تعد مشكلة أيجار العقار في العراق من المشاكل العصية والواسعة التأثير والتي أتسعت وشملت قطاعات كبيرة من المجتمع العراقي ، ونفاذ قانون أيجار العقار الذي شرعته سلطة صدام البائد زاد من تعقيدها وأستفحالها بين الناس .
فقد بدأت تظهر مشكلة حقيقية يعاني منها المجتمع العراقي بالنظر لعزوف السلطة عن أيجاد حلول منطقية وواقعية لمشكلة السكن والأسكان ، وبالرغم من تعاقب الحكومات ووجود وزارة للأسكان ضمن حقائبها الوزارية الا ان هذه الوزارة لم تكن لها علاقة حقيقية بطبيعة المشكلة ولا بأسكان الفقراء ولابعملية الأسكان في العراق ، حيث أن آخر الحكومات التي فكرت بجدية في حل جزئي لمشكلة السكن ومراعاة ظروف ودخول الموظفين وذوي الدخول المحدودة والفقراء كانت حكومة الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم ، الذي أرتبط أسمه وحكمه بمشاريع أسكان الفقراء في بغداد والمحافظات من خلال تشييد دور الأسكان وتمليك الفقراء أحياء في العاصمة بغداد ضمن مساحة ( مدينة الثورة ) ، أضافة الى مساهمتها في توزيع قطع الأراضي للناس لغرض بنائها والسكن فيها وتشييد الدور الحكومية لأسكان الموظفين في أنحاء من ألوية العراق .
وبعد ذلك بقيت مشكلة السكن والأيجار منذ العام 1963 تكبر يوماً بعد يوم وتستفحل دون أن تجد اللفتة الأنسانية او الجدية الصادقة أو الدراسة او الأهتمام من السلطات المتعاقبة التي أنشغلت كلياً بحالات قمع الجماهير وترتيب أمورها والحفاظ على سلطتها والأنفاق على مؤسساتها الأمنية وأعتمادها سياسة الأرهاب والتخويف بالسيطرة على السلطة بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة رغم انف الناس ، وعالجت السلطات مشكلة السكن بأصدار قانون لأيجار العقار كان من ضمن نصوصه مايرجح كفة أحد المتخاصمين على الآخر مسبقاً على العكس من مفهوم تحقيق العدالة في نصوص القوانين التي تحكم علاقات الناس المدنية ، فألغى بموجبه كل سلطة للمالك على عقاره المستأجر أو رغبته في تخلية العقار دون أن تكون لأسباب حددها المشرع حصراً في نصوص الضرورة الملجئة وبقية أسباب التخلية .
وأزدحمت أدراج المحاكم العراقية ومخازنها بدعاوى التخلية في بغداد والمحافظات ، وأنشغل القضاة بزخم الدعاوى المنظورة أمامهم ، حتى أن رئاسة محكمة أستئناف بغداد خصصت محكمة خاصة للنظر في قضايا أيجار العقار والتخلية في كل من جانبي الكرخ والرصافة .
وبالرغم من هذه الكثافة الملحوظة وزخم الدعاوى المنظورة من قبل المحاكم العراقية وتنوع القرارات التمييزية التي تصدرها محاكم الأستئناف بصفتها التمييزية ، الا أن حلاً جذرياً يحقق العدالة ويرضي الطرفين لم يصدر من المشرع ، وبدا الأهمال واضحاً في هذا الجانب ولم تنتبه اليه السلطة التي أوغلت في أنحرافها بأن أصدرت قرارات اربكت بها القضاء والمحاكم في العراق حيث تعقدت عملية تبليغ العسكريين أثناء الحرب التي شنتها على الجارة أيران مما زاد من عرقلة حسم الدعاوى وزيادة التنكيل بحقوق الناس ، كما منعت دوائر التنفيذ من تخلية الدور التي تشغلها عوائل الشهداء او الأسرى وماتلاها من قرارات تغبن حق المالك ولاتحقق رضاه وقبوله بالرغم من صدور قرارات قطعية تستوجب التخلية ، وزاد الأمر تعقيداً حين منعت المحاكم من أصدار قرارات التخلية بهذا الصدد .
ومن المشاكل الشائكة التي واجهت الناس أن السلطات أبقت بموجب القانون على الأيجارات القديمة بالرغم من تغير الحال وأسعار السوق والتضخم الذي طرأ على الأقتصاد وأنخفاض قيمة النقد العراقي الى درجة غير معقولة مع بقاء مبالغ ايجار العقار على ثباتها بقوة القانون ، بحيث أصبحت مبالغ أيجار العقار لاتتناسب مع أبسط الانتفاعات التي يحققها أيجار العقار ، وصار المستأجر للعقار بمثابة مالك مؤقت يمتلك العقار وألتجأ المالك الى القيام بتقديم عروض مالية مغرية وطرق من أجل أسترداد عقاره من المستأجر .
وبقي المستأجر ملتزم بدفع الأيجارات التي كادت أن تصبح رمزية الى دوائر الكتاب العدول في القطر بالنظر لعدم أستلامها من قبل أصحابها أما لعدم موافقتهم على بقاء البدلات بهذا الشكل أو لتفاهة المبلغ المحدد للأيجار ، والتي تراكمت في حسابات الدوائر المذكورة مما حدا بالسلطة الى أصدار قوانين تصادر بموجبها المبالغ المودعة بمضي مدة معينة الى حساب الخزينة .
