أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - النَيِّئَةُ .. لِلنَارْ!















المزيد.....



النَيِّئَةُ .. لِلنَارْ!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 2067 - 2007 / 10 / 13 - 12:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رزنامة الأسبوع 2-8 أكتوبر 2007
الثلاثاء:
ظلت تتقلب، زمناً طويلاً، أمام أعيننا، على جمر عذاباتها الفادحة، وفوق شوك آلامها المبرحة، فلكأنها قصدت، بكلِّ العطف والحنان اللذين تجيش بهما نفسها الزكيَّة، أن تهيِّئنا لِرحيل عجول، ولِفقدٍ لا يُعوَّض. مع ذلك كانت زلزلة النازلة، لغفلتنا، فوق قدرة الخيال، وأقوى، بما لا يُقاس، من طاقة الاحتمال، فلم يكن شئ مِن كلِّ ما عانت من اهوال، في مغالبة الداء اللعين، بقادر، وأستغفر الله، على إقناعنا، مثقال ذرَّة، حتى في أيامها الأخيرة، بأنها قد جاوزت، نهائياً، مدى الولوج الأخير إلى منعرج البرزخ، وأنها لم يعُد بينها وبين هاوية الغياب الأبديِّ سوى خطوة واحدة، وأنها لن تعود تسرِّح، مرَّة أخرى، شعرها الجميل إلى أعلى، وتضع حُليَّها البديعة حول عنقها ومعصميها، وترتدي ثوبها الأنيق الهفهاف كأنه غلالة من نسيم الجنَّة، ثمَّ تنكبُّ على طروسها وأقلامها تنسِّقها استعداداً ليوم عمل آخر تقضيه في خدمة من يحتاجون لما تبذل من أجلهم، تطوُّعاً، وعن طيب خاطر، وبلا أدنى كلل أو ملل، بينما الابتسامة العذبة لا تفارق شفتيها، حتف أنف الارهاق وشحِّ المُعينات.
لربَّما كان لازماً، كي نصدِّق أن قلبها الكبير بسبيله إلى التوقف عن الخفق، أن نرى بأمّّهات أعيننا اكتمال رسالتها النبيلة التي نذرت حياتها لها، فيمَّحي الظلم، فجأة، من الوجود، وينقشع القهر، بغتة، من انفاس المستضعفين، وترفرف طيور العدالة، ذات صباح، فوق سماواتنا بأجنحتها الملائكيَّة، ولا يعود ثمَّة مقتضى لأنشطة مركز الخرطوم لحقوق الانسان، فلا سمنارات تنعقد، ولا ورش عمل تقام، ولا دورات تدريبيَّة تنظم، ولا رصد يُرصد لانتهاكات، ولا تقارير تسطر عن تجاوزات، ولا مشاوير في عزِّ الهجير من الاقصى إلى الاقصي، تنويراً بحق، أو تبصيراً بمستحق، أو توعية بحريَّة.
ولربَّما كان لازماً، كي نفهم أنها إنما شرعت في التلاشى حثيثاً، أن تندكُّ أسوار سجن النساء، وأن تخرج السجينات أجمعهنَّ منشرحات الصدور، باسمات الثغور، زاهيات الثياب، إلى أعمال شريفة، وحظوظ كريمة، ورزق وفير، وأطفالهنَّ حولهنَّ يحجلون كقبُّرات ملوَّنة، سعداء، مشرقي الوجوه، صادحي الضحكات، إلى رياض ناضرة، وملاعب زاهرة، ومدارس بهيجة.
ولربَّما كان لازماً، كي ندرك أنها إنما تلوِّح تلويحة الوداع الأخيرة، أن تتدفق، من أطراف المدينة، جموع المُهمَّشين الذين لطالما سعت إليهم، بعلمها النافع، في كراتينهم الجافة، وأكواخهم المتربة، وعششهم المعتمة، لينعموا بمساكن رقراقة المياه، شعشاعة الأنوار، ليِّنة المراقد، وأن نسمع بآذاننا مؤذن البشارات العظيمة ينادي أن حيَّ على صلاة الشكر ، حيَّ على فلاح العدالة الاجتماعيَّة، حيَّ على الوجود المغاير والمستقبل الوضئ.
لكننا، أوَّاه، مشينا خلف جنازتها، ذلك الضحى الكابي، يكاد يعصف بنا حزن كالجبل، وتحلقنا حول قبرها نشرق بالدمع الهتون، ونلهج بالتلاوة المباركة، ثمَّ قفلنا راجعين نردِّد قول البنا الصغير: "لا درَّ درُّ الدافِنيكِ فإنَّهم/ هالوا عليكِ من الترابِ وأكثروا"!
اللهم حاشا أن نقول إلا ما يرضيك "كلُّ نفس ذائقة الموت" و"إنا لله وإنا إليه راجعون"، فاغفر، يا خير الغافرين، لأختنا نازك، واشملها، يا أرحم الراحمين، برحمتك التي وسعت السماوات والأرض وما بينهما، وانزلها عندك منزلة الذين أنعمت عليهم، المقرَّبين إليك، المرضي عنهم منك، واجعل البركة في ذرِّيَّتها ووالديها وزوجها، والهمهم والهمنا من بعدها، ياربُّ، جميل الصبر، وطيِّب السلوان، وحسن العزاء.

الأربعاء:
في عموده المقروء (رؤى)، بهذه الصحيفة، كتب عبد الرحمن الأمين كلمة جيِّدة في استهجان الفوضى الضاربة بأطنابها على صعيد منح واستخدام الالقاب العلميَّة (السوداني، 18/9/07). وبالفعل، لم يعُد، في بلادنا، سوى قلة لم تضف، بعد، إلى أسمائها لقب (دكتور) أو (بروفيسير)، ولم يعُد ثمَّة من لا يستخدم هذين اللقبين من باب التظرُّف الاجتماعي، حتى انقلب هرم الميزة المائزة رأساً على عقب، وحتى أضحى الأمر برمته مدعاة للتشكك والارتياب، مِمَّا يتهامس، أو قل يتندَّر، به الناس في مجالسهم!
نبَّهتني كلمة عبد الرحمن إلى أن المؤسَّسة الاكاديميَّة السودانيَّة لم تجد (فائضاً) من (البروفيسريَّة) تفيض به على عالم في قامة المؤرِّخ الجليل محمد سعيد القدال، على حين راحت تجود بها على ناشئة بلا بذل يؤبَّه له، ولا عطاء! كما أعادت إلى ذاكرتي كلمة طيِّب الذكر عبد الله الطيِّب من على منبر حفل تكريم أقيم له، حيث لاحظ أن من تعاقبوا على ذلك المنبر، قبله، وصفه بعضهم بـ (الدكتور)، وبعضهم بـ (البروف)! فما كان منه إلا أن ركز كلمته القصيرة المرتجلة على السخرية من الأمر برمته، حيث روى، أولاً، كيف أنه، عندما عاد من لندن بلقب (دكتور) كان مزهوَّاً به، إلى أن جرى ابتعاثه، ذات مرَّة، في مهمَّة أكاديميَّة، إلى جنوب السودان، فاستقلَّ الباخرة النهريَّة. وعند توقفها في أحد الموانئ أحسَّ بحركة جمع من الأهالي يقترب من مقصورته، فخرج إليهم، ليتبيَّن أن لديهم مريضاً، وأنهم علموا أن بالباخرة (دكتوراً) فجاءوا يستغيثون به. ولمَّا أفهمهم أنه ليس (دكتور طب)، بل (دكتور أدب)، طفقوا يبحلقون في وجهه برهة، ثم انصرفوا صامتين. لكنه ما لبث أن سمعهم يقولون لذويهم المنتظرين على الشاطئ:
ـ "ها .. زولكم ما دكتور دكتور .. طلع دكتور ساكت"!
وعلق الأكاديمي الضخم على ذلك بقوله:
ـ "ومن يومها باخ اللقب في نفسي"!
وأما عن لقب (بروفيسير) ، فقد روى عبد الله الطيِّب قائلاً:
ـ "جاءونا بمدير للجامعة طلب منا في أوَّل اجتماع له معنا أن نمنحه لقب (بروفيسير) .. فزهدت في هذا اللقب"!
تحياتي لعبد الرحمن، ورحم الله عبد الله الطيِّب، وأطال في عمر القدال، ومتعه بالصحَّة والعافية، وجازاه بأحسن مِمَّا بخلت به عليه المؤسَّسة الأكاديميَّة!

الخميس:
أخطأ وزير العدل النائب العام خطأ قانونياً وسياسياً مركباً بإقدامه على فتح بلاغ ضد منظمة العفو الدوليَّة (أمنستي)، وطلب توقيف أمينها العام (إيرين خان)، عن طريق الشرطة الدوليَّة (الانتربول)، لنشرها، مؤخراً، تقريراً حول تعذيب معتقلي ما يُعرف بـ (المحاولة التخريبيَّة)، الأمر الذي عدَّه الوزير السوداني (نشراً لأخبار كاذبة) تحت المادة/66 من القانون الجنائي لسنة 1991م.
(1) فمن الزاوية القانونيَّة:
أ/ ما تقوم به (أمنستي) نشاط سياسي، بالدلالة الواسعة لمفهوم (السياسة). فهو، بالتالي، مِمَّا يندرج ضمن المحظورات الأربعة الواردة ضمن المادة/3 من دستور (الانتربول)، والتي تغلُّ، بصرامة، يد الشرطة الدوليَّة عن التدخل في أيِّ شأن ذي طبيعة سياسيَّة أو عسكريَّة أو دينيَّة أو عنصريَّة. ومن المعلوم أن لدى (الانتربول) خمس أولويات يستهدفها بالملاحقة والتوقيف: منظمات الاجرام والاتجار في المخدرات ـ مرتكبي الجرائم الماليَّة وجرائم التكنولوجيا المتقدِّمة، الهاربين الذين يهدِّدون السلامة العامة ويقوِّضون أنظمة العدالة الجنائيَّة، الارهابيين الذين يهدِّدون السلامة العامة والسلام والأمن الدوليين، المتاجرين في البشر والمدمِّرين لحيواتهم.
ب/ حُجَّة الوزير التي ساقها لأجهزة الاعلام المحليَّة والعالميَّة، يسند بها إجراءه، قائلاً إن تقرير (أمنستي) يسئ لسمعة جهاز الأمن السوداني، تتناقض طرداً مع القاعدة الذهبيَّة الراسخة: "من يطرق باب العدالة ينبغي أن يأتي بأيادٍ بيضاء ـ He, who comes to justice, should come with clean hands ". فكيف يقاضي الضابط الأوَّل للقانون في البلاد باسم جهاز ما زال ناشطاً بذات كيفيَّته السابقة، مع أن المادة/151 من الدستور الانتقالي لسنة 2005م، والساري المفعول منذ أكثر من عامين، تنسف دستوريَّته بالمرَّة؟!
ج/ وصف الوزير لما ورد في التقرير من معلومات حول تعذيب هؤلاء المتهمين بأنه "يدعو للغثيان و .. حلقة من حلقات السخف المستمر" .. الخ، لا يعدو كونه محض سبٍّ للمنظمة، صيغ في شكل رأي شخصي، أو حتى رسمي، وبعبارات انشائيَّة فضفاضة تتعارض والصياغات القانونيَّة المنضبطة والمحكمة.
د/ وصف الوزير لقول المنظمة بتعذيب المتهمين بأنه إساءة للقضاء والكذب وعدم المصداقية، جاء، هو الآخر، إنشائياً، غير عابئ بالمعايير الدوليَّة حول (حظر التعذيب). فالثابت أنه، ومنذ اعتقال هؤلاء المتهمين، لم توجِّه النيابة تهماً محدَّدة لهم، دَعْ أن تقدمهم لمحاكمة عادلة أو تطلق سراحهم. كما وأن حبسهم ما يزال لدى الأمن، مع كلِّ الانتهاكات المستمرَّة لحقوقهم في الزيارة ومقابلة محامييهم وما إلى ذلك. من ثمَّ، وحتى لو غضضنا الطرف عمَّا أثاروه، ونشر على نطاق واسع في الداخل والخارج، حول تعرُّضهم لهذه الممارسة مادياً، فإن تعريف (التعذيب)، حسب المواثيق الدوليَّة، لا يقتصِر على الأفعال (الماديَّة) وحدها، وإنما يشمل (المعنويَّة) أيضاً. ولعلَّ أعجل التفاتة إلى المادة/5 من (الاعلان العالمى لحقوق الانسان) الصادر عن الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة في 10/12/1948م تكفي لمعرفة أنه يحظر، ضمن ما يحظر، (الحط من الكرامة). كذلك تنصُّ المادة/7 من (العهد الدولى للحقوق المدنيَّة والسياسيَّة) الصادر فى 16/12/1966م، والذى دخل حيِّز التنفيذ فى 23/3/1976م ، على عدم جواز إخضاع أىِّ فرد لأيَّة معاملة (قاسية) أو (غير إنسانيَّة) أو (مهينة)، كما تنصُّ المادة/14 منه على عدم إلزام أىِّ متهم بالاعتراف أو الشهادة ضد نفسه. وفى 10/12/1984م أجازت الجمعيَّة العامة (إتفاقيَّة حماية جميع الأشخاص من التعرُّض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية أو اللا إنسانيَّة أو المهينة)، حيث جرى تعريف (التعذيب) بأنه: "كلُّ فعل يُنزل بشخص ، عن تعمُّدٍ ، ألماً أو أنواع حادة من العذاب ، بدنيَّة كانت أو ذهنيَّة ، وذلك من جانب موظفين عموميين ، أو بتحريض منهم ، بهدف الحصول منه ـ بصفة خاصة ـ أو من شخص ثالث على معلومات أو اعترافات ، أو معاقبته على فعل ارتكبه ، أو يُشتبه في أنه ارتكبه ، أو تخويفه، أو تخويف أشخاص آخرين". وقد دخلت (الاتفاقيَّة) حيِّز التنفيذ فى 26/6/1986م ، وهو التاريخ الذى اعتمدته الجمعيَّة العامة ، فى ديسمبر 1997م ، يوماً عالمياً لـ (مناهضة التعذيب)، سواء كان (مادياً) أم (معنوياً)، وسواء وقعت صوره (المعنويَّة) بجحد حقوق المقبوض عليهم في العلاج، أم في زيارة ذويهم، أم في تلقي العون القانوني المستقل من محامييهم، أم في الالتزام الصارم بالنصوص القانونيَّة بشأن تجديد حبسهم، ومواجتهم باتهامات محَّددة، وتقديمهم للمحاكمة أو إطلاق سراحهم.
(2) أما من الزاوية السياسيَّة:
فقد أخطأ الوزير، أيضاً، في عدم موازنته ما بين (هشاشة) سنده في فتح البلاغ، في أوَّل سابقة، ضد (أمنستي) وطلب توقيف أمينها العام بـ (الانتربول)، وما بين (المِنعة المعنويَّة) التي تتمتع بها هذه المنظمة على المستوى العالمي.
أ/ فالنظام السوداني متهم، أصلاً، بالانتهاك المتواصل لحقوق الانسان، ليس في دارفور فقط، بل وفي كلِّ أنحاء السودان. وبالخرق المستمر، ليس للنصوص التي تحمي هذه الحقوق والحريات في المواثيق الدوليَّة، فحسب، بل حتى لوثيقة الحريات المضمَّنة في الدستور الانتقالي نفسه الذي أفرزته (اتفاقيَّة السلام الشامل). أما موقف النظام من المجتمع الدولي فحدِّث ولا حرج! ويكفي أن نشير فقط إلى الأسلوب الذي يدير به أزمته مع المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، وبخاصَّة عن طريق وزير العدل الذي وصف، مؤخراً، موقف حكومته الرافض للتعاطي مع هذه المؤسَّسة العدليَّة الدوليَّة بقول غليظ يتنافر مع طبيعة (السياسة) أصلاً: "موقفنا هذا ثابت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"! الشاهد أنه ما يكاد يمرُّ يوم دون أن ترتفع الشكوى من هذه السياسات والممارسات في مختلف المحافل، وفي شتى أنحاء العالم، حتى لقد أصبح الناس في بلاد تركب الافيال يعرفون كجبار، والمناصير، وخزان الحامداب، وخزان مروي، ومعسكر كلمة، ومعسكر أبو شوك .. الخ! وليتهم عرفوا ذلك مثلما كانوا يعرفون، في السابق، خرطوم باي نايت، والقطن طويل التيلة، ومشروع الجزيرة، والسكة حديد، والصمغ العربي، والخطوط البحريَّة، والمقرن، وسودانير!
ب/ بالمقابل، فإن (أمنستي) التي يريد وزير العدل القبض على أمينها العام عن طريق (الانتربول)، منظمة ذات سمعة عالميَّة طيِّبة، ينضوي في عضويَّتها زهاء الثلاثة ملايين ناشط في مختلف البلدان ، وتتمتع بثقة مئات الملايين في شتى أنحاء المعمورة، وقد عرفت بكفاحها المدني الذي لا يفتر من أجل حقوق الانسان، من حيث هو إنسان، بصرف النظر عن عرقه أو لونه أو دينه أو ثقافته.
فمع مَن، تراه، سيتعاطف العالم: مع حكومة يصف وزير عدلها أداء منظمة كهذه بأنه "يدعو للغثيان و .. حلقة من حلقات السخف المستمر!"، أم مع المنظمة نفسها، وقد عبَّرت عن دهشتها إزاء تصريحات الوزير وإجراءاته، وعلقت عليها، بهدوء، قائلة: "لدينا أدلة موثوق بها على ما نقول. ولكن، إذا كانت الخرطوم تريد الضغط على أكبر منظمة حقوقيَّة في العالم، فكيف بمنظمات الحقوق المحليَّة في السودان"؟!

الجمعة:
حدثني فيصل سرور حديثاً اذهلني، تعقيباً على كلمة كنت عقبت بها على كامل ابراهيم، بالاستناد إلى رواية حدباي، حول المقدِّمة الموسيقيَّة لأغنية (عازة في هواك). قال فيصل: إن تلك المقدِّمة من وضع اسماعيل عبد المعين، الطالب، أوان ذاك، بمعهد فؤاد للموسيقى بالقاهرة، وكانا، هو والخليل، يتعارفان قبل ذلك في الخرطوم، وكان اسماعيل قد تعلم العزف على آلة العود، ابتداءً، على يد محمد تميم بود أرو بأم درمان، وأنه استوحى فكرة المقدِّمة من الشيخ مرجان، شيخ (النوبة) ببحري. أما الأغنية نفسها فقد قال فيصل إنها من تلحين العميد سرور عام 1928م، وأنه كان قد اتفق مع الخليل على أن يسافرا لـ (تعبئتها) سوياً في أسطوانة لدى شركة (مشيان) الأرمني، والتي تأتي في الأهميَّة بعد شركة (أوديون) مباشرة. على أن سفر سرور إلى كسلا، وتأخره هناك بسبب اقترانه بزوجته الثانية، حال دون سفره مع الخليل إلى القاهرة، أواخر 1929م ومطالع 1930م. وهكذا (عبَّأ) الخليل الاغنية وحده، وصاحبه اسماعيل بالعود، كما قام الخواجة (مشيان) نفسه بعزف المقدمة على البيانو. كما (عبَّأ) الخليل أيضاً أغنية (عبدة) في أسطوانة أخرى. وشحن (مشيان) الاسطوانتين إلى (مكتبة البازار) لصاحبها ديمتري البازار الذي كان يستورد الاسطوانات، ويعلن عنها في مجلة (الفجر)، ويقوم بتوزيعها في العاