أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (3)















المزيد.....

مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (3)


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1033 - 2004 / 11 / 30 - 12:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


يُروى ، فى حكاية قديمة ، أن أعرابياً تقرفص ذات صباح فى ركن من سوق القرية يعرض أمامه للبيع زجاجة من السمن. غير أنه سرح ، لبعض الوقـت ، يلهوج حسابات خرقاء. فرأى ، فى ما يرى الغافى ، أنه باع الزجاجة بمبلغ ضخم اشترى به سرباً من الدجاج. فباعه هو الآخر واشترى بما كسبه من ربح وفير قطيعاً من الماعز ، ثم قطيعاً من الخراف ، ثم قطيعاً من الأبقار. ورويداً رويداً راح جسده يتوتر ، ويتشنج ، وينتفض ، حتى فوجئ الناس بصوته يلعلع ، محذراً ، فى كلِّ عرصات السوق: "وأيم الله لو نازعنى أحد هذا المرعى لشججت رأسه بعصاى هذى هكذا .. طاخ"! عند ذاك ، فقط ، فتح عينيه ليجد أنه ، وللأسف ، قد كسر زجاجة السمن اليتيمة!
وكنا أشرنا فى المقالة السابقة إلى أن مَحاور (السياسة) و(الدستور) والمعالجات) لم تحظ ، ضمن الجولة الثانية من (مفاوضات القاهرة) بين الحكومة السودانيَّة والتجمُّع المعارض خلال الفترة من 21/10 إلى 1/11/04 ، بذات القدر من التوفيق النسبى الذى حظى به محور (الاقتصاد). فعلى حين تمخض هذا الأخير ، تحت الظرف المعلوم ، وفى زمن قياسى ، عن اتفاق مدهش حول قضاياه الرئيسة ، تلكأت وجهات نظر الجانبين ، بل تصلبت بالأحرى ، فى ما يتصل (ببعض) مطلوبات المحاور الثلاثة الأخرى ، إلى أن أعلن الوسيط المصرى رفع الجولة بدون تحديد صارم لموعد آخر ، علماً بأن من شأن ذلك إجهاض الانجاز الذى تمَّ ، لأول مرة ، على (المحور الاقتصادى) ، فشرط نفاذه حسم الاتفاق على بقيَّة المحاور!
مع ذلك ، ورغم رأينا السالب فى منهج (التفاوض الثنائى) ، وقناعتنا التامَّة بأن بلوغ الحدِّ الأدنى من التفاهم المشترك الاقرب إلى الاكتمال رهين فقط بعقد (المؤتمر الشامل) لكل القوى السياسيَّة والاجتماعيَّة فى بلادنا ، مِمَّا سلف سوقه فى مقالتنا السابقة ، إلا أننا ينبغى ألا نبخس من قيمة ما تمَّ الاتفاق عليه ، مقارنة بما اختلف حوله ، فى هذه المَحاور الثلاثة ، فلا هو باليسير لو توفرت الارادة السياسيَّة اللازمة لاستكماله ، ولا هو بالذى تستحيل معالجة نقصه وقصوره البائنين ، على ما يغلب عليه ، حتى الآن ، من سيولة المفاهيم وعموميَّة الصياغات.
بين أيدينا ، إذن ، مشروع اتفاق (ناقص) ينتظر (الاستكمال) حتى فى حدود طابعه (الثنائى) الذى لا تخفف منه مشاركة العديد من القوى السياسيَّة والاجتماعيَّة فى صفوف التجمُّع ، فثمة كيانات أخرى مرموقة ما تزال خارجه ، وبالتالى خارج هذه المفاوضات. ولكن أقوى بواشق هذه الكيانات ، كحزب الأمَّة القومى مثلاً ، هى التى كانت قد دشنت خط هذه (الثنائيَّة) ابتداءً ، للأسف ، حتى تكرَّست ، برغم كلِّ التحذيرات ، كأمر واقع de facto ، فى المشهد السياسىِّ الراهن. ولا نملك ، على هذا الصعيد ، إلا أن نختلف مع تقييم السيِّد الصادق المهدى لهذا (التفاوض الثنائى) بقوله إنه "من حيث (المبدأ) لا غبار عليه وقد جرَّبناه!" (قوس التشديد من عندنا ـ خطبة عيد الفطر ، شوال 1425 هـ ، ص 9). ولئن كان الرجل يومئ هنا ، بوضوح لا يحتمل اللبس ، إلى (جيبوتى) وتداعياتها ، فقد كان المتوقع أن يكون حزب الأمَّة قد فرغ من إخضاع تلك التجربة للمراجعة والنقد ، بما لا يتسق والنتيجة التى خلص إليها فى هذا التقييم الأخير ، خاصَّة وقد سبق لرئيسه نفسه أن أعلن "أن الاتفاقات الثنائيَّة لن تحلَّ مشكلة السودان" (الرأى العام ، 24/10/04).
طرح (المؤتمر الشامل) كخيار وحيد كان أمراً ممكناً ومتصوراً فى فترة سابقة ، فى ما لو كانت كل قوى المعارضة قد حزمت أمرها ، وهيَّأت ظرفها الذاتى ، واتجهت نحوه على قلب رجل واحد. أما وأنَّ شيئاً من هذا لم يقع عملياً ، بل وربما كان العكس هو الصحيح ، فإن واقعيَّة النظر السياسى تقتضينا ، مهما يكن من أمر الأمانى والاحلام ، أن نأخذ فى اعتبارنا بمعطيات الظرف المحدَّد الذى فرض وما يزال يفرض هذه (الثنائيَّة) ، جاعلاً منها ، أردنا أم لم نرد ، وإلى حين إشعار آخـر ، الممكن التاريخى الوحيد المتاح فى الوقت الراهن ، فلا يُعقل ، بطبيعة الحال ، إهداره بإدارة الظهر له ، أو الاحجام عن اعتصار أىِّ قطرة يمكن أن يجود بها ضرعه ، على عجفه ، بدعوى طلب (المستوى الأمثل) الذى لا يمكن إنجازه إلا من خلال (المؤتمر الشامل)! فمع تأميننا التام على الضرورة القصوى للاستمرار فى الدفع باتجاه تعديل موازين القوى لصالح عقد هذا المؤتمر ، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يجزم الآن بميقات تحوُّله من محض (مطلب) مُلحٍّ إلى (حقيقة) متعيِّنة ، خاصَّة وأن الحكومة لم تحسم ، بعد ، موقفها النهائىَّ منه ، حيث لا ينفكُّ خطابها يتلجلج حوله ، فى ما هو واضح ، بلسانين مذبذبين. فعلى حين لا يتردَّد ، من جهته ، وزير الخارجيَّة د. مصطفى عثمان فى الترحيب الحار به ، بل ووصفه بأنه "مقترح سودانى بالأساس" ، كون استراتيجيَّة الحكومة ، على حدِّ تعبيره ، قائمة فى ضرورة أن "تصبَّ المنابر الثلاثة فى منبر واحد يُعقد داخل السودان" (الصحافة ، 24/10/04) ، فإنَّ المستشار السياسى لرئيس الجمهوريَّة د. قطبى المهدى يوصد الباب بصرامة ، من الجهة الأخرى ، أمام أىِّ احتمال لقبول الحكومة به ، قائلاً: "إن عقد المؤتمر الدستورى غير وارد تماماً" (الصحافة ، 27/11/04).
واستطراداً ، فإن هذا ليس النموذج الوحيد ، فى الحقيقة ، لظاهرة انقسام اللسان الانقاذى التى أضحت ، للأسف الشديد ، سمة ملازمة للأداء الحكومى. ونخشى أن د. قطبى المهدى قد التزم غاية الدقة فى تفسيره لهذه الظاهرة بقوله: "أنا لا أريد ان اعتذر للحكومة ، ولكننى أصف الواقع ، وهو واقع محزن جداً ألا يجد المسؤولون فى الدولة وقتاً للتخطيط المستقبلى ووضع سياسات صحيحة في بلد نام ، الامر الذي جعل طريقة رزق اليوم باليوم هي السائدة داخل الدولة ، وبدلاً من ان نقود الاحداث ، صارت هى التى تقودنا" (الصحافة ، 19/9/04).
