أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - شَيْطَانُ الخَديعَةْ 2ـ3















المزيد.....

شَيْطَانُ الخَديعَةْ 2ـ3


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1150 - 2005 / 3 / 28 - 08:04
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


قلنا ، فى الجزء الأول ، إن (السُّنن) الكونية ، بالمصطلح الإسلامى ، أو (قوانين) حركة المجتمع والتاريخ ، بالمصطلح الماركسى ، تقضى بأن تقع (الدولة) ، أو (ضرورة المُلك) ، بالمصطلح الخلدونى ، فى مرمى (تدافع) القوى الاجتماعيَّة المنقسمة حول السلطة والثروة ، وإن الفكر الاجتماعى الاسلامى قائم على الوعد القرآنى للمستضعفين: "ونريد أن نمُنَّ على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمَّة ونجعلهم الوارثين" (5 ؛ القصص). ويؤكد الفقه أن هؤلاء "منحدر التركيب ، يريد الله سبحانه وتعالى أن يجعلهم أئمَّة ويجعلهم الوارثين. وهذه .. سُنة تاريخيَّة" (م. ب. الصدر ؛ السُّنن التاريخيَّة فى القرآن ، ص 154).
ورأينا أيضاً كيف أن مفكراً إسلاموياً كعادل حسين ، الذى لطالما دافع عن تجربة (الانقاذ) السودانيَّة ، قد انتبه للتحليلات الماركسيَّة بشأن ظاهرة (الدولة) وسيرورة (التدافع) فى نسق التطوُّر الاجتماعى ، فأقرَّ بأنها "مسلمة .. قبل بها الفكر السياسى والاجتماعى الاسلامى منذ وقت طويل". لكنه ظلَّ ، مع ذلك ، ينظـَّر لعلاقة السلطة والجماهير كعلاقة (تكامل) ، لا (تدافع) ، كونه ظلَّ يتغيُّا ، أيديولوجياً ، مباركة الجماهير لديكتاتوريَّة النخبة الاسلامويَّة وتحريم معارضتها!
ولاحظنا أن هذا المسعى لا يتناقض ، فحسب ، مع قانون موت الظاهرة بانتفاء (صراع الأضدَّاد) داخلها ، بل ومع سُنة (التدافع) القرآنيَّة: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" (251 ؛ البقرة). فهذه الرؤية تصادم ، فى الحقيقة ، كلا المفهومين: الاسلامى الذى تزعم الانتساب إليه ، ومصدره القرآن والسُّنة ، والماركسى الذى تستصوب بعض مسلماته ، ومصدره العقل والفطرة ، لتعتمد مفهوم (التناضد) الاجتماعى Social Stratification فى السوسيولوجيا البرجوازيَّة ، ومفاده أن (الجميع) موعودون (بالترقى) تبعاً لمستوى (النمو gross) وليس (التنمية development)!
وخلصنا إلى أن خواء شعارات هذه النظريَّة ، مهما بدت برَّاقة للوهلة الأولى ، ما يلبث أن ينفضح حين يلقفها جميعها الشعار الأكبر: (الهَبَرُو مَلـُو) ، فلا يعود ثمَّة مناص من أن يتسلل من مخبئه (شيطان الخديعة) السياسى الاقتصادى الاجتماعى ، لينتصب عارياً ، يراه الجميع ، يمد لسانه للجميع ، ويرقص .. دون أن يغطى لحيته!
وفى هذا الجزء نحاول تسليط شئ من الضوء ، بالأرقام الباردة ، على بعض الحقائق الأخيرة لعلاقات الفقر فى بلادنا ، كنموذج لهذا المآل. فقبل قرابة الأربع سنوات حدَّد وزير الدولة بوزارة الماليَّة لشئون التنمية الاجتماعيَّة أن نسبة الفقر فى السودان بلغت حوالى 37% حسب استقراء الاحتياجات الفعليَّة (جريدة الخرطوم ، 7/6/2001م). وإذا غضضنا الطرف عن بيانات عالميَّة تؤكد أن 96% يعيشون تحت خط الفقر ، فإن دراسة محليَّة سبق أن أفادت أن نسبة الـ 37% نفسها هى ، فى الواقع ، نسبة الفقر الغذائى قبل زهاء ربع قرن من تقديرات الوزير ، أى عام 1978م الذى التحقت فيه الحركة الاسلاميَّة بمؤسَّسة السلطة!
أما نسبة الفقر عام 1998م فقد قدَّرتها الدراسة ، استناداً إلى مسوحات عام 1992م ، بـ 87% وسط سكان الحضر ، وأوضحت أن 74% منهم فقراء غذائياً ، وأن 83% من سكان الريف تقلُّ دخولهم عن خط الفقر الغذائى ، وأن 86% منهم فقراء من جهة الاحتياجات الأساسيَّة! كما قدَّر المركز تزايد نسبة الفقر بمعدل سنوى مقداره 4,6% خلال الفترة 1978م ـ 1992م ، أى فترة الوجود المتصل للحركة الاسلاميَّة فى السلطة ، باستثناء بضعة أشهر ، وإضافة ثلاثة عشر عاماً أخرى حتى الآن! وتوصَّل المركز ، باستخدام معدَّل الزيادة هذا ، إلى أن 89% من سكان السودان فى العام 1998م قد يكونون فقراء ، وأن (فجـوة الفقر) فى ذلك العام قد تبلغ 70% ، أى أن إنفاق الفقراء يفى فقط بحوالى 30% من تكلفة غذائهم الأساسى (التقرير الاستراتيجى السودانى ، 1998م).
وكان مِمَّا برَّرت به الانقاذ لانقلابها على الديموقراطيَّة الثالثة صبيحة 30/6/1989م تفاقم (الأزمة الاقتصاديَّة) ، وازدياد (نسبة الفقر) ، وتدنى خدمات (الصحة) و(التعليم) بسبب انشغال (أهل الاحزاب) بالصراع السياسى عن مراعاة (الفقير) و(المسكين) ، وعن (التخطيط) السليم (للاصلاح) و(النهضة) ، حتى انتشرت "الأعمال الهامشيَّة الضارَّة من تهريب وتجارة عملة وسمسرة فى مواد التموين والأراضى ورخص الاستيراد والتصدير ، و .. برزت فى المدينة شرائح يزداد غناها .. دون جهد أو عرق ، وشرائح أخرى يقتلها الفقر .. رغم الجهد والعرق" (راجع: البيان الأول).
ثم ما لبثت الانقاذ أن دشنت برنامجها الاقتصادى الثلاثى (1990ـ1993م) لإنجاز (الاصلاح) و(النهضة) و(الرفاه). لكنها سرعان ما عادت لتعلن الخطة العشريَّة (1992ـ2002م) بالتعويل كليَّة على سياسات التحرير الاقتصادى التى حوَّلت الدولة السودانيَّة من خانة (الرِّعاية) إلى خانة (الجِّباية)!
ورغم أن تلك الخطة اعتمدت وصفات البنك الدولى الغائب عن السودان لعشر سنوات ، فقد بدا، فى تقويمه لها ، متنصِّلاً ، هو نفسه ، عن مسئوليَّتها ، حيث حرص على تأكيد أن الانقاذ فرضت تلك الوصفات على نفسها ذاتياً self-imposed! بل وانتقدها ، فى تقريره القطرى لعام 2003م حول سياسات الضبط البنيوى والترسيخىStabilization & Structural Adjustment ، بأنه ، رغم حدوث (نمو) بمعدَّل 6% فى المتوسِّط ، إلا أن الفقر يتفاقم ، والدخول تزداد تبايناً ، كدليل على سوء توزيع عائدات الثروة ، وهو ما لا يمكن علاجه بدون اتباع سياسات قصديَّة منحازة للفقراء Pro-Poor Politics!
هكذا انقلب البنك الدولى نفسه يبكى على مصائر فقراء السودان ، ويقترب من الفلسفة المعتمَدة لدى برامج دوليَّة أخرى كبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP الذى يركز على البعد الاجتماعى Social Edge فى السياسات الاقتصاديَّة ، بأكثر من معايير (النمو) ، الأمر الذى يعنى تحجيم (حريَّة) السوق بتدخل الدولة (لرعاية) الفقراء! وإذا عُرف السبب بطل العجب ، فالخطة العشريَّة لم تكتف بالفشل فى دعم (الفقراء) و(المساكين) و(أبناء السبيل) ، فحسب ، بل انتهت باقتصاد البلاد كله إلى الانهيار الشامل (راجع: م. أ. عبده "كبج" ؛ إقتصاد الانقاذ والافقار الشامل ، كيمبردج 2003م).
نعود للسيد وزير الدولة بالماليَّة الذى حدَّد نسبة الفقر عام 2001م بـ 37% ، وأكد أن وزارته وضعت خطة استراتيجيَّة لمحاربته خلال خمس سنوات (تبقى منها عام وبعض عام)! إلى جانب خطة إسعافيَّة تغطى ما كان متبقياً من عام 2001م ، بتكلفة قدرها 26 مليار دينار (جريدة الخرطوم ، 7/6/2001م). كما أعلنت وزارة الرعاية الاجتماعيَّة ، وقتها ، عن رصد مبلغ 4.9 مليار دينار لتغطية 825 ألف أسرة فقيرة ، ومبلغ 2.6 مليار دينار لإخراج 27.660 أسرة من دائرة الفقر ، ومبلغ 914 مليون دينار لأبناء السبيل ، ومبلغ 3 مليار دينار لدعم الطلاب (المصدر).
لذا كان غريباً أن ينقلب الوزير ذاته ليعلن ، فى نفس الوقت ، أن نسبة الفقر غير معروفة (!) ولم يتم تحديدها بعد (!) وأن بنك التنمية الأفريقى وافق على تقديم عون فنى ومؤسسى قدره 3 ملايين دولار للسودان للقيام بمسح سكانى لتحديد هذه النسبة (!) فكيف جاز ، إذن ، للوزير أن (يؤكد) أن النسبة هى 37%؟! وإذا كانت كذلك ففيم تبديد مبلغ 3 ملايين دولار على إعادة التعرُّف عليها؟! وإذا كانت غير ذلك فمن أين جاءت الأرقام (المحدَّدة جداً) لانتشال الأسر (المحدَّدة جداً جداً) من وهدة الفقر؟!
(نواصل)



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شَيْطَانُ الخَديعَةْ 1ـ2
- جَنَازَةُ البَحْرْ!
- وعَلَى الأقْبَاطِ .. السَّلامْ 2ـ2
- وعَلَى الأقْبَاطِ .. السَّلامْ 1ـ2
- الحَرَكَةْ: مِن الثَّوْرَةِ إلى .. الدَّوْلَةْ!
- لَيْسُوا -رِجَالاً-؟!
- اللُّغَةُ .. فِى صِرَاعِ الدَّيَكَةْ
- للذِّكرَى .. نُعِيدُ السُّؤالْ: الحَرَكَةُ: حُكومَةٌ أَمْ .. ...
- مِن الدَّوحَةِ إلى سَانْتِياغُو مَا لا يَحتاجُ لِزَرْقَاءِ ا ...
- القُوَّاتُ الأَدَبِيَّةُ المُسَلَّحَةْ!
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (2) إِتِّحَادُ الكُتَّا ...
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (1) مَشْرُوعِيَّةُ الغَ ...
- حِسَابٌ أَمْ .. -كُوَارْ-؟!
- مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (3)
- (2) مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ لَعْنَةُ ...
- مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (1) المِحْوَ ...
- يا -لَلْخِتْيَارِ- فِى البَرْزَخِ بَيْنَ الحَيَاةِ وَالمَوْت ...
- القَاعِدَةُ .. والاِسْتِثْنَاءْ !
- مَرْجِعِيَّةُ الاتِّفَاقِ .. الوَرْطَةْ!
- مَطْلُوبٌ .. حَيَّاً!


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - شَيْطَانُ الخَديعَةْ 2ـ3