أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد الإحسايني - النقود المزيفة














المزيد.....

النقود المزيفة


محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 2128 - 2007 / 12 / 13 - 11:53
المحور: سيرة ذاتية
    


النقود المزيفة
شارل بودلير

بما أننا ابتعدنا عن مكان بيع التبغ، فإن صديقي قام بفرز متقن لنفوده؛ فقد انزلقت من الجيب الأيسر من صدريته قطع صغيرة من الذهب؛ ومن الجيب الأيمن قطع فضية؛ ومن الجيب الأيسر لسرواله الداخلي، ركام من الفلوس المعدنية التافهة، وأخيراً، انزلقت من الجيب الأيمن قطعة فضية من فئة فرنكين ظل يفحصهما فحصاً خاصاً.
قلت في نفسي: " تقسيم فريد ومدقق! ".
التقينا بئيساً مد إلينا قبعته مرتجفاً ـ ما كنت أعرف قط، تعبيراً أشد خوفاً من تعبير البلاغة الصامتة لهاتين العينين المتوسلتين اللتين تتضمنان كثيرا من الخزي في آن واحد، وكثيراً من الملام بالنسبة للإنسان رهيف الحس الذي يعرف أن يقرأ ما فيهما عن بصيرة. يجد الإنسان شيئاً ما، يقارب استمرار ذلك الشعور المعقد في أعين الكلاب الدامعة التي تُجلد سوطاً.
كان تَبرُّعُ صديقي أضخم كثيراً من تبرعي، فقلت له: " أنت على حق؛ فبعد كون المرء مندهشاً، لا يوجد في الأمر أدهى ممن سبب له مفاجأة ما، أجابني في هدوء كأنما ليبرر سلوكه في تبذير المال ـ كانت تلك القطعة النقدية مزيفة". لكنْ،دخلتْ بغتة في خلدي الوضيع المنشغل دائماً بالبحث منتصف النهار إلى الثانية بعد الظهر )يالها من قدرة متعبة أهدتنيها الطبيعة! (دخلت هذه الفكرة التي لم يكن سلوك مشابه من قِبَل صديقي قابلاً للغفران إلا من خلال الرغبة في خلق حدث ما، في حياة هذا الرجل المسكين، ولو للتعرف ربما على العواقب المختلفة المشئومة، أو على غيرها مهما يمكن أن تسببها قطعة نقدية مزيفة وقعتْ في يد سائل معوز. أفلا يمكنها أن تتعدد إلى قطع نقدية مزيفة؟ أولا يمكنها أن تقوده أيضاً إلى السجن؟ مثلاً، ربما يضبطه صاحب حانة، أو بائع خبز سكاّكاً لنقود مزيفة أو مروجاً لها، كما أن القطعة المزيفة ربما تصبح تماماً بالنسبة لمضارب صغير فقير الحال سبب اغتنائه لبضعة أيام. كذلك كان تصوري يتخذ مجراه، يعير أجنحة لعقل صديقي، فيستخلص الفوائد، والتخفيضات الممكنة، من جميع الفرضيات الممكنة.
بيد أن هذا الصديق قطع عني فجأة حبل أحلامي منكراً عليّ بكلماتي الخاصة ذاتها: " نعم أنت على حق، فلا يوجد من سرور اكثر لطفاً من مباغتة رجـل وأنت تهب له أكثر مما لايتمناه. " رنوتُ إليه قبالتي بإمعان، وكنت مرتعباً من أن أرى أن عينيه كانتا تلتمعان ببراعة لا جدال فيها. عندئذ، رأيت بوضوح أنه كان أراد الإحسان، وصفقة رابحة في آن؛ أن يكسب أربعين فلساً وحب الرب ورضاه؛ وأن يفوز بالفردوس اقتصادياً؛ وأخيراً أن يحصل مجاناً على براءة رجل محسن مبرور. فلو أنني أوشكت أن أسامحه عن رغبته، في الاستمتاع الإجرامي الذي حسبته قادراً عليه بعد قليل، لكنتُ قد وجدتُ غريباً وشاذاً أنه ما فتئ يلهو للإيقاع بالبؤساء في الشبهات؛ بيد أنني لن أسامحه عن غباوة حسابه، فغير مسموح أبداً أن يكون المرء خبيثاً، بل إن هناك شيئاً من الفضل، أي إن المرء أهل له، فأكثر الرذائل تعذراً إصلاحُه هو ذلك النوع المسيء إلى الناس من خلال ارتكاب الحماقة.



#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العام ما قبل الأخير من إشراقات باهتة
- سوسيلوجيا المناقشات في برنامج: -الاتجاه المعاكس-
- أغنية أعلى البروج
- الكلب والقارورة..... ش.بودلير
- عيون الفقراء
- في الواحدة صباحاً...........بودلير
- المغريات أو إيروس، وبليتوس ، والمجد
- هل الإنسان مجرد وهم؟
- اقتراني بالكتابة من زواج سري إلى رباط لاانفصام له
- الفضاء الروائي في المغرب متعدد ويرتبط بالإنسان أصلاً
- النسيم
- الحياة السابقة
- النوافذ لشارل بودلير
- من الدروس التي تعلمناها من نازك الملائكة
- الحس التاريخي
- ثرثرة في حقبة الهزيمة 1
- نعم ...أثر أرسطو في المناطقة العرب
- دليل رحلة رامبو
- إطلاق النار والمقبرة
- جواد أصيل شعر. لبودلير


المزيد.....




- نتنياهو: -بإمكان ترامب أن يقربنا- من اتفاق وقف إطلاق النار ف ...
- بايرن يفقد موسيالا  لـ-فترة طويلة- بعد تعرضه لإصابة في الشظي ...
- انطلاق -محاكمة القرن- في البرتغال
- حرائق اللاذقية تلتهم الغابات وتثير جدلا على المنصات.. ما الس ...
- الولاء ينتصر على الطموح.. نيكو ويليامز يكسر قلوب عشاق البارس ...
- خبير عسكري: تحديات سياسية وميدانية عميقة تواجه جيش الاحتلال ...
- فرحة يمنيين بفوز كروي بحضرموت تتحول إلى كارثة ومغردون يطالبو ...
- ماذا تعرف -آبل- عنك؟
- عائلات فلسطينية تخلي منازل يعتزم الاحتلال هدمها بمخيم طولكرم ...
- 8 شهداء في قصف إسرائيلي لمدرسة تؤوي نازحين غربي غزة


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد الإحسايني - النقود المزيفة