هكذا ، وبصرف النظر عن كلِّ معايب (الأمر الواقع) المتمثل فى (التفاوض الثنائى) وما يمكن أن يُسدَّد إليه من نقد صائب ، فليس من حسن التدبير ، فى رأينا ، كسر (زجاجة السمن) المتاحة الآن ، كما فى أمثولة التاجر المتعجِّل الذى أوغل فى الذهاب مع خياله إلى طلب الثراء الفاحش كله ، وفوراً ، من استثمار لم تتهيأ له أسبابه بعد! ومن ثمَّ يتوجَّب علينا ، لا أن نرفض ما اتفق عليه فى المَحاور الثلاثة جملة وتفصيلاً ، لمجرَّد (ثنائيَّة) مسارها ، أو لأن بعض جوانبها لا تزال محل خلاف ، اشتدَّ أو خفت ، وإنما أن نحرص على استكمال نقصها وقصورها بالعكوف على المزيد من التفاوض حولها عبر جولة أو ربما جولات أخرى ، مع مراعاة عدم التخلى ، لحظة واحدة ، عن (المؤتمر الدستورى) ، باعتباره (المصب) الذى يُفترض أن يحتضن كلَّ المسـارات ، أو (المحطة) التى ينبغى أن تفضى إليها جميع (السندات) ، بلغة السكة حديد ، على حدِّ تعبير السيد الصادق نفسه (الصحافة ، 20/11/04).
هنا بالتحديد كان المنتظر أن يبرز ، أكثر من غيره ، دور الوسيط المصرى فى حفز الإرادة السياسيَّة لدى الطرفين باتجاه المزيد من تضييق شقة المسائل الخلافيَّة بينهما ، بعد أن جرى حصرها وتصنيفها فى كلِّ محور. غير أنه اختار ، بدلاً من ذلك للأسف ، رفع الجولة بصورة مفاجئة ، وبعد ما لا يزيد عن أحد عشر يوماً من بدايتها ، دون تحديد قاطع لتاريخ استئنافها ، مكتفياً بالاعلان عن موعد (مفتوح) يعقب عطلة عيد الفطر! ورغم أن حديثاً ظل يدور ، هنا وهناك ، حول الثامن عشر من نوفمبر ، إلا أن ذلك كان فى الواقع الموعد الذى اقترحه وفد التجمُّع ، لولا أن وفد الحكومة اعترض عليه ، طالباً إمهاله ريثما يقترح موعداً آخر يناسبه!
فى هذه الأثناء كانت التطوُّرات تفضى على مسار (أبوجا) إلى اتفاق يُعيد للأذهان طيوف الطيران المحظور فوق شمال وجنوب العراق فى عقابيل حرب الخليج الثانية ، وعلى مسار (نيفاشا) إلى انتقال مجلس الأمن إلى خارج (نيويورك) ، لرابع مرَّة خلال خمسين عاماً ، ولأول مرَّة خلال أربعة عشر عاماً ، حيث انعقد (بنيروبى) ، قريباً من قِمَّة طه ـ قرنق ، مساء التاسع عشر وصباح العشرين من نوفمبر الجارى ، ليستخدم العصا والجزرة معاً فى إلزام الطرفين بتوقيع اتفاق سلام نهائى قبل غروب شمس اليوم الأخير من ديسمبر المقبل ، لكى تنهمر عليهما المساعدات الدوليَّة ، وإلا فسوف يتخذ المجلس (قراراً آخر!) بشأن من يتسبب فى إعاقة التوقيع!
