أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ (الحلقة الأخيرة) مَا العَمَلْ!















المزيد.....

ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ (الحلقة الأخيرة) مَا العَمَلْ!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1478 - 2006 / 3 / 3 - 11:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


(1) نظرنا ، من خلال الحلقات الماضية ، إلى الأزمة الناشبة بين الحكومة السودانيَّة وبين الهيئات الدوليَّة المعنيَّة بقرار مجلس الأمن إحالة ملف دارفور إلى الآى سى سى ، من زاوية مختلفة تضع فى اعتبارها أن هذه المحكمة مطلب شعبىٌّ عالمىٌّ فى المقام الأول. وعرضنا ، فى السياق ، لسلطات مجلس الأمن ، ولقصور خطاب الحكومة وأدائها ، وقلنا إن الواجب يحتم إدراك مكمن أزمتنا (الوطنيَّة) ، لا فى منظومة القيم الدوليَّة التى تكرَّست بنضالات الشعوب ، بل فى الغياب التام لهذه القيم بالذات عن الأفق السياسى لإدارة الدولة ، وما تعانيه (جبهتنا الداخليَّة) من تفكك يهئ مداخل (الطامعين) فى اختراق (السيادة الوطنيَّة). وأشرنا إلى أننا بإزاء شرط تاريخىٍّ تشتبك فيه القضيَّة (الوطنيَّة) بالقضيَّة (الاجتماعيَّة) ، ومصير (البلاد) بمصير (النظام) ، فى ظلِّ ترتيبات لم يشترك فى تقريرها سوى طرفين لا يملك أىٌّ منهما تمثيل التعدُّد السودانى ، وفى ظلِّ وجود حربىٍّ أجنبى فعلى ومتفاقم ، وشدَّدنا على أن مفهوم (الوطن) ليس (حظ كفاية) إذا (استمتع) به (النظام) سقط عن (الشعب). وأكدنا على أن مشكلة القرار 1593 لا تنفصل عن مجمل شروط الأزمة الوطنيَّة ، ومعالجتها لا تتمَّ بمعزل عن جملة ترتيبات تحتاج إلى جملة مقدمات يقع عبئها ، ابتداءً ، على عاتق الحكومة. وخلصنا إلى ضرورة ترميم شروخات الجبهة الداخليَّة باعتبارها المعلم الأساسى فى (خارطة الطريق) للخروج من المأزق الذى يتهدَّدنا بالنموذج الأفغانى أو العراقى! غير أن النظام ما زال يصرُّ على رفض أطروحات المعارضة ، وفى مقدمتها (المؤتمر الجامع) لتحشيد المشاركة الواسعة فى تنفيذ الاتفاقيَّة وإطفاء الحرائق فى دارفور والشرق وغيرهما. ومع ذلك فالمعادلة ما نزال واضحة تماماً: إما أن نعجِّل بإعادة البناء المطلوبة ليشيع مناخ وطنى يتعذر معه تمرير أجندات الهيمنة ، أو تبقى الجبهة الداخليَّة مفككة فلا تنحسر هذه الأجندات من تلقاء نفسها مهما حشد النظام من المواكب والبيانات.
(2) وبرغم صعوبة تجرُّع هذا النمط من التفكير بالنسبة لنظام ترعرع على الاستئثار المطلق بالسلطة ، فإننا لا نستبعد ، كما سبق أن نوَّهنا ، تشكل كتلة فكريَّة وسياسيَّة مؤثرة وسط القوى الاجتماعيَّة الداعمة له ، تعيد النظر كرَّتين بعين بصيرتها ، فتدرك ، ولو من باب المصلحة الحزبيَّة البحتة ، ولا نقول الضيِّقة ، الخطأ القاتل فى الاصرار على مواصلة السير بالطريق القديم من جهة النظام ، واستحالة الاستمرار فى الصمت بإزاء بقاء الحال على ما هو عليه من جهة الجماهير ، والخطر المحدق بالبلاد ، بل و(بالنظام) نفسه ، بالطبع ، وبالدرجة الأولى ، من جهة الاطماع الامبرياليَّة! ومن ثمَّ ، وقبل أن نمضى قدماً فى مناقشة مهام توحيد الجبهة الداخليَّة ، على صعيد الأزمة الوطنيَّة (الرئيسة) ، نطرح ، فى ما يلى ، بعض الأسئلة التى تحتاج هذه القوى ، يقيناَ ، لمجابهتها بصدق على هوامش أزمة النظام (الفرعيَّة) مع الآى سى سى ، وذلك على النحو الآتى:
أولاً: إذا افترضنا ، جدلاً ، أن الحكومة محقة فى اتهامها لمجلس الأمن أو لبعض دول (الاستكبار) باستهداف (نظامها) ، أساساً ، بقرار الاحالة ، فما هى العلاقة المنطقيَّة بين هذا الاتهام وبين معاداة مؤسَّسة جنائيَّة دوليَّة نشأت بإرادة شعوب العالم قبل حكوماته؟! أفلا يعنى هذا اختيار الوقوف ضد هذه الارادة الشعبيَّة التى تمثلها الآن منظمات وجماعات ضغط مدنيَّة مرموقة؟! فأين المصلحة فى توسيع معسكر الأعداء ، بلا تبصُّر أو رويَّة ، إلى الحد الذى يتجاوز الدول إلى المجتمع المدنى العالمى؟!
ثانياً: وإذا افترضنا ، جدلاً ، أن للحكومة الحق فى مطالبة المعارضة (بتوحيد) الجبهة الداخليَّة لمواجهة المخاطر المحدقة ، فماذا قدَّمت (هى) ، ابتداءً ، وفى يدها القلم ، لتحقيق هذا الهدف (الوطنى) السامى؟!
ثالثاً: أما إذا افترضنا ، جدلاً ، أن علاقة الحكومة بجبهتها الداخليَّة سمن على عسل ، وأنها محقة فى موقفها الرافض لقرار الاحالة من زاوية توفر (الرغبة) و(القدرة) لديها على ملاحقة ومحاكمة الجناة ، أفليس هذا موقفاً (عارضاً) تجاه قضيَّة بعينها تستوجب إقامة الدليل على هاتين (الرغبة) و(القدرة) ، بدلاً من قرع طبول الحرب؟!
(3) وعلى تشعُّب المداخل المناسبة لمقاربة هذه الاسئلة بوجه عام ، إلا أننا نكتفى ، فى الختام ، بعرض مدخلين جوهريَّين وجديرين بالاعتبار فى ما نحن بصدده هنا:
(3/1) تتمحور المسألة الأولى فى:
أ/ أنه من غير المُتصوَّر أن يكون محلَّ خلاف نظرى ، بأيَّة درجة ، الرباط الجدلى بين الهدفين الرئيسين للاتفاقيَّة والدستور الانتقالى ، وهما (السلام الشامل) و(التحوُّل الديموقراطى) ، من جهة ، وبينهما وبين شرط (العدالة الانتقاليَّة) من الجهة الأخرى ، مثلما لا يُعقل أيضاً ألا يُنظر لهذه المهام كشرط ضرورى لإعادة بناء (الجبهة الداخليَّة) من الجهة الثالثة. بعبارة أخرى فإن (التحوُّل الديموقراطى) لا يتحقق فى غير بيئة (السلام الشامل) التى لا تتكرَّس بمحض وقـف إطلاق النار ، كما وأن استدامة (السلام الشامل) مشروطة باستكمال (التحوُّل الديموقراطى) الذى لا يكون ، هو نفسه ، بغير إنجاز (العدالة الانتقاليَّة) ، وتشكل هذه القضايا مجتمعة الشرط الموضوعى الذى لا غنى عنه لإعادة بناء (الجبهة الداخليَّة) فى ظلِّ معطيات هذا الظرف الدولى والاقليمى الدقيق.
ب/ أن ثمَّة عقبات كثيرة ، مع ذلك ، تجعل من المستحيل تحقق هذا الارتباط على الأرض دون إصلاح بنية السلطة والعلاقات السياسيَّة شكلاً ومضموناً. فعلى الرغم من أن بلادنا ليست حديثة عهد (بالديموقراطيَّة) ، حيث عرفت ، على نحو أو آخر ، أشكالاً أوليَّة من نظمها الشوريَّة ، منذ الحقبة التى كان زعماء القبائل ينتخبون فيها ملوك كوش القدماء ، ثم الحقبة السناريَّة التى كان ملوك الفونج وشيوخ العبدلاب يُختارون فيها بذات الطريقة ، علاوة على ما قرَّ فى الوجدان الشعبى من تعاليم الاسلام حال دخوله لاحقاً إلى البلاد ، وحتى الحقبة الحديثة التى ارتبط فيها النضال من أجل الاستقلال بالنضال من أجل بناء الدولة الوطنيَّة ديموقراطياً ، مثلما أضحى النضال من أجل استعادة الديموقراطيَّة فى كلِّ مرة تستلب فيها قانوناً ثابتاً للثورة السودانيَّة ، إلا أن عهود الشموليَّة المتطاولة ، بالمقابل ، والنماذج التاريخيَّة لأنظمة القمع والاستبداد ، أسهمت فى (تغذية) الهشاشة النسبيَّة للبنية الاجتماعيَّة التى تسمح ، على سبيل المثال ، باستشراء الغلو باسم الدين ، وضعف آليات المقاومة للقهر ، وتكريس قيم السوق بالمصادمة لقيم التضامن ، وما إلى ذلك ، مِمَّا انعكس سلباً على بنية (الدولة القمعيَّة) ذاتها ، وهيأ لضمور القوى الاجتماعيَّة الداعمة لها ، وأتاح المجال لعودة التدخلات الاستعماريَّة بمختلف أشكالها ، علاوة على ما أضحت تبديه هذه الدولة ، لا فى السياق المنسجم للتطوُّر الداخلى الطبيعى وإنما استجابة للضغوط الخارجيَّة فحسب ، من إيحاء بالقبول الشكلانى لمناقشة (التحوُّل الديموقراطى) ، وما يلتحق به من قضايا (حقوق الانسان) ، و(العدالة الانتقاليَّة) ، ومحاربة (التمييز) ضد النساء والأقليات ، واعتماد (التداول) الديموقراطى للسلطة ، وضبط العلاقة بين (الدولة) و(السوق) و(المجتمع المدنى) ، ومعالجة إشكاليَّة تجـذير (ثقافة الديموقراطيَّة) فى بنية الثقافة الشعبيَّة السائدة ، بما فى ذلك فض التناقض المصطنع بين (الديموقراطيَّة) و(الدين) فى مستوى الوعى الاجتماعى العام ، فضلاً عن إزالة كلِّ العوائق السلطانيَّة التى تحول دون (المشاركة) الجماهيريَّة الواسعة فى حسم هذه القضايا.
ج/ أن ثورة الاتصالات التى حوَّلت عالمنا إلى قرية صغيرة مكنت من تدشين (عولمة بديلة) ما تنفكُّ تتخلق منذ حين ، بثبات مرموق ، فى وجه (العولمة الامبرياليَّة المتوحِّشة) ، فصارت إلى ازدياد ملحوظ التجمُّعات الدوليَّة القائمة على (الاعتماد المتبادل) ، والمعنيَّة بحقوق الانسان ومصائر الشعوب وهمومها ، شاملة لمئات الآلاف من المنظمات والجمعيات الوطنيَّة ، والفيدراليَّات الدوليَّة والاقليميَّة. ولعلَّ من احدثها ، على سبيل المثال لا الحصر ، (كومونة الديموقراطيات Community of Democracies) ، أو (خليَّة الديموقراطيَّة Democracy Coccus) كما يُطلق عليها أحياناً ، وهى تشاركيَّة واسعة بين مؤسَّسات المجتمع المدنى الدولى وعدد من الحكومات الديموقراطيَّة ، وقد خرجت ، فى خطوتها الأولى ، (بإعلان وارسو لسنة 2000م) لتأكيد التمسك بقيم الديموقراطيَّة ، كما وتنشط ، حالياً ، فى الدفع باتجاه التواثق على المعايير الدوليَّة (للتحوُّل الديموقراطى) ، ورفض التنصُّل عنها من جانب أىِّ حكومة. وتندرج فى سياق هذا الحراك المدنى العالمى (الحملة من أجل المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة Campaign for the ICC) الناشطة ، من جانبها ، فى الدفع باتجاه التوقيع أو المصادقة على (نظام روما) ، وغيرها من الكيانات المرموقة.
د/ أن من فادح الوهم ، إذن ، وكما سبق أن أشرنا ، تصوُّر (التحوُّل الديموقراطى) محض (خيار) يؤخذ به أو لا يؤخذ ، أو (نصوص) تجمِّل بها الأنظمة القمعيَّة دساتيرها بينما (ممارساتها) المرذولة سادرة فى الاتجاه المعاكس! لذا ، وبالنظر إلى الوتائر المتسارعة لتطوُّر هذا المفهوم على صعيد الفكر السياسى ، والحراكات الشعبيَّة العالميَّة ، ومستوى تطوُّر العلاقات والقانون الدوليَّين ، فإن الحدَّ الأدنى من حُسن التدبير يقتضى التعاطى معه فى منظور إلزاميَّته المؤسَّسة على أسمى القيم والمبادئ الفكريَّة والاخلاقيَّة المحروسة برقابة دوليَّة ، رسميَّة ومدنيَّة.
(3/2) أما المسألة الثانية فتتمحور فى:
أ/ أن (العدالة الانتقاليَّة) التى تقترن ، كما قلنا ، (بالتحوُّل الديموقراطى) ، وجوباً ، ليست مجرَّد تعبير (لغوى) يفسره كلُّ طرف بما يروقه ، بل هو (مصطلح) صارم ومفهوم منضبط أسهمت فى إكسابه دلالته المحدَّدة تجارب الشعوب من تشيلى إلى الارجنتين إلى غواتيمالا إلى المغرب إلى جنوب أفريقيا وغيرها ، بحيث أمست أيَّة خطوة باتجاه مطلب (التحوُّل الديموقراطى) الحقيقى مشروطة بتوفير هذه (العدالة الانتقاليَّة) كمقدِّمـة لازمة لعمليَّة (التحوُّل) نفسها ، فتتصدَّر ، من ثمَّ ، أولويات الرقابة والاهتمام الدوليَّين.
ب/ أن تطبيق (العدالة الانتقاليَّة) ، بمراعاة معاييرها الدوليَّة ، كافٍ ، ضربة لازب ، لإقصاء شرط (عدم القدرة أو الرغبة) فى حق الدولة المعيَّنة ، حسب نص المادة/17/1/ب من (نظام روما) الذى تطبقه الآى سى سى. ومن أهمِّ هذه المعايير ، حسب المادة/17/2،3 ، ألا يكون قد وقع تأخير لا مبرِّر له فى اتخاذ الاجراءات من قبل أجهزة العدالة الوطنيَّة ، وألا تكون ثمَّة إجراءات قد اتخذت ، تحت ستار (القدرة والرغبة) ، لمجرَّد حماية شخص من المساءلة الجنائيَّة (بالاستناد ، مثلاً ، إلى الحصانات الواسعة التى عُدِّل لها مؤخراً ، للمفارقة ، قانونا الاجراءات الجنائيَّة والقوات المسلحة بأمرين مؤقتين من رئيس الجمهوريَّة ، وذلك لأغراض تمكين عناصر الشرطة والقوَّات المسلحة من "الافلات من العقاب Impunity" حالَ ارتكابهم لجرائم ضد الانسانيَّة). وينبغى ، كذلك ، ألا يكون قد وقع تصرف ، أثناء اتخاذ الاجراءات ، بما لا يتفق مع الهدف من تقديم الشخص إلى العدالة. كما وأن من أهمِّ شروط (عدم مقبوليَّة الدعوى Inadmissibility) ، حسب المادة/17/1/أ ، أن يكون هناك تحقيق أو محاكمة أو قرار بإجراء محاكمة من قبل دولة مختصة فى حق الشخص المتهم بارتكاب أفعال تشكل جريمة دوليَّة ، أو أن يكون هذا الشخص قد تمَّت محاكمته بالفعل. ولا ترقى مثل هذه المحاكمة إلى حجب اختصاص الآى سى سى ما لم تكن عن أفعال تشكل جرائم دوليَّة Crimes of International Concern وفق المادة/1 ، وهى الجرائم التى تهزُّ فداحتها المجتمع الدولى.
ج/ أن المنهج الصائب والاجراء السليم فى ما يتصل (بالمسألة السودانيَّة الدوليَّة) عموماً ، وفى حالة ملف (دارفور والآى سى سى) بشكل مخصوص ، إنما يتحقق ، فى رأينا ، بالآتى:
ج/1: الفصل ، ابتداءً ، بين الاحترام الواجب ، من جهة ، للآى سى سى كمؤسَّسة قضائيَّة جنائيَّة دوليَّة يتحقق بها حلم البشريَّة القديم ، ويصطف فى الحملة العالميَّة الداعمة لها ملايين الناس ، وبين الموقف الوطنى الرافض ، من الجهة الأخرى ، للتدخل العسكرى الاجنبى ، سواء بقوات دوليَّة أم بقوات إقليميَّة ، فجميعها فى انتهاك (السيادة) التقليديَّة سواء ، والداعى ، فى الوقت نفسه ، لاجتراح الحلول الداخليَّة ، لا لمشكلة دارفور وحدها ، بل ولكل مشاكل السودان ذات الأثر والخطر على تماسك جبهته الداخليَّة ، وعلى رأس تلك الحلول تيسير إعادة الاصطفاف الوطنى حولها عبر آليات المؤتمر القومى الجامع ، والمشاركة السياسيَّة والمدنيَّة الواسعة ، وحكومة الوحدة الوطنيَّة (الحقيقيَّة) ذات القاعدة العريضة (فعلاً) لا (قولاً).
ج/2: العودة ، من ثمَّ ، بهدف استعدال الخطاب الرسمى ، إلى نقطة البداية الصحيحة التى كان قد افترعها نائب رئيس الجمهوريَّة الأستاذ على عثمان طه باكراً ، قبل زهاء العام ، وذلك فى حديثه أمام المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقده ، وقتها ، بأوسلو مع رئيس الحركة الشعبية الفقيد د. جون قرنق ، ووزيرة التنمية الدوليَّة النرويجيَّة هيلدا جونسون ، حيث "تعهَّد بمحاكمة كلِّ من انتهك حقوق الانسان فى دارفور" ، مؤكداً: ".. أن العدالة يجب أن تفعَّل لمنع الافلات من العقاب .. وسيقدَّم للمحاكمة أىُّ متهم تتوفر بيِّنات فى مواجهته بارتكاب جرائم ضد الانسانيَّة" ، وموضحاً ، حول رفض الرئيس عمر البشير تسليم أىِّ سودانى إلى الآى سى سى ، أن "البشير لا يرى حاجة لتسليم أىِّ مواطن للمحاكمة فى الخارج .. وأن ذلك ليس خرقاً لقرار مجلس الأمن رقم/1593 لأن القرار لا يشير إلى ضرورة محاكمة السودانيين فى الخارج .. وأن الحكومة تدرس حالياً القرار بالطريقة التى تحقق جوهره .. فإذا كان يهدف إلى تحقيق السلام وحماية المدنيين والحل السياسى ومعاقبة منتهكى حقوق الانسان فنحن معه" (الصحافة ، 12/4/2005م).
ج/3: الاسراع بتفعيل (جوهر) المادة/21 من الدستور التى توجِّه بأن "تبتدر الدولة عمليَّة شاملة للمصالحة الوطنيَّة وتضميد الجراح من أجل تحقيق التوافق الوطنى والتعايش السلمى بين جميع السودانيين". فبرغم ورودها ، للأسف ، ضمن (الفصل الثانى) من (الباب الأول): (المبادئ الهادية والموجِّهات) ، على حين كان ينبغى أن تكتسى ، وبتفصيل أوفى ، صفة أكثر إلزاميَّة ، إلا أن ثمَّة ضرورة سياسيَّة وطنيَّة تستوجب الاهتداء ، مع ذلك ، (بروحها) فى ضوء خبرات البلدان المشار إليها ، لا الانكفاء على اقتفاء آثار الخبرات المذكورة بلا تبصُّر ، مع وضع الحقائق الآتية فى الاعتبار:
ج/3/1: إن أقرب هذه الخبرات إلينا تجربتا (الحقيقة والانصاف والمصالحة) فى (المغرب) ، و(الحقيقة والمصالحة) فى (جنوب أفريقيا) ، دون إغفال لقرابة الأربعين تجربة عالميَّة أخرى جعلت ، فى محصلتها النهائيَّة ، خطاب المجتمع الدولى الذى كان منصباً ، نظرياً ، على ما يُعرف (بتسهيل التقاضى Access to Justice) فحسب ، خلال سبعينات وثمانينات القرن المنصرم ، يرتقى ، منذ مطالع التسعينات ، باتجاه التشديد العملى على ما يُعرف (بعدم السماح بالافلات من العقاب Impunity).
ج/3/2: إن جدل التطوُّر الطبيعى لعلاقات المجتمع المدنى مع النظام السابق أفضى ، من خلال عمليات (التحوُّل الديموقراطى) الجارية فى تجربة (المغرب) ، على قصورها ، إلى إحداث هذا (التحوُّل) داخل بنية النظام نفسه ، بينما أفضى فى تجربة (جنوب أفريقيا) إلى نموذج مغاير بإنجاز القطيعة التامَّة مع النظام السابق.
ج/3/3: إن التجربتين مطروحتان ، فى أفق الخبرة الانسانيَّة العامَّة ، من خلال الاشتباك الوثيق مع دور المجتمع المدنى فى عمليَّة (التحوُّل) ، أو تجاوز (سنوات الرصاص) ، حسب المصطلح المغربى ، بلفظ العنف ، وتفادى نزعة الانتقام ، واعتماد الوسائل الديموقراطيَّة السلميَّة وحدها فى تقصِّى (الحقيقة الكاملة) ، وأداء (واجب الذاكرة) وفق علم النفس الاجتماعى ، و(جبر الأضرار) الماديَّة والمعنويَّة بإعادة الاعتبار للضحايا فى المستويين الفردى والجماعى ، وابتداع (الاصلاحات الهيكليَّة) الكفيلة بقطع الطريق أمام أىِّ انتهاكات لحقوق الانسان فى المستقبل. وقد انتهجت كلتا التجربتين (جلسات الاستماع العمومى) كآليَّة لاستخلاص (الحقيقة).
ج/3/4: إن تلك الخبرات قد شكلت ، أيَّاً كان الأمر ، علامة انعطاف نوعيَّة فارقة فى التاريخ الانسانى. أما التعويل القديم على (خداع) النفس والشعب والعالم (بفبركة) نماذج من (مصالحات صوريَّة) و(ديموقراطيَّات شكلانيَّة) يكاد لا يتبدَّى لها مردود سوى فى ضجيج إعلامى (يُقرأ: دعائى) لا يرُدُّ (حقاً) أو يجبر (ضرراً) ، ومحاولة تسويق موقف مناهض ، بعد ذلك كله ، (للعدالة الجنائيَّة الدوليَّة) ، باعتبارها مجرَّد آليَّة (للاستكبار الدولى) ، فقد أمسى نهجاً مفضوح البوار والخسران ، بل ، بالاحرى ، محض وهم غارق فى الكساد واللا تاريخيَّة!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (13) الوَطَنُ لَيسَ (حَظَّ ...
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (12) وَطَنيَّةُ مَنْ؟!
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! إِشَارَاتُ -أُوْكامْبُو- و ...
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (10) إنقِلابُ اللِّسَانِ ا ...
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (9) سَيادَةُ مَنْ؟!
- التَوقِيعُ على -نِظَامِ رومَا-: غَفْلَةٌ أَمْ تَضَعْضُعْ؟ومَ ...
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (7) طَريقَانِ أَمامَكَ فَا ...
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (6) مَطْلَبٌ ديمُقرَاطِىٌّ ...
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (5)المَسَارُ التَّاريخِىُّ ...
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (4) الحَرْبَانِ العَالَميّ ...
- ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ!
- وَمَا أَدْرَاكَ مَا الآىْ سِىْ سِىْ مِنْ حُقوقِ الدُّوَلِ إل ...
- السُّودَانْ والآىْ سِىْ سِىْ: بَيْنَ المَبْدَئِى وَالعَارِضْ ...
- القَابِليَّةُ للقَمْعْْ!
- الكِتَابَةُ: شِفَاءٌ أَمْ .. تَشَفِّى؟!
- وَسائِلُ خَسِيسَةْ 66
- كَوَابيسُ السَّلام!
- وَسائِلُ خَسِيسَةْ 4ـ6
- وَسائِلُ خَسِيسَةْ 5ـ6
- وَسائِلُ خَسِيسَةْ 3


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ (الحلقة الأخيرة) مَا العَمَلْ!