سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2302 - 2008 / 6 / 4 - 08:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ عشرينات القرن الماضي و منذ إنشاء العراق كدولة "حديثة"، إلا أن الحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق حتى عام 2003 كانت تتبنى ثقافة تقف بالضد من العراق كهوية وطنية تجمع العراقيين، و يبدو لي أنه لم يكن في الممكن تكوين "عقل عراقي" بديلا عن عقلية المكونات و أجزاء الأمم التي جمعت جبرا في العراق "حسب النظريات القومية"، خصوصا و أن ذلك العصر كان عصر النظريات القومية و العرقية، بل إنه و حتى العهد الملكي الذي كان يميل نحو النظام الديمقراطي ـ أقول هذا رغم رفض البعثيين و الشيوعيين لهذه الحقيقة ـ كانت المناهج التربوية تروج لـ"الأمة العربية" و "الوحدة العربية" و "النبي العربي" و ما إلى ذلك من نزعات عنصرية مفككة لوحدة الشعب العراقي.
فالحضارة العراقية التي هي أقدم من "العرب" و "العروبة" و ما إلى ذلك من مصطلحات عرقية و قومية، هذه الحضارة أُهملت عن عمد في الإعلام و المناهج التربوية و حتى على مستوى الشارع العراقي لتحل محلها "الإسلاميات + القوميات" و بالتالي ضعف الرابط الوطني الذي يعني أن الأخوة بين العربي و الكردي العراقيين هي أقرب من إنتماءهما القومي، و كذلك الأمر بالنسبة للشيعي و السني و المسلم و المسيحي، لأن الهوية و الحضارة العراقية ابتداءا من سومر و أكد و مرورا ببابل و آشور و حتى مدينة الحضر و حيرة المناذرة هي الرابط التاريخي الأقدم لهذا الشعب الذي يجب عليه الاختيار بين خيارين لا ثالث لهما:
الأول : تبني الهوية الوطنية العراقية و بشكل خالص و بدون نفاق و رياء و إصدار وثائق رسمية يحذف منها بند "الديانة" و "الانتماء القومي"، و تبني مناهج تفصيلية تثقف أبناء العراق و طلبته (جيل المستقبل) على المعرفة التامة بانتماء العراقيين إلى حضارته التي سبقت الإسلام، لأن الخلافات في الواقع لم تظهر بين العراقيين إلا بعد ظهور الإسلام و بدء الخلافات المذهبية ثم العرقية خلال القرن العشرين، و بهذا يخطو العراقيون خطوتهم الأولى باتجاه خلق وطن متماسك و قوي و يساوي بين المواطنين.
الثـانـي : إيثار النزعة القومية على العراق و تبني العاطفة الدينية و الطائفية على الحس الوطني العراقي، و هذا ما سيعيدنا إلى عهود الحروب الإقليمية و انفصال القوميات و المذاهب عن الوطن الأم "العراق" في محاولة لجمع أمم و شعوب عبر الإبادة و الحرب من أجل "التراب" على طريقة صدام و هتلر.
إن العراقيين الآن بين هذين الاختيارين، إما العيش في جنة إنسانية اسمها العراق أو اختيار جحيم و دكتاتورية القومية العنصرية بقيادة "الزعيم الخالد ذابح الشعب" أو دولة دينية بقيادة سماحة المجاهد جلاد قاطع الأرجل و الأيدي!! و هذا الكلام ليس نتاج خيال قصصي أو عاطفة شعرية، لأننا كعراقيين شهدنا خلال عهد البعث العربي وحده (ثلاث حروب مدمرة) و إذا ما أخطأ العراقيون في الاختيار أو تهاونوا في الدفاع عن حرية و كرامة "الفرد" العراقي، فإن الكوارث قادمة لا محالة لتضيف المزيد إلى ما سبق من كوارث.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