أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - من أجل نقد عقلاني للسياسة الأميركية















المزيد.....

من أجل نقد عقلاني للسياسة الأميركية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2269 - 2008 / 5 / 2 - 12:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هناك صنفان من النقد للسياسة الأميركية في التداول العربي المعاصر.
في المقام الأول ثمة ما نسميه النقد المطلق، نقد يعادي السياسة الأميركية في أية حال، ويصدر عن سوء ظن مقيم بها، ويرى أنها سياسة معادية بصورة متسقة وثابتة للعرب والمصالح العربية. يمتح هذا النقد حججه من كل من القومية العربية والشيوعية، وفي العقدين الأخيرين من الإسلامية. وهو يختزن تاريخ صراع الحركة القومية مع إسرائيل والدول المحافظة العربية، وقد كانت الولايات المتحدة الصديق الصدوق للأولى وظهير اثانية. يختزن كذلك تاريخ الصراع بين الحركة الشيوعية والمعسكر السوفييتي في سنوات الحرب الباردة. كما اكتسب من الخطاب الإسلامي عمقا "حضاريا" قربه من العداء الماهوي لأميركا.
وأعني بالعداء الماهوي ذاك النقد الموجه لمن تكون أميركا وليس لما تفعل فقط. فيكون نقد ما تفعل تحصيل حاصل لنقد من تكون. أميركا شر، وكل ما تفعله شر إذن. الأصح لذلك أن نتكلم على رفض وليس على نقد؛ على عداء مطلق وليس على اعتراض، سياسي وتاريخي ونسبي بالضرورة.
ولم يأت هذا الموقف من عدم. إنه متولد عن خبرات تاريخية أليمة ألحق الأميركيون فيها أذيات حقيقية وكبيرة بالعرب. ما يفعله النقد المطلق أنه يحول خصومة سياسية، حقيقة وكبيرة، لكنها تبقى تاريخية ونسبية، إلى عداء كلي وشامل، مطلق.
لكن إذا نصل إل هذا الحد من العداء لأميركا فإننا نكف عن التمييز بين تعدد وجوه أميركا وتعقيدها، ما يفيض على ثنائية خير وشر، ومن باب أولى على اختزالها إلى شر محض. لكن بهذا لا يستغفل النقد المطلق إلا نفسه. فحين تكون أميركا شرا كلها، فإن ما نجازف بأن نعمى عنه فعلا هو ما هو شر فيها وليس ما هو خير، أعني موطن الشر الحقيقي، سياستها حيالنا أو حيال هذا الشأن أو ذاك من شؤوننا. لذلك لا يصلح النقد المطلق أساسا لبلورة سياسة عربية أميركية. لأن السياسة تقتضي التمييز، وتعمل لاصطناعه إن لم يكن موجودا. فحتى لو كانت السياسة الأميركية متجانسة و"ثابتة ومبدئية" فعلا، فإن السياسة من قبلنا مدعوة إلى إدخال شيء من التعدد والاختلاف فيها، من أجل مساندة جوانب منها والتحاور مع جوانب أخرى، والرفض الجذري لجوانب أخيرة. والحال، إن هذا ما تفعله (وإن دون اتساق) الدول العربية جميعا. لكن تفضل بعضها، سورية مثلا في السنوات الأخيرة، أن تعطي الانطباع بأن أميركا كل واحد متجانس من الشر والعداء. لماذا؟ لأن هذا أنسب لتوجيه النقد بعيدا عن السياسات الحكومية، وإحلال منطق الاستنفار والتعبئة والإجماع الداخلي على حساب منطق النقد والمعرفة والسياسة.
يفترض النقد المطلق أنه الأشد جذرية ونجوعا لمواجهة سياسات أميركية فظة حيال قضايا عربية متعددة، لكنه في الواقع النقد الأسوأ. ليس فقط لأنه لا يصلح أساسا لسياسة مثمرة حيال القوة العظمى، لكن كذلك لأنه لا يتيح ممارسة نقد حقيقي لها. أعني نقدا يميز بين شر وشر، بين سيء وأسوأ، بين خصومة وعداء (ولن نقول: بين خير وشر، بين صداقة وعداوة..). فكما أشرنا حين يكون كل شيء شرا، فإن الشر الأعظم يتساوى بالشر الأدنى. وهذا فشل عظيم للنقد وللسياسة وللعقل.
ثم إن المعادل السياسي للنقد المطلق هو العمل على تغيير أميركا وفق مثال يخصنا، وهذا موقف هاذ ومنفصل عن الواقع من جهة، ويثير أشد العداوات جذرية والفوضى العالمية من جهة أخرى. والواقع أن أحد منابع نقدنا المطلق لأميركا هو رغبتها في تغييرنا جوهريا وفق مثال لم تشاورنا في شأنه. ومشروع التغيير هذا مؤسس عند الأميركيين أيضا على نقد ماهوي ومطلق لنا أيضا.
وإنما من إدراك فشل النقد المطلق يتولد الصنف الثاني من نقد السياسة الأميركية. ينصب النقد هنا على ما تفعل أميركا وليس على ما تكون، هذا خلافا لما يفضل أن يرى جورج بوش وأضرابه من التبسيطيين المذهبيين الذين لا يختلفون في شيء تبسيطيينا المذهبيين. وهو نقد يعبر عن نفسه بلغة علمانية وعالمية ومستقبلية، تحيل إلى المصالح لا إلى العقائد، وإلى القيم المقررة عالميا (المساواة، الحرية، العدالة، السلام، الاحترام المتبادل..) لا إلى الهويات و"الحضارات" الخاصة، ويعرف نفسه بتطلعات ومشاريع المستقبل لا بذكريات الماضي وضغائنه. وهو بالخصوص لا يسخر نقد الأميركيين لمصلحة نظم ومنظمات تسلطية وفاسدة.
هذا النقد العقلاني هو جهد لإخراج الموقف من السياسة الأميركية من الطريق المسدود الذي أوصله له إيديولوجيون قوميون وشيوعيون وإسلاميون. بل إنه لا يمكن استئناف نقد السياسة الأميركية إلا على هذه الأرضية العقلانية. أما النقد المطلق، فلأنه يصطدم بجدار الواقع ولا يناسب السياسة العملية، فإنه إما أن ينقلب على نفسه فتتحول أميركا في نظره من قوة للشر المطلق إلى قوة للخير المحض على نحو ما حصل لكثيرين في أوساطنا؛ أو يعاند وينكر الواقع، بالخصوص إذا كانت المعاندة مجزية على شكل سلطة أو نفوذ أو مال أو جاه.. وهذا يحصل أكثر مما تفضل أن توهمنا بها الإيديولوجية المعادية للأميركيين. فالاستنفار ضد عدو متصور هو المناخ الأنسب للتسلط وجني الثروات والخلود في المناصب ومنع المساءلة والمحاسبة.
وبالطبع حين نجعل من أميركا قوة للخير المطلق فإننا سنعمى حتما عن تفاوت "الخير" فيها، وسيحل التبرير المستمر محل التفكير المستقل، وقد نجعل تطوير لقاحات ضد الإيدز أو علاجات للسرطان أو اختراع الانترنت مساويا "لإحلال الديمقراطية في العراق"!
وليس الموقف التبريري نقيضا للموقف "التشريري"، فالتناقض الظاهر بينهما زائف وعقيم، وكلاهما موقف منفعل أو تابع سياسيا وأخلاقيا ومعرفيا، يترك المبادرة السياسية والفكرية للأميركيين فيجدها برهانا على خير متأصل فيهم مرة، وعلى فساد جوهري ملازم لهم مرة. أما نقيضهما فهو الموقف النقدي المبادر الذي يأخذ ويعطي ويتفاعل، الموقف الذي يصون حقوق العقل النقدي ويرفض استبدال نوع من العمى بنوع آخر.
على أن ممارسة سياسة مستقلة حيال الأميركيين أمر أشد صعوبة من بلورة موقف نقدي مستقل حيالهم. فالمسألة هنا مسألة موازين قوى واقعية وصراع عنيف، وأحيانا وحشي، من أجل نيل الاحترام والاستقلال. لكن أليست هذه هي السياسة؟ ومتى كان العمى، عداء أو التحاقا، سياسة بصيرة؟




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أميركا الشرق أوسطية ونحن.. الأميركيون!
- الشرق أوسطية: الإيديولوجية والنظام
- سورية والأزمة الوطنية الدورية
- ما العمل حين يستحيل العمل؟
- نقد متأخر لنظرية -قوى التغيير-
- في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي
- من أجل ماذا سلام سوري إسرائيلي؟
- في -المسألة الكردية- وتمثيل الذات الوطنية السورية
- الممانعة وامتناع السياسة
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)
- من -الديمقراطية البرجوازية- إلى -الليبرالية الجديدة- و.. -ال ...
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (1 من 2)
- اللاعقل يحكم الشرق الأوسط
- شركاء في العالم، نشبهه ونتشبه به..
- في أصول نظام الاستثناء السوري: محاولة ماركسية
- الفساد الصغير ثقافة والفساد الكبير سياسة!
- من إسرائيل إلى أخرى: في أصل حاجتنا إلى شيطان رجيم
- سورية بين 1978 و2008: عود على بدء!
- جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف
- -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي


المزيد.....




- أمطار غزيرة وعواصف تجتاح مدينة أمريكية.. ومدير الطوارئ: -لم ...
- إعصار يودي بحياة 5 أشخاص ويخلف أضرارا جسيمة في قوانغتشو بجن ...
- يديعوت أحرونوت: نتنياهو وحكومته كالسحرة الذين باعوا للإسرائي ...
- غزة تلقي بظلالها على خطاب العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض ...
- ماسك يصل إلى الصين
- الجزيرة ترصد انتشال جثامين الشهداء من تحت ركام المنازل بمخيم ...
- آبل تجدد محادثاتها مع -أوبن إيه آي- لتوفير ميزات الذكاء الاص ...
- اجتماع الرياض يطالب بفرض عقوبات فاعلة على إسرائيل ووقف تصدير ...
- وزير خارجية الإمارات يعلق على فيديو سابق له حذر فيه من الإره ...
- سموتريتش لنتيناهو: إذا قررتم رفع الراية البيضاء والتراجع عن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - من أجل نقد عقلاني للسياسة الأميركية