أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كمال الجزولي - شَمسٌ كَرَأسِ الدَّبُّوس!















المزيد.....



شَمسٌ كَرَأسِ الدَّبُّوس!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1835 - 2007 / 2 / 23 - 12:06
المحور: سيرة ذاتية
    


الثلاثاء:
من قال إن الشاعر لا يصلح أن يكون وزيراً للحربيَّة؟! هل تذكرون ، إذن ، وليم كوهين الذى كان يشغل هذا المنصب فى إدارة الرئيس الأمريكى السابق بيل كلنتون؟! أنا شخصياً كنت نسيته ، لولا أنه أطلَّ عليَّ ، نهار اليوم ، من صفحةٍ في مجلةٍ قديمةٍ كنت أفتش فيها عن تسلية خفيفة تريح الدماغ شيئاً!
بالمناسبة ، وباعتبار ما قد يوحى به الاسم من دلالات ، فقد نفى الرجل ، نفياً باتاً ، أن يكون يهودياً ، رغم أن والده يهودى من أصل روسي ، أما والدته فمسيحيَّة من أصل إيرلندي. لكنه استدرك أنه كان يهودياً حتى سن الثانية عشر. وروى حكاية طريفة عن كيف (ارتدَّ) عن اليهوديَّة حين نبَّهه الحاخام ذات يوم إلى أنه ليس يهودياً فى الحقيقة ، لأن اليهوديَّة تورث من الأم وليس من الأب ، طالباً منه أن يستغفر ، وأن تؤخذ عينة من دمه "من موضع حسَّاس"! فرفض ، وغادر المعبد ، مرَّة وللأبد ، حيث أصبح مسيحياً (لم أفهم المغزى ، ولعل صديقنا مكى أبو قرجة يعيننا)!
الشاهد أن كوهيناً هذا شاعر ، وله ديوان بعنوان (من وراء عينى) ، ومن ضمن قصائده واحدة بعنوان (حريَّة الاختيار) يقول فيها: "هل سنعترف بأن الانسان لا يستحق حريَّة الاختيار؟!/ إذا انفتحت السماء/ وهطل مطر من الصواريخ على الأرض/ إذا اشتعل (النيوترون) برقاً ورعداً/ إذا زأر صوت الحرب أعلى من صراخ رجل قتل برصاصة أو قطعت سكين رقبته/ إذا أصبح الكوكب كرة من شمس/ واشتعل لهباً حتى استحال إلى رماد/ وانطلقت ضحكة الشيطان فرحاً عبر الكون/ هل ستعترف الآلهة بأن الانسان لا يستحق حريَّة الاختيار"؟!
والآن ، لماذا نستعجب من أن يكون وزير حربيَّة كلنتون شاعراً ، إذا كان كلنتون نفسه عازف ساكس ماهر؟!

الأربعاء:
وقعتُ ، بالمصادفة ، هذا المساء ، على كلمة قديمة كنت كتبتها فى باب التنويه بكتاب المفكر السودانى محى الدين محمد (ثورة على الفكر العربى المعاصر ، منشورات المكتبة العصريَّة ، صيدا ـ بيروت 1964م). تناولت الكتاب أنعش ذاكرتى بما كنت اجتزأت منه، قال: إن سائحاً غربياً لقى إعرابياً يسكن فى كهف بالصحراء ، فابتاع منه بيضة دجاجة بقرش واحد ، وبعد عشرة أعوام تقابل الاثنان مرة أخرى ، غير أن السائح أراد أن يشترى هذه المرة دجاجة كاملة ، وكم كانت دهشته عظيمة عندما أخبره الإعرابى أن ثمنها أيضاً .. قرش واحد! لكن الدهشة ما لبثت أن انقشعت بعد أن فسَّر له الإعرابى ذلك بقوله: "إن الفرق بين البيضة والدجاجة هى مسألة زمن فقط ، ونحن لا نهتم بالزمن ، ولا نعيره التفاتا!
...........................
...........................
لكن ، من هو محى الدين هذا؟!
وأين هو الآن؟!
...........................
...........................
سؤالان ظلا يحيِّراننى لأكثر من أربعين سنة ، إذ لا يُعقل أن ينجز مفكر كتاباً كهذا ، ثمَّ ينسحب ، فجأة ، إلى الظل! صادقت كتابه الوحيد ، على حدِّ علمى ـ وبعض الكتب ، لو علمتم ، أصدقاء ـ مذ صدرت طبعته الوحيدة تلك ، على حدِّ علمى أيضاً. رافقتنى نسخة منه شاباً وكهلاً ، أعزباً ومتزوجاً ، داخل السودان وخارجه ، فى وحشة السجون وفى أنس الحياة العائلية ، مثلما رافقتنى خلال الفترة ذاتها بضع نسخ من مؤلفات أخرى. فعلى كثرة ما اقتنيت وضيَّعت من كتب بقيت هذه المؤلفات بالذات ، وبمحض الصدفة ، فى صحبتى دائماً ، لا تضيع أبداً ، ومن بينها هذا الكتاب الذى ظل دائماً تحت عينى. ما أن ألقى بعصا الترحال فى أىِّ مكان ، وأشرع فى ترتيب متعلقاتى ، حتى يطلَّ محى الدين (بثورته) من الحقيبة ، مع المحارم والغيارات وفرشاة الأسنان والأوراق الثبوتية. ثمة آخرون يطلون ، بالطبع ، أما هذه المؤلفات الصديقة فثابتة. إصفر لونها ، وشحبت ملامحها ، وجفت صفحاتها وتقصَّفت ، وتنسَّلت خيوط ربطها وتسلخت أغلفتها ، ومع ذلك كله بقيت كما يبقى الأصدقاء القدامى أوفياء ، أحياناً ، برغم الفلس ، والسُكَّرى ، وضغط الدم ، وجور الحكومات ، وزحف الشعيرات البيض إلى المفارق! بقيت ، ولم تقض عليها ، للعجب ، لا القوارض ، ولا العوارض ، لا سافيات الريح ، ولا زخَّات المطر ، الخريف تلو الخريف ، ولم يطلها ، للغرابة ، لا عبث الأطفال ، ولا كثرة الترحال ، لا فظاظات التفتيش ولا أيدى لصوص الكتب ، الأعداء منهم والأصحاب! هكذا بقيت ، بقدرة قادر ، زهاء نصف قرن حتى الآن ، ومن بينها (ثورة) محى الدين!
............................
............................
عالج ، فى متن حكايته عن البيضة والدجاجة ، إشكاليَّة تغيير الذهن العربى ، من حيث كون (الزمن) ، على أهميَّته ، بطىء جداً فى إحداث (التحويل) المطلوب ، وأن الإرادة الفاعلة غالباً ما تبدأ هذه المهمَّة فى قنوط. لذا ظللنا نرزح فى (الجمود) مئات السنين لأن (الزمن) ، كعامل تغيير ، ليس جذرياً ، إذ لا بد له من (ذهنيَّة) تقابل بين فداحة السكون وبين ضرورة التطوُّر ، فتطالب وتحرِّك.
ويثير محى الدين قضيَّة العلاقة المختلة ، تاريخيَّاً ، بين الفرد والسلطة فى بلداننا ، فيعزى إلى أوضاع القمع والظلم والكبت ودونيَّة العقل وتحقير الكرامة ، علاوة على أوضاع الفقر السائد ، أسباب تضعضع الذهنية العامَّة وركودها وسكونيتها. ومن ثمَّ فإنه يصنف (الزمن) ضمن عوامل ثلاثة مرشَّحة للتصدى لمسئوليَّة تغيير هذه الذهنيَّة ، أما العاملان الآخران فهما: (الأوضاع الماديَّة) و(وعى القادة). وعلى حين تتكفل الدولة (بالأوضاع الماديَّة) ، يقول محى الدين ، فإن الفكر الذى عايش التمرُّد الأوربى ، وخبرَ أخطاءه ومزاياه ، مناط به إنهاض (الذهنيَّة العامَّة) ، وإخضاعها للقوانين (العلميَّة) ، حتى ينزع عنها ما يسميه (ديدان الخمول) التى تجعلها ترفض أن تتحرَّك ، رغم كل البطولات والتضحيات وأرتال الشهداء ، وأن تطالب بالحريَّة والعدالة وبقيَّة الأسس التى تقوم عليها النهضة.
بعد عقدين من ذلك التاريخ وجِّه برهان غليون نقداً شديداً لهذه (العقلانيَّة) التى عبَّر عنها محى الدين ، دون أن يشير إليه ، بغرض تخليصها من (علمويَّتها) ، أى تمظهرها ، لا (كمنهج) لمقاربة الواقع ، بل (كأيديولوجيَّة) تصوِّر (العلم) ، لا (التجربة) ، باعتبارها أصلاً لـ (المعرفة) اليقينيَّة ، حتى أصبح (المفهوم) هو الذى يتحكم (بالواقع) ، بدل أن يَخضَعَ له ويتطور فى ضوئه. وهذا ما يصفه غليون بمصدر (الإستلاب النظرى) الذى يهدر (النظر العلمى) القائم على (التجربة) فى (الواقع) الماثل ، للحدِّ الذى صار فيه الاستقواء (بالعلم) قاعدة (تحطيم) للمسعى (العلمى) الحقيقى ، وأضحى الموقف السائد هو أن العلم (موجود) و(جاهز) و(متطوِّر) ، وليس علينا إلا أن نأتى به! فى حين أن نشأة (العلم) نفسه فى الغرب ، كنظام للمعرفة المقبولة اجتماعياً ، قد ارتبطت بالتشكك فى صحة المعارف (الجاهزة) ، وإحلال مفهوم (المعرفة الموضوعيَّة) ، التى تأخذ فى الاعتبار مجموع الشروط المكوِّنة للفعل المعرفى ، محلَّ مفهوم (المعرفة اليقينيَّة). فما كان (للعلم) الحديث أن ينشأ ، أصلاً ، لو استمر الغربيون فى إسناد معلوماتهم إلى (النظم المعرفيَّة) التى ورثوها عمَّن سبقهم ، أو لو انهم لم يأخذوا بالفكرة البسيطة القائلة بأن الكافل لصحة معلوماتنا ومعارفنا عن (الواقع) لا يمكن أن يوجد فى هذه المعلومات والمعارف ، وإنما فى (التجربة). وإلى هذا الموقف النظرى الجوهرى يحيل غليون الفضل فى فتح الآفاق اللانهائيَّة أمام العقل الغربى للمراجعة ، وتحسين الاستنتاجات ، وضبط التراكيب النظريَّة ، بحيث أصبحت من أخصِّ خصائص (العلم الحديث) قدرته الدائمة على تغيير نظمه الذاتية بالاستناد إلى (التجربة المستمرة).
نعود لمحى الدين الذى يمضى متسائلاً: إذا كنا لا نأبه بالعدالة ، ولا بالعيش الطيب ، ولا نريد الحريَّة ، وندع أقواماً آخرين يعيشون ويتسلقون فوق أكتافنا ورؤوسنا ، وينعمون بالحياة الخالية من الأمراض والذل والقذارة ، فلماذا إذن نتزاوج ، وننجب الأطفال ، ونبنى البيوت والأسر والحدائق؟! لماذا لا نعيش فى الكهوف والأديرة بدون زواج حتى الموت .. فهكذا على الأقل ـ يقول محى الدين ـ نصبح أقرب بمسافة عظيمة من الله ، مما لو واجهنا الحياة بنصف وجه ، وواجهنا الله بالنصف الآخر!
يخرج محى الدين من أكَمَة أسئلته الشائكة بتغليب كامل لعامل (الذهن القيادى) على العاملين الآخرين ، مستنتجاً تحمُّله وحده ، بخاصيَّته (التخطيطيَّة) ، عبء تحويل (الذهنيَّة العامَّة) ، بخاصِّيَّتها (التطبيقيَّة العاكسة) ، وانتشالها من الخوف والشك ، وتزويدها بالصلابة والإدراك ، والقدرة على المطالبة بتحقيق العدالة والحريَّة.
قال محى الدين كلمته أواسط الستينات ، وقال غليون كلمته أواسط الثمانينات ، وما بينهما ليس فارقاً (زمنياً) ، فحسب ، بل هو فارق فكري ونظري فى المقام الأول. ومع ذلك ، فثمَّة آصِرَة باطنيَّة ، لا تخفى على النظر المدقق ، تشدُّ واحدتهما إلى الأخرى ، أو فلنقل إنها تجعلهما تكمِّلان بعضهما البعض ، من حيث انطلاق الأولى من المنهج (الماركسي) بأصداء من (البراغماتيَّة) ، وانطلاق الأخرى من المنهج (البراغماتي) بأصداء من (الماركسيَّة)! لكن ، مهما يكن من أمر ، وبصرف النظر عن كل ما روَّجت وتروِّج له نخبُنا من أطروحات للنهضة الوطنيَّة والاجتماعيَّة ، وبشتى المناهج ، فإن شعوبنا تضرب، ما تزال ، فى التيه ، ترفعها وتخفضها أمواج التاريخ فى اندفاعاتها المتلاطمة على بوَّابات الألفيَّة الثالثة ، بينما لا تزال تتطلع ، أكثر من أىِّ وقت مضى ، وبإلحاح ، إلى (المشروع النهضوى) الأكثر تعبيراً عنها ، وإلهاماً لها! فلئن كان غليون ما يزال يكتب بما يمكّن من مساءلة مواضعاته ، فما الذى سوف يطلبه محى الدين ، يا ترى ، فيما لو قيِّضَ له إعادة كتابة (ثورته) الآن ، بعد أكثر من أربعين سنة ، فى عالم يزداد قتامة ودمامة وظلماً وفقراً وبؤساً ، بينما لا تزال الأسلاك الشائكة مضروبة على عقله ، وفى كل شبر منه تتناسل زنازين الاعتقال وأقبية التعذيب ومنصَّات الإعدام ، حتى ليكاد المرء يمنح عمره بأكمله لأجل بقعة شمس بحجم رأس الدَّبُّوس ، على رأى ماياكوفسكى!
.............................
.............................
وما زلنا نتساءل: من هو محى الدين هذا؟!
وأين هو الآن؟!

الخميس:
يبدو أن آخر ما يشغل بال (الانقاذ) ، للمفارقة ، وهى تتباهى بإنجازاتها فى جبهة التعليم ، رغبة منها في أن تحمد بما لم تفعل ، هو التعليم نفسه! وحتى لا نتهم بإلقاء النقد على عواهنه ، هاكم اقرأوا الخبر التالى: "سمحت وزارة التعليم العام .. باستيعاب حملة الشهادة السودانيَّة للتدريس فى المرحلة الثانويَّة" (الرأي العام ، 15/2/07).
إستدعى الخبر إلى ذاكرتى ، على الفور ، حكاية الانقاذ الأخرى مع التعليم العالي ، حين كان أكثر ما يقلقها ، وهى ـ بعدُ ـ فى أيامها الأولى ، إمكانيَّة إقدام معارضيها على تكرار نفس الخطة القديمة التى لطالما خبرتها هى نفسها: تنفجر الشرارة الأولى فى جامعة الخرطوم ، ثمَّ تتأجَّج جامعة القاهرة والمعهد الفنى والثانويات ، فيتحرَّك الشارع والنقابات ، ويسقط النظام! لذلك بدا واضحاً لكل مراقب ، آنذاك ، أن السلطة قد اتجهت بكلياتها للقضاء على ما تصوَّرت أنه السبب فى كون البداية دائماً من جامعة الخرطوم بالذات! ولعلها خلصت إلى نتيجة مفادها أن الكِبرَ والاحساس بالتميُّز هو ما يجعل طلابها يتوهَّمون أنهم صفوة الصفوة the cream of the cream ، ما أن يغضبوا حتى تغضب البلد لغضبتهم ، وما أن يقرِّروا إزالة نظام حتى يزول! فلجأت إلى دواء سهل للغاية: الصفويَّة؟! لا بُدَّ من إغراقها فى لجج من التغييرات الكميَّة والنوعيَّة ، سواء بالنسبة لشروط القبول فى جامعة الخرطوم نفسها ، أو بالنسبة للعدد الهائل من الجامعات التى على الحكومة أن تنشئها! التميز باللغة الانجليزيَّة؟ ينبغى تعريب المناهج! صرامة المطلوبات في مؤهِّلات من يتولون التدريس؟! يجب تيسيرها ، فليس شرطاً أن يكونوا من خريجى جامعة الخرطوم نفسها ، وليس شرطاً فى مساعد التدريس أن يكون قد تخرَّج بمرتبة الشرف الثانية على أقل تقدير ، وليس شرطاً فى المحاضر أن يكون حائزاً على الماجستير والدكتوراه من ذات الجامعة أو من أوربا أو أمريكا .. يمكن لحملة الشهادة الأساسيَّة basic certificate أن يُعيَّنوا محاضرين! الداخليات والسُّفرة والـ bursary والسرير الجوَّه والسرير البرَّه؟! على الانقاذ أن تلغى كل هذا الدلع .. فليبيتوا فى الجوامع، وليقضوا سحابة يومهم على سندوتش طعميَّة ، ولتبحث المعارضة ، بعد ذلك ، عمَّن سيشعل لها شرارتها الأولى!
وسواء كانت تلك الخطة حقيقيَّة أو محض هُزء وسُخرية ، فقد أتى عليها حين من الدهر طبقت فيه بحذافيرها ابتداءً من العام 1992م ، ثمَّ ها هى تصحو في الذاكرة الآن بمناسبة الاعلان عن تطبيقها أيضاً ، على ما يبدو ، في مستوى التعليم العام.
كان العمل يجري في السابق ، منذ فجر الاستقلال ، على أن يلتحق خريج الثانوى بالتدريس فى المرحلة الوسطى بعد أن يجتاز برنامجاً تأهيلياً محدَّداً فى أحد معاهد التربية. أما من يرغب فى التدريس فى الثانوى فيُشترط إما أن يتخرَّج من كليَّة الخرطوم الجامعيَّة، أو أن يقضى ، بعد تخرجه من المدرسة الثانويَّة ، ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات في ما كان يُعرف ، وقتها ، بالمدارس العُليا ، ثمَّ يبدأ بالتدريس ، أولاً ، في الوسطى ، قبل أن يُنقل للتدريس في الثانوي ، ثم يُبتعث إلى بريطانيا لاجتياز برنامج تأهيلىٍّ في التربية لمدة عام ، وبعد عودته يستمر كمدرِّس ثانوى. وفى مطالع السِّتينات أنشئ معهد المعلمين العالى (كليَّة التربية لاحقاً) ليتخصَّص في تخريج مدرِّسين لمختلف المواد فى الثانوي.
ثمار ذلك النظام لا تحتاج إلى برهان. وكان المأمول أن نمضى قدماً في مراكمة خبراتنا وإثراء تجاربنا بذات الاتجاه. ولكن ها نحن ، للأسف ، ننكص بمسيرة التعليم العام ، مثلما نكصنا ، من قبل ، بمسيرة التعليم العالي ، حتى بلغنا مبلغاً نسمح فيه لمن يتخرَّج من مدرسة ثانويَّة اليوم بأن يقوم بالتدريس فيها غداً! والمؤلم أن هذا يحدث ، لا بسبب حصار مضروب علينا من قوى (الاستكبار العالمي) ، ولا لأن لدينا نقصاً في خريجي الجامعات الذين يشكون هم وأسرهم لطوب الأرض من عطالتهم ، وقد تحوَّل الأوفر حظاً منهم إلى سائقى (ركشات) فى شوارع العاصمة الطرفيَّة ، بينما يمكن اجتذابهم وتدريبهم على مهنة التعليم فى الثانويات ، ويوجد عشرات الآلاف منهم ، على الأقل ، رهن الاشارة ، حيث تشير إحصائيات وزارة العمل إلى أن نسبة العطالى مِمَّن هم فى سن العمل تتجاوز 60% ، وأن أعداد من تخرَّجوا فى مختلف الكليات الجامعيَّة خلال السنوات 2004 ـ 2006م قد بلغت حوالى 271.000 (سمنار العمالة الوافدة ، 15/2/07) ، بل يحدث هذا ، وببساطة ، لأن ذهنيَّة النخبة الاسلامويَّة المشغولة ، فحسب ، بحماية سلطتها، قد (حضنت) بيضة تلك الفكرة الجهنميَّة ، مذ كان انقلابها نفسه مشروعاً يتراءى في رحم الغيب ، ثمَّ (فقستها) ، أولاً ، فى مستوى التعليم العالي ، وها هى الآن (تفقسها) في مستوى التعليم العام ، بالضبط على طريقة (أم بَحَتَيْ) فى الزراعة ، حيث لا يكتفى المزارع بمجرَّد قطع الشجرة ، وإنما يتتبعها فى باطن التربة كى يجتثها من .. الجذور!

الجمعة:
فى مديحه للأب أرنستو كاردينال ، أحد أبرز مناضلى (لاهوت التحرير) فى نيكاراغوا ، ميَّز فيصل درَّاج بين نوعين من المثقفين: مثقف مرجعه الوحيد هو الوثائق والكتب والقوانين والأعراف والتقاليد ، ومثقف مرجعه الأساسي ما يستجدُّ على الأرض. الأول يبدأ بالسلطة القائمة ، والجاهزة ، والمدعومة بثقل الزمن ، وسطوة السهولة ، واستبداد البداهة ، وإغراء الامتيازات ، أما الثانى فيستبدل مفهوم (السلطة) بمفهوم (الحقيقة) التي يظل يبحث عنها في كل ما يرى ويفعل ، ما ينبنى وينهدم ، ما يموت ويميت ، جاعلاً من مستجدَّات الأرض ، وتغيُّرات الشروط ، القاعدة الأساسيَّة لبناء (الحقيقة) ، ودفن الوثائق، وإعادة كتابة الكتب!
معرفتى بصديقي العزيز مَسَاعَد محمد على ، المحامى المتميِّز بنيالا ، والناشط الباسل فى الدفاع عن (حقوق الانسان) ، ومنسق مركز (الأمل) لعلاج وإعادة تأهيل ضحايا التعذيب بجنوب دارفور ، تعود إلى سنوات من عُشرة العمل المشترك ، داخل وخارج السودان ، بما يمكننى من الشهادة ، باطمئنان تام ، على القدر الهائل الذى اجتمع فى شخصيَّته من صلابة المناضلين وطهرانيَّة القِدِّيسين وصفاء المتصوِّفة ، وعلى أنه التجسيد الحي لكلمات درَّاج السديدة عن المثقف العضوى ، وما ينبغى أن يتحلى به من فهم شامل لحركة التاريخ ، ومن دور يُنتظر أن يلعبه بإزاء حراكات التغيير.
لذا ، فقد سعدت أيَّما سعادة ، وأنا أتلقى ، صباح اليوم ، أنباء فوزه ، عن جدارة واستحقاق ، بجائزة (اولف بالما) السويديَّة لعام 2006م ، مناصفة مع كوفى أنان ، السكرتير العام السابق للأمم المتحدة. وقد أصابت لجنة الجائزة تماماً حين أوردت فى حيثيات قرارها حول مَسَاعَد ، الذى تخرَّج فى كليَّة الحقوق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم عام 1992م ، أنه ظل دائماً مفوَّهاً وشجاعاً وهو يبذل ، على مدى أكثر من عشر سنوات، جهداً طوعياً جليلاً لمساعدة مئات الآلاف من ضحايا مجتمعه المحلي فى دارفور.
أما (أولف بالما) فهو زعيم الحزب الاشتراكى الديموقراطى ورئيس الوزراء السابق فى السويد ، والذي كرَّس حياته السياسيَّة لتصفية الاستعمار ، ومناهضة العنصريَّة ، وترسيخ السلام ، وتحقيق حلم الحقوق المتساوية ، والاقرار بحق الشعوب فى تقرير مصيرها ، وإيجاد نظام اقتصادى عالمى جديد وعادل ، كما كان يرى الحرب كأخطر مهدِّد للبشريَّة. وهو صاحب العبارة الشهيرة: "السياسة تعنى أنك تريد شيئاً ، أما السياسة الاشتراكيَّة الديموقراطيَّة فتعنى أنك تريد التغيير"!
لقد اغتالت يد آثمة (أولف بالما) فى فبراير عام 1986م ، أثناء خروجه برفقة زوجته من دار للسينما ، راجلين وبدون حراسة! وتخليدا لذكراه أنشأ حزبه ، بالاشتراك مع كونفدراليَّة النقابات العماليَّة والاتحاد التعاونى فى السويد عام 1992م ، (مركز أولف بالما الدولي) المانح لهذه الجائزة.
تكريم مَسَاعَد هو ، يقيناً ، تكريم لكل المثقفين الشرفاء فى السودان ، وبالأخص لنشطاء الدفاع عن (حقوق الانسان) ، وللتيار الوطني الديموقراطي الذى أطلقه فى مهنة المحاماة رعيل من الآباء المؤسِّسين ، على رأسهم طيِّبا الذكر المرحومان النقيبان عابدين اساعيل وأمين الشبلى.

السبت:
معلوم للقاصى والدانى ، ولا بُد ، أن الهدف ، أصلاً ، من (خطة كوفى أنان) التى عرضتها المنظمة الدوليَّة على حكومة السودان ، فى اجتماع نوفمبر 2006م بأديس أبابا ، هو تشجيع الحكومة على القبول بقرار مجلس الأمن 1706 القاضى بنشر قوات دوليَّة فى دارفور لحفظ السلام وحماية المدنيين ، وهى المهمَّة التى فشلت الحكومة فى توليها ، كما أعلن الاتحاد الأفريقى عجزه عن القيام بها. ومعلوم للقاصى والدانى أيضاً أن تلك الخطة تشتمل على ثلاث مراحل: الأولى مرحلة (الدعم الخفيف) وتطبَّق فوراً ، حيث تقضى بدعم الأمم المتحدة لقوات الاتحاد الافريقي العاملة حالياً بدارفور بعدد 105 عسكرياً و33 شرطياً و48 موظفاً دولياً ، فضلاً عن معدات مختلفة. والثانية مرحلة (الدعم الثقيل) ، وتقضى بإضافة ما بين 1200 ـ 1500 من العسكريين ورجال الشرطة والموظفين المدنيين التابعين للأمم المتحدة إلى قوات الاتحاد الافريقي ، علاوة على مساعدات لوجستيَّة وأخرى متعلقة بالملاحة الجويَّة. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فتقضي بنشر قوات أفريقيَّة/دوليَّة (مختلطة) فى الاقليم ، تحت قيادة افريقيَّة تتولى اختيارها مفوضيَّة الاتحاد الافريقي بالتشاور مع الامم المتحدة.
بمجرَّد انفضاض ذلك الاجتماع ، شاهد العالم كله بعينيه ، كما سمع بأذنيه ، السفير عبد المحمود عبد الحليم ، مندوب السودان لدى المنظمة الدوليَّة ، يتحدث للصحفيين ومندوبي قنوات التلفزة العالميَّة الذين تحلقوا حوله ، لا لينفي واقعة (قبول) حكومته (المبدئي) بنشر قوات القبعات الزرق فى الاقليم ، ضمن المرحلة الثالثة ، وإنما ليوضح قائلاً بالحرف الواحد: "لقد وافقنا على خطة السيد كوفى أنان ، وتبقت فقط مسألة واحدة تتعلق بحجم القوات الدوليَّة ، حيث تحدِّدها الخطة بنحو من سبعة عشر ألفاً إلى عشرين ألفاً ، بينما نرى من جانبنا أن هذا العدد كبير جداً ويمكن تخفيضه".
وإذن ، فإن وفد الحكومة لم يتحفظ ، أساساً ، فى الاجتماع المذكور ، سوى على حجم القوات الدوليَّة حيث استكثره. أما فى ما عدا ذلك فقد قبل ، منذ الوهلة الأولى ، بالخطة كاملة ، وبالصورة التى عُرضت بها. تلك هى الحقيقة التى ينبغى ألا تنتطح فيها عنزان ، بصرف النظر عمَّا يمكن أن يقال عن مدى التفويض الممنوح لذلك الوفد ، أو مدى التزامه بحدود ذلك التفويض ، وعلى الرغم ، أيضاً ، عن أيَّة تداعيات لاحقة لم تفلح ، على غلظتها أحياناً ، فى نفي واقعة القبول تلك ، بقدر ما أكدت ، فحسب ، ما ظل معروفاً أصلاً من أن ميزان القوَّة بين أجنحة السلطة المتقاطعة لم يكن مواتياً بما يكفى لتحقيق (الاجماع) على ذلك (القبول)!
ولا تغيِّر ، بطبيعة الحال ، من مضمون (القوات) المشمولة بالمرحلة الثالثة (معركة اللغة) التى ما لبثت أن انفجرت بين الحكومة والمنظمة الدوليَّة حول تسميتها بـ (المختلطة) أو (المشتركة) أو (الهجين) .. الخ ، وإن كان مِمَّا يؤثر على مهام المرحلة نفسها تحديد ما إن كانت مرحلة (قوَّات مختلطة) من وجهة نظر الأمم المتحدة ، فى معنى إشراك (القبعات الزرق) أيضاً ، أو مرحلة (عمليات مختلطة) من وجهة نظر بعض أطراف الحكومة ، فى معنى الاقتصار ، فحسب ، على الإسناد اللوجستي والفني من جانب المنظمة الدوليَّة (للقبعات الخضر) العاملة ، أصلاً ، فى الاقليم.
هكذا ظلت المعطيات أجمعها تغلب هذا الاتجاه فى الموقف الرسمى ، رغم كل اللغط والجدل الكثيف الذى ما انفكت تثيره بعض الأطراف داخل الحكومة ، والذى اعتبر محض تيار معزول عن المجرى العام ، والشواهد على ذلك كثيرة ، حيث أن:
(1) أداء الوفد الحكومى فى اجتماع أديس لا يُعقل ألا يكون قد استند إلى تفويض محدَّد ، كما وأن تصريحات مندوب السودان الدائم لدى المنظمة الدوليَّة لا بُد أن تكون قد جاءت دقيقة تماماً ، إلا إذا ثبت أنها (زائفة) أو مؤسَّسة على (أجندات شخصيَّة) ، وهو ما لم يزعمه أحد حتى الآن!
(2) تصريح كوفى أنان ، فى عقابيل أديس ، بقبول السودان دخول (قوات مختلطة) فى المرحلة الثالثة ، قد احتاج إلى أكثر من أربع وعشرين ساعة كى يصدر نفيٌ لصِحَّته من بعض المسئولين الحكوميين ، وعلى رأسهم وزير الخارجيَّة ، مِمَّا دفع معلقين سياسيين لاستبعاد كون تلك العناصر تمثل ثقلاً حقيقياً في صفوف ما يُعرف بـ (حكومة الوحدة الوطنيَّة) ، أو للقول ، تحليلاً ، وفى أسوأ التقديرات ، بأن "تيارات مختلفة قد برزت داخل الحكومة بين مؤيد ورافض لمطالب المجتمع الدولى" (الشرق الأوسط ، 25/12/06).
(3) ما رشح من نتائج زيارة أحمدو ولد عبد الله ، موفد الأمم المتحدة الخاص إلى السودان ، أواخر ديسمبر 2006م ، جاء ، بدوره ، معززاً لاتجاه التعاون ، لا التنافر ، مع المجتمع الدولى الذى يستمدُّ حُجَّته القويَّة خلف إصراره على دخول (القبعات الزرق) من (استمرار معاناة المدنيين فى دارفور) ، على العكس من (حُجَّة الاعتراض) التى تشكل هذه النقطة ، بالذات ، عنصر الضعف الأساسي فيها! مهما يكن من أمر فقد استلم المسئول الدولى ، فى نهاية تلك الزيارة ، رسالة ردٍّ من الحكومة على خطة أنان بمراحلها الثلاث ، وقد وصف الإعلام تلك الرسالة ، كما وصفها ولد عبد الله نفسه ، بأنها (إيجابيَّة)، رغم أن الحكومة قد كرَّرت فيها تحفظها السابق على حجم القوات المختلطة (الشرق الأوسط + الجزيرة نت ، 25/12/06).
(4) تعليق السفير الصادق المقلى ، مدير إدارة السلام بالخارجيَّة ، على تينك الزيارة والرسالة ، أكد موافقة الحكومة على الخطة بمراحلها الثلاث ، بما فى ذلك القوات الدوليَّة التى وصفها المقلى بأنها (هجين) ، معبِّراً عن رغبة الحكومة فى تكوينها من القوات الأفريقيَّة وقوات أخرى من (الدول النامية) ، مع استمرار التحفظ ، فقط ، على حجمها (المصدر نفسه).
(5) الأنباء الواردة من مقر المنظمة الدوليَّة بنيويورك أكدت أن رسالة الرئيس السوداني تؤيد "خطة نشر قوة (مشتركة) من الاتحاد الافريقي والامم المتحدة في إقليم دارفور للمساعدة في الحدِّ من العنف وحماية المدنيين" (رويترز ، 26/12/06).
(6) تصريحات السفير علي الصادق ، الناطق الرسمي باسم الخارجيَّة ، عززت أيضاً من تلك الأنباء ، حيث شدَّد على أن "الرسالة تناولت (بالتفصيل) الرؤى السودانية (المتفقة) مع رؤية الأمم المتحدة حول تنفيذ الحزمة الثالثة المتعلقة بالعملية (المشتركة) في دارفور ، جازماً بأن هذه النقطة (بالذات) ليس عليها خلاف بين الجانبين" (المصدر نفسه).
على هذا الأساس بدا التصريح المنسوب ، بالأمس ، إلى السيد رئيس الجمهوريَّة ، نقلاً عن القناة الفرنسية الرابعة ، حول قبول الحكومة بتلك الخطة كما عُرضت "حزمة واحدة"، وتأكيده "أن السودان على (اتفاق تام) مع الأمم المتحدة حول (الخطة المقدَّمة) من (ثلاث حزم) لإعادة الاستقرار فى دارفور" ، وأنه "ليس ثمة (خلاف) مع المجتمع الدولي" حول هذه المسألة (الرأى العام ، 16/2/07) ، متسقاً منطقياً مع مجمل التعبيرات التى سقناها بعاليه ، منذ اجتماع أديس أبابا ، بما يعنى حسم الأمر أخيراً ، ومن أعلى سلطة فى البلاد، حول مهام المرحلة الثالثة ، بالموافقة عليها وفق الخطة نفسها "كما قدَّمتها الأمم المتحدة" ، باعتبار أن مهام المرحلتين الأولى والثانية ليست محل خلاف أصلاً.
غير أن التصريح الآخر المنسوب ، اليوم ، وفى ذات المصدر ، إلى رئيس الجمهوريَّة نفسه ، قد أطاح بكل تلك الاستنتاجات ، جاعلاً منها محض تفكير رغائبى wishful thinking ، لا أكثر ولا أقل ، رغم استنادها إلى كل تلك المعطيات المحدَّدة ، حيث أكد الرئيس فى مؤتمر صحفى بمدينة كان الفرنسيَّة "رفض السودان (للقوات المختلطة) ، مبيِّناً أن الحكومة قد وافقت (فقط) على (عمليَّة مختلطة) ، وهى قوات أفريقيَّة بدعم (فنى) و(لوجستى) من الأمم المتحدة يتمثل .. فى خبراء ومستشارين" (الرأى العام ، 17/2/07).

الأحد:
ربما لا يحتار المرء فى شأن عدم الانسجام البادى على تركيبة هجين السلطة الحاكم ، بقدر ما تدهشه سرعة الضوء التى ما انفكَّت تنزلق بها هذه التركيبة نحو شكل محيِّر من أشكال (ازدواجيَّة السلطة)! ويمكننا أن ندلل على ذلك بما لا يُحصى من الشواهد من كل الأوزان! على أننا نكتفى ، هنا ، بإيراد نموذج بسيط كان هو محور (الأنس بالسلطان) ، على قول المجذوب ، فى (جلسة عصريَّة) جمعتنى اليوم مع بعض الأصدقاء: فقبل سنوات استشعر وزير الخارجيَّة السابق ، في ما يبدو ، أن ثمَّة ضرورة ملحَّة لتجميل صورة (حقوق الانسان) فى السودان ، على نحو ما ، بداية ، على الأقل ، بالجوانب الأخفِّ تأثيراً ، بدلاً من الاصرار على المضى قدماً فى المناطحة العدميَّة ، فى كل صغيرة وكبيرة ، مع المؤسَّسات العالميَّة ، الدوليَّة منها والمدنيَّة ، الناشطة فى هذا المجال. وهكذا لم يثِر الوزير مسألة (الاعتقال الادارى) ، مثلاً ، وإنما أثار ، فقط ، مسألة (تأشيرة الخروج)! فبما أن حريَّة وحق (التنقل) من الحريات العامَّة والحقوق الأساسيَّة المكفولة بالمواثيق الدوليَّة لحقوق الانسان ، بحيث لا يجوز تحميل الراغب فى التمتع بها أىَّ عبء مالى لحساب خزينة الدولة ، فقد نصح ، بحكم موقعه ضمن القطاع السيادى ، بإلغاء (تأشيرة الخروج) ورسومها. رئيس الجمهوريَّة استجاب ، فوجَّه بذلك ، ونشر الخبر ، وقتها ، فى الصفحات الأولى للجرائد. لكن ، هل ، تراه ، نفذ ذلك القرار؟! إطلاقاً .. فقد التفت عليه (جهة ما) تعطله ، عملياً ، بحيلة بسيطة ، فحواها أنك إذا اعتزمت السفر إلى خارج البلاد فإنك ملزم ، ما تزال ، بالحصول على (تأشيرة الخروج)، رغم أنف الالغاء! الفرق الوحيد هو أنه سوف يتعيَّن عليك ، في سبيل الحصول عليها ، أن (تختار) بين أحد طريقين: الأول أن تكون (عاقلاً) ، وتأخذ الأمور من قصيرها ، فتسعى بنفسك إلى وزارة الداخليَّة التى تقوم بتحصيل نفس الرسوم منك قبل أن تمنحك التأشيرة ، لكن بفارق (بسيط) ، أيضاً ، هو أنها لا تفعل ذلك باسم (تأشيرة خروج) ولا في جواز سفرك ، كما كان الأمر فى السابق ، وإنما باسم (دلع) آخر مبهم ، أظنه (رسوم استيفاء) ، أو شيئاً من هذا القبيل ، وفى وريقة منفصلة يحرص منسوبو الداخليَّة على استردادها منك فى المطار قبل مغادرتك! أما الطريق الآخر فسوف تضطر إليه ، ورجلك فوق رقبتك ، إذا توهَّمت أنك حُرٌ مكفول الحق ، فركبت رأسك ، وأصررت على التمتع بحريَّتك وممارسة حقك دون أن تدفع جنيهاً واحداً! ذلك لأنك ، يا بطل ، سوف تفاجأ بضابط شرطة (يقطع الطريق) عليك داخل المطار ، وبعد أن تكون قد أكملت كلَّ إجراءاتك (القانونيَّة) ، ولم يعُد بينك وبين صالة المغادرة سوى بضع خطوات ، فيحملك حملاً ، وفى تلك اللحظة الأخيرة ، على سداد نفس الرسوم ، وبدون أىِّ إيصال ، فتضطر للرضوخ وإلا فلن تغادر سوى إلى .. بيتكم!
