أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - آخر طفل عراقي يبكي غرناطة














المزيد.....

آخر طفل عراقي يبكي غرناطة


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 674 - 2003 / 12 / 6 - 01:35
المحور: الادب والفن
    


جاء من  نهاية الغابة حاملا المطر والبراءة والحلم ومناديل المحبة وكتاب العصيان
يوم كانت (السيبة) تمطر
يوم كان ( أبو الخصيب ) يمطر
كان هو يركض مندهشا تحت الأوراق مبهورا بالضباب، صوت تساقط المطر، فزع العصافير، رعشة النخلات في الريح.

كان مصعوقا بدم الرغبة الأولى
والقصيدة الأولى.

سعدي يوسف في السفينة صمام أمان.
وفي الحزب رجل الحسم والرؤيا.
وفي المنفى فنار لسفن التائهين.

هذا الأخضر بن يوسف آخر طفل عراقي يبكي غرناطة اليوم.

هذا العصيان الجنوبي  الذي يشبه الهوى
هو عصيان التاريخ على العربدة
وعصيان الأشرعة على الريح.

فقير مثل حكيم هندي يكتب وصايا العالم على حصير
وغني لأنه مالك مفاتيح الأيام القادمة.

آخر سلالات التمرد الشعري
لكنه ليس تمرد البارات وليس تمرد الأرصفة
بل عصيان الشعر على التلوث
وعصيان الأرض على الانتهاك.

امشوا خلف هذا الأخضر بن يوسف
فهو يعرف مسار التاريخ ليس بالقراءة
بل بالفطرة
وهو لا يحتاج إلى من يدله على الطريق
لأنه طريق
هو بداية تتجدد
وخطوة تولد وتموت وتولد.

هذا القادم من الغابة يبكي اليوم
قتل الأشجار والأنهار ونجوم المساء
وتلاشي أحلام الصبايا وهن يحملن جرار الماء على أغاني المطر والريح والسعف وضفيرة تحنت بليلة مهر.

سعدي يوسف في العاصفة والاجتياح شراع وراية.
وفي الارتجاج دليل
وفي القافلة حادي العيس.

لا يحتاج إلى برنامج ثورة لأنه برنامج نفسه
ولا يحتاج إلى حزب
لأنه حزب الذين لا حزب لهم غير الأرض.

سعدي يوسف في السلام أغنية
وفي الحرب دمعة
وفي الاحتلال مسيرة رفض.

آخر شاعر عراقي أعاد للشعر كرامته
يوم تهاوى ( الشعراء) أمام أبواب الملوك القدامى والجدد.

سعدي يوسف دليل السفن  إلى الشواطئ
ودليل الشواطئ إلى الموج.

عاصفة وشراع وفنار.

أول رئيس دولة بلا رئاسة.
يحكم الضمائر والمشاعر بلا سيادة
في حين يخاف المدججون بالسلاح من النظر عبر النافذة.

هو مزهو لأنه معبأ بالجمال والشعر والضوء
وهم يرتعشون لأنهم محشوون بالخسة والخوف والتبن.

هؤلاء الرجال الجوف عليهم أن ينزعوا قبعاتهم حين يمر سعدي يوسف.

خوفه الكبير والوحيد هو أن يخطأ فتلومه الأيام و البروق القادمة وغزلان البرية.

حين يكتب تجلس إلى جواره العصور كلها
لأنه رؤيا وليس فكرا.

كي نقرأ سعدي يوسف جيدا ونفهمه جيدا لا نحتاج إلى قاموس لغة بل باقة ورد وحفنة تراب وزخة مطر وريل وقصيدة وسهل أخضر ورائحة قهوة وقطا مجفل وآخر أغنية للمسافر الوحيد الذي لم ينم في قطار الجنوب النحيل، الجنوب الجميل.

آخر الشعراء الكبار على أبواب التاريخ العراقي
آخر طفل عراقي يبكي غرناطة
في حين يضحك كثيرون( الضحك في زمن التحرير) وهم يرتدون مايوهات ممزقة من الخلف
ويرقصون في مأتم التاريخ.

اتبعوه في كل خطوة
كما تتبعه الأيائل وهو يعزف على مزمار الأيام
وفي يده شجرة ميلاد مشرقة
لمسيح لم يولد بعد.

إنه الرائي قبل أن نرى
والراعي الذي رأى نجمة المساء علامة ولادة المخلص.

اذهبوا معه ولو أخذكم إلى البرية
فكل خطوة تتحول تحت قدميه إلى فجر
وكل ذرة رمل بشارة أمل

اذهبوا معه ولو أخذكم إلى البحر
لأنه يحمل عصا صنعها حطاب بصري لا تضل الطريق.

لا يفهمه الصغار لأنه كبير
ولأنه حالم حقيقي في أعراس المقاولين.
هم لا يرون فيه غير( جنون الشاعر) لأنهم بسطاء، صغار، أميون، وهو يعرف أسرار قراءة الطريق.

هم في المؤسسة أحجار
وهو في المؤسسة تناقض وفوضى.

هم في الحزب كرسي
وهو في الحزب سؤال.

هم انسجام المقبرة
وهو موجة دائمة التحول.

هم لا يعرفون من المثقف غير صورة ( العاقل) الهادئ، المتماسك، المنسجم مع الأشياء، ولا تسعفهم ثقافة مدلك الحمام أو سائق التاكسي أو بائع الكباب غير تفسير واحد أن هذا المثقف مصاب بهلوسة.
هذه رعشة النفي/ هذا صوت الريح.
غريب في الحشر والكتلة والقطيع  والجماعة.
ومنفي مرتين: مرة في منفى الأيام حين يكون وحده في مهرجان الزور والتشابه.
ومنفى المكان حين يكون مغروسا في ارض أخرى.
إنها غربة النوع وغربة الشكل.

سعدي يوسف في هذه العاصفة صوت ونبوءة
وكل دباباتهم ستتآكل
وستبقى قصائده تلمع عبر العصور مثل نجوم الحكايات.

لا تحزن يا( أبو علي)
فقريبا ستصرخ جنوبية على أبواب كربلاء:
"ما تسقط نجوم السما
ما دام عدنا تفك"!



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قتلى الورق أهم من قتلى الشوارع
- مكتشفو السراب
- ذهنية السنجاب المحاصر
- حين يختزل الوطن بمسميات
- رائحة الوحش
- محمد شكري وعشاء الثعالب الأخير
- الزعيم الغائب
- زمن الأخطاء الجميلة
- السياسة والشعوذة
- الكلب الأرقط النابح على العالم
- محاربو الغسق والشفق
- السياسي العراقي من الخازوق إلى المسمار
- حنين إلى حفلة
- مغني الفيدرالية
- لصوص الأزمنة الاربعة3
- العراق نحو الهاوية
- لصوص الأزمنة الأربعة1 &2
- غيمة في بنطلون مبقع
- جنازة رجل شهم!
- علاء اللامي وبئر يوسف


المزيد.....




- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...
- فيديو صادم.. الرصاص يخرس الموسيقى ويحول احتفالا إلى مأساة


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - آخر طفل عراقي يبكي غرناطة