أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - للذِّكرَى .. نُعِيدُ السُّؤالْ: الحَرَكَةُ: حُكومَةٌ أَمْ .. مُعارَضَةْ؟!















المزيد.....

للذِّكرَى .. نُعِيدُ السُّؤالْ: الحَرَكَةُ: حُكومَةٌ أَمْ .. مُعارَضَةْ؟!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1101 - 2005 / 2 / 6 - 12:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


(1)
تنصُّ المادة (2/12/4/2) من اتفاق (قسمة السلطة) بين الحكومة والحركة الشعبيَّة فى السودان على أن تتولى وضع (الدستور الانتقالى) لجنة من الطرفين و(ممثلين) للقوى السياسيَّة الأخرى والمجتمع المدنى. إلا أن ذيل المادة نفسها يُحدِّد ، وبوضوح تام ، أن تكوين هذه اللجنة خاضع لإرادة الحكومة والحركة وحدهما!
وبما أن تعبير (القوى السياسيَّة الأخرى) لا يعنى ، بالضرورة ، (قوى المعارضة) ، وحتى لو عناها فإن من حق الطرفين أن يتفقا على تمثيلها بنفس النسب المتفق عليها فى (القسمة الضيزى) لتكوين الحكومة الانتقالية وبرلمان ما قبل الانتخابات ، فليست ثمَّة ضمانة ، إذن ، لهذه (المشاركة) ، وبالتالى فليس واضحاً كيف شاع التصوُّر الخاطئ فى أوساط المعارضة بأن مشاركتها هذه (حق) مكفول لها ، تلقائياً ، دَعْ مطالبتها بتعديل نسبها ، اللهم إلا إذا كانت تعتبر أن وجود حليفتها (الحركة) كطرف فى الاتفاقيَّة يشكل ، فى حدِّ ذاته ، الضمانة المطلوبة!
مهما يكن من شئ ، فقد قطع د. منصور خالد ، المستشار السياسى لزعيم الحركة ، قول كلِّ خطيب بتقليله من شأن هذه اللجنة ، ومن شأن المشاركة فيها ، حتى وهو يعلن أنها سوف تكون "بنفس النسب المتفق عليها" ، حيث أن الدستور "قائم على الاتفاقيَّة .. فيكون واجب اللجنة فى هذه الحالة واجباً فنياً أكثر من أىِّ شئ آخر .. هى لجنة مقيَّدة لن تستطيع أن تخرج عن الاتفاقيَّة" ، أو كما قال (الرأى العام ، 26/1/05).
مع ذلك ، ما أن فرغ الناس من عطلة عيد الأضحى المبارك ، حتى فوجئوا بأن هذه اللجنة التى لا قيمة لها ، حسب د. منصور ، قد تشكلت ، بعيداً عن الأعين ، وبين الحكومة والحركة وحدهما ، وظلت عاكفة ، طوال الفترة منذ ما قبل العيد ، على إعداد مشروع هذا الدستور فى العاصمة الكينيَّة ، تمهيداً لرفعه إلى لجنة (ثنائيَّة) تعده فى صورته (النهائيَّة) ثم تدفع به إلى المجلس الوطنى بالخرطوم ومجلس الحركة الشعبيَّة برومبيك ، لإجازته خلال فترة لا تتجاوز ستة أسابيع (الصحافة ، 25/1/05).
ورغم الأنباء التى تردَّدت ، لاحقاً ، فى معنى عرض المشروع ، فى مرحلة ما ، على لجنة تضم القوى السياسيَّة (الأخرى) ، إلا أن (توضيحات) مستشار زعيم الحركة ما تنفكُّ تلقى بظلال كثيفة على قيمة هذا الاجراء ، حتى بافتراض تمامه. وهذا ، على أيَّة حال ، أول الغيث فى واقع سياسىٍّ مغاير يفترض النظر إليه من زاوية سياسيَّة مغايرة أيضاً!

(2)
أعادنا الحدث إلى ما كنا كتبنا مرَّتين ، مطالع العام الماضى وأواسطه ، حين بدا لنا ميل المعارضة ، منذ ذلك الوقت ، للمراهنة على علاقاتها بالحركة ، متسائلين عمَّا إذا لم يكن ضرباً من الوهم التعويل بالكليَّة على مجرَّد ارتباط الحركة (بمواثيق) مع أطراف المعارضة كى تتصوَّر الأخيرة استحالة أن يفضى أىُّ (اتفاق سلام) بين الحكومة والحركة إلى (شراكة) سياسيَّة ما ، حتى لو تقاطعت مع تلك (المواثيق)! لذا نستأذن القارئ أن نعيد ، بتصرُّف نرجو ألا يكون مُخِلاً ، ما سبق أن قلنا ، أوان ذاك ، للذكرى والتاريخ!
فقد وقع عندنا أن مثل هذا التصوُّر إنما يستمد منطقه من الفكر (الحقوقى) بأكثر من (السياسى)! حيث أن (الالتزامات) الناشئة عن أىِّ (اتفاق) لا تعتبر (مقدَّسة) فى حقل (الحقوق) إلا بقدر ما يحرسها (القانون) و(آليات إنفاذه). أما فى حقل (السياسة) فإن (القانون) نفسه يتحدَّد بميزان (القوَّة)! واستصوبنا ، من ثمَّ ، التعاطى بأكبر قدر من الواقعيَّة السياسيَّة مع إشارات قادة الحركة المتكرِّرة حول حرصهم على (حلفائهم) فى التجمُّع ، ليس فقط بسبب تضارب هذه الاشارات ، مثلاً ، بين تأمين السيدين منصور خالد وإدوارد لينو على (الشراكة) مع الحكومة ، وبين نفى السيد ياسر عرمان لاندراجها ضمن أجندة التفاوض ، أو حتى تقييده إياها بأشراط التحوُّل الديموقراطى وحقوق الانسان (الأضواء ، 21 ـ 23/9/03) ، بل ولأن من الظلم للحركة وللمعارضة تقييد (الحراكات السياسيَّة) بقيود (قانون العقود) ، كونه ليس ، أصلاً ، من جنسها ولا هى من جنسه!
وقلنا إن الحركة ليست مظنونة بأن تتقيَّد بأى (التزام) سابق فى ما لو تبيَّنت لاحقاً عدم جدواه فى ظل متغيِّرات أىِّ ظرف جديد! وهكذا فإن أىَّ اتفاق سلام (ثنائىٍّ) بين الحكومة والحركة لن يستنفد ، بالغاً ما بلغت ضرورته لوقف الحرب ، مطلب (التسوية السياسيَّة الشاملة). فما أن يجف غداً حبر التوقيع عليه ، حتى تستفيق البلاد والمنطقة والعالم كله على نزاعات أخرى ما تزال أشراط تسويتها غير مستوفاة ، فى الغرب والشرق والشمال كما فى الجنوب نفسه. وفى هذه الحالة لن يكون التلفت بحثاً عن (التزام) سابق للحركة باستيفاء هذه التسويات الأخرى ، كشرط لاستمرار اتفاقها أو (شراكتها) مع الحكومة ، سوى ضرب من (الغشامة السياسيَّة) فى أفضل الأحوال!
لكن المعضلة بالنسبة للحركة ، من الجهة الأخرى ، تظل قائمة فى إدراكها اليقينىِّ لما يمكن أن يكون عليه رصيد الأحزاب الجماهيرىِّ غداً ، حين تتراجع البندقيَّة وتتقدم السياسة ، بصرف النظر عن فشل هذه الأحزاب بالأمس فى تحقيق ثقل يكافئ ما للحركة والحكومة فى المضمار العسكرى. ولعل هذا هو ما فطن إليه ياسر عرمان بقوله إن المعارضة داخل وخارج التجمع "قوى مهمَّة لضمان مستقبل أىِّ تحول ديمقراطى‏" (الأهرام ، 24/9/03). ولم تبتعد إفصاحاته فى ندوة التجمع بفرجينيا فى 19/6/03 عن هذا المعنى ، عندما (حذر!) القوى السياسيَّة من محاولة عزل الحركة (الصحافة ، 26/6/03).
وبما أن الحركة لا تملك للمعارضة أكثر من هذه الانتباهة الجهيرة لقدراتها السياسيَّة الشعبيَّة المحتملة ، فقد خلصنا إلى أن الموقف الصائب الوحيد الذى كان منتظراً من المعارضة ، بالمقابل ، هو مغادرة محطة (أشركونا) إلى محطة (نحن هنا)! ومن ثمَّ فقد دعَوْنا التجمُّع للتوقف عن أعمال الصيانة والطلاء بمقرِّه الجديد ، آنذاك ، بالقاهرة ، كناية عن الضرورة الملحَّة لعودته إلى الداخل!

(3)
بعد وقت وجيز من ذلك نفى السيد ياسر عرمان بشدة أن تكون الحركة "بصدد الدخول فى شراكه لتقاسم الشمولية فى الخرطوم" (سودانايل 14/11/03). غير أن وسائل الاعلام كانت قد تناقلت ، مع ذلك ، نبأ اجتماع وفد الحركة مع هيئة قيادة التجمع ، حيث أبلغوا (حلفاءهم) بوضوح أنهم ماضون فى ترتيب (شراكتهم) مع الحكومة (البيان 12/11/03). ومع أن باقان اموم حَرص على التأمين على (احترامهم) لتحالفاتهم مع التجمع والقوى السياسيَّة الأخرى ، إلا أن ذلك لم يحُل دون أن يجهر بأن (شراكتهم) مع الحزب الحاكم ماضية لا ريب فيها (المصدر).
أحكَمُ ما كان يجدر بالتجمع اتخاذه من قرار فى تلك اللحظة هو العودة للداخل لإعادة تنظيم صفوفه ، وتنشيط عمله ، والالتحام بجماهيره ، وصولاً لتعديل موازين القوى ، وتغيير شروط الظرف السياسى ، وبذلك وحده ينقل وضعه إلى خانة أفضل فى رقعة (صراع التسوية) المُثنى. فلئن لم يكن للتجمع نفس المنعة الماديَّة التى للحكومة والحركة ، أو حتى ما يقاربها ، فإن لديه من السند الشعبى ما يشكل عنصراً كامناً يستطيع بتفعيله أن يكافىء تلك المنعة ، فيأخذ بذلك زمام المبادأة ، ويرغم اللاعبَين الرئيسَيْن ، بالاضافة لوسطاء (واق الواق) ، على مراجعة حساباتهم ، بحيث يصعب الاستمرار فى تجاهله بمثل تلك الكلفة الزهيدة التى تجاهلوه بها فى المفاوضات وفى الاتفاقيَّة!
لكن التجمع واصل رهانه ، بدلاً من هذا ، على منهج الدبلوماسيَّة الماكوكيَّة بين الأروقة المغلقة ، فى عزلة تامَّة عن جماهيره فى الداخل ، تحت عنوان وحيد هو: (أشركونا)! وقد لا نحتاج لدليل على ذلك أقوى من إلقاء نظرة عابرة على رزنامة أدائه خلال الفترة الأكثر حسماً فى مسار المفاوضات بين أوائل ديسمبر 2003م وأواخر مايو 2004م ، أى الفترة التى اتخذ فيها جمهرة من (الاجراءات) المصمَّمة جيداً على الورق ، والخطوات غير المُعزَّزة بأىِّ اعتبار شعبىٍّ فعَّال ، بدءاً من اتفاق جدة فى 4/12/03 ، مروراً برسالتى الميرغنى إلى طه وقرنق حول (أهميَّة!) إشراك التجمع فى المفاوضات ، ومسعاه إلى (توسيط) موسيفينى فى هذا الشأن ، وتعبيرات التجمع عن (تفاؤله!) بأن الاطراف (ستوافق) على تمثيله خلال تلك الجولة ، وتعويله على (إشارات) الوسطاء بأن الوقت قد (حان) لإشراكه (وكالات ، 28/2/04) ، وإلى ذلك تأكيدات رئيسه على أن مشاركته "قد التزم بها قرنق .. علاقتي مع قرنق تعود الى 16 نوفمبر 1988م .. ولاتزال ثقتي فيه كما كانت" (البيان ، 7/3/04).
وإن كان من المرجَّح أن رئيس التجمع قد وجد فى الخصال الشخصيَّة لزعيم الحركة ما يدعو بالفعل للثقة فيه ، فإن ذلك لم يكن ليصلح مبرِّراً ، بمجرَّده ، لإلقاء التجمع بمهامه السياسيَّة على كاهل الحركة أو قائدها!
الشاهد أن التجمع أدار سياسته طوال تلك الفترة تحت شعار: (أشركونا) ، مواصلاً (عزلته) غير المجيدة عن الجماهير ، ومُعوِّلاً بالكليَّة على دبلوماسيَّة الأروقة المغلقة ، فعقد ، مطالع مارس 2004م ، اجتماعا للسفراء الأجانب بالقاهرة ، طلب فيه من دولهم (الضغط) على النظام (ليقبل) بمشاركة بقية القوى التى (ستوفر) السند الشعبى للاتفاق. ومِمَّا يدلل على مدى ما أضاع التجمع فى التركيز فقط على هذه الأنشطة ، قول ناطقه الرسمى: "إن التنوير لاقى ارتياحاً كبيراً لدى الدبلوماسيين وأكمل لديهم الصورة الناقصة!" (سودانايل 11/3/04) ، ولا تسل بعد ذلك عن التقارير (السريَّة) التى رفعها هؤلاء الدبلوماسيون لحكوماتهم ، دعْ عنك ما فعلت حكوماتهم بتلك التقارير!

(4)
إشتراك أو عدم اشتراك المعارضة فى المفاوضات ، والاتفاقيَّة ، وما قد يترتب على ذلك من اشتراكها أو عدم اشتراكها ، بنسب عادلة ، فى حكومة القاعدة (العريضة!) الانتقاليَّة ، كما وفى المفوَّضيَّات واللجان المختلفة ، بما فى ذلك (لجنة الدستور) التى ينبغى أن تتسم (بالقوميَّة) بحق ، و(بالوسع) بحق ، فى ما لو كانت لها صلاحيَّات (فعليَّة) بحق ، إنما هى قضيَّة سياسيَّة تخضع ، أوَّل ما تخضع ، لميزان القوَّة فى الظرف التاريخىِّ المعيَّن , وهذا ، بدوره ، يتحدَّد بجملة عوامل يتشابك فيها الذاتى والموضوعى. وثمَّة ، فى حالتنا الراهنة ، طرفان داخليان تكافأت كفتاهما فى ميزان القوَّة حتى لم يعد فيهما من يعتقد أن بمقدوره إنزال الهزيمة الحاسمة بالآخر. بالاضافة إلى طرف خارجى تهيأ له ظرف دولىٌّ وإقليمىٌّ لإعادة ترتيب البيئة الملائمة لتحقيق مصالحه فى بلادنا. فإذا أرادت المعارضة أن تبرز فى ساحة هذا الصراع ، فيتوجَّب عليها ، ابتداءً ، أن تتلمَّس مكامن المقوِّمات التى تمكنها من تعديل ميزان القوَّة هذا بحيث يصعب على الأطراف الثلاثة تجاوزها. وليس من هذه المقوِّمات ، بالطبع ، وجود حليف يقوم مقامها ، أو ينهض بمهامها ، أو يعبِّر عن إرادتها!
وإذا لم يكن بمقدور المرء أن يبلغ على طاولة المفاوضات أبعد مِمَّا تستطيع أن تبلغ مدافعه فى الميدان ، بتعبير ونستون شيرشل ، فإن (المدافع) ليست دائماً هى ذلك السلاح النارى المحدَّد. وإلا فما هى (مدافع) المهاتما غاندى أو نلسون مانديلا؟! المهم أن لكلٍ (مدافعه) التى يتوجب عليه أن يُحسن إدارتها ، وإلا حاق به الخسران! ولعل تعويل التجمُّع الملحوظ على طاقات (الحركة الشعبيَّة) القتاليَّة ، أوان كانت تلك لغة الصراع الرئيسة خلال سنوات الحرب ، واكتفاءه ، فى غضون ذلك ، بالاستماع إلى التنويرات الدوريَّة من د. جون عن (سير العمليات) ، هو ما أغاظ ستيفن واندو ، مدير مكتب الحركة بواشنطن ، فدفعه لأن يتلفظ بقبيح الكلام قائلاً فى ندوة بواشنطن: "لا نقبل أن تعطينا أحزاب الأمة والاتحادى والشيوعى دروسا في الديمقراطية! إن هذه الإحزاب هى سبب الأزمة في السودان! إن ما حققته الحركة من إنجاز يعود لكونها التنظيم الوحيد الذي يمتلك القدرة والتنظيم والكفاءة! إن الحركة تحمَّلت الكثير في الحرب دون أن تقوم القوى الأخرى بدورها ، فقد دفعت الحركة بالآلاف من قواتها في الجنوب والشرق على حين عجزت الأحزاب مجتمعة عن تكوين لواء واحد!" (الصحافة ، 17/6/04).

(5)
جرت مياه كثيرة ، منذ ذلك الوقت ، تحت الجسور ، بما فى ذلك قبول الحكومة التفاوض مع التجمَّع ، ومواصلتها رفض فكرة المؤتمر الجامع. لكن أخشى ما نخشاه ، والتجمُّع يُقبل ، من خلال اجتماع هيئة قيادته بالعاصمة الاريتريَّة ، على اتخاذ قراره التاريخى (المؤجَّل) بالعودة (الفوريَّة) ، أن يخطئ التقدير السياسى ، هذه المرَّة أيضاً ، فى ما يتصل بالمجال الحيوى لفعاليَّته فى الداخل ، من جهة ، وفى ما يتصل بعلاقته بالحركة ، من الجهة الأخرى ، فيظلمها بتحميلها ما لا طاقة لها به ، ويظلم نفسه برهن حركته لمثل هذه الحسابات الخاسرة مجدَّداً!
فالحركة تتهيأ الآن لترتيب (شراكتها) مع المؤتمر الوطنى فى السلطة ، والتحوُّل من حركة مقاتلة فى الأحراش إلى حزب سياسىٍّ مدنى حاكم. أما أحزاب المعارضة داخل وخارج التجمع فلم تحزم أمرها بعد بشأن المشاركة فى حكومة القاعدة (العريضة!) ، إذ ما تزال تنتظر موقف (الشريكين) من (شروطها) التى طرحتها لهذا الغرض ، وفى مقدمتها عرض الاتفاقية على منبر وطنى واسع لإخراجها من ضيق (الثنائيَّة) وإكسابها الطابع (القومى) ، ومعالجة اختلالاتها ونواقصها الكثيرة ، فضلاً عن وضع المعالجات اللازمة لمشكلة دارفور. فإذا لم يُستوفَ هذا الشرط ، على الأقل ، فالأوفق أن تستمر كلها ، أو جُلها ، كمعارضة خلال الفترة الانتقاليَّة ، وهذا ما نرى سداده ونؤيِّده. فليس من المعقول ، أصلاً ، ألا تكون ثمة معارضة حتى للحكومة الانتقاليَّة!
ومن نافلة القول ، عند هذا الحد ، أن الحركة لن تستطيع ، مهما أوتيت من المهارة ، أن تلعب دور (السلطة) و(المعارضة) فى آن. فلا هى سوف تستطيع أن تخرج من اجتماع (مجلس الوزراء) ظهراً لتلتحق باجتماع (هيئة قيادة التجمع) مساءً ، كما يتوهَّم البعض ، ولا بمقدورها حتى أن تنفذ عملياً ، دون مخاطرة سياسيَّة حقيقيَّة ، ما أشار إليه عرمان فى ندوة فرجينيا المشار إليها بقوله: "إن الحركة ستستمر في التنسيق مع التجمع وهي داخل الحكم لتضمن تنفيذ كل المواثيق المتفق عليها لإنجاز قضايا التحول الديمقراطى" (سودانايل ، 23/6/04).
وإذا كنا لا نستبعد ، بطبيعة الحال ، أن يتوصَّل التجمُّع والحركة إلى صيغة ما لتوفيق هذه العلاقة المعقدة ، فلا أقل من أن نعى جيداً ، وبصورة موضوعيَّة ، أن (شراكة) الحركة والمؤتمر الوطنى حقيقة قائمة ، برغم ما يحتوشها من تناقضاتهما العميقة وعدم ثقتهما فى بعضهما البعض! وأنها قد ابتدأت فعلياً منذ أن وافقا على التفاوض (الثنائى) لحل مشاكل السودان كله! وأن الاختلالات فى بروتوكولاتهما هى من جنس الاختلال فى طابع مفاوضات ثنائيَّة تتعلق ، أصلاً ، بقضايا ذات طابع وطنى عام وشامل.
غير أنه لن يصعب على التجمُّع ، إن عاد للداخل ، وتوحَّد على خطاب حدٍّ أدنى معقول ومقبول ، واعتمد فى إنفاذه على النشاط اليومىِّ بين الجماهير ، وأنجز المستوى المطلوب من التنسيق مع أطراف المعارضة خارجه ، أن يحقق اختراقاً عملياً يُكسِب اتفاق الشريكين (قوميَّته) عن طريق الضغط الشعبى لأجل ربطه بتحول ديمقراطىٍّ فعلىٍّ ينأى عن الشكلانيَّة القاتلة ، وينهض على محتوى اجتماعىٍّ ملموس ، أولاً بتحسين الأوضاع الاقتصادية ، فمن حق مواطنى القوميَّات كلها أن يتلقوا ، وبصورة فوريَّة ، تعويضاً مجزياً من عائدات البترول وما يوفره صمت البنادق ، عمَّا ظلوا يكابدون من شظف العيش بسبب الحرب ، وإلا فلن يعنى (السلام) بالنسبة لهم غير أناشيد فى الراديو والتلفزيون! وثانياً بجبر الاضرار تحت عنوان (العدالة الانتقاليَّة) ، فما من قوة على الأرض تستطيع تسوية غبن المظلوم بغير ردِّ حقه ، مادياً ومعنوياً. أما بغير ذلك فإن مشروع السلام والوحدة والديموقراطيَّة سوف يواجه مُهدِّدات جديَّة!
(إنتهى)



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مِن الدَّوحَةِ إلى سَانْتِياغُو مَا لا يَحتاجُ لِزَرْقَاءِ ا ...
- القُوَّاتُ الأَدَبِيَّةُ المُسَلَّحَةْ!
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (2) إِتِّحَادُ الكُتَّا ...
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (1) مَشْرُوعِيَّةُ الغَ ...
- حِسَابٌ أَمْ .. -كُوَارْ-؟!
- مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (3)
- (2) مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ لَعْنَةُ ...
- مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (1) المِحْوَ ...
- يا -لَلْخِتْيَارِ- فِى البَرْزَخِ بَيْنَ الحَيَاةِ وَالمَوْت ...
- القَاعِدَةُ .. والاِسْتِثْنَاءْ !
- مَرْجِعِيَّةُ الاتِّفَاقِ .. الوَرْطَةْ!
- مَطْلُوبٌ .. حَيَّاً!
- جَنْجَوِيدُ العُرُوبَةْ!
- الكَمَّاشَة!
- فِى مَأْزَقُ الهُجْنَةِ والاسْتِعْرابْ!
- فِى مَدْحِ -الجُّنونِ- بِمَا يُشْبِهُ ذَمَّهُ! مَنْ ترَاهُ ي ...
- فَلْيُسْعِد النُّطْقُ .. إِنْ لَمْ يُسْعِدِ الحَالُ!
- آلامُ المَسِيْحِ السُّودَانِي
- زُغْبُ الحَوَاصِلْ!
- لَقَد أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيَّا!


المزيد.....




- مقتل 5 أشخاص على الأقل وإصابة 33 جراء إعصار في الصين
- مشاهد لعملية بناء ميناء عائم لاستقبال المساعدات في سواحل غزة ...
- -السداسية العربية- تعقد اجتماعا في السعودية وتحذر من أي هجوم ...
- ماكرون يأمل بتأثير المساعدات العسكرية الغربية على الوضع في أ ...
- خبير بريطاني يتحدث عن غضب قائد القوات الأوكرانية عقب استسلام ...
- الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لمسيرات أوكرانية في سماء بريان ...
- مقتدى الصدر يعلق على الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريك ...
- ماكرون يدعو لمناقشة عناصر الدفاع الأوروبي بما في ذلك الأسلحة ...
- اللحظات الأخيرة من حياة فلسطيني قتل خنقا بغاز سام أطلقه الجي ...
- بيسكوف: مصير زيلينسكي محدد سلفا بوضوح


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - للذِّكرَى .. نُعِيدُ السُّؤالْ: الحَرَكَةُ: حُكومَةٌ أَمْ .. مُعارَضَةْ؟!