فاطمه قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 2133 - 2007 / 12 / 18 - 11:51
المحور:
القضية الفلسطينية
يرحم الله أخي العزيز اللواء صائب صبري نصار "أبو الوليد " نائب محافظ رام الله البيرة , الذي لم استطع أن أشارك في جنازته لان المسافات في فلسطين اصبحت مستحيلة فلا اقل من أن أتجول قليلا في " حدائق الذاكرة " محاولة أن استحضر ذلك الزمن الجميل ,زمن الثورة الذي كان " أبو الوليد " واحدا من رجالاته وجزءا عضويا من ملامحه الحميمة , وصوتا دافئا من أصواته الشجاعة .تعرفت على "أبو الوليد " في منتصف السبعينات ومن خلال واحدة من أعظم انجازات الثورة , وأجمل واحاتها وأنبل أهدافها المقدسة , وهي معسكرات الأشبال والزهرات وما أدراكم ما هي تلك المعسكرات التي كان أبرزها تجربة وثراء وطنيا وإنسانيا معسكر الأشبال والزهرات في عذراء , شمالي دمشق بحوالي ثلاثين كيلوا مترا.
معسكر عذراء:
كان يقف على رأسه مناضل صلب قوي كالصخرة وعطوف مثل نبع ماء عب وهو عبد الكريم أبو عودة الذي اشتهر باسم "عبد السلام الأشبال "يساعده عدد من من الكوادر الفتحاويين البارزين مثل محمد يوسف جوده "أبو يوسف " خريج احد المعتقلات الشقيقة والذي أصبح من طاقم قيادتنا في السعودية , وعرابي وأبو رشيد ووليد تميم الذي أصبح من ابرز طيارينا وكذلك كان معنا مجموعه من الأخوات المناضلات جهاد درويش ,والأخت سبعه وهما مقاتلتان في الأغوار أصيبتا بجراح تركت أثارها في إحدى المهمات العسكرية , والأخ ملجم والذي اشتهر بالحاج كرنك , حيث كان مسئول عن مشتريات المعسكر وعندما كان ينهكه التعب , ويطلب منه الذهاب لشراء بعض الحاجيات , يفتح سيارته ويقول كرنك السيارة عاطل , والذي أصبح من أشهر سائقي السيد الرئيس ياسر عرفات رحمه الله ,
ولكن معكر عذراء :
كان يفيض كل صيف بمئات وآلاف من الأشبال والزهرات الفلسطينيين القادمين من مناطق ودول متعددة في العالم , فهذا وفد من السعودية , وذاك من الجزائر , وثالث من الإمارات , ومن مخيمات لبنان وسوريا والذي كان احد أهداف المعسكر إطعام اكبر عدد ممكن وتحمل عبئهم عن أسرهم مدة المعسكر , وهكذا من كل منفى وفد , ومن كل مسافة حضور , وكان الأبرز من تلك الوفود الكبيرة من الأشبال والزهرات هو ذلك القادم من الكويت "حيث أن الجالية هناك وصلت إلى قرابة النصف مليون , وكان على رأس الوفد دائما أبو الوليد , صائب صبري نصار الذي من خلاله أحاول بعث الذكريات " كان أبو الوليد يأتي دائما ومعه زوجته وأطفاله أيضا , وكانت تلك ظاهرة معتادة في زمن الثورة , فكثير من المشاركين في قيادة المعسكر , معسكر الأشبال والزهرات في عذرا كانوا يأتون ومعهم عائلاتهما , فلقد كان ذلك زمن له معاييره الخاصة به التي لا ترقى إليها معايير أخرى .
