه الأوثق، الأميركي. وهذا ما يجعل ثقافتنا السياسية حربية وقلما تخطئ مهما أغربت. لماذا؟ لأن لها حليفا غير منتظر: ديكتاتورية النظام الشرق أوسطي السياسية والطبقية والحضارية؛ أو قل إن المشكلة في الشرق الأوسط ليست مشكلة استبداد فحسب كما في دولنا، بل هي استبداد ثقافي أو حضاري، يرفض فيها المستبد الإسرائيلي وظهيره الغربي المساواة مع من يستبد بهم.
وهنا أيضا بلا ريب أصل عسر حضاري باهظ نعاني منه. فنحن لا نستطيع أن نتماهى مع الغرب المتفوق والمتمدن لأسباب تتصل بالذاكرة والثقافة والدين، وتنشطها الصراعات "الحضارية" الحديثة. علما أن التماهي وسيلة تحضر لا منافس لها. والتماهي الإسلامي لا يحل أيا من مشكلاتنا الحضارية والسياسية، وتقف دونه عوائق بنيوية كبيرة تجعل من حصيلته بالكاد طائفة لا تختلف عن غيرها إلا بأنها لا تعي أنها طائفة؛ تتوهم نفسها أمة، بل "الأمة". ولعل هذا الشرط ذاته يفسر ضعف التراكم الثقافي لدينا طوال قرنين من الزمن، وضعف فاعلية المثقفين.
وهكذا تنغلق علينا دائرة مكونة من ثلاث حلقات. استبداد حضاري غربي، واستبداد سياسي محلي، وعسر حضاري حقيقي. هذا استعصاء، حركة في المكان بلا تقدم.
استبداد حضاري غربي: دونما رتوش، تتكثف العلاقة بين العرب والغرب في أنهم يحتقروننا ونحن نكرههم. تبادل الاحتقار والكراهية واسم لكل علاقة غلبة تدوم أمدا كافيا كي تتشرب قيما ثقافية. وليست علاقتنا بإسرائيل غير تجسيد أقصى لتبادل للاحتقار من قبل القوي الغالب والكراهية من الضعيف المغلوب. أي سلام ممكن على هذه الأرضية؟ لا المصريون والأردنيون يحبون الإسرائيليين اليوم، ولا هؤلاء يحترمون أهل مصر والأردن.
استبداد سياسي محلي: ليس منفصلا بدوره عن العلاقة الشرق أوسطية. فإما أن الاستبداد ضروري لحماية "السلام"، أو أن "حالة الحرب" المفترضة توفر للاستبداد ما يحتاج من مسوغات. الاستبداد باق في الحالين، وهو نسخ على مستوى دولنا لبنية النظام الشرق أوسطي. فكما السيادة العليا لأميركا والسيطرة للمحور الأميركي الإسرائيلي وتتوزع مراتب الخضوع على الدول والمجتمعات الشرق أوسطية، كذلك السيادة المحلية للمستولين على الحكم، والسيطرة لأجهزتهم الأمنية والحزبية، ومراتب الخضوع موزعة حسب القرب والبعد من المتولين المستولين. هذا وحده، وبصرف النظر عما تقوله الخطابات المعلنة، يحكم بالتهافت على أي اعتراض عربي على العلاقة الشرق أوسطية من داخلها، أي دون مساس بالاستبداد المحلي.
أما العسر الحضاري العربي فهو محصلة للأمرين معا. وسيكون شاقا جدا تحقيق تقدم حضاري مستدام عندنا، في المشرق، دون حل مشكلتي إسرائيل والاستبداد. لكن قد يكون الأساسي هو مواجهة إعاقاتنا الذاتية على المستوى الثقافي والديني بخاصة. ومن شأن هذه أن يغير ما بنا إذ يغير ما بأنفسنا. فيؤسس لتراكم حضاري جديد ولسيادة جديدة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل ماذا سلام سوري إسرائيلي؟
- في -المسألة الكردية- وتمثيل الذات الوطنية السورية
- الممانعة وامتناع السياسة
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)
- من -الديمقراطية البرجوازية- إلى -الليبرالية الجديدة- و.. -ال ...
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (1 من 2)
- اللاعقل يحكم الشرق الأوسط
- شركاء في العالم، نشبهه ونتشبه به..
- في أصول نظام الاستثناء السوري: محاولة ماركسية
- الفساد الصغير ثقافة والفساد الكبير سياسة!
- من إسرائيل إلى أخرى: في أصل حاجتنا إلى شيطان رجيم
- سورية بين 1978 و2008: عود على بدء!
- جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف
- -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي
- من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة
- هل يمكن لتركيا أن تكون مثالا إيجابيا للسوريين؟
- من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟
- أزمة حركات المعارضةالعلمانية العربية ... فكرية
- في نقد الثقافة السياسية السورية
- نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية


المزيد.....




- كريم محمود عبدالعزيز كما لم ترونه من قبل في -مملكة الحرير-
- متظاهرو البندقية يزعمون انتصارهم في تغيير مكان حفل زفاف جيف ...
- ترامب يرد على طرح أن إيران نقلت اليورانيوم المخصب قبل ضربة أ ...
- ترامب يُشبه ضربات إيران باستخدام النووي في هيروشيما وناغازاك ...
- دبلوماسي ومفاوض إيراني سابق يحذّر عبر CNN: إذا سعت واشنطن إل ...
- ترامب يُشبّه ضربة إيران بـ -هيروشيما- ويؤكد: أخبار جيدة عن غ ...
- الرئيس الإيراني يعلن -نهاية حرب الـ 12 يوما المفروضة على بلا ...
- بقرار إداري.. هبوط أولمبيك ليون بطل فرنسا سبع مرات إلى دوري ...
- افتتاح فندق إسرائيلي فاخر في حي فلسطيني مسلوب غربي القدس
- 10 أشخاص كانوا خلف تطور الذكاء الاصطناعي بشكله اليوم


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي