أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - شَيْطَانُ الخَديعَةْ3ـ3















المزيد.....

شَيْطَانُ الخَديعَةْ3ـ3


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1158 - 2005 / 4 / 5 - 10:31
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رأينا ، فى ما تقدَّم ، أن بعض من تحمَّسوا لتجربة (الانقاذ) السودانيَّة من الاسلامويين ، فطنوا للتحليلات الماركسيَّة بشأن ظاهرة (الدولة) فى سيرورة (التدافع) ، لاتساقها و(السُّنن) الكونية فى المفهوم والمصطلح الاسلاميين. ومع ذلك درجوا ، لأغراض أيديولوجيَّة ، على تصوير علاقة (النخبة) و(الجماهير) كعلاقة (تكامل) ، لا (تدافع) ، لينتهوا إلى المزاوجة المستحيلة بين مفهومى (العدالة الاجتماعيَّة) فى الاسلام و(التناضد) الاجتماعى Social Stratification فى السوسيولوجيا البرجوازيَّة!
لكننا لاحظنا أن هذه الأيديولوجيا ما تلبث أن تتكشف ، فى كلِّ مرَّة ، عن (شيطان الخديعة) الذى يحاول جاهداً الاختباء داخلها! فوزير الدولة للمالية ، مثلاً ، كان قد حدَّد نسبة الفقر ، عام 2001م ، بحوالى 37% ، رغم أن بيانات عالمية سبق أن حدَّدتها بـ 96% ، كما كشف مركز الدراسات الاستراتيجيَّة أن تلك الـ 37% كانت ، فى الواقع ، نسبة الفقر الغذائى عام 1978م ، أى أوان التحاق الحركة الاسلاميَّة بمؤسَّسة السلطة على أيام جعفر نميرى!
أما النسبة عام 1998م فقد قدَّرها المركز بـ 87% وسط سكان الحضر ، وقدَّر أن 74% منهم فقراء غذائياً ، وأن 83% من سكان الريف تقل دخولهم عن خط الفقر الغذائى ، وأن 86% منهم فقراء من جهة الاحتياجات الأساسية ، كما وأن الفقر يتزايد بمعدَّل سنوى مقداره 4,6% خلال الفترة 1978م ـ 1992م ، وأن 89% من السودانيين قد يكونون فقراء فى العام 1998م!
أشرنا كذلك إلى أن الحركة الاسلاميَّة كانت قد برَّرت لانقلاب يونيو عام 1989م بتفاقم (نسبة الفقر) ، ومن ثمَّ دشنت مشروعها (للاصلاح) بالبرنامج الثلاثى ثم بالخطة العشريَّة. مع ذلك فقد عاد وزير الدولة بالماليَّة نفسه ليعلن فى 2001م ، قبيل نهاية السنوات العشـر بأشهر قلائل ، عن خطة (أخرى) لمحاربة الفقر خلال خمس سنوات! كما أعلنت وزارة الرعاية الاجتماعية عن رصد ميزانيات محدَّدة لدعم الفقراء والطلاب وأبناء السبيل. لكن الوزير ذاته ما لبث أن أعلن ، وفى سياق تصريحه نفسه للعجب ، بأن نسبة الفقر غير محدَّدة (!) وأنهم حصلوا على 3 ملايين دولار من بنك التنمية الأفريقى لتحديدها!
ومن ثمَّ كان لا بُدَّ لنا أن نتساءل: إذا كانت النسبة غير محدَّدة فكيف جاز للوزير تحديدها بـ 37%؟! وإذا كانت محدَّدة ففيم تبديد ملايين الدولارات على إعادة تحديدها؟!
بمواصلة إضاءة هذه العصيدة من المفارقات سنكتشف أن كلَّ تلك الخطط ذات العناوين الفخيمة ، والتى وضعت بالاستناد إلى كلِّ تلك الأرقام والتقديرات التى أعلن عنها وزراء وقامت عليها وزارات ، ليست ، فى الواقع ، سوى تطمينات وقتيَّة أقصى مقاصدها حمل الناس ، فحسب ، على الاستمرار فى التطلع إلى السَّراب ، والتعلق بحبال الأمل ، طبق المثل السودانى (الحارى ولا المتعشى) ، وذلك بالمراهنة على الذاكرة الضعيفة ، والطاقة التوثيقيَّة الأضعف!
وإذا لم يكن ذلك كذلك ، فما الذى يمكن أن نستنتجه من اضطرار رئيس الجمهوريَّة مؤخراً جداً للتدخل بنفسه لتوجيه (اللجان الشعبيَّة) لعمل مسح اجتماعى شامل فى الأحياء لمعرفة الأوضاع المعيشيَّة للمواطنين (الصحافة ، 18/3/05) ، وذلك بعد ما يقارب الستة عشر عاما من انقلاب يونيو ، والخمسة عشر عاماً من تدشين (البرنامج الثلاثى ، 1990ـ1993م) ، والأربعة عشر عاماً من إطلاق (الخطة العشريَّة ، 1992ـ 2002م) ، والأربع سنوات من إعلان وزارة الرعاية الاجتماعيَّة (خطة محاربة الفقر ، 2001ـ2006م) ، و(الخطة الاسعافيَّة للنصف الثانى من عام 2001م) ، وإعلان وزارة الماليَّة حصولها على 3 ملايين دولار من بنك التنمية الأفريقى (لتحديد نسبة الفقر ، 2002م) وغيرها ، دَعْ (ورقة تقليص الفقر الاستراتيجيَّة P.R.S.P.) التى وضعت العام الماضى بالتعاون مع البنك الدولى ، وما تزال معطلة تنتظر مقدم الحركة الشعبيَّة للبدء فى تنفيذ اتفاق السلام؟!
وقد يكون من المناسب أن نعيد إلى الأذهان هنا تنصل البنك الدولى من المسئوليَّة عن الانهيار الشامل الذى أفضت إليه الخطة العشريَّة ، رغم اتباعها لوصفاته هو نفسه ، كون الانقاذ ، على حدِّ تعبيره ، التزمت بها ذاتياً self-imposed ، ومع ذلك فإن معدَّل (النمو) الذى تحقق بمعدَّل 6% فى المتوسِّط لم يحِد من تفاقم الفقر أو تباين الدخول نتيجة لسوء توزيع العائدات ، مِمَّا لا يمكن علاجه ، حسب تقرير البنك الدولى حرفياً ، بدون اتباع سياسات قصديَّة منحازة للفقراء Pro-Poor Politics!
وربما لا يكون ثمَّة ما هو أكثر فضحاً من ذلك (لخديعة) مفهوم (النمو Growth) كبديل عن مفهوم (التنمية Development) ، وباعتراف البنك الدولى نفسه!
لقد اعتمدت (ورقة تقليص الفقر الاستراتيجيَّة) المشار إليها مفهوم (الفقر Poverty) بمعايير (الحرمان Deprivation) ، أى عدم القدرة على الحصول على خدمات الصحة والتعليم والمواصلات والتلفزيون والهاتف وما إلى ذلك من حاجات (التنمية البشريَّة) والانسانيَّة الضروريَّة بالمفهوم الحديث ، وليس مجرَّد عدم الحصول على الطعام والسكن .. الخ.
هكذا اقترب حتى البنك الدولى ، فى حالة السودان ، من مفاهيم مؤسَّسات دوليَّة أخرى ، كبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP الذى يهتمُّ بدعم الفقراء مقابل سياسات الخصخصة المحضة ، والذى خلص إلى رسم سياسات كليَّة قائمة فى جوهرها على تعميق (البعد الاجتماعى) و(تدخل الدولة)!
ولكن من أسلم بلادنا إلى كل هذا الفقر؟!
للاجابة على هذا السؤال يمكن وضع مجلدات ضخمة عن أساليب النشاط الاقتصادى الطفيلى ، وطرائق المراكمة البدائيَّة لرأس المال ، وعن أثرياء السودان الجدد الذين (هَبَرُو) و(مَلـُو) دون محصول يُحصد ، أو ضرع يُحلب ، أو ماكينة تدور "بئر معطلة وقصر مشيد"! على أننا سنكتفى ، فى نهاية هذه المقالة ، بالاشارة فقط إلى الجانب الأكثر خطراً فى هذه الأساليب والطرائق: (النهب من المال العام)!
ففى 17/6/2001م ، قبيل عام واحد تقريباً من نهاية (الخطة العشريَّة ، 1992ـ2002م) ، وفى نفس التاريخ الذى كانت وزارتا الماليَّة والرعاية الاجتماعيَّة تعلنان فيه (خطة محاربة الفقر خلال خمس سنوات ، 2001ـ2006م) و(الخطة الاسعافيَّة للنصف الثانى من عام 2001م) ، كان رئيس الجمهوريَّة يعلن ، فى مؤتمر صحفى ، أن ما نهب من المال العام خلال الأشهر الثلاثة عشر السابقة بلغ 4.400.000.000 جنيهاً.
فى العام التالى (2002م) أعلنت بيانات رسميَّة أن نسبة الفقر بلغت 95%! وفى ديسمبر 2003م أعلن المراجع العام أن ما نهب خلال العام السابق ، بلغ 1.682.620.000 جنيهاً. ثم عاد وأعلن فى ديسمبر 2004م أن ما نهب فى نطاق الحكم الاتحادى وحده ، خلال السنة الماليَّة المنقضية ، بلغ ، بدون القطاع المصرفى ، 3.960.000.000 جنيهاً ، بنسبة زيادة 235% مقارنة بالعام السابق! وتبدو المفارقة مريعة إذا علمنا أن ما تم رصده فى ميزانيَّة 2005م للتنمية فى القطاع المطرى التقليدى كله ، الذى يشمل 65% من سكان السودان ، لا يزيد عن 3.300.000.000 جنيهاً!
فى التفاصيل أوضح المراجع أن النهب اتخذ صورة (خيانة الأمانة) بنسبة 73%! فإذا لم تكن (خيانة الأمانة) متصوَّرة ، عقلاً ومنطقاً ، إلا مِمَّن جرى (تمكينه) مِن هذه (الأمانة) ، فإن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن النخبة الاسلامويَّة رفعت ، منذ أول أمرها ، شعار (استخدام القوى الأمين) ، لكن ليس بمعيار (التفوُّق) الأكاديمى أو المهنى ، وإنما بمعيار (الولاء) لها! وهكذا ، وبدعوى (الصالح العام) ، جرى تشريد آلاف العاملين من أهل (الكفاءة) ، وإحلال أهل (الولاء) محلهم ، باعتبارهم وحدهم (الأقوياء) و(الأمناء)! فمَن ، إذن ، نهب المال العام؟!
(إنتهى)



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شَيْطَانُ الخَديعَةْ 2ـ3
- شَيْطَانُ الخَديعَةْ 1ـ2
- جَنَازَةُ البَحْرْ!
- وعَلَى الأقْبَاطِ .. السَّلامْ 2ـ2
- وعَلَى الأقْبَاطِ .. السَّلامْ 1ـ2
- الحَرَكَةْ: مِن الثَّوْرَةِ إلى .. الدَّوْلَةْ!
- لَيْسُوا -رِجَالاً-؟!
- اللُّغَةُ .. فِى صِرَاعِ الدَّيَكَةْ
- للذِّكرَى .. نُعِيدُ السُّؤالْ: الحَرَكَةُ: حُكومَةٌ أَمْ .. ...
- مِن الدَّوحَةِ إلى سَانْتِياغُو مَا لا يَحتاجُ لِزَرْقَاءِ ا ...
- القُوَّاتُ الأَدَبِيَّةُ المُسَلَّحَةْ!
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (2) إِتِّحَادُ الكُتَّا ...
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (1) مَشْرُوعِيَّةُ الغَ ...
- حِسَابٌ أَمْ .. -كُوَارْ-؟!
- مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (3)
- (2) مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ لَعْنَةُ ...
- مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (1) المِحْوَ ...
- يا -لَلْخِتْيَارِ- فِى البَرْزَخِ بَيْنَ الحَيَاةِ وَالمَوْت ...
- القَاعِدَةُ .. والاِسْتِثْنَاءْ !
- مَرْجِعِيَّةُ الاتِّفَاقِ .. الوَرْطَةْ!


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - شَيْطَانُ الخَديعَةْ3ـ3