وكان وفد الكويت الذي يرأسه أبو الوليد :
يأتي دائما وهو يحمل معه أطنانا من اللوازم والتجهيزات على مختلف أنواعها التي تلزم المعسكر , خيم وبطاطين وحرمات , وأدوات كهربائية , وأدوات للطهي والطعام ,وادويه ومواد غذائية !!! وهكذا كانت معظم الوفود تجلب معها كل ما يحتاجه معسكر الأشبال والزهرات من مستلزمات , والمهم أن هذا الخليط المتنافر الذي يأتي من بيئات مختلفة , ومن ظروف متباعدة , أحيانا , سرعان ما يأتلف, ويعود الأشبال والزهرات من حيث اتو وهم يحملون ذاكرة واحدة وذكريات جميلة لا تنسى !!!واذكر في احد السنوات فوجئنا بالأخ أبو الوليد يدعونا لمشاهدة منظر غريب , وهو أن احد هذه الوفود القادم من مناطق جرداء , وجد أشجار الرمان وقد تدلت منها ثمارها التي لم تعقد بعد أزرارها الحمراء , فراح الأطفال يلتهمون تلك الثمار بنهم شديد !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!غير مدركين أنها لا تصلح بعد للأكل , وقد أصيب بعضهم بالإسهال وقد ذكرتني تلك الواقعة بالمفارقة الموجعة التي سجلها الشاعر الفلسطيني الكبير معين بسيسو في أوراقه الفلسطينية عن تلميذ فلسطيني من بلاد الموز ,طلب منه أستاذ الرسم أن يرسم على الورقة قرن موز ,فلم يستطع , واخذ يبكي , وقال لاستاذ الرسم انه لم يرى في حياته قرن موز واحد وهذه المفارقات كانت احد عوامل وأسباب أقامه هكذا معسكرات .
وأبو الوليد:
كان هادئا كبحيرة في حضن جبل , وكان يؤمن بدورة بشكل عميق وباستغراق كبير , وكان دائما يحدق في وجوه أولئك الأشبال والزهرات , ويقول لمن حوله مبتسما احلم الآن من منهم , سيرفع الراية فوق أسوار القدس ,
وأعظم ما أسعدني أن "أبو الوليد " نفسه, حمل جثمانه على الأكتاف, ودفن في مقبرة في القدس !!
وانه عاش , ورأى أطفال الاربيجي يصنعون المعجزة , وأطفال الحجارة يبعثون فلسطين حية من جديد , والأشبال الذين منح جزءا من حياته معهم , رآهم يكبرون ويدقون أبواب القدس عاصمة فلسطين بأيديهم !!!وان هي إلا لحظة ويتحقق الوعد وتكمل القافلة مشوارها الخارق الطويل.
معسكر الأشبال والزهرات في عذرا :
كان أكاديمية كبرى , تتجلى فيه فلسطين بأعظم تجلياتها , وأجمل حالاتها , وسر امتداداتها الكبرى , كان يقوم بالتدريب فيه نخبه من أشهر مدربي جيش التحرير الفلسطيني مازلت اذكر منهم المدرب القدير أبو عوكل والمدرب أبو منديل وغيرهم الذين بصرامتهم وقوه إيمانهم كانوا يدربون الأشبال وكأنهم جيش يستعد لمعركة , والغريب أن رغبتهم هذه كانت تلتقي مع رغبه الأشبال ,الذين كانوا يتحملون عناء التدريب بسعادة منقطعة النظير ,وكان الجميع يحرصون على زيارة المعسكر والمساهمة في انجاحة , قيادات فتح بدون استثناء , وابرز الكوادر يلقون المحاضرات , ويشرحون التجارب , والرئيس عرفات كان يحرص على زيارة المعسكر أكثر من مرة , وكان يحرص على أن يرعى حفل التخرج الكبير بنفسه !!
ولم لا:
ما دامت حركة الأشبال والزهرات كانت بمثابة القاعدة الرئيسية التي ينطلق منها استمرار الثورة , والتي ينطلق منها تواصل الحلم , وأبو الوليد ,كان واحدا من اؤلئك الرجال الشجعان الذين أسهموا في استمرار الثورة , وفي توهج الحلم
. فله التحية
ولروحه السلام
#فاطمه_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