فاتنى أن أقول لكم إن مناسبة (ونسة العصريَّة) هذه هى القرار غير المسبوق الذى أرجو أن يشمل أيضاً رسوم (تأشيرة الخروج) ، والذى أصدره بالأمس الفريق أول محجوب حسن سعد ، المدير العام للشرطة ، بمنع رجاله من المشاركة فى تحصيل الجبايات ، وسحبهم من نقاط التحصيل والجباية كافة ، وعلى كل المستويات ، قائلاً: "إن هذا القرار جاء إيماناً من قيادة الشرطة بضرورة الانحياز للقرارات التى تعمل على تخفيف معاناة المواطنين" (السودانى ، 18/2/07). واستطراداً ، فلعل سيادته يشير إلى قرار مجلس ولاية الخرطوم التشريعى ، والذى أمَّن عليه وزير الماليَّة الولائي نفسه ، بأن تلتزم المحليات بتحصيل الرسوم المجازة فى الميزانيَّة فقط ، والتوقف عن ممارسة أساليب القهر والقسر التى وصفها النوَّاب بأنه لا شبيه لها سوى "تلك التى كانت سائدة في التركيَّة السابقة" (المصدر نفسه).

الإثنين:
صدِّق أو لا تصدِّق: (مجلس الوزراء) أصدر تعميماً وزَّعه على جميع الوزارات والمصالح الحكوميَّة يشيد فيه بأداء .. (مجلس الوزراء)!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصَّةُ بَقرَتَيْن!
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ - الأخيرة
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (6) (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ ال ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (5) (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ ال ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ - 4
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ الاعتِ ...
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ -3
- الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ ..بَينَ خَريفٍ وخريفْ: مائ ...
- طَرَفٌ مِن حَديثِ تَحَدِّياتِ البِنَاءِ الوَطَنى (الأخيرة) - ...
- طَرَفٌ مِن حَديثِ تَحَدِّياتِ البِنَاءِ الوَطَنى(2) الدِّيمُ ...
- طَرَفٌ مِن حَديثِ تَحَدِّياتِ البِنَاءِ الوَطَنى - 1
- دَارْفُورْ: شَيْلُوكُ يَطلُبُ رَطْلَ اللَّحْمِ يَا أَنْطونْي ...
- عَضُّ الأصَابع فِى أبُوجَا!
- بَا .. بَارْيَا!
- إسْتِثناءٌ مِصْرىٌّ وَضِئٌ مِن قاعِدةٍ عَرَبيَّة مُعْتِمَة!
- خُوْصُ النَّخْلِ لا يُوقِدُ نَاراً!
- التُّرَابِى: حَرْبُ الفَتَاوَى!
- سِيْدِى بِى سِيْدُوْ!
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ (الحلقة الأخيرة) مَا العَمَ ...
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (13) الوَطَنُ لَيسَ (حَظَّ ...


المزيد.....




- أحذية كانت ترتديها جثث قبل اختفائها.. شاهد ما عُثر عليه في م ...
- -بينهم ناصف ساويرس وحمد بن جاسم-.. المليارديرات الأغنى في 7 ...
- صحة غزة: جميع سكان القطاع يشربون مياها غير آمنة (صور)
- تقرير استخباراتي أمريكي: بوتين لم يأمر بقتل المعارض الروسي ن ...
- مسؤول أمريكي يحذر من اجتياح رفح: إسرائيل دمرت خان يونس بحثا ...
- شاهد: احتفالات صاخبة في هولندا بعيد ميلاد الملك فيليم ألكسند ...
- مليارات الزيزان تستعد لغزو الولايات المتحدة الأمريكية
- -تحالف أسطول الحرية- يكشف عن تدخل إسرائيلي يعطل وصول سفن الم ...
- انطلاق مسيرة ضخمة تضامنا مع غزة من أمام مبنى البرلمان البريط ...
- بوغدانوف يبحث مع مبعوثي -بريكس- الوضع في غزة وقضايا المنطقة ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كمال الجزولي - شَمسٌ كَرَأسِ الدَّبُّوس!