وبنتيجة تطبيق قانون أيجار العقار ظهرت للعيان مشاكل أخرى متفرعة جرت الى جرائم جنائية وقضايا جزائية عديدة ومشاكل داخل بنية المجتمع العراقي كلها بسب عدم قبول المؤجر ببقاء المستأجر يتمتع بعقاره المملوك له وعدم حماية القانون لحقه في التمتع بملكية عقاره ، بالأضافة الى عدم قناعته ببدل الأيجار الذي لم يطرأ عليه أي تعديل ضمن الظروف الأقتصادية ، هذا من جانب ومن جانب آخر عدم قدرة المستأجر على أيجاد عقار يتناسب مع دخله المحدود وعدم وجود عقار للأيجار فقد أندفع الناس تحت تأثير سريان القانون الى بيع عقاراتهم بأبخس الأثمان بدلاً من أيجارها بمبالغ بخسة وزهيدة ويتعرض فيها المالك الى تمسك المستأجر بالعقار وعدم قدرته على أخلاء العقار وحمايته من قبل السلطة ، أضافة الى عدم تمكنه من زيادة مبلغ الأيجار بما يتناسب مع قيمة العقار المستأجر ، كما لجأت الناس الى اللجوء الى أسكان أقاربهم أو تعيين حراس لعقاراتهم بدلاً من أيجارها للغير أو الألتفاف على القانون وتأجير شققهم وعقاراتهم مفروشة حتى لاتنطبق عليها نصوص قانون ايجار العقار بمنع المؤجر من تخلية العقار من يد المستأجر .
وضمن نصوص القانون لم تضع السلطات سوى كوة صغيرة من الضوء ينفذ منها المؤجر في تخلية العقار سوى نص ( الظروف الطارئة ) التي أوردها القانون وهي حالات أغلبها منوطة بتقدير القضاة ووفق ظروف تتوفر للمالك ، وظروف حصرها المشرع في نطاق ضيق .
وجميع هذه الظروف لم تجعل الدولة تحرك ساكناً أزاء هذه المشكلة الحقيقية التي لايعالجها القانون وهي مشكلة السكن والأيجار وتوفر وحدات سكنية للناس التي بدأت تسكن في المقابر والمزارع النائية وحاويات الأزبال وعربات القطار القديمة وباصات مصلحة نقل الركاب المتروكة والمهملة ، وتحث المتخصصين على تقديم البحوث والدراسات وأيجاد الحلول العملية ضمن مؤتمر قانوني يتناسب مع المشكلة حول ذلك ، ولم تفكر السلطات أن تجد الحل البديل لنصوص القانون ، أو على الأقل اللجوء الى أنشاء الوحدات السكنية السريعة والبناء الجاهز سنوياً بغية الحد من أتساع المشكلة وصيرورتها عامة .
كان بأمكان السلطة أن تقوم بتقدير العقار وقت الدعوى ومن ثم تقرر نسبة يتم بموجبها أيجار العقار من قبل دائرة ضريبة العقار ، وتقوم السلطة بالتضامن مع المستأجر بدفع مبلغ الأيجار ، حيث أن عليه دفع مبلغ متناسب مع دخله وتقوم بدفع الدولة بدفع الباقي ، هذا في حال رضاء المؤجر بالبدل الجديد ، اما في حالة التخلية الجبرية فيصار الى تخصيص وحدات سكنية تتناسب مع الوضع المادي والأجتماعي للمستاجر .
كما أن على الدولة المباشرة الفورية بأنشاء وحدات سكنية تتناسب مع الحاجة الأقنتصادية والواقع الأجتماعي للعراق ، كما أن بأستطاعة الدولة أن تمنح الناس عامة بما فيهم غير الموظفين مخصصات سكن تساهم في تحقيق عدالة الأيجار وتسند عملية الأستئجار وتحقق القبول لدى المؤجر .
لكن السلطة أجهزت على كل مامن شأنه يساهم في أيجاد أي حل جزئي لهذه المشكلة ، فبادرت الى بيع الدور الجومية بأبخس الأثمان فألغت حق الموظف في المناطق النائية بالسكن مع عائلته وتمكينه من السكن بدار حكومية تحفظ له كرامته وتساعده في حياته العملية ضمن الوظيفة العامة ، كما قامت بتعقيد بناء الدور وفرض رسوم باهضة على المالكين ، ورفعت أسعار المواد الأولية للبناء وأحتكرت أستيراد المواد الأنشائية مما زاد المشكلة تعقيداً لتحكم الموظفين بالسوق وحركة البيع والشراء التي لاتتناسب مع التطور والحاجة التي يعالني منها العراق .
وكلي ثقة أن المختصين في الشأن القانوني لديهم من الأفكار والملاحظات والدراسات مايفيد معالجة موضوع أيجار العراق ، كما أن جدية السلطة المقبلة المرتكزة على أسس خدمة الأنسان في العراق مستقبلاً يشكل أرضية للمساهمة في حل مشكلة السكن جذرياً .