لكن ، وعلى حين انشغلت الدبلوماسـيَّة المصريَّة بحضور محفل (نيروبى) وتسجيل إشادتها به ، فإن موعد الجولة القادمة لمفاوضات الحكومة والتجمُّع ، التى ترعاها (القاهرة) نفسها ، ظلَّ ، حتى الآن ، ضبابياً بلا تحديد ، وهذا لا يكون! فمصر هى الوحيدة التى أبدت ، من بين كلِّ نشطاء التعاطى الخارجى مع الأزمة السودانيَّة المستحكمة ، وعلى رأسهم أمريكا ، إنتباهة سديدة للدور التاريخى الذى تلعبه القوى السياسيَّة والاجتماعيَّة فى الحياة السودانيَّة ، وعمق إدراكها ، من ثمَّ ، للموقع المتميِّز الذى ينبغى أن تشغله هذه القوى فى أيَّة (خارطة طريق) يؤمَّل أن تعين بلادنا على الخروج من أكمَة مشكلاتها الشائكة. فى هذا الاطار ، وفى الوقت الذى ألقى فيه أولئك النشطاء بكل ثقلهم وراء تسوية الصراعات المسلحة وحدها ، فى ما لاحظ السيد الصادق المهدى بحق (خطبة عيد الفطر ، مصدر سابق) ، إنفردت مصر باقتناص الفرصة التى لاحت لتنظيم أول مفاوضات من نوعها بين الحكومة والتجمُّع ، بغرض مساعدتهما على الاقتراب من التسوية التاريخيَّة المطلوبة ، فى إطار تقديراتها الخاصَّة لمقتضيات الحلِّ السياسىِّ الشامل ، وتلك مأثرة تحسب لها دون أدنى شك.
لذلك ، وعلى الرغم من نقدنا المستقيم لإقصاء كيان سياسى معتبر ، كحزب الأمَّة ، من هذه المفاوضات ، إلا أننا نختلف ، أيضاً ، مع السيد الصادق ، فى تقليله من شأنها بقوله إنها "غير ذات جدوى" (الأيام ، 30/10/04) ، أو انها "أشبه بتحصيل الحاصل لأن التجمُّع يتكون من أحزاب ، وأهم هذه الأحزاب الحركة الشعبيَّة ، وهى موقعة على بروتوكولات مع الحكومة ، وإذن فلا مجال لمزيد من الكلام ، لأن الحركة الشعبيَّة لا تستطيع ، فى لقاء تحت مظلة التجمُّع ، أن تفعل أكثر من المطالبة بتنفيذ ما اتفقت عليه مع الحكومة" (الأيام ، 24/10/04). فلقد كذب الواقع هذه النبوءة ، لحسن الحظ ، فى أكثر من موضع ، مثلما كذب نبوءتنا المتشائمة حول إنفاذ بروتوكول جدة الاطارى فى (المحور الاقتصادى). ويكفى أن نشير ، مثلاً ، إلى الاتفاق الذى تمَّ ضمن الفقرة (أ/2) من وثيقة (نقاط الاتفاق) فى (المحور السياسى) على "إجراء الانتخابات التشريعيَّة .. لتنتهى قبل نهاية السنة الثالثة من الفترة الانتقاليَّة" ، بما يشكل معالجة مطلوبة بإلحاح للضبابيَّة التى تسِم نصوص (نيفاشا) فى ما يتعلق بمسألة الانتخابات ، مِمَّا ضجَّت بالشكوى المشروعة منه قوى سياسيَّة مختلفة ، أبرزها حزب الأمَّة نفسه. فلو كان تجاوُزُ حرفيَّةِ نصوص (نيفاشا) مستحيلاً ، لما أمكن هذا التحديد القاطع لموعد الانتخابات الذى كاد يشكل (قنبلة موقوتة) فى سياق الفقرة (1/8/3) مقروءة فى ضوء الفقرات (1/8/4) و(2/2/3/3) و(2/3/7) من (بروتوكول قسمة السلطة). بل ولا بُدَّ أن (الحركة الشعبيَّة) ذاتها قد لمست ، الآن ، السداد النسبى للوثيقة الاقتصاديَّة المستفيضة التى أسهمت ، هى نفسها ، فى بلورتها من خلال مشاركتها النشطة ضمن فصائل التجمُّع فى (مسار القاهرة) على ثنائيَّته ، مقارنة بوثيقة (اقتسام الثروة) التى كانت قد خرجت بها من (مسار نيفاشا) الثنائى هو الآخر.
وإلى ذلك كله ، فإن ما يستحق ، بالفعل ، أن نركز عليه الآن هو التقاء وجهتى نظر التجمُّع ، ممثلاُ فى رئيسه الميرغنى ، وحزب الأمَّة ، ممثلاً فى رئيسه المهدى ، من خلال البيان المشترك الذى أصدراه عقب مباحثاتهما بالقاهرة بتاريخ 9/11/04 ، على دعم كلِّ ما تحققه المسارات ، من (نيروبى) إلى (القاهرة) ومن (أبوجا) إلى (سَرْت) ، مع التشديد على "ضرورة الدعوة لمؤتمر جامع لأبناء السودان كافة تعرض عليه نتائج المنابر التفاوضيَّة المختلفة بغرض نسج إجماع وطنى حول ما تتوصَّل إليه من اتفاقات ، مطالِبين مجلس الأمن بدعم المقترح" (الرأى العام ، 11/11/04).
ومن باب الاستطراد الحميد أيضاً ، فإن هذا الاتفاق ينبغى تطويره والارتقاء به لتحقيق الأشواق التى ما برح التعبير عنها يتصاعد من قواعـد الطرفين لتأسيس شكل ، ولو كونفدرالى ، من العمل المشترك ، ليس بين التجمُّع وحزب الأمَّة ، فحسب ، بل وبينهما وبين كلِّ القوى السياسيَّة والاجتماعيَّة التى ظلت تمارس المعارضة خارج الاطار التنظيمى العام للتجمُّع ، بينما تلتقى ، ولو بالحدِّ الأدنى من الاتفاق السياسى ، على (مقرَّرات أسمرا للقضايا المصيريَّة لسنة 1995م).
وفى السياق نفسه فإن المتوقع ، بل الطبيعى تماماً ، أن تحفز مأثرة النجاحات النسبيَّة المتحققة على (مسار القاهرة الثنائى) الوسيط المصرى ، وتدفعه لتكريس اهتمامه وجهده من أجل استكمالها ، لا للانصراف عنها ، أو التباطؤ فيها ، أو الانشغال بغيرها. ومن المنطقى أيضاً أن يتحلى فى هذا الأمر بأقصى درجات الصبر ، فلا يتعجَّل النتائج ، كأن يبتسر ، مثلاً ، لا قدَّر الله ، خطوات التفاوض بالقفز إلى قِمَّة طه ـ الميرغنى ، استسهالاً لإحالة المسائل الخلافيَّة إليهما للتقرير بشـأنها ، مِمَّا قد يُزيِّن له بعض (مستشارى الغفلة)! إجراء كهذا لو وقع ، لا قدَّر الله ، فسوف يجعل الأمر يبدو كما لو ان المطلوب من الرجلين أن يدخلا جولة (نهائيَّة!) من المفاوضات حول كمٍّ هائل من القضايا المعقدة ، مِمَّا سيعنى ، عملياً ، إنهاء دور الوفدين قبل استنفاد صلاحيَّته القصوى ، وبالتالى تعريض المفاوضات نفسها لخطر الانهيار الشامل ، وهو ما لا يُعقل أن يكون مصدر إسعاد للوسيط المصرى بأىِّ معيار!
نعم ، مسار القاهرة (ثنائىٌّ) دون أدنى شك ، وفيه كلُّ ما فى (الثنائيَّة) من أدواء الضعف ومحدوديَّة القيمة بالمقارنة مع (المؤتمر الشامل). إنه ، فحسب ، (زجاجة السَّمن) التى أتاحتها ملابسات توازن (الضعف) فى الصراع السياسى السودانى ، وما يحتوشه ويحيط به ، إلى حين إشعار آخر ، من تداعيات دوليَّة وإقليميَّة متواترة! لكن (القاهرة) أفلحت ، كما أشرنا ، فى وضع يدها ، من خلاله ، على المفصل الأهم فى قوام الحلِّ المطلوب للمشكلة السودانيَّة ، وذلك من زاوية تقديرها السليم ، على العكس من كلِّ وسطاء المسارات الأخرى ، لوزن القوى السياسيَّة والاجتماعيَّة ، لا الحربيَّة وحدها على ما هى عليه من أثر وخطر. فوفقت ، من ثمَّ ، فى اختيار دورها وتحديد مسئوليَّتها ، وإن كان ذلك قد اقتصر ، حتى الآن ، وفى حدود الممكن التاريخى ، على تهيئة منبر تفاوضى للحكومة والتجمُّع وحدهما. ومنطق هذا الفلاح نفسه ، على نسبيَّته ، يلزمها بألا تسمح بما يمكن أن يقعد بهمَّتها عن موالاة التركيز على هذا الدور أو النهوض بتلك المسئوليَّة ، تطلعاً إما لدفع الارادة السياسيَّة لدى الطرفين باتجاه تطوير أيَّة درجة من النجاح تتمخض عنها مفاوضاتهما إلى (ملتقى جامع) ينعقد فى داخل السودان ، أو لترقية (منبر القاهرة) نفسه ، على أقل تقدير ، إلى (ملتقى جامع) يشمل ، فى مرحلة تالية ، كل القوى الأخرى خارج التجمُّع ، وبمشاركة الحكومة. فحتى لو بدا هذا الخيار بعيد المنال أو خافت البريق ، فى مشهد (المولد) الدولى والاقليمى المنصوب فى الوقت الراهن باسم (سلام السودان) ، فإن المستقبل القريب كفيل ، يقيناً ، بالكشف عن القدر الكبير من الجدوى والسداد اللذين ينطوى عليهما.



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (2) مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ لَعْنَةُ ...
- مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (1) المِحْوَ ...
- يا -لَلْخِتْيَارِ- فِى البَرْزَخِ بَيْنَ الحَيَاةِ وَالمَوْت ...
- القَاعِدَةُ .. والاِسْتِثْنَاءْ !
- مَرْجِعِيَّةُ الاتِّفَاقِ .. الوَرْطَةْ!
- مَطْلُوبٌ .. حَيَّاً!
- جَنْجَوِيدُ العُرُوبَةْ!
- الكَمَّاشَة!
- فِى مَأْزَقُ الهُجْنَةِ والاسْتِعْرابْ!
- فِى مَدْحِ -الجُّنونِ- بِمَا يُشْبِهُ ذَمَّهُ! مَنْ ترَاهُ ي ...
- فَلْيُسْعِد النُّطْقُ .. إِنْ لَمْ يُسْعِدِ الحَالُ!
- آلامُ المَسِيْحِ السُّودَانِي
- زُغْبُ الحَوَاصِلْ!
- لَقَد أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيَّا!
- جُنَيْهُ -السُّودانِ الجَّدِيدْ-: الدَّوْلَةُ المُوَحَّدَةُ ...
- فِى طَوْرِ النَّقَاهَةْ!
- ولا يزالون مختلفين!
- ولو بعد دهر!
- شَريعَلْمَانيَّةُ الدَّوْلَةْ!
- -الشَّرَاكَةُ-: لَعْنَةُ مُفَاوَضَاتِ السَّلامِ السُّودانيَّ ...


المزيد.....




- بعدما حوصر في بحيرة لأسابيع.. حوت قاتل يشق طريقه إلى المحيط ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لأعمال إنشاء الرصيف البحري في قط ...
- محمد صلاح بعد المشادة اللفظية مع كلوب: -إذا تحدثت سوف تشتعل ...
- طلاب جامعة كولومبيا يتحدّون إدارتهم مدفوعين بتاريخ حافل من ا ...
- روسيا تعترض سرب مسيّرات وتنديد أوكراني بقصف أنابيب الغاز
- مظاهرات طلبة أميركا .. بداية تحول النظر إلى إسرائيل
- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (3)