أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ثنائية القامع والمقموع في - فندق رواندا - لتيري جورج















المزيد.....

ثنائية القامع والمقموع في - فندق رواندا - لتيري جورج


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2290 - 2008 / 5 / 23 - 07:43
المحور: الادب والفن
    


لم ينبثق فيلم " فندق رواندا " من فراغ على رغمٍ من أصالته وقوة جانبه التعبيري والفني على حد سواء. فثمة أفلام كثيرة تناولت المجازر والمذابح الجماعية في العالم. ولعل فيلم " قائمة شندلر " هو خير مثال لما نذهب إليه، إذ يحكي هذا الأخير قصة رجل الأعمال الألماني أوسكار شندلر الذي أنقذ حياة أكثر " 1000" مواطن يهودي بولندي من المحارق الجماعية في أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي فيلم " فندق رواندا " يلعب بول روزيزاباغينا " دون شيدل " دور مدير فندق ذكي، يتمتع بمهارات عديدة، ولا يتوانَ عن إستثمار الفرص حتى لو تطلب الأمر تقديم بعض الرشوات المالية الضخمة من أجل إنقاذ أوراح آلاف مؤلفة من المواطنين الروانديين الأبرياء. وقبل الخوض في تفاصيل الفيلم لا بد من الإشارة الى الخلفية التاريخية والسياسية لهذا النزاع الذي كان يدور في الخفاء، ولكن الإحتلال البلجيكي عرف كيف يُذكيه ويُخرِجه الى العلن. فعندما انتهت الحرب العالمية الثانية وُضعت رواندا تحت الإنتداب البلجيكي حتى يوم الإستقلال في الأول من يوليو " تموز " 1962. وخلال هذه السنوات تلاعبت السلطة البلجيكية بمقدرات الشعب الرواندي الذي يتألف من قبائل الهوتو التي تشكل نسبة 80% من التعداد السكاني لرواندا، فيما تشكل قبائل التوتسي نسبة 20%. غير أن السلطة البلجيكية عرفت كيف تذكي الخلافات، وتحرِّك الأحقاد، حيث قرّبت بعضاً من قبائل التوتسي الذين يشكلون الأقلية ومنحتهم السلطة وما يرشح عنها من جاه وثروة. وحينما أراد البلجيكيون أن يكسبوا ود الأغلبية منحوا السلطة للهوتو. وعندما بلغت الأزمة ذروتها في عام 1994 ارتكب الهوتو مجزرة جماعية مروعة راح ضحيتها نحو " 800,000 " مواطن رواندي من التوتسي وبعض المتعاطفين من الهوتو. وعلى رغمٍ من وجود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لم يقم الأوروبيون بأي شيء يُذكر سوى إجلاء رعاياهم، ولزومهم الصمت المطبق، وعدم التدخل الى الدرجة التي سمح فيها قائد قوات حفظ السلام لنفسه بإصدار أوامر فورية من دون الرجوع الى سلسلة المراجع العليا لتفادي بعض المذابح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أبرياء توتسيين وبعض المعتدلين من قبائل الهوتو. والغريب في الأمر أن السلطة البلجيكية قد أعادت النظر في موضوع السلطة وجاءت بالتوتسيين الضحايا الى السلطة مرة ثانية من أجل ضمان استمرار ثنائية " الجلاد والضحية " فيما أُبعد القامع الهوتوي الذي كان ضحية قبل ذلك.
الفندق رمزاً للوطن
لا يمكن القول بأن تركيز المخرج على الفندق بوصفه مكاناً ضيقاً قد أفقد الفيلم إمكانية الرمز والإشارة الى أبعد من هذه الحدود الجغرافية الضيقة. فالفندق هو رمز لرواندا كلها، ففيه أغلبية من التوتسي المُضطهَدين، وأقلية من الهوتو المعتدلين ضمن إطار الفندق نفسه، وما أن يمتد نظر المُشاهد الى خارج الفندق حتى يرى المئات، وربما الآلاف من الهوتو الذين تبنوا أدوار الجلادين والمبتزين والمنتقمين. في بداية الفيلم يعود بول الى منزله بجيوب معبأة بالحلوى، وما أن يلج الدار حتى تخبره ابنته الصغيرة بأن ميليشيات الهوتو قد دهمت منزل أحد الجيران. ينهض بول على مضض ويسترق النظر من فتحة البوابة الرئيسية المواربة، ويشاهد بعضاً من أفراد الهوتو وهم يضربون جاره ضرباً مبرحاً، ويقتادوه في النهاية الى إحدى المقرات العسكرية الكبيرة. وإذا كان بول قد نجا في المرة الأولى من عمليات الدهم فإنه لم ينجُ منها في المرات اللاحقة. ولم ينفعه انتمائه الى قبائل الهوتو لأنه متزوج من امرأة توتسية، وهم يعتبرون هذا الزواج خيانة عرقية وأخلاقية لهم. يقنع بول أحد الضباط الكبار في أن يصطحب عائلته وبعض جيرانه معه الى الفندق مقابل مبلغ مادي كبير فيرضخ الضابط لهذه المغريات المادية الكبيرة. فيتحول الفندق الى ملاذ حقيقي ليس لعائلة بول وأقربائه وأصدقائه فقط، وإنما لنحو " 1200 " لاجئ من قبائل التوتسي الذين أضنكتهم الحرب الأهلية التي مزقت البلاد وسط صمت دولي مروِّع. كانت قوات حفظ السلام تنقذ الناجين التوتسيين الذين فروا بجلودهم، وتنقلهم الى المناطق الهادئة نسبياً خلف خطوط القتال في المدن والقرى الرواندية. وقد بذلت إحدى المجندات في قوات حفط السلام جهوداً كبيرة من أجل إنقاذ طفلين صغيرين يعودان لشقيق بول الذي ذُبح في بدء الحرب الأهلية لكنها تفشل في الوصول الى المنزل لأنه يقع ضمن منطقة الإشتباكات الساخنة. يحاول بول كل ما في وسعه من أجل ترحيل عائلته الى خارج الحدود عبر قوات الأمم المتحدة. وبالفعل ينجح في مسعاه، وتغادر العائلة في مشهد درامي شديد التأثير، لكن الأم وأطفالها الصغار يرضخون للأمر الواقع، ويتركون وراءهم الأب الذي يتمزق هو الآخر حزناً على زوجته وأطفاله. لم تسر الأمور على ما يرام، ففي الطريق الى الحدود تصادفهم مجاميع متفرقة من عصابات الهوتو التي لا تفرق بين امرأة يافعة أو رجل كبير أو طفل صغير لأنهم يلهثون خلف أحقادهم، وشهوة الإنتقام هي التي تحفزهم على معرفة أسماء الهاربين، لأن هذه الأسماء تكشف عن إنتماءاتهم العرقية. فحد السيف أوشك أن يحز عنق تاتيانا " صوفي أوكونيدو " لو أنها نطقت بإسمها الحقيقي الذي يكشف عن كونها توتسية. يصر بول أن يلتحق بعائلته كي ينقذها من المحنة الصعبة التي تمر بها. وعلى رغم من توتر زوجته وإنفعالها إلا أنه ينجح في تهدئتها. وفي نهاية المطاف كانت هناك قافلة من عجلات الأمم المتحدة مكلفة بنقل اللاجئين الى البلدان المجاورة. وفيما كانت هذه القافلة تتهيأ للإنطلاق وجدت إحدى المجندات الطفلين الذين يعودان الى شقيق بول. لم تسعها الفرحة وهي تركض صوب الحافلة التي تحركت بإتجاه الحدود. أوقفت الحافلة لبعض الوقت فيما كان بول وزوجته يركضان صوب الخيمة التي تضم الطفلين اليتيمين المشردين حيث يحتضنانهما في خاتمة المطاف، ويعودان بها الى الحافلة التي كانت تغادر الوطن صوب الحدود.
الأداء التعبيري
نجح المخرج الآيرلندي تيري جورج في إنتقاء الشخصيات الرئيسة في الفيلم والتي تتوفر على قدرات أدائية فذة، ولعل أبرز هذه الشخصيات هي " بول " دون شيدل حيث تقمص الدور المسند إليه بإتقان شديد. وجدير ذكره أن هذه الشخصية الرئيسة قد مرت بمنعطفات عديدة أغلبها درامي مؤثر، وبعضها عاطفي رومانسي حينما كان يختلي بزوجته التوتسية التي أحبها حباً شديداً، وجازف بحياته من أجلها غير مرة في ظروف معقدة وشائكة. ولم يتخلَ عنها حتى نهاية المطاف. لقد عرف بول كيف يتعاطى مع الضباط المبتزين من مليشيات الهوتو، كما أدرك بذكائه الفطري والمكتسب كيف أن بعض العقليات المريضة تخطط لإبادة التوتسيين من الوجود. فالتاجر الذي يزود الفندق بالمأكولات والمشروبات وهو من قبائل الهوتو قال بالفم الملآن بان مليشيات الهوتو قد أبادت نصف التوتسيين ولا يجد ضيراً في إبادتهم جميعاً. وهو ينظر الى بول وغيره من قبائل الهوتو المتزوجين من نساء توتسيات مجرد خونة لا غير! أما الفنانة صوفي أو كنيدو التي جسدت دور " تاتيانا " في هذا الفيلم فقد كانت بحق أنموذجاً للأداء التعبيري الصادق سواء في لحظات الخوف والفزع وهي كثيرة أو في المَشاهد واللقطات العاطفية القليلة حيث إستطاعت أن تنال إعجاب المشاهدين، وتكسب ودهم وتعاطفهم، حتى أن لحظات الفزع الشديد كانت تنتقل لا شعورياً عبرها الى المشاهدين الذين كانوا فزعين مثلها، وربما كان بعضهم أكثر فزعاً منها. لا بد من الإشارة الى الأداء الهادئ والمعبِّر للفنان الفرنسي جان رينو حيث أسندت إليه بعض المشاهد الصعبة التي تحتاج الى شخصية قوية تضبط زمام الإنسان الذي قد يتوتر وينفعل ويصل في خاتمة المطاف الى ما لا تحمد عقباه. بقي أن نقول إن المخرج تيري جورج هو صاحب خبرة في التعاطي مع ثنائية القامع والمقموع. فلقد سبق له أن تعرض للسجن عام 1971 بسبب انخراطه في جيش التحرير الآيرلندي، ثم انتمائه الى الحزب الجمهوري الإشتراكي الآيرلندي، ثم اعتقاله من جديد لمدة ست سنوات، واخلاء سبيله بسبب حسن سلوكه في السجن. ومن أفلامه المهمة " الملاكم "، " بإسم الأب " و " فندق رواندا " الذي رشح لعدد من الجوائز العالمية وفاز ببعض منها.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقعية الإجتماعية وأهمية الإرتجال في فيلم - فيرا درَيك - ل ...
- القاص لؤي حمزة عباس: يتخلى عن الغموض، ولا يزال متشبثاً بشعرن ...
- القدس: قصة الجانب الشرقي للمخرج الفلسطيني محمد العطار: القدس ...
- علاء سريح في معرضه الشخصي الثالث: تكوينات متكررة على سطوح تص ...
- تلاقح الأجناس الأدبية في رواية - حبل السُرّة - لسميرة المانع
- الفنان علي النجار ل - الحوار المتمدن -: غرابة التشكيل المعاص ...
- متاهات اللون وجُزر الفراغ في ذاكرة الفنان علي النجار
- الشاعر أحمد الصافي النجفي بين غُربة الروح وغُربة الفكر
- السيرة الذاتية- الروائية: - غصن مطعم بشجرة غريبة - مثالاً
- التشكيلي الكردي صدر الدين أمين . . . من البكتوغرافي الى الشا ...
- - فهرس الأخطاء - والأنموذج المُحزِن للتيه العراقي:عبود الجاب ...
- هيمنة الشتاء النووي في - الطريق - الى العدم
- الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا أقلية في المجتمع الهولندي، وأق ...
- الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا متمرد بالسليقة على أسرتي، وطبق ...
- الروائي المصري رؤوف مسعد: ما أكتبه يثير القلق والحفيظة والضغ ...
- الديناصورات: عمالقة بتاغونيا: رسوم متحركة تحفِّز الخيال والر ...
- شعرية نزار قباني تحت مجهر صلاح نيازي: لماذا أحسَّ نزار بالشي ...
- كيت بلانشيت . .السمكة الصغيرة التي سقطت في نافذة العنكبوت
- غمامة زها حديد تهبط على ضفة التيمز
- مارك والنغر يفوز بجائزة تيرنر الفنية: عمل يجمع بين المفردة ا ...


المزيد.....




- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ثنائية القامع والمقموع في - فندق رواندا - لتيري جورج