أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - غابْ نَجْمَ النَّطِحْ!















المزيد.....



غابْ نَجْمَ النَّطِحْ!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 2003 - 2007 / 8 / 10 - 11:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رزنامة الأسبوع 31 يوليو-6 أغسطس 2007
الثلاثاء:
طقس استوائيٌّ ينشعُ ، هذا الفجر الباكر ، نشعاً في أنحاء غرفتي الهادئة بفندق (آفريكانا) بالعاصمة اليوغنديَّة ، وثمَّة مطر ناعم ينث نثيثاً رائقاً على زجاج نافذتها البانوراميَّة ، واعلم ، يا رعاك الله ، أن هذا مِمَّا يعدل المزاج للتفكير ، ويفتح النفس للتأمُّل العميق ، ويستثير الشهيَّة للانكباب على عمل ذهنيٍّ ممتع. هكذا أخرجت جهاز الكمبيوتر المتنقل من حقيبته الصغيرة ، وأدرته على (قذاذات وجُذاذات) صديقي الأديب العالم د. عمر شاع الدين التي يعتزم إصدارها في كتاب شرَّفني بأن عهد إليَّ بوضع مقدِّمة له ، بعد أن حصل على موافقة مبدئيَّة متحمِّسة لطباعته من مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأم درمان ، وهو سنخ من التآليف الطليقة يزاوج بين المتعة والفائدة ، ضارباًً ، بتمكث وتدقيق ، في مراعي اللسان والأدب العربيَّين ، فصيحهما وعامِّيهما ، وبوجه مخصوص لدى مستعربة السودان الناطقين بلهجات ملوَّنات في لغة الضاد ، فعددت ذاك من كثير حسن ظنه بي ، أكرمه الله ، فما أحسب أن لي في فسيح مُراحه هذا سوى حلب القعود!
مادَّة الكتاب هي نفسها مادَّة عمود شاع الدين اليوميِّ بجريدة (الصحافة) ، والذي ما انفكَّ يتحف به قرَّاءه ، بذات العنوان ، خلال الفترة الممتدَّة من 30/9/2003م إلى 23/1/2007م. وظنِّي أنه ، مع عكوفه المشهود على هذا الجهد منذ سنوات السبعين من القرن المنصرم ، وهو مَن نعرف خياراً مِن خيار مِمَّن تبقوا لنا من اهل الحسِّ اللغويِّ المبصر ، فإنما حدا به ، ولا بُدَّ ، لإيلائه مزيداً من عنايته ، خلال السنوات القلائل الماضيات بوجه مخصوص ، وقوفه ، متأسِّياً ، على ما آل إليه حال العربيَّة في بلادنا من اهمال وتردٍّ في معاهد العلم ، ومن احتطاب جزافيٍّ في غالب ما تنشر الصحف ، وما تبث أجهزة الاعلام المسموعة والمرئيَّة ، بل ومن استخفاف بها وتنصُّل عنها ، وهو الأدهى والأمَرُّ ، لدى كثير من كاتبي الجماعة المستعربة في بلادنا ، ناشئتهم بالأخص ، مِمَّن اتفق لهم إضافة هذه اللغة اعتباطاً ، بل زوراً وبهتاناً ، إلى مصدر الضيم الذي يستشعرون في المعاش والتعليم والثقافة! وها هو شاع الدين يحسن صنعاً إذ يجمع ما نشر في ذلك العمود ، حتى أواخر يناير من هذا العام 2007م ، ويشرع في تحريره بين دفتي كتاب ، فالكتاب أبقى أثراً وأعمق تأثيراً من محض مطالعة عابرة في صحيفة يوميَّة.
و(القذاذات) ، لغة ، بضمِّ القاف ، وواحدتها (قذاذة) ، هي ، وفق ابن منظور ، ما سقط من قذ الريش ونحوه ، وأيضاً القطع الصغار تقطع من أطراف الذهب. أما (الجُذاذات) ، بضمِّ الجيم أو كسرها ، والضمُّ أفصح ، وواحدتها (جُذاذة) ، فهي قِطَعُ ما كسِّر من الشئ الصُّلب ، كقِطع الفِضَّة الصِغار ، وتقال أيضاً لحجارة الذهب لأنها تكسَّر. والمعنى الاجماليُّ واضح بدلالة العكوف إلحاحاً على التدقيق ، وإلحافاً في التمحيص ، أو (الكَدِّ) و(الحَكِّ) ، كما في عاميَّة مستعربي السودان. وفي سياق تعليقه على (طبقات ود ضيف الله) بتحقيق يوسف فضل حسن ، أورد شاع الدين ، في أوَّل كتابه ، قول الشيخ باسبار السكري: "عندي جبلاً كدّيته وكدَّاني" ، يعني القرآن. كما ساق شرح المحقق قائلاً: "أي اتعبني واتعبته". ثمَّ ذهب إلى أن (الكدّ) ، لغة ، هو (الحكُّ) الذي فيه معنى الأكل ، (فالحاكَّة): السن لأنها (تحكُّ) ماتأكله ، وفي العامية: (كدُّ) العظم و(كدُّ) الدوم ، ومراد الشيخ أنه لازم القرآن وألحَّ في طلبه. وفي (الحكِّ) ، عند العامَّة ، معنى الالحاح والالحاف ، كما في قولهم: "ما تحُكْ القضيَّة شديد". ولعلَّ المؤلف ، بتصنيفه هذه المادَّة في هذا الموضع من كتابه ، يقصد أن تقوم مقام المقدِّمة ، أو لكأنه يريد يوعز لقارئ كتابه بأن جُلَّ ما سيجد في صفحاته إنما هو نتاج (حكٍّ) و(كدٍّ) شديدين للمعاني والدلالات والقِيَم اللغويَّة والأدبيَّة ، كان هذا في الفصحى أم في العاميَّة ، وأشهد أنني ، قبل شروق الشمس ، وجدته ، حقاً ، كذلك.

الأربعاء:
في بريدي الاليكتروني رسالة رقيقة من الصديق الشاعر الجميل عاطف خيري ، المقيم بملبورن بأستراليا ، مؤرَّخة في 29/7/07 ، يقول فيها بلغته الآسرة المُميَّزة: "عزيزي كمال ، تحيَّاتي كثيرة ، مودتي أيضاً واحترامي. لعلها سنوات منذ المرَّة الأخيرة التي التقيتك فيها. كيفك يا رجل؟! أتابع بمتعة كبيرة ، مثلي مثل كثير من القرَّاء ، مقالاتك هنا وهناك عبر الانترنت. يطربني ، أكثر ما يطربني ، ذلك التدقيق في الكتابة ، ضبط العبارة ، الاشارات ، إيراد المصادر ، المراجع والحواشي. ولطالما ذهبت أنت مذهباً بعيداً في ذلك ، وما كان ليعوزك ذلك ولا هذه. هذا ما وددت أن أكتب إليك بشأنه ، رغبة في التحيَّة ، ثمَّ تساؤلاً حول ذلك المقطع الشعري العزيز على الأدب السوداني كما تعلم: "نظِرةَ المِّنُّو للقانون بقيتْ اتحدَّى" ، إن كان فعلاً يُنسب للحردلو ، وقد ظللت أنسبه لعبد الله ود شوراني كاتب (مسدار النجوم) ، قارئاً إيَّاه هكذا: (غابْ نَجْمَ النَّطِحْ والحَرْ علينا اشتدَّ/ ضَيَّقنا وقِصِرْ ليلو ونِهارو امتدَّ/ نظِرة المِّنُّو للقانون بقيتْ اتحدَّى/ فتحَتْ عِندي منطقة الغنا الانسدَّ). فبالله عليك ، وأنت لا بُدَّ واجد ذلك ، كاتبني حول صحَّة المصدر. وقل أنت بخير لأخيك عاطف خيري".
هرعت ، من فوري ، إلى نسخة من (فن المسدار ـ دراسة في الشعر الشعبي السوداني) لسيِّد حامد حريز ، زوَّدني بها صديقي الشكري النابه ، عاشق المسادير ، كرَّار صديق كرَّار المحامي. وابتداءً فقد وجدت البيانات المثبتة في هذا المرجع المهم تشير إلى أنه صادر عن معهد الدراسات الافريقيَّة والآسيويَّة بجامعة الخرطوم ، الطبعة الأولي ، 1992م. وعجبت ، إذ أنني متأكد تماماً من أن الطبعة الأولى ، والتي ضاعت النسخة خاصَّتي منها منذ أزمان ، قد صدرت عام 1977م ، وسبب تأكدي أنني كنت تلقيتها ، أصلاً ، هديَّة من شقيقتي أميرة ، ضمن مجموعة من الإصدارات الجديدة في ذلك التاريخ بالضبط ، وكنت ، وقتئذٍ ، معتقلاً ، وطريح الفراش بالمستشفى العسكري بأم درمان ، والذي نقلت إليه إثر إصابتي بتسمُّم حاد بسجن كوبر.
الشاهد أنني ، بمراجعتي لنسخة صديقي كرار ، وجدتني مخطئاً في نسبة الرباعيَّة إلى الحردلو ، ووجدت عاطفاً مصيباً في نسبتها إلى ود شوراني ، فليطمئن ، وليتقبَّل ، أولاً ، شكري وتقديري الحارَّين على انتباهته السديدة ، وثانياً اعتذاري وأسفي الشديدين ، فلعلَّّ ما أوقعني في الخلط ، علاوة على ضياع نسختي ، واعتمادي ، بسبب ذلك ، على الذاكرة الخربة ، وذاك أوَّل الوهن ، عمق الصداقة الانسانيَّة والفنيَّة التي ربطت بين عبد الله ود شوراني المرغوبابي وأحمد بك عوض الكريم أبو سن (الحردلو) الشكري ، ولطالما ورد ذكر واحدهما في شعر الآخر ، وكلاهما ، مِن قبل ومِن بَعد ، سليل البطانة لهجة وثقافة ومزاجاً شعرياً.
واستطراداً فقد أورد حريز ، ص 14 ، 21 ، 22 ، 23 ، مستنداً ، بدوره ، إلى النيَّل أبو قرون ، ص 51 ، 77 ، مصدراً لنصِّ (مسدار النجوم) ، أن رباعيَّة (غابْ نَجْمَ النَّطِحْ) ، والتي استهلَّ بها ود شوراني (مسداره) هذا ، هي واحدة من ثمان وعشرين رباعيَّة شعريَّة ، بحساب رباعيَّة واحدة لكلِّ (عِينة) ، حيث لكلِّ فصل سبع (عِيَن). أمَّا (النَّطِحْ) فهي أول (عِيَن الصيف) ، والاخريات هنَّ: (البطين ، التريَّا ، الدَّبَران ، الهكعة ، الهنعة ، الضراع). وأما (عِيَن الخريف) فهنَّ (النَّترة ، الطرفة ، الجبهة ، الخيرصان ، الصِّرفة ، العوَّا ، السِّماك). وأما (عِيَن الشتاء) فهنَّ (عريج ، الغفر ، الزنبان ، الاكليل ، الشَّولة ، البُلد ، النعايم). وأما (عِيَن الربيع) فهنَّ (سعد ذابح ، سعد السعود ، سعد الأخبية ، سعد بُلع ، الفرق المقدَّم ، الفرق المؤخَّر ، الحوت). و(المسادير) منها المكاني ومنها الزَّماني. ولئن كان (المسدار المكاني) يصف الرِّحلة مسحاً جغرافيَّاً لطبيعة الاقليم ، (فالمسدار الزَّماني) يتتبَّع فصول السنة من صيف إلى خريف فشتاء فربيع ، ويعدِّد (عِيَن) كلِّ فصل ، مبيِّناً ما يصاحبها من خصائص وتغيُّرات في بيئة الشاعر ، وبالنتيجة يعطي مسحاً مناخياً وفلكيَّاً للعام الذي تتعاقب أيامه على الشاعر المُحِب. ويلعب (المسدار) دوراً شبيهاً بدور الفلكي ، أو (السُّوسِي) كما يطلق عليه في البادية ، ويُغلب حريز اشتقاقها من الفعل (ساس) ، أي قام بالأمر ، من حيث هو ضابط للزَّمن ومُوَقِّع للمنازل. وفي (المسدار) تركيز للمعلومات التي يستمد منها (السُّوسِي) معرفته ودوره القيادي في مجتمع البادية. وفي الرباعيَّة التالية يتغزَّل الكردوسي شاعر (البوادرة) قائلاً: "أخبار ذِكْرَك الفِي خسُوسِي/ وصلن عندي محفوظات بقن في الدُّوسِي/ ألقن سيف برنجو مْحدِّدِنُّو لبوسي/ خلن قلبي يلعب زي نتيجة السُّوسِي"! وينسب حريز كلمة (الدُّوسِي) إلى اللغة الفرنسيَّة في معني (السِّجل) أو (الدَّفتر) ، كما ينسب كلمة (برنجو) إلى الكلمة التركيَّة (برنجي) في معنى (ممتاز) أو (أوَّل) ، ويصف (المسدار) ، إجمالاً ، بأنه أداة تثقيفيَّة لا غنى عنها للرجل البدوي ، ولكلِّ مَن ينشد المعرفة ، وهو ، فوق هذا وذاك ، وثيقة حضاريَّة لا بُدَّ منها لدارسي التراث ، وللمشتغلين بالدراسات الجغرافيَّة واللغويَّة والفلكيَّة بوجه خاص. وأضيف ، من جانبي ، متمنِّياً أن يتضافر اتحاد الكتاب وجمعيَّة حماية البيئة وغيرهما من منظمات المجتمع المدني المعنيَّة في تنظيم رحلة لشعراء وعلماء وسينمائيِّين وتشكيليين وباحثين مختصين يتتبعون هذه (المسادير) المكانيَّة والزَّمانيَّة لمعرفة التغيُّرات البيئيَّة والمناخيَّة التي وقعت على مسالك أولئك الشعراء العشاق الأماجد ، ما بين الحقبة التي عاشوا فيها ، ووصفوها في روائع (مساديرهم) ، وبين الحقبة الراهنة.

الخميس:
لئن ندين ونشجب اعتقال المناضل الجسور علي محمود حسنين والكاتب المفكر محمد جلال هاشم وزملائهما ، ونعلن عن تضامننا معهم ، ونطالب بإطلاق سراحهم ، نحن الذين لا نملك غير أدوات الادانة ، والشجب ، والتضامن ، والمطالبة ، من طروس ، وأقلام ، وأنفس خرجت ، أصلاً ، لـ (الريبة) و(الودار) ، وصدور أنهكتها النداءات ولكن ما يئست ، بعد ، وأكفٍّ أرهقها التلويح دون أن تكفَّ عنه لحظة ، فإن هذا كله مفهوم جداً! أما أن (ينافسنا!) في ذلك أخونا علي السيد ، رئيس (لجنة السلام والمصالحة) بالمجلس الوطني ، مِمَّا يشي بأنه ، مثله مثلنا ، لا حيلة له في هذا الشأن سوى الادانة والشجب والتضامن والمطالبة ، فهذا ما لا نفهمه ، بل ولا يمكن أن نفهمه أبداً! وإلا فما معنى (السلام) و(المصالحة) يرأس علي السيِّد لجنتهما في البرلمان ، بينما المناضل الذي يكتفي بإدانة وشجب اعتقاله هو نائب رئيس نفس الحزب الذي يتبوَّأ علي السيِّد باسمه هذا (المنصب) البرلمانيَّ الرفيع؟! أيُّ (سلام) وأيَّة (مصالحة) يعتقل جهاز الأمن علي محمود في ظلِّ لجنتهما البرلمانيَّة التي يرأسها علي السيِّد ، بينما الدستور الانتقالي الذي حمل علي السيد إلى هذا (المنصب) هو نفسه الذي صيَّر هذا الجهاز (غير دستوريٍّ) ، البتة ، بنصِّ المادة/151/3 منه ، ومنذ أكثر من عامين ، بينما علي السيِّد واقف ينظر ويشجب ويدين ، صائحاً بأعلى صوته: "كنا نعتقد أن (تلك الأمور) انتهت بإجازة الدستور لكنها استمرَّت"؟! (الصحافة ، 2/8/07) ، فهل يعني هذا أن رئيس (لجنة السلام والمصالحة) البرلمانيَّة قد أفاق الآن ، الآن فقط ، على مشهد استمرار (تلك الأمور)؟!
مهما يكن ، فإن الوحيد الذي تتوجَّب عليه مجابهة هذه (المفارقات) هو صديقنا علي السيِّد نفسه ، بحكم المسئوليَّة البرلمانيَّة التي ارتضى تحمُّلها عن (السلام) وعن (المصالحة) ، وقبل ذلك بحكم تاريخه السياسي الناصع ، ومواقفه السابقة الصلبة ، أوان كان أقوى منطقاً ، وأفصح بياناً ، وما كنا نحسبه سيحتاج ، يوماً ، لأن نذكره بشئ من هذا!
أما قوله ، في ذيل تصريحاته الصحفيَّة: "إن هيئة قيادة التجمُّع تنوي الاجتماع قريباً لتحديد موقف حاسم من المشاركة في الحكومة" (المصدر) ، فهي محض علكة أدمن مسئول (تجمُّع الداخل) السابق مضغها كلما حزبَ الأمر ، وألفى نفسه في واحدة من هذه (الورطات)! والحقيقة التي لا ينبغي أن تنتطح فيها عنزان ، والتي سبق أن طرحناها دون أن يتكرَّم أحد بتصويبنا إن كنا أخطأنا ، والتي يدهشنا ، حقاً ، سكوت أطراف التجمُّع الآخرين عن توضيحها ، حتى ليكاد التكرار يُرسِّخ نقيضها في الذاكرة الشعبيَّة العامَّة ، هي أن (التجمُّع) ليس مشاركاً في الحكومة الراهنة! فالمعلوم أن قرارات (التجمُّع) تتخذ بالاجماع ، وقد أجمع أطرافه كافة ، عقب (اتفاق القاهرة) بينه وبين حكومة الانقاذ في 2005م ، على تمثيله بصفة (التجمُّع) في البرلمان الانتقالي ، فضلاً عن البرلمانات الولائيَّة الانتقاليَّة ، رغم ضآلة نسب المقاعد التي خصِّصت له في ذلك وتلك! أما في ما عدا ذلك فلم يتم (الاجماع) داخله ، إطلاقاً ، على المشاركة في الحكومة ، بل اتفق على ترك الخيار لكلٍّ طرف كي يقرِّر موقفه من هذا الأمر منفرداً ، وليس باسم (التجمُّع). من ثمَّ فمن التحق بالحكومة ، لا البرلمان ، فعل ذلك بهذه الصِّفة فقط. وهكذا ، فإن التحدِّي المطروح أمام صديقنا علي السيِّد الآن ، وقبل أن يواصل مضغ علكته الأثيرة هذه ، هو دحض هذه الحُجَّة ، وإلا فإنه يكون مفارقاً للمنطق السَّوي ، وممارساً ، فحسب ، لضرب مفضوح من (التدليس السياسي) .. وهذه أيضاً جديدة عليه!

الجمعة:
في إسلام أباد ، بتاريخ 29/10/2003م ، وبينما كان في طريقه من مبنى البرلمان إلى مقر حزبه ، جرى اعتقال جويد هاشمي ، عضو البرلمان ، ورئيس (الائتلاف من أجل بسط الديموقراطيَّة) الذي يضم 18 حزبا معارضا ، وأحد أبرز المعارضين لنظام الجنرال برويز مشرف ، مِمَّن لا زالوا يجاهرون بولائهم لرئيس الوزراء السابق نوَّاز شريف الذي اطاح الجنرال بحكومته في أكتوبر عام 1999م. وفي وقت لاحق قدِّم هاشمي أمام محكمة تفتقر إلى الشفافيَّة ، وتفوح منها رائحة التلفيق ، حيث قضت بسجنه ثلاثاً وعشرين سنة ، بتهمة (الخيانة العظمى!) ، لعقده مؤتمراً صحفيَّاً عرض خلاله رسائل ، قال إن محرريها ضباط كبار فى الجيش ، تندِّد بمشاركة العسكر في الحياة السياسيَّة ، وبتعيين ضباط سابقين فاسدين في مناصب إداريَّة مدنيَّة!
ساعتها بدا النظام مفتقراً ، تماماً ، للوقار ، والجنرال نفسه فاقداً لصوابه! ذلك أنه لا الفعل الذي اتهم هاشمي بارتكابه يمكن أن يبرِّر التهمة التي وُجِّهت إليه ، ولا الطريقة التي حوكم بها يمكن أن تبرِّر الحكم الصادر ضده ، في ظلِّ نظام ما انفكَّ يروِّج لتحوُّله ديموقراطيَّاً ، مِمَّا أثار استياءً واسعاً في شتى بلدان العالم ، دَعْ السخط الداخلي ، حتى أن الولايات المتحدة ، التي ظلت تحتفظ بعلاقات مميَّزة مع الجنرال ، لم تستطع أن تخفي حرجها من كون المحاكمة قد جرت سرَّاً ، فسارعت للاعراب ، على لسان ريتشارد باوتشر ، المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية ، عن أسفها لذلك ، وعن أملها ".. في أن تكون دعوى الاستئناف أكثر شفافيَّة" (الشرق الأوسط ، 15/4/04).
لذلك ، عندما أصدرت المحكمة العليا اليوم قرارها القاضي بالافراج عنه ، لم يكن مدعاة للاستغراب زحف الجماهير للاحتشاد ، منذ الصباح الباكر ، انتظاراً لاستقباله بالهتاف والتهليل ، عند بوَّابة سجن لاهور بشرق باكستان ، والذي قضى ثلاث سنوات داخل أسواره ، رغم عدم اتفاق وسائل الاعلام ، حتى الآن ، على طبيعة القرار ، فمن قائل إنه إطلاق سراح بلا سبب واضح (قناة الجزيرة ، 3 ، 4 ، 5/8/07) ، ومن قائل إنه مجرَّد إفراج بكفالة قيمتها 600 يورو لحين البتِّ في الاستئناف الذى قدمه ، والفصل في جوهر القضية (سانا/ وكالة الأنباء السوريَّة ، 3/8/07). وبصرف النظر عن هذا وذاك فقد بدا هاشمي ، لحظة خروجه ، في قِمَّة لياقته النضاليَّة ، حيث خطب في الحشود بحماس دافق قائلاً: "سنتعاون مع شعبنا حتى نحرِّر البلد كله من حكم العسكر ، ولن نتهاون في ذلك أبداً"!
الدرس المستفاد أن السجون أعجز من أن تكسر إرادة المناضلين ، غض الطرف عن منطلقاتهم الفكريَّة أو السياسيَّة ، وأن الشعوب تتعاطف مع كلَّ من يناهض الاستبداد ، مهما تدثر المستبد بلبوس الدين ، أو حاول حتى أن ينسب نفسه إلى بيت النبوَّة .. كما فعل الجنرال مشرَّف!

السبت:
عدت من كمبالا لأجد في انتظاري رسالة ورقيَّة فضَّل كاتبها أن يمهرها بتوقيع (أحد حواريِّي الترابي سابقاً) يعلق فيها على قولي في رزنامة 24/7/07 إنه "بقدر ما يصحُّ التفاؤل بأن (العنف) ليس نهاية السياسة فى بلادنا ، يقع صحيحاً أيضاً التشاؤم من كون (التسامح) لم يكن ، أبداً ، سمة مائزة لسلوكنا السياسي". يقول صاحب الرسالة: ".. ورغم الاختلاف السياسي والفكري إلا أنك أحد كتاب قلائل أواظب على القراءة لهم. وأحترم في قلمك الصدق وشجاعة الرأي بالاضافة طبعاً لما أنعم الله به عليك من اسلوب جزل. وقد ذكرني حديثك الطيِّب هذا بمقال قديم قرأته لك قبل سنوات خارج السودان وأعتقد في صحيفة البيان حول ما صرحت به وصال المهدي لإحدى الصحف عن اعتقال زوجها. وأصدقك القول بأن الحكاية التي ذكرتها فيه عن لقائك بطفليك بعد إطلاق سراحك من أحد الاعتقالات قد تركت في نفسي أثراً لا ينسى ، فأنزلت المقال في جهازي لكنني فقدته للأسف بسبب عطل مفاجئ ولا أذكر تاريخه ، فأقترح إعادة نشره لو أمكن تكملة لمسألة العنف والتسامح في الرزنامة الماضية".
إذا صدق ظنِّي فصاحب الرسالة يعني مقالتي بعنوان (زغب الحواصل) التي نشرتها (البيان) الاماراتيَّة ، بالفعل ، قبيل أشهر قلائل من ابرام (اتفاقيَّة نيفاشا) ، والترابي ، وقتها ، معتقل في محبس منعزل داخل أسوار سجن كوبر ، وقد أعلن الاضراب عن الطعام إلا من التمر والماء. وهأنذا أستجيب ، في ما يلي ، لطلب صاحب الرسالة ، شاكراً له ثقته وكلماته الطيِّبات:
فى حوار صحفيٍّ غير مسبوق مع أسرة د. حسن الترابى تحدث نجله عصام عن الأثر النفسى والاجتماعى لخبرتهم مع اعتقال والدهم قائلاً إنهم عانوا من هذه المسألة كثيراً ، ودفعوا ثمنها منذ صغرهم ، إلا أن قطاعات مختلفة من الناس والجيران ، بمن فيهم حتى الذين يختلفون سياسياً مع والدهم ، قد آزروهم وتعاطفوا معهم ، لدرجة أنهم كانوا يأتون إليهم أحياناً بالطعام من بيوتهم! وقال إنه يتمنى الآن لو انَّ والده "لم يشتغل بالسياسة أصلاً!" (الأضواء ، 14/8/04). وفى ذات الحوار وصفت زوجة الترابى ، السيِّدة وصال المهدي ، اعتقال رب الأسرة بأنه اعتقال للأسرة كلها ، وخاصة الاطفال ، إذ يكون تأثرهم النفسى أكثر من الكبار ، وروت كيف أن أحد أطفالها تأثر ، ذات اعتقال ، حتى أنه أصيب بحالة من فقدان القدرة على وضع قدمه على الأرض ، متمنِّية "لو ان الديموقراطيَّة استمرَّت .. ولم تأتِ الانقاذ!" (المصدر).
دَهَمَتني ، فجأة ، وأنا أطالع هذا الحديث ، موجة من الأسى المتكاثف ، حيث طافت بي طيوف القتلى والمُعذبين ووجوه المعتقلين السياسيين والنقابيين الذين لطالما غيَّبتهم سجون الترابى و(بيوت أشباحه) ، فتكدَّسوا بالمئات وراء أسوارها العالية ، وداخل زنازينها الخانقة ، يوم كان هو ، ردَّ الله غربته ، صاحب الدولة والصولة والصولجان ، وكان الحَوْلُ حَوْله ، والطوْلُ طوْله ، والأمر كله طوْعَ بنانه ، قبل أن يباغته حواريُّوه بجفاء ظهر المِجَنِّ ، من حيث لم يحتسب ، لتنتهى به هذه الشكسبيريَّة السوداء إلى سجن أسود داخل سجن أسود يعيش فيه على الأسودَيْن .. فتأمَّل!
لقد انقضَّ الترابى ، بغتة ، بانقلاب الثلاثين من يونيو عام 1989م ، على خصومه جميعاً ليفصل ، بضربة سيف ، ولأزمنة متطاولة ، بينهم وبين زغب حواصل لا حيلة لهم بدونهم ، وأسر ممتدَّة لا عائل لها سواهم ، ودنيا تقوم ولا تقعد ، يقيناً ، بغيرهم ، مِمَّا يندرج ، على نحو ما ، ضمن هموم علم الاجتماع ، وشواغل علم النفس ، ومباحث علم التربية. ولكن شيئاً من ذلك لم يكن ليندرج ، مثقال ذرة ، للأسف ، ضمن هموم الرجل المركوزة فى "التديُّن بالسياسة!" ، أو شواغله المحصورة فى "التمكين لحركته باختزال المجتمع كله إلى صورتها!" ، أو مباحثه المسدَّدة صوب "إخراج العالم بأسره من عبادة الشيطان إلى عبادة الرحمن!" ، أو كما قال!
كان ذلك قبل أن يفيق الرجل ، فى سجنه الأخير ، إلى لغة يفهمها الناس ، فيتفقون أو يختلفون معه ، سياسياً ، على بيِّنة من (كلام الدنيا دي) ، كقوله ، مثلاً ، عن مظالم دارفور: "إن عدد المدارس في محافظة الكاملين الصغيرة المجاورة للخرطوم أكثر من عدد المدارس في جميع ولايات دارفور الكبرى التى تفوق فرنسا مساحة!" (البيان ، 8/8/04). وهى لغة تجعلنا نخالف الابن الذى تمنى لو ان أباه لم يشتغل بالسياسة قط ، متمنِّين لو اشتغل بها ، ولكن في الأرض .. لا في السماء!
وإلى هذا فما من بلاغة تستطيع الاحاطة بالرعدة التي انتابتني ، كأب ، إزاء حديث الأم عن الصدمة النفسيَّة التى حدثت لأحد صغارها ذات مرَّة جرَّاء اعتقال أبيه ، حتى أعجزته عن وضع قدمه على الأرض! هذا الحديث أثار لديَّ كوامن خبرة شخصيَّة أليمة سوف تظل محفورة كالوشم فى قلبي ما حييت ، وأنتهز هذه الفرصة لأهديها للسيِّدة وصال. فقد حدث ، ذات مرَّة مطالع تسعينات القرن المنصرم ، أن عدت إلى البيت بعد إطلاق سراحي من اعتقال إداريٍّ تطاول لسنتين فى أحد سجون الترابي ، ليتحلق طفلاي حولي ، يتقافزان فرحاً ، وقد كبُرا شيئاً ، ويحجلان كقبُّرتين ضاجَّتين بشقشقة آية فى العذوبة ، وكانا قد حُرما طوال السنتين من زيارتي .. لأسباب أمنيَّة! فجأة ، وفى غمرة تنافسهما على الاستئثار باهتمامي ، زلَّ لسان أكبرهما (أُبَيْ) ، وهو يتسلقني ، ويتشبث بعنقي ، مستخدماً كفيه الصغيرتين ، وصيحاته العالية ، لتحويل وجهي من شقيقته (أروى) إلى جهته وهو يناديني بتلقائيَّة ووداعة:
ـ "عمُّو .. عمُّو"!
ثمَّ سرعان ما انتبه ، فران صمت زئبقيُّ بيننا لبرهة قصيرة ، أفلت بعدها ضحكة مرتبكة وهو يضع سبابته بين أسنانه ويلثغ بخجل طفوليٍّ:
ـ "أعمل شنو ياخ .. الناس كلهم بقو عمُّو"!
لحظتها أحسست بالصقيع يرسب في أعماقي ، فهرعت إلى ركن قصيٍّ أخلو فيه إلى دمع هتون ، وغصَّة حنظليَّة ، وقلبٌ يئزُّ كخليَّة نحل!
لا أفاضل بين أبوَّة وأبوَّة ، ولا أستفظع غبناً دون غبن ، ولكن ، إن كان ثمَّة أىُّ معنى (للسلام) ، فعلاً لا قولاً ، أو لاستشراف أيِّ أفق معقول للحوار المرتقب بين الحكومة والمعارضة ، أو للحلِّ الوطنيِّ الديموقراطيِّ لقضيَّة دارفور بما يستبعِد الاجندة الاجنبيَّة ، فلا بُدَّ من اطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ، بمن فيهم الترابي نفسه ، ثم التواثق على نهج وطنىٍّ ، وآليَّة فعَّالة ، (للاعتراف) التفصيلىِّ المستقيم (بحقيقة) ما وقع من جرائم وتجاوزات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية ، بما فيها سنوات سطوة الترابي نفسه ، كشرط لا غنى عنه (للمصالحة) على النموذج الجنوبافريقيِّ البديع ، والقائم على فكرة أخلاقيَّة بسيطة: أطلب من (الجلاد) أن (يعترف) قبل أن ترجو من (الضحيَّة) أن (يعفو)! ولئن كان ذلك قد اتفق لمن قاموا على الأمر في جنوب افريقيا ، كالقس ديزموند توتو وغيره ، من أثر مسيحيٍّ ، ولا بُدَّ ، فإن (العفو) فى الاسلام ، أيضاً ، قيمة أخلاقيَّة تكتسى سُموَّها ورفعتها عندما تقترن (بالمقدرة) ، وغنىٌّ عن القول أن (مقدرة الضحيَّة) تتحقق ، فقط ، فى اللحظة التى يفرغ فيها (الجلاد) من (اعترافه)!
خطة كهذي كفيلة ليس فقط بأن تغسل من الأنفس المكدودة نزعة الانتقام السالبة ، بل وأن تقشع من فضائنا السياسيِّ كلَّ صنوف (العنف) مستقبلاً ، وبخاصة (عنف الدولة) الماديِّ والمعنويِّ ، بما فى ذلك مؤسَّسة (الاعتقال الاداريِّ) و(القوانين الاستثنائيَّة) التي أثبتت التجربة العمليَّة أنها ، على أقل تقدير ، عاجزة ، فى غالب استخداماتها ، عن كسر الإرادة النضاليَّة لدى من يؤمنون بقضاياهم ، ويتمسكون بمبادئهم ، فهى محض طاحونة (تجعجع) ليل نهار دون أن تمنح السلطة (طحينها) المأمول! وأنها إلى ذلك ، ولهذا السبب بالذات ، غير جديرة إلا بمراكمة آخر ما نحتاجه: المزيد من الإحن والضغائن فى مداخل أيَّة (تسوية) تاريخيَّة مرغوب فيها! اللهم قد بلغت ، ألا فاشهد!

الأحد:
لم أكن أقرأ الكفَّ ، أو أضرب الرمل ، أو أطالع الفناجيل السياسيَّة ، عندما كتبت في رزنامة 29/5/07 ما يلي بالحرف:
"قلق خفيٌّ ما برح ينتابني ، مؤخراً ، من أن يدفع اليأس قيادات مدنيَّة وعسكريَّة نافذة في دارفور ، في ما لو تجمَّدت الاوضاع على حالها ، إلى طرح مطالبة نوعيَّة جديدة وفارقة بمنح الاقليم حق .. (تقرير المصير)! لذا ، فهأنذا أقرع ناقوس التحذير ، إذ أن خراقة التلكؤ في إغلاق هذا الملف بالاستجابة ، اليوم قبل الغد ، لمطالب الاقليم العادلة في الحماية والمساءلة والانصاف ، سيكون من شأنها إضافة ضلع رابع إلى هذا المثلث ، هو .. (الانفصال)! فإذا ما وقع هذا التطوُّر الكارثي ، لا قدَّر الله ، فإن خطورته سوف تفوق الخطورة التي انطرح بها في الجنوب ، لأسباب كثيرة ليس أقلها أن دارفور خبرت ، أصلاً ، شكل الكيان السياسيِّ والاداريِّ المستقل (المنفصل)! ومع ذلك فإن هذا الخيار لم يكن مطروحاً فيها مطلقاً ، بل ظلَّ وجدانها معلقاً ، تاريخياً ، بـ (الوحدة) ، كما في خبرة الفور والمساليت. فتأمَّل ما سوف تجرُّنا إليه خراقة السياسة"!
وها نحن ، ما كاد يمرُّ ، بعد ، شهران على تلك الرزنامة ، حتى ورد في سياق الانباء عن اجتماع أروشا للفصائل الدارفوريَّة الرافضة لاتفاق أبوجا أن حركة جديدة باسم (جبهة استقلال دارفور/جيش استقلال دارفور) قد أعلنت عن تكوينها ، بشقين سياسي وعسكري ، من الحركات الثوريَّة والتنظيمات السياسيَّة في الاقليم ، والاتحادات الطلابيَّة ، وروابط أبناء دارفور خارج السودان ، وتحالف الزعامات الأهليَّة ، وتجمُّع النازحين واللاجئين ، وأن الهدف الاساسي هو العمل بكلِّ الوسائل الضروريَّة لتحقيق (حق تقرير المصير) للاقليم ، باعتباره الحل الوحيد العملي للمشكلة! وحدَّدت الجبهة أسباب دعوتها هذه في فشل كلِّ محاولات الحلِّ السابقة ، وأن الوصول لاتفاق في ظلِّ الخلل البنيوي للدولة السودانيَّة لن يغيِّر الواقع ، وأن السودان دولة فاشلة ، واستمراره يمثل كارثة ، ولذا يجب تفكيكه لمصلحة الجميع ، وأن دارفور منفصلة عن السودان النيلي سياسيَّاً واقتصاديَّاً ووجدانيَّاً بسبب الظلم والتهميش والاستعلاء والاقصاء. وطالبت الجبهة باسترداد حق السيادة التاريخيَّة ، وسلامة الاقليم ، وإنهاء أشكال الاستعمار كافة ، داعية الدارفوريين للانضمام إليها ، ومناشِدة المجتمعين في أروشا تبنِّي (حق تقرير المصير) كحدٍّ أدنى للوصول لاتفاق سلام مع الخرطوم (السوداني ، 5/8/07). فتأمَّل ، الآن ، ما جرَّتنا إليه خراقة السياسة عمليَّاً!

الاثنين:
نظر رئيس لجنة المعاينة الوقور بمعهد الادارة ، مليَّاً ، في عيني الشاب الجالس أمامه ، والمتقدم لشغل الوظيفة المعلن عنها في الصحف ، وقال:
ـ "أمامك خياران: أن أسألك سؤالاً واحداً صعباً ، أو عشرة أسئلة أقل صعوبة ، فأيهما تختار"؟!
فكر الشاب لبرهة ، وردَّ قائلاً:
ـ "أختار سؤالاً واحداً صعباً"!
وضع رئيس اللجنة قلمه على المنضدة ، واتكأ على ظهر مقعده ببطء ، ثمَّ قال:
ـ "ها أنت اخترت ، وسوف يتوقف كلُّ شئ على إجابتك ، فأيُّهما يسبق الآخر: النهار أم الليل"؟!
عاد الشاب يفكر ، برهة ، قبل أن يجيب:
ـ "النهار"!
ـ "كيف"؟!
ـ "عفواً يا سيِّدي .. ولكن لم يكن في ما اتفقنا عليه أن تسألني سؤالاً ثانياً صعباً"!
وحصل الشاب على الوظيفة!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بُحَيْرَةُ مَنْ؟!
- دِيْكَانِ عَلَى .. خَرَاب!
- صُدَاعٌ نِصْفِي!
- كَجْبَارْ: إِرْكُونِي جَنَّةْ لِنَا! - سيناريو وثائقي إلى رو ...
- عَوْدَةُ الجِّدَّةِ وَرْدَةْ!
- الحُرُّ مُمْتَحَنٌ!(صَفْحَةٌ مِن مَخْطُوطَةِ ما بَعْدَ السِّ ...
- طَاقِيَّتي .. التشَاديَّةْ؟!
- كانْ حاجَةْ بُونْ!
- إنتَهَت اللَّعْبَة!
- سَفِيرُ جَهَنَّمْ!
- برُوفيسورَاتُ تُوتِي!
- العَقْرَبَةُ!
- لَكَ أَنْ تَرمِيَ النَّرْد!
- شَمسٌ كَرَأسِ الدَّبُّوس!
- قصَّةُ بَقرَتَيْن!
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ - الأخيرة
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (6) (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ ال ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (5) (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ ال ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ - 4
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ الاعتِ ...


المزيد.....




- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - غابْ نَجْمَ النَّطِحْ!