أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - جَثَامِينٌ فِي حَشَايَا الأَسِرَّة!















المزيد.....



جَثَامِينٌ فِي حَشَايَا الأَسِرَّة!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 2124 - 2007 / 12 / 9 - 10:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رزنامة الأسبوع 27 نوفمبر-3 ديسمبر 2007
الثلاثاء:
لدى إجابته على أسئلة الصحفيين عن موقف الحكومة من رفض بعض فصائل دارفور المشاركة في (مفاوضات سرت)، قال عبد المحمود عبد الحليم، مندوب السودان لدى الامم المتحدة: "إن عمليَّة السلام يجب ألا تكون رهينة لدى الفصائل المتمرِّدة .. ليس من العدل أن ينتظر (القطار) حتى يصل كلُّ راكب!" (الأيام ، 25/10/07).
هل تذكرون (قطار الانقاذ)، أوَّل عهدها، حين قيل إنه قد (تحرَّك)، وأن على من أراد (الركوب) أن يسرع، وإلا فاته؟! لقد كنا ظننا أن الانقاذ، لمَّا شبَّت عن الطوق، تجاوزت (حديث القطارات!) هذا، فعفا عليه الزمن، إذ لا بُدَّ أنها قد أدركت، بالتجربة المريرة، عدم جدواه في السياسة، كون (القطارات) تخضع، في الحقيقة، لـ (لوائح السكة حديد)، بينما تخضع السياسة لـ (قوانين الحراكات الاجتماعيَّة)!
لكن، ولأن بعض الظنِّ إثمٌ، فها هي الانقاذ تعود، في ما يبدو، وعلى لسان سفيرها في المنظمة الدوليَّة هذه المرَّة، إلى نفس (حديث القطارات) القديم البائر الكاسد الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى! أم تراها المشكلة، ببساطة، أن سعادة السفير لم ينتبه جيِّداً إلى ضرورة مراعاة (فروق الوقت) بين الخرطوم و .. نيويورك؟!

الأربعاء:
طالعت في صحف الأيام الفائتة بعض (الإعلانات) و(الاعلانات المضادَّة) مدفوعة الاجر في شأن شقاق د. فاطمة عبد المحمود مع أناس ينازعونها في أمر رئاسة (الاتحاد الاشتراكي)، ويعاركونها في أيّهم أحق به، ومَن منهم أخطر مسجِّل الاحزاب أوَّلاً! ضربت كفاً بكفٍّ، ضاحكاً، وأنا أردِّد بيني وبين نفسي: يا سبحان الله! غير أنني سرعان ما ألفيت خواطري تنصرف عن المسألة السياسيَّة في سيرة الدكتورة إلى حكاية طريفة وقعت لي معها بمدينة كييف، ذات مساء شتائيٍّ أواخر عام 1970م.
في ذلك المساء الصقيعيَّ المعكر الكابي عدت متأخِّراً شيئاً إلى نزلنا الطلابيِّ بضاحية لومونوصوفا. وعلى حين كنت أخطو إلى داخل المبنى المُدفأ، وأتوقف، هنيهة، لأزيل الثلج من حذائي الثقيل ذي الرقبة الطويلة بدعكه على الممسحة السميكة الخشنة أسفل البوَّابة الضخمة، سمعت موظفة استقبال النزل العجوز تخاطبني من ركنها خافت الضوء:
ـ "كمال! أين أنت؟! سيِّدة من أهاليكم سألت عنك، وقد انتظرتك طويلاً"!
لم تقل (زميلة) أو (طالبة) أو حتى (فتاة) .. قالت (سيِّدة) و(من أهالينا)، وهو أمر غير مألوف في علاقاتنا الطلابيَّة تلك، بالنظر إلى أعمارنا أوان ذاك!
ـ "أيَّة سيِّدة تعنين؟! إحدى زميلاتنا هنا في المدينة"؟!
قالت وهي توزِّع بريد الطلاب على صناديق مفاتيح الغرف:
ـ "لا لا .. سيِّدة بحق وحقيق .. أوَّل مرَّة أراها .. أظنها ضيفة قادمة من بعيد"!
سألتها وأنا أخلع القفازين وغطاء الرأس الصوفي:
ـ "وأين هي الآن؟! هل ذهبت"؟!
ـ "لا .. إستقبلها (أبو) وخالد عمر وحسن النور وآخرون وصعدت معهم".
ـ "غرفة من؟! في أيِّ طابق"؟!
ـ "كمال! ألا ترى أنني مشغولة؟! بطل الكسل وابحث بنفسك"!
ـ "حسناً! هل عندي بريد اليوم"؟!
ـ "لا"!
ناولتني مفتاحي. توجَّهت، أوَّلاً، إلى غرفتي، ووضعت أغراضي، ثمَّ صعدت مباشرة إلى الطابق الأول. لم يطل بحثي، فقد خمَّنت أنهم لا بُدَّ أن يكونوا في ضيافة أبو بكر الصائغ، صديقنا وزميلنا المرح الودود الذي سبقنا إلى جامعة كييف، والذي كان السوفييت ينادونه بـ (أبو) اختصاراً. وكان كريماً جداً، ومرتباً إلى أقصى حد، وشغوفاً لدرجة الهوس بحسن تدبير غرفته، واقتناء الملاءات والمفارش الجذابة، وأطقم المائدة البديعة، ومصابيح الاركان الجميلة. وبالفعل وجدت الجميع هناك يتحلقون حول شايه وكاكاوه وبسكوته (الما خمج)، على شرف الضيفة الاستثنائيَّة .. د. فاطمة عبد المحمود التي كنا نعلم أنها قد تخرَّجت، قبل ذلك، من كليَّة الطب بموسكو، وذهبت إلى السودان، حيث عملت طبيبة، وتزوَّجت من الفقيه القانوني المعروف، وعميد كليَّة القانون بجامعة الخرطوم، د. سعيد محمد احمد المهدي الذي هاجر، في وقت لاحق، للتدريس بالكويت. ثمَّ عادت فاطمة، في ذلك الوقت، لتتخصَّص في موسكو، ولتقضي عطلتي الصيف والشتاء، سنوياً، بين السودان والكويت.
تبادلنا التحايا الحارة، وعلمت أنها جاءت إلى كييف، صباح نفس ذلك اليوم، في بعض شأن تخصُّصها. وكانت تلك أوَّل مرة نلتقي فيها عن قرب. فرغم كثرة ذهابي إلى موسكو لم نكن قد تعارفنا إلا من بعيد لبعيد، هذه فاطمة وهذا كمال .. وخلاص، جرياً على تقاليد كانت تسود ، إلا في ما ندر، ولعدة اعتبارات، أجواء العلائق بين طلاب الشهادة الأساسيَّة وطلاب الدراسات العليا. لذا فقد كنت محتاراً في سبب سؤالها عني أنا بالذات عند قدومها إلى نزلنا، وفق ما أخبرتني موظفة الاستقبال! غير أن حيرتي لم تطل، إذ ما لبثت (السيِّدة) أن فاجأتني، كما فاجأت الزملاء جميعاً، بقنبلتها الداوية:
ـ "بالمناسبة يا أخ كمال أنا قبل شهرين جيت من الكويت مارَّة ترانزيت بمطار القاهرة، فلاقيت والدك ووالدتك جايين من الخرطوم ماشين يصيِّفوا في الاسكندريَّة. ولما عرفوا إني بحضِّر في موسكو سألوني إذا كنت بعرفك فقلت ليهم أيوه، فقاموا أدوني ليك تذكرة طيارة للخرطوم ذهاب وإياب ومبلغ 500 دولار عشان تمشي تقضي الاجازة الجاية في السودان"!
صعقت. وللوهلة الأولى لم أدر ماذا أفعل بأصابعي العشرة، على قول الحكيم كونفشيوس! فعلاوة على إحساسي العميق بأن في الأمر سوء تفاهم ما، أربكتني الابتسامات الخبيثة والنظرات الاكثر خبثاً التي رأيت الزملاء يتبادلونها في ما بينهم حيناً، ويسدِّدونها لي حيناً آخر! والحقيقة كنا كلنا طلاباً من أسر متواضعة باستثناء قلة منا. وبحكم غربتنا، ووجودنا المتقارب، على مدى سنوات، في الجامعة أو المسكن، كنا نعرف، تقريباً، كلَّ صغيرة وكبيرة عن أسرة كلِّ منا. فمن أين لأحدنا، فجأة، بوالد ووالدة (يصيِّفان) في الاسكندريَّة ويبعثان لإبنهما بتذكرة ذهاب وإياب بالطائرة لقضاء الاجازة في السودان، ومعها 500 دولار .. كمان، علماً بأن ذلك المبلغ كان يعادل منحة الطالب الاجنبي لقرابة عامين، وأنني، شخصياً، وعلى مدى خمس سنوات هي مدة دراستي، لم أكبِّد والدي الذي كان ضابطاً صفوفياً متواضع الرتبة بالسلاح الطبي سوى قيمة تذكرة من القاهرة إلى الخرطوم وبالعكس لقضاء عطلة صيف واحدة فقط، بعد أن وفرت من منحتي قيمة تذكرة الباخرة من ميناء أوديسا إلى ميناء الاسكندريَّة، ذهاباً وإياباً، بالاضافة إلى تكلفة التاكسي من الاسكندريَّة إلى القاهرة وبالعكس! وكي أكون دقيقاً فقد بعث إليَّ أيضاً، رحمه الله، بمبلغ 15 جنيهاً، أيام كان الجنيه السوداني يساوي حوالي 3 دولار (!) وذلك كي أتمكن من شحن كتبي ومتعلقاتي الأخرى عند تخرُّجي وعودتي النهائيَّة إلى الوطن!
إنتبهت إلى أن الدكتورة كانت، أثناء طقس النظرات والابتسامات الخبيثة تلك، قد فتحت حقيبة يدها الأنيقة، وشرعت في إخراج التذكرة وأوراق العملة الأمريكيَّة من مظروف أزرق مكتوب عليه، بخط واضح قرأه الجميع: (إبننا العزيز كمال الجزولي)! رغم ذلك رفضت استلام (الأمانة) .. وأيَّة (أمانة) يا أخي! إنها، والله، مصيبة زمان توشك أن تقع على أمِّ رأسي!
ـ "عارفة يا دكتورة .. الموضوع ده قطِع شك فيهو سوء تفاهم .. كدي خلي الحاجات دي معاك، وأصلو نحنا كلنا حنتلاقى بعد حوالي شهر في موسكو عشان المؤتمر العام لاتحاد الطلاب. وطبعاً الناس حيجو من كل المدن، ودي مناسبة كويسة نقدر نعرف فيها إذا كان في طالب تاني إسمو برضو .. كمال الجزولي"!
عندئذٍ فقط انقشعت نظرات وابتسامات التبكيت الخبيثة، وحلت محلها شتى تعبيرات الاقناع (المستهبلة)، يحاول الزملاء حثي بها، دون جدوى، على استلام (الأمانة)، وبالأخصِّ الدولارات، إذ كان لكلٍّ منهم مأربه فيها دون شك، و ..
ـ "ياخ أمسك حاجاتك عليك ما تتعب الدكتورة ساي .. علي الأيمان إنت المقصود .. أصلو ما معقول يكون في كمال الجزولي تاني .. كنا على الأقل سمعنا بيهو .. ولا مش كده يا دكتورة .. الخ الخ"!
غير أنني رحت أقاوم، وبشدَّة، كلَّ صنوف (الوسوسة الخنَّاسة) تلك، مستخدماً كلَّ حُجَّة خطرت لي في تلك اللحظات:
ـ "يا خوانا عليكم الله خليكم عاقلين .. مصيف شنو ومايوهات شنو؟! أنا ذاتو ياجماعة أمي ما بتعرف تعوم، وابوي ده ذاتو أنا أصلو ما بتذكر شفتو مشى البحر .. الخ الخ"!
رويداً رويداً، وتحت إصراري الشديد على أنني لست المقصود، بدأت عدوى الشك تنتقل أيضاً إلى الدكتورة، فما كلُّ يوم يرفض طالب رقيق الحال مبلغ 500 دولار وتذكرة طائرة إلى الوطن! وهكذا وافقت، في النهاية، على اقتراحي بأن تحتفظ بـ (الحاجات) حتى نلتقي الشهر القادم في مؤتمر الاتحاد، حيث لكلِّ حادث حديث.
خيبة الأمل التي انتابت الزملاء كانت كبيرة، فاستهدفوني، ردحاً من الزمن، بانتقاماتهم الصغيرة. طلبت من حسن النور، مرَّة، وكان في طريقه إلى الدكان لشراء بعض الخبز، أن يحضر لي معه كأس زبادي لا يزيد ثمنه عن ملاليم، لكنه أجابني، وهو يتعمَّد تبكيتي بضحكاته العالية:
ـ "أمشي خلي الدكتورة تفك ليك مية دولار .. باشا وشحاد؟! والله عجيبة كمان"!
إلتقينا في المؤتمر. ولجأنا للمسئول الأكاديمي في قيادة الاتحاد نستعين بسجلاته، فاتضح أن ثمَّة بالفعل طالب آخر إسمه مطابق لاسمي، وكان شقيقه الأكبر كابتناً بسودانير ، وكان وضعه المادي مريحاً جداً، بالاضافة إلى أن امتيازاته المهنيَّة كانت توفر له ولأسرته عدداً من التذاكر المجانيَّة كلَّ سنة.
هكذا أمكن وضع حدٍّ لحيرتي، بمثلما أمكن وضع حدٍّ لقلق الدكتورة. لكن الحكاية نفسها لم تنته، فقد شاعت في أروقة المؤتمر، ووجدت من التداول والرواج ما لم يجد خطاب الدورة، ولا التقرير المالي، ولا مشاريع القرارات، بل ولا انتخاب القيادة الجديدة!

الخميس:
كشفت محاكمة المعلمة البريطانيَّة جيليان غيبونز عن قصور كبير في تشريعنا الجنائي بشأن جريمة (إهانة العقائد الدينيَّة). فالمعلوم، من زاوية العلوم الجنائيَّة، أن كلَّ (جريمة) لا بُدَّ لوقوعها، بهذه الصفة، من توفر واقتران ركنين اثنين، بحيث إذا انعدم أحدهما صارت (الجريمة) نفسها منعدمة بتاتاً، فيتعيَّن تناول الحدث من زاوية مختلفة تماماً عن (القانون)، كالأخلاق مثلاً. ذانك الركنان هما (الركن المادي) و(الركن المعنوي). الأوَّل هو (الفعل) نفسه، أما الآخر فهو (نيَّة) الفاعل، أي حالته الذهنيَّة ساعة ارتكابه (الفعل)، والتي ينبغي إثبات أنها قد انصرفت، بالكليَّة، إلى ترتيب (أثره) الراجح، لا غير. لكن المشرِّع اكتفى، في شأن المادة/125 من القانون الجنائي لسنة 1991م، بوصف (الفعل) الذي يشكل (الركن المادي) من جريمة (إهانة العقائد الدينيَّة)، وتحديد عقوبتها، دون أن يشير، من قريب أو بعيد، إلى وجوب توفر (الركن المعنوي) الذي هو (نيَّة) الفاعل من وراء (فعله).
هذه (الفجوة) الخطيرة، والناجمة عن نهج التشريع الخاطئ في الغرف المغلقة، بمعزل عن رقابة ومشاركة الرأي العام، وبالأخص الرأي العام المهني، تفتح الأبواب على مصاريعها أمام احتمالات الأخطاء الجسيمة في التطبيقات القضائيَّة. وإنها لكذلك، ليس من زاوية التشريع الوضعي فحسب، وإنما أيضاً من زاوية الشريعة الاسلاميَّة، حيث القاعدة الراسخة هي: "إنَّما الاعمال بالنيَّات وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى" (رواه البخاري). و(النيَّة) حالة عقليَّة باطنيَّة عصيَّة، بطبيعتها، على الانكشاف للآخرين إلا ببذل أقصى الجهد في (التبيُّن) الذي يعني (التثبُّت) و(التحقق). فإذا لم تستبن، بعد كلِّ هذه التدابير، أو قام الشكُّ في أمر وجودها، ولم يتبقَّ سوى محض الظنِّ، انعدمت كلُّ مبرِّرات أخذ المتهم بجريرة (الفعل) المجرَّم. تلك قاعدة ملزمة وواجبة الاتباع في كلِّ الظروف. وليس أدلُّ على ذلك من قوله تعالى: "إن يتبعون إلا الظنَّ وإنَّ الظنَّ لا يغني من الحقِّ شيئاً" (28 ؛ النجم). ومن ثمَّ جاء التوجيه القرآني: "يا أيُّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ (فتبيَّنوا) أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" (6 ؛ الحجرات). وفي الحديث الشريف: "ألا إنَّ (التبيُّن) من الله ، وإنَّ العجلة من الشيطان، فتبيَّنوا". ولا تصلح خشية القاضي من افلات بعض المجرمين من العقاب مبرِّراً للتحلل من الالتزام الصارم بهذا التوجيه. فلئن كانت القاعدة الذهبيَّة في التشريع (الوضعي) هي: "لئن يفلت مائة مجرم من العقاب خير من أن يدان برئ واحد"، فإن القاعدة (الشرعيَّة) التي صاغها الخليفة الرابع بإحكام هي: "لئن يخطئ الامام في العفو خير من أن يخطئ في العقاب" (نهج البلاغة).
موافقات الفطرة السليمة للوحي الالهي بشأن قواعد العدالة لا حصر لها. وما تقدَّم محض نموذج فحسب لما يمكن أن يؤول إليه حال التشريع حين لا يستهدي، لا بالوحي ولا بالفطرة، ثمَّ ينسب هذا أجمعه إلى (الشريعة الاسلاميَّة)!
الفقر سئ، والمرض سئ، والجهل سئ، والفساد سئ، والحرب سيِّئة جداً، لكن، ولأن (العدل) يبقى، في كلِّ الاحوال، (أساس الملك)، فإن أحوج ما نحتاجه، في جدول أولويَّاتنا الكثيرة، وبأعجل ما يمكن، ولو في ساعتنا الخامسة والعشرين هذه، هو الإصلاح القانوني والقضائي الشامل! هذا أو .. الطوفان!

الجمعة:
شقيقان فقيران جداً، من ولاية بيراك الماليزيَّة، توفي والدهما لي ينج فوك، عام 1987م، عن عمر يناهز الستين. ليس هذا هو الخبر بطبيعة الحال، فالموت صنو الحياة، كما وأن الفقر، في عالمنا الثالث، أصبح، في ما يبدو، صنوها أيضا! الخبر هو أنهما، ولعدم استطاعتهما سداد نفقات الجنازة، ولكونهما مقطوعين من شجرة، قاما بإخفاء جثمان الوالد، عليه رحمة الله، تحت حشيَّة سرير بمنزلهما، وواصلا العيش هكذا مع رفاته طوال السنوات العشرين الماضية. هل يمكنكم تصوُّر هذا؟! ولا أنا!
الشاهد أن صديقاً لهما اكتشف الأمر، قبل أسابيع قلائل، وبالمصادفة البحتة، فتكفل بنفقات جنازة لائقة للمرحوم، أو قل لـ (هيكله العظمي!)، بعد مرور عقدين من الزمان على رحيله! لكن، ولأن أمور الفقراء لا تمضي، في العادة، على ما يرام، فقد رفض الحانوتي ترتيب الجنازة، وأبلغ عن المسألة، فجاءت الشرطة، وسرعان ما تحوَّلت الحكاية إلى (مِيتة وخراب ديار)!
قد يعتقد بعض الطيِّبين (حسني) النوايا أن حالة الفقر عندنا لم تبلغ، بعد، حدَّ (دسِّ) جثامين الأحباب في حشايا (العناقريب)، أو، بالاحرى، (لفلفتها) في ثنيَّات حبالها! وقد يكون الحق معهم في هذا الاعتقاد، بالطبع، إذا أخذنا المعنى حرفيَّاً. سوى أن نظرة عابرة إلى صفحات (أنفاس المساكين) و(إلى ذوي القلوب الرحيمة) أو ما إلى ذلك من عناوين هذا النوع من الصفحات المتخصِّصة ببعض صحف الخرطوم اليوميَّة، بل وأبسط من ذلك كله نظرة عابرة إلى الناس من حولك، في الحافلات والمركبات العامَّة، في الشوارع ومواقف المواصلات، في الاسواق والاحياء الطرفيَّة، تكفي، يقيناً، لعكس صورة الكمِّ الهائل من الجثامين (الأحياء)، والهياكل العظميَّة التي ما تزال تتنفس، وإن لم تكن مدسوسة داخل حشايا ما أو تحتها، بل هائمة على وجوهها في الطرقات، أو ملقاة فوق حبال عناقريب عارية متهتكة .. إن كان ثمَّة فرق!
لقد كان مِمَّا برَّر به الاسلامويُّون، صبيحة 30/6/1989م، لانقلابهم على الديموقراطيَّة، تفاقم (الأزمة الاقتصاديَّة!)، وازدياد (نسبة الفقر!)، وتدنى خدمات (الصحة!) و(التعليم!) بسبب انشغال (أهل الاحزاب!) بالصراع السياسى عن مراعاة (الفقير!) و(المسكين!)، وعن التخطيط (السليم!) لـ (الاصلاح!) و(النهضة!)، حتى انتشرت "الأعمال الهامشيَّة الضارَّة من تهريب وتجارة عملة وسمسرة فى مواد التموين والأراضى ورخص الاستيراد والتصدير، و .. برزت فى المدينة شرائح يزداد غناها .. دون جهد أو عرق ، وشرائح أخرى يقتلها الفقر .. رغم الجهد والعرق!" (راجع: البيان الأول).
وللمرء أن يندهش، بل ويحتار، ما شاء له الله: هل كان ذلك وصفاً للاحوال صبيحة الانقلاب أم هو وصف لها اليوم؟! إن الأرقام الباردة لعلاقات الفقر فى بلادنا لتقطع تماماً بأن (الانقاذ) هي التي دفعت بالبلاد دفعاً إلى هذا المآل خلال سنواتها الثمانية عشر. فوزير الدولة بوزارة الماليَّة لشئون التنمية الاجتماعيَّة، مثلاً، كان قد حدَّد نسبة الفقر، مع مطلع الألفيَّة، بحوالي 37% (الخرطوم ، 7/6/2001م). وإذا تجاوزنا البيانات العالميَّة التي أكدت، وقتها، أن تلك النسبة قد بلغت 96%، فإن تقريراً محليَّاً شبه رسميٍّ سبق أن أفاد بأن تلك النسبة التي حدَّدها الوزير كانت ، فى الواقع ، نسبة الفقر الغذائى عام 1978م، أي أوان التحاق الجبهة الاسلاميَّة بمؤسَّسة السلطة في ما عُرف بـ (حكومة الوفاق) برئاسة الصادق المهدي! أما نسبة الفقر عام 1998م، أي بعد أقلِّ من عشر سنوات من انفراد النخبة الاسلامويَّة بالسلطة عام 1989م، فقد قفزت، وفق تقديرات الدراسة نفسها، إلى 87% في المناطق الحضريَّة! وأما في الريف فإن 83% يعيشون تحت خط الفقر! وقدَّر التقرير تزايد نسبة الفقر بمعدل سنوي مقداره 4,6% خلال الفترة 1978م ـ 1992م ، وهي ذات الفترة التي شهدت نفوذاً متصلاً للاسلامويِّين فى السلطة .. إلا بضعة أيَّام! وخلص التقرير ، من هذا ، إلى أن 89% من سكان السودان فى العام 1998م كانوا فقراء (التقرير الاستراتيجى السودانى ، 1998م).
ما لبثت الانقاذ أن دشنت برنامجها الاقتصادى الثلاثى (1990 ـ 1993م) لإنجاز (الاصلاح) و(النهضة) و(الرفاه)، أو كما قالت! لكنها سرعان ما عادت لتعلن الخطة العشريَّة (1992 ـ 2002م)، بالتعويل التام على سياسات التحرير الاقتصادي، تحت إشراف عبد الرحيم حمدي، والتى نقلت الدولة السودانيَّة، نهائياً، من خانة (الرِّعاية) إلى خانة (الجِّباية)!
ورغم أن البنك الدولي هو صاحب (روشتات) تلك الخطة، فقد بدا، فى تقويمه لها، متنصِّلاً، هو نفسه، عن مسئوليَّتها، حيث حرص على تأكيد أن الانقاذ فرضت تلك الوصفات على نفسها بنفسها! بل وانتقدها، فى تقريره القطرى لعام 2003م حول (سياسات الضبط البنيوى والترسيخى)، بأنه ، رغم حدوث (نمو) بمعدَّل 6% فى المتوسِّط، إلا أن الفقر يتفاقم ، والدخول تزداد تبايناً ، كدليل على سوء توزيع عائدات الثروة ، وهو ما لا يمكن علاجه بدون اتباع سياسات قصديَّة منحازة للفقراء Pro-Poor Politics! هكذا انقلب البنك الدولى نفسه يبكى على مصائر فقراء السودان، ويقترب من الفلسفة المعتمَدة لدى برامج دوليَّة أخرى، كبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP الذى يركز على البعد الاجتماعى فى السياسات الاقتصاديَّة، بأكثر من معايير (النمو Growth)، الأمر الذى يعنى تحجيم (حريَّة) السوق المنفلتة بتدخل الدولة لـ (رعاية) الفقراء! وإذا عُرف السبب بطل العجب ، فالخطة العشريَّة لم تكتف بالفشل فى دعم (الفقراء) و(المساكين) و(أبناء السبيل)، فحسب ، بل انتهت باقتصاد البلاد كله إلى الانهيار الشامل (راجع: كبج؛ إقتصاد الانقاذ والافقار الشامل، كيمبردج 2003م).
وزير الدولة بالماليَّة الذي حدَّد تلك النسبة المتواضعة للفقر عام 2001م، أعلن عن خطة استراتيجيَّة لمحاربته خلال خمس سنوات فقط (إنتهت عام 2006م!) فضلاً عن خطة إسعافيَّة تغطى ما كان متبقياً من عام 2001م ، بتكلفة قدرها 26 مليار دينار (الخرطوم ، 7/6/2001م). وأعلنت وزارة الرعاية الاجتماعيَّة ، وقتها ، عن رصد مبلغ 4.9 مليار دينار لتغطية 825 ألف أسرة فقيرة ، ومبلغ 2.6 مليار دينار لإخراج 27.660 أسرة من دائرة الفقر ، ومبلغ 914 مليون دينار لأبناء السبيل ، ومبلغ 3 مليار دينار لدعم الطلاب (المصدر).
لم يكن أقصى مقاصد تلك الخطط والمشروعات، بعناوينها الفخيمة، وأرقامها المهولة، سوى حمل الناس، فحسب، على الاستمرار فى التطلع إلى السَّراب، والتعلق بحبال الأمل، وفق المثل السودانى (الحارى ولا المتعشى)، وذلك بالمراهنة على الذاكرة الضعيفة، والطاقة التوثيقيَّة الأضعف! وإلا فما الذى يمكن أن نستنتجه من اضطرار رئيس الجمهوريَّة للتدخل بنفسه لتوجيه (اللجان الشعبيَّة) لعمل مسوحات اجتماعيَّة شاملة فى الأحياء لمعرفة الأوضاع المعيشيَّة للمواطنين (الصحافة، 18/3/05) ، وذلك بعد ما يقارب الستة عشر عاما من الانقلاب، والخمسة عشر عاماً من تدشين (البرنامج الثلاثى، 1990 ـ 1993م)، والأربعة عشر عاماً من إطلاق (الخطة العشريَّة، 1992 ـ 2002م)، والأربع سنوات من إعلان وزارة الرعاية الاجتماعيَّة (خطة محاربة الفقر، 2001 ـ 2006م) ، و(الخطة الاسعافيَّة للنصف الثانى من عام 2001م)، دَعْ (الخطة ربع القرنيَّة) التي أعلنت لاحقاً، و(النفرة الزراعيَّة)، وما إلى ذلك من (كلام كبار كبار!)، فضلاً عن (ورقة تقليص الفقر الاستراتيجيَّة) التي أعدَّت بالتعاون مع البنك الدولي، والتي اعتمدت مفهوم (الفقر) بمعايير (الحرمان Deprivation) ، أى عدم القدرة على الحصول على خدمات الصحة والتعليم والمواصلات والتلفزيون والهاتف وغيرها من حاجات (التنمية البشريَّة) والانسانيَّة الضروريَّة بالمفهوم الحديث، وليس مجرَّد عدم الحصول على الطعام والسكن .. الخ؟!
كلُّ ذلك (النفخ) ذهب أدراج الرياح، ولكن السؤال: من أسلم بلادنا إلى كل هذا الفقر؟! للاجابة، هنا، على هذا السؤال لا نحتاج للرجوع إلى مجلدات ضخمة عن أساليب النشاط الاقتصادى الطفيلى ، وطرائق المراكمة البدائيَّة لرأس المال ، وعن أثرياء السودان الجدد الذين (هَبَرُو) و(مَلـُو) دون محصول يُحصد ، أو ضرع يُحلب ، أو ماكينة تدور "بئر معطلة وقصر مشيد!"، بل سنكتفى بالاشارة فقط إلى الجانب الأخطر فى هذه الأساليب والطرائق: (النهب من المال العام)! ففى 17/6/2001م ، قبيل عام واحد تقريباً من نهاية (الخطة العشريَّة ، 1992 ـ 2002م)، وعلى حين كانت وزارتا الماليَّة والرعاية الاجتماعيَّة تعلنان عن (خطة محاربة الفقر خلال خمس سنوات ، 2001 ـ 2006م)، و(الخطة الاسعافيَّة للنصف الثانى من عام 2001م) ، كان رئيس الجمهوريَّة يعلن ، فى مؤتمر صحفى ، أن ما نهب من المال العام خلال الأشهر الثلاثة عشر السابقة بلغ 4.400.000.000 جنيهاً (بالقروش القديمة)! وفى العام التالى (2002م) أعلنت بيانات رسميَّة أن نسبة الفقر بلغت 95%! وفى ديسمبر 2003م أعلن المراجع العام أن ما نهب خلال العام السابق ، بلغ 1.682.620.000 جنيهاً. ثم عاد وأعلن فى ديسمبر 2004م أن ما نهب فى نطاق الحكم الاتحادى وحده ، خلال السنة الماليَّة المنقضية ، بلغ ، بدون القطاع المصرفى ، 3.960.000.000 جنيهاً ، بنسبة زيادة 235% مقارنة بالعام السابق! وخلال العامين التاليين استمر الحال على نفس هذا المنوال، بل تفاقم بذات هذه المتوالية الشيطانيَّة! وتبدو المفارقة مريعة إذا علمنا أن ما تم رصده، مثلاً، فى ميزانيَّة 2005م للتنمية فى القطاع المطرى التقليدى كله ، الذى يشمل 65% من سكان السودان ، لا يزيد عن 3.300.000.000 جنيهاً!
فى التفاصيل أوضح المراجع العام أن النهب اتخذ صورة (خيانة الأمانة) بنسبة 73%! فإذا لم تكن (خيانة الأمانة) متصوَّرة، عقلاً ومنطقاً، إلا مِمَّن جرى (تمكينه) مِن هذه (الأمانة)، فإن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن النخبة الاسلامويَّة رفعت، منذ أول عهدها، شعار (استخدام القوى الأمين)، لا بمعيار (التفوُّق) الأكاديمى أو المهنى، وإنما بمعيار (الولاء) لنظامها! فجرى، بدعوى (الصالح العام)، تشريد آلاف العاملين من أهل (الكفاءة)، وإحلال أهل (الولاء) محلهم ، باعتبارهم وحدهم (الأقوياء) و(الأمناء)! فهل ما يزال السؤال الساذج قائماً عمَّن نهب المال العام؟! وعمَّن رمى ببلادنا في أوضاع الفقر المزرية هذه؟! وعمَّن حوَّل غالب شعبنا إلى (جثامين) تفترسها الأمراض، من الملاريا إلى حمَّى الوادي المتصدِّع، حتى ضاقت عليها المقابر بما رحبت، فباتت تنتظر (الدسَّ) في حشايا الأسِرَّة، أو (اللفلفة) في ثنايا (العناقريب)؟!

السبت:
بالخميس، أوَّل أمس، خرج الصديقان الصحفيان المرموقان محجوب عروة ونور الدين مدني من عتمة الزنازين إلى فضاء الدفاع عن الحريَّة. واليوم حملت الصفحة الأولى من صحيفة (السوداني) صورتهما، لحظة خروجهما من بوَّابة السجن، وهما يرفعان قلميهما، ويبتسمان بإشراق، ولسان حالهما يردِّد قول العقاد: "وَكنتُ جَنِينَ السِّجن تِسعة أشهُر/ وها أنذا فِي سَاحَةِ الخلدِ أولدُ"! هل وصلت الرسالة؟!

الأحد:
(الخيانة) ساحرة غابرين، لا أقبح ولا أكثر لؤماً! سوى أنها ما تنفكُّ تتراءى لحسني النوايا، من على البعد، ولطيِّبي الطوايا، كأبهى ما يكون البهاء، بدهانات سحرها الخيدع ومساحيقه، وكأجمل ما يكون الجمال، حتى إذا ما لامسوها، من قريب، تكشفت عن غول بعين واحدة، وثلاثة أنوف، وخمسة أفواه، وعشرة ألسن، ومئة ضرس، وألف مخلب وناب!
و(الخوَّان) رفيق درب تحسبه أنت طويلاً، بينما يُضمِر هو تقصيره عند أوَّل نازلة! ومع ذلك لا يكاد يكفُّ لحظة عن شحن صماخ أذنيك بالدعاوى الكبيرة عن خصائص النبل، وشِيَم المروءة، وصِفات البسالة، وخصال الشهامة، وسائر ما ندر وعظم وجلَّ من الفضائل، حتى إذا وقعت الواقعة، واشتدَّ الخطب، شمَّر للهرب، وكشف عن ساق، ليتكشف عن محض أبقع، أقطع، فهيه، وضيع، مهشَّم الدواخل، محتشد بالدنايا، خلوٍّ من أيَّة مكرمة، ووالغ حتى أسنانه في الرَّوع والهزيمة!
أبشع ما في (الخيانة) أنها تأتي، حين تأتي، مِن أخي ثقة، وقد اطمأننت إليه، وائتمنته على ظهرك، مثلما سددت ثغره، وحميت ظهره، وأنتما بإزاء خطر واحد، فإذا به ينسلُّ، على حين غرَّة، يدبِّر تدابيره، ويرتب تراتيبه، لينقشع، بغتة، من ورائك، مثل سحابة عابرة، ويتبخَّر، دونما جلبة، كما غاز الميثانول، مخلفاً فيك ثغرة فاغرة تنفذ إليك منها كلُّ صنوف الساحِق والماحِق، بينما يسارع هو إلى اللواذ بمأمنه الجديد، مطمئناً على نجاته وحده، ولو خصماً من حساب روحك ودمك وأيامك المتبقية في هذه الفانية! فسلام عليك، مهما يكن من أمر، أيُّها الساري وحدك في شرايينا، بانتباهات الفرسان السديدة، كما وبغفلاتهم النبيلة .. سلام!

الإثنين:
فوج سياحي أمريكي حلَّ على لندن. وقرَّر أحد أفراده أن (يزوغ) من برنامج المجموعة كي يأخذ حريَّته في التعرُّف على المدينة (بطريقته) الخاصَّة. وبالفعل ابتاع خريطة أخذ يتجوَّل، مسترشداً بها، من منطقة إلى منطقة، ومن شارع إلى شارع. وكان، كلما صادفته حانة، وما أكثرها، يدلف إليها ليعبَّ الجعة، كوباً وراء كوب! وما أن انتصف النهار حتى أحسَّ بأنه (مزنوق) جدَّاً وبحاجة إلى حمَّام! لكنه ألفى نفسه يضرب، بلا هدى، في منطقة هادئة يبدو على مبانيها الطابع الرسمي، دون أن يقع على أيِّ حمَّام عمومي! ولمَّا طال تجواله، وبلغ به النَّصَبُ و(الزنقة) مبلغاً، قرَّر أن يفعلها على جدار أوَّل مبنى حكوميٍّ صادفه! عند ذاك، فقط، أطلَّ رجل شرطة شمعيُّ الوجه، وأفهمه أن ذلك ممنوع هنا! شعر الامريكي بالحرج، فاعتذر للشرطيِّ طالباً منه أن يرشده إلى المكان الصحيح لأنه يحتاجه بشدَّة! إقتاده الشرطيُّ إلى بوَّابة مبنى في الجوار، دفعها، فانفتحت على حديقة فسيحة، وأشار إليه بما يعني أن بإمكانه أن (يفعلها) هنا! دخل الأمريكي، وغاب لدقائق، ثمَّ عاد مفترَّ الثغر عن ابتسامة واسعة، وتوجَّه نحو الشرطيِّ قائلاً:
ـ "أعجز عن العثور على كلمات أعبر لك بها عن جزيل شكري، هل هذا ما تسمونه الكرم الانجليزي"؟!
ففوجئ بالشرطيِّ يجيبه بصوت بارد:
ـ "لا يا سيدي، هذا ما نسميه .. السفارة الفرنسيَّة"!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قُبَيْلَ حَظْرِ التَّجْوَالْ!
- قَانُونٌ .. دَاخلَ خَطِّ الأَنَابيبْ!
- أَلاعِيبٌ صَغِيرَةْ!
- النَيِّئَةُ .. لِلنَارْ!
- أوريجينال!
- يَا لَلرَّوْعَةِ .. أَيُّ نَاسٍ أَنْتُمْ؟!
- وَمَا أَدْرَاكَ مَا .. حَدَبَايْ!
- كَابُوسُ أَبيلْ!
- غابْ نَجْمَ النَّطِحْ!
- بُحَيْرَةُ مَنْ؟!
- دِيْكَانِ عَلَى .. خَرَاب!
- صُدَاعٌ نِصْفِي!
- كَجْبَارْ: إِرْكُونِي جَنَّةْ لِنَا! - سيناريو وثائقي إلى رو ...
- عَوْدَةُ الجِّدَّةِ وَرْدَةْ!
- الحُرُّ مُمْتَحَنٌ!(صَفْحَةٌ مِن مَخْطُوطَةِ ما بَعْدَ السِّ ...
- طَاقِيَّتي .. التشَاديَّةْ؟!
- كانْ حاجَةْ بُونْ!
- إنتَهَت اللَّعْبَة!
- سَفِيرُ جَهَنَّمْ!
- برُوفيسورَاتُ تُوتِي!


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - جَثَامِينٌ فِي حَشَايَا الأَسِرَّة!