أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - وَسائِلُ خَسِيسَةْ 5ـ6














المزيد.....

وَسائِلُ خَسِيسَةْ 5ـ6


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1267 - 2005 / 7 / 26 - 11:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


عرضنا ، فى ما تقدم ، لموقف الاسلام من (الاستبداد) وتبريراته فى سياق بحث (الدولة) الدائب عن الغطاء الأيديولوجى للطاعة. وننتقل ، فى هذه الحلقة قبل الأخيرة ، لنتلمَّس الصورة المخصوصة التى وردت بشأن (التعذيب) نفسه فى الخطاب القرآنى ، وتجليَّاتها فى الفقه الوثيق وأقضية الصحابة الأوائل والخلفاء الراشدين.
أول ما يتبدَّى من هذه الصورة هو المقابلة الجدليَّة بين (الكراهيَّة) و(الحب) ، حيث التعذيب يُنتج حالة من (الاكراه) الذى يعنى ، لغة وفقهاً ، (حَمْل) الغير (قهراً) على أمر لا (يرضاه). ولذا تقاطعت (الكراهيَّة) و(الحب) فى قوله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم ، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم" (216 ؛ البقرة). وعرَّفه السرخسى فى (المبسوط) بأنه "فعل يفعله الانسان بغيره فينتفى به رضاه أو يزول به اختياره". و(الاختيار) ترجيح (فعل) الشئ على (تركه) أو العكس (وهبة الزحيلى ؛ الفقه الاسلامى وأدلته ، ص 386 ـ 387) ، أما (الرضا) فهو (القبول) عن (محبَّة) و(طواعية).
والاكراه نوعان: (مُلجئ) و(قاصر). الأول يُعدم (الرضا) ويُفسد (الاختيار) ، كالتهديد بما يُخاف معه إتلاف النفس قتلاً أو قطعاً أو ضرباً مبرحاً. أما الثانى فيُعدم (الرضا) وإن كان لا يُفسد (الاختيار) ، كالتهديد بما لا يُخاف معه إتلاف النفس حبساً أو قيداً أو إهلاكاً لمال (بدائع الصنائع ، ص 175 ، وتكملة فتح القدير ، ص 292 وما بعدها ـ ضمن: وهبة الزحيلى ؛ الوسيط فى أصول الفقه الاسلامى ، ص 185 وما بعدها). غير أن (الاختيار) و(الرضا) متلازمان ، فى المحصلة النهائيَّة ، كشرط لصحة (الاقرار). فالله سبحانه وتعالى الذى حضَّ المؤمنين على قول الحقِّ ولو على النفس: "كونوا قوَّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسـكم" (135 ؛ النساء) ، إستثنى ، من الجهة الأخرى ، ظرف (الاكراه) حتى فى حال المجاهرة (بالكفر) نفسه: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان" (106 ؛ النحل).
ومناسبة التنزيل أن عمَّاراً بن ياسر (أكره) تحت التعذيب الشديد له ولوالديه على سبِّ النبى (ص) ومدح آلهة قريش. لكن عندما سأله النبى (ص) ، حسب ابن كثير عن أبى عبيدة محمد بن عمَّار بن ياسر: كيف تجد قلبك؟ أجاب: مطمئن بالايمان. فقال له: إن عادوا فعُد ـ رواه البيهقى وأبو نعيم وعبد الرازق وابن راهويه ، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (نصب الراية ، ج 4 ، ص 158). وفى الحديث الآخر: "رُفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". ومعناه صحيح باتفاق العلماء كأبى بكر بن العربى وأبى محمد عبد الحق الذى أكد أن إسناده صحيح قائلاً: وقد ذكره أبو بكر الأصيلى فى الفوائد وابن المنذر فى كتاب الاقناع (السيِّد سابق ، ج 3 ، ص 404 ـ 405).
وهناك أيضاً الإجماع على فقه وصفه ابن حزم بأنه لا يعرف له من الصحابة مخالف (المصدر ، ص 403). من ذلك رواية أبى يوسف عن الشيبانى عن حنظلة عن أبيه أن عمراً (رض) قال: "ليس الرجل بمأمون على نفسه إن أجعته أو أخفته أو حبسته أن يقر على نفسه" (الخراج ، ص 175). وجئ إليه بمن اعترف بسرقة ، فقال: ما أرى يد الرجل بسارق. فقال الرجل: والله ما أنا بسارق ولكنهم تهدَّدونى ، فلم يُقِم عليه الحد (مصنف عبد الرازق ، ص 193). وقال ابن مسعود: ما مِن ذى سلطان يريد أن يكلفنى كلاماً يدرأ عنى سوطاً أو سوطين إلا كنت متكلماً به (السيِّد سابق ، ص 403). وكره مالك أن يقول السلطان للمتهم وهو فى يده: أخبرنى ولك الأمان ، لأنه خديعة (شرح الزرقانى على مختصر خليل ، ص 106 ـ 107). فصاحب السلطان ، حتى لو لم يحبس المُقر ، ولكنه قال له وهو فى يده: لا أؤاخذك بإقرارك ، ولا أضربك ولا أحبسك ، فإن شئت تقر ، فأقرَّ ، لم يجُز هذا الاقرار لأن كينونته فى يده حبس منه ، أما قوله لا أحبسك فخداع لا ينعدم به أثر الاكراه (المبسوط للسرخسى ، ص 51 ـ 70 ـ 71).
والقاعدة الأصوليَّة هى أن دلالة الأحوال تختلف بها دلالة الأقوال فى قبول دعوى ما يخالفها ، وتترتب عليها الأحكام بمجرَّدها ، وتتخرَّج عليها مسائل كما لو تلفظ الأسير بكلمة (الكفر) ، ثم ادعى أنه كان (مكرهاً) ، فالقول قوله ، لأن (الأسر) دليل الاكراه (القواعد للحافظ أبى الفرج الحنبلى ، ص 349) ، و(الحبس) قرينة عليه (المُغنى لابن قدامة ، ص 273).
من هذه الوضعيَّة نستطيع أن نخلص إلى أن (الاقرار) فى الشريعة المتجذرة فى المصادر المقدَّسة ، مثلما فى القانون الوضعى المستند غالبه إلى الفطرة السليمة ، عمل تحتوشه الشبهات إلى الحدِّ الذى يمكن فيه اعتبار عِلة (قبوله) هى عِلة (استبعاده) فى آن واحد ، حيث القاعدة الشرعيَّة القائلة بأن "العاقل لا يُتهم بقصد الاضرار بنفسه" (بدائع الصنائع ، ص 189) تكاد تطابق ، مبنى ومعنى ، الحكمة الشعبيَّة العتيقة فى الثقافة الغربيَّة: "nemo auditore perire volens ـ لا أحد يرغب فى أن يُهلك نفسه بنفسه".
قاعدة قبول أو استبعاد (الاقرار) ، إذن ، مؤسَّسة فى الاسلام على شرط توفر عنصر (الاختيار) وانتفاء شبهة (الاكراه). (فالاكراه) مسقط للاثم عند الله تعالى ، ومسقط للعقوبة فى الدنيا ، لأنه مسقط للاختيار فى الانسان ، ولا إثم ولا عقوبة إلا مع الاختيار (محمد رواس قلعة جى ؛ موسوعة فقه عمر ، ص 97 ـ 98). أى أن الاقرار لا يصِحُّ إلا من عاقل مُختار "أما المُكرَه فلا يصِحُّ إقراره بما أكره على الاقرار به" (المُغنى لابن قدامة ، ص 272 ـ 273).
والمستوى المطلوب للدفع (بالاكراه) هو مجرَّد إثارة الشك المعقول ، وهى ذات القاعدة فى القانون الوضعى. أما الفرق فيكمن فى البُعد العقدى المفترض فى المُحقق والقاضى المسلمين، بما يجعل من إخلالهما بأشراط (الاقرار) لا محض خطأ (فنىٍّ) ، وإنما تجاوزاً ، فى المقام الأول ، لأشراط العقيدة نفسها!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وَسائِلُ خَسِيسَةْ 3
- وَسائِلُ خَسِيسَةْ - 2
- التَّجَمُّعْ: هَلْ يَنسَدلُ السِّتارُ؟
- وَسِيلَةٌ خَسِيسَةْ 1
- مَحْجُوبٌ .. الذَّهَبِىْ!
- شَيْطَانُ الخَديعَةْ3ـ3
- شَيْطَانُ الخَديعَةْ 2ـ3
- شَيْطَانُ الخَديعَةْ 1ـ2
- جَنَازَةُ البَحْرْ!
- وعَلَى الأقْبَاطِ .. السَّلامْ 2ـ2
- وعَلَى الأقْبَاطِ .. السَّلامْ 1ـ2
- الحَرَكَةْ: مِن الثَّوْرَةِ إلى .. الدَّوْلَةْ!
- لَيْسُوا -رِجَالاً-؟!
- اللُّغَةُ .. فِى صِرَاعِ الدَّيَكَةْ
- للذِّكرَى .. نُعِيدُ السُّؤالْ: الحَرَكَةُ: حُكومَةٌ أَمْ .. ...
- مِن الدَّوحَةِ إلى سَانْتِياغُو مَا لا يَحتاجُ لِزَرْقَاءِ ا ...
- القُوَّاتُ الأَدَبِيَّةُ المُسَلَّحَةْ!
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (2) إِتِّحَادُ الكُتَّا ...
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (1) مَشْرُوعِيَّةُ الغَ ...
- حِسَابٌ أَمْ .. -كُوَارْ-؟!


المزيد.....




- بتكليف من بوتين.. شويغو في بيونغ يانغ للقاء الزعيم الكوري ال ...
- نتنياهو وإيران: تلويحٌ بالتغيير من الداخل واستدعاء واشنطن إل ...
- -واينت-: مقتل جندي من جولاني في خان يونس وإصابة 4 آخرين بجرو ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل أشخاصا أحضروا كاميرات لبث مباشر لضر ...
- هل بدء العد النازلي نحو -القنبلة النووية الإيرانية-.. من يص ...
- أشار إلى عملية البيجر.. سفير إسرائيلي: هناك -طرق أخرى- للتعا ...
- ‌‏غروسي: أجهزة الطرد المركزي في نطنز ربما تضررت بشدة إن لم ت ...
- OnePlus تعلن عن حاسب ممتاز وسعره منافس
- جيمس ويب يوثق أغرب كوكب خارج نظامنا الشمسي تم رصده على الإطل ...
- الاستحمام بالماء الساخن.. راحة نفسية أم تهديد صحي خفي؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - وَسائِلُ خَسِيسَةْ 5ـ6