أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - شتاينماير ضد كانط














المزيد.....

شتاينماير ضد كانط


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2290 - 2008 / 5 / 23 - 10:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل أيام، كتب السيد فرانك وولتر شتاينماير، وزير الخارجية ألمانيا، مقالا في صحيفة يديعوت الإسرائيلية نشر في موقعها العربي (يديعوت 6/5/2008) بعنوان "صداقتكم هدية لنا" يهنئ فيها بـ"يوم الاستقلال" الإسرائيلي، ويقول: "أحد الدروس التي ينبغي أن نتعلمها من الماضي الفظيع هو أن أحدا في العالم ليس مخولا بان يشكك بحق وجود دولة إسرائيل. إذا ما تجرأ أحد ما على عمل ذلك، فنحن سنقف بتصميم ضده". ولا تترك مقالة السيد شتاينماير لبسا في أن "الماضي الفظيع" هو ما فعله النازيون من أسلافه باليهود. لكن من يحتمل أن يكون "أحدا في العالم" قد "يشكك بحق وجود دولة إسرائيل"؟ البرازيليون مثلا؟ الصينيون؟ الأوغنديون الذين كانت بلادهم بديلا محتملا عن فلسطين؟ أم لعلهم الألمان أنفسهم؟ أو ربما الأميركيون، البريطانيون، الفرنسيون، الروس؟ والحال لم نسمع يوما أن أيا من هذه الأمم شككت "بحق وجود دولة إسرائيل". هناك مشككون في الواقع، لكن يصادف أنهم هم من دفعوا ثمن حق الوجود ذاك. يصادف أيضا أن من يعد بأن بلاده "ستقف بتصميم" ضد من يشكك بذاك "الحق" هو وزير خارجية البلد ذي "الماضي الفظيع". يا لها من مصادفات!
فلنحاول أن نفهم: وزير خارجية بلد نظم أسلافه القريبون صناعة قتل أجهزت على 6 ملايين يهودي يتوعد من دفعوا ثمن جريمة بلاده (فشردوا من ديارهم وهدمت قراهم وبلداتهم، وشكك بوجودهم ذاته وليس بحقهم في الوجود فقط) بأنه "سيقف ضدهم بتصميم" إن شككوا بشرعية هذا الترتيب! هل هذا عجيب؟ أعجب منه النبرة الأخلاقية التي ينتحلها السيد شتاينماير. يكاد لسان حاله يقول أنتم أيها الفلسطينيون مطالبون بدفع ثمن جريمتنا فأن لم تفعلوا فأنتم غير أخلاقيين. هل هذا أخلاقي؟ أليس بالأحرى أقرب إلى ما فعله النازيون؟ وهل تكفر ألمانيا عن ذنبها الفظيع حين تحتفي بذكرى استقلال إسرائيل وتنسى النكبة؟
ترى، لو كانت إسرائيل في بافاريا، أكان السيد الوزير "سيقف بالتصميم" نفسه ضد "المشككين"..؟ والحال، فقط لو كانت إسرائيل مقامة على أرض ألمانية لكان ذلك تكفيرا حقيقيا عن الجريمة النازية. ولو أقيمت في أرض أوربية، على نحو ما كان اقترح أرنولد توينبي، لكانت أخلاقية الوزير الألماني (اليهودية المسيحية ربما) أقل رياء. أما أن تكون مقامة على أرض الفلسطينين العرب وأن يكون الفلسطينيون والعرب هم المتشككون في "حق وجود إسرائيل" على حسابهم، فإن أخلاقية الوزير تتكشف مرائية على أقصى حد. وأخلاقية كهذه لا يبدو أنها تدين النازية لأنها قتلت أبرياء، بل فقط لأن قتلاها من اليهود. فهي لا تحمل أية ضمانة بأن تقف ضد قتل آخرين، الفلسطينيين مثلا. وهي، تاليا، ليست على قطيعة أخلاقية جذرية مع النازية.
وإذ نقول ذلك لسنا نستسلم لشعور بالسخط لا بد أن يتملكنا حيال هذه الخسة الخارقة. قبل شهر واحد فقط أمكن لشمعون بيريز، رئيس إسرائيل وأبو القنبلة النووية الإسرائيلية وواحد من أقدم سياسييها وأكثرهم خبرة، أمكن له أن يقول: "لقد سعينا حقاً للانتقام مما فعلته النازية باليهود وكان ثأرنا وانتقامنا اليهودي من نوع آخر وقد نفذناه بإنشاء دولة إسرائيل". مدهش فعلا! لنفترض أن قارئا من المريخ قرأ هذا التصريح، ماذا سيستخلص منه؟ الأرجح انه سيعتقد أن النازية ارتكبت جريمة بشعة بحق اليهود (وهذا صحيح)، وأن اليهود انتقموا منها بإنشاء دولة مستقلة لهم (وهذا صحيح بدوره)، لكنه سيفترض أن دولة إسرائيل اليهودية قامت في ألمانيا نفسها، أو في أوربا التي تواطأ معظم بلدانها مع النازية. لكن أخانا المريخي مخطئ هذه المرة. فقد تحقق الانتقام اليهودي من النازية على حساب شعب لا علاقة له بالنازية، ولا تكاد تكون له علاقة باليهودية طوال أكثر من ألفي عام. وبالنتيجة ستتكون لدى ضيفنا المريخي فكرة غير مشرفة عن أخلاق الأرضيين وعقلهم. ولن يكون في وسعنا، مخلوقات الأرض، أن نصحح انطباعه بالإحالة على وزير خارجية واحدة من أكثر دول العالم تقدما اقتصاديا وتقنيا، وغنى ثقافيا وفلسفيا، أخينا شتاينماير.
ترى لو استفتينا إيمانويل كانط، الفيلسوف الألماني العظيم ومؤلف "نقد العقل العملي"، ما يحتمل أن تكون فتواه؟ هل سيقف الى جانب الألمان أم إلى جانب الإسرائيليين؟ قطعا سيكون إلى جانب الفلسطينيين. ذلك أن "فيلسوف كونيغسبرغ" هو من وضع "الأمر المطلق" التالي أساسا لأية أخلاقية متسقة (والاتساق هو أخلاق أية أخلاقية): "تصرف وفقا لقاعدة تريد لها أن تكون قانونا عاما للإنسانية". أي أن ما لا يمكن أن يكون قانونا عاما يطبق على الجميع لا يمكن أن يكون أخلاقيا. أو أن ما من حق يكون شرعيا إن لم يكن قابلا للتعميم. والحال، أن يدفع طرف ثالث ثمن جريمة طرف أول بحق طرف ثان لا يمكن أن يكون قانونا عاما للإنسانية أو حقا شرعيا لأحد. كانط ضد شتانماير المتحضر وبيريز الحكيم، وفي صف الفلسطيني الأخرق.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيل عربي ثالث أمام الواقعة الإسرائيلية
- خبز شعير.. عربي
- الأولوية، عربيا، للتقدم أم لمواجهة إسرائيل؟
- الدين كحق من حقوق الإنسان
- سلام في سورية من أجل سلام لسورية...
- من أجل نقد عقلاني للسياسة الأميركية
- أميركا الشرق أوسطية ونحن.. الأميركيون!
- الشرق أوسطية: الإيديولوجية والنظام
- سورية والأزمة الوطنية الدورية
- ما العمل حين يستحيل العمل؟
- نقد متأخر لنظرية -قوى التغيير-
- في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي
- من أجل ماذا سلام سوري إسرائيلي؟
- في -المسألة الكردية- وتمثيل الذات الوطنية السورية
- الممانعة وامتناع السياسة
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)
- من -الديمقراطية البرجوازية- إلى -الليبرالية الجديدة- و.. -ال ...
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (1 من 2)
- اللاعقل يحكم الشرق الأوسط
- شركاء في العالم، نشبهه ونتشبه به..


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - شتاينماير ضد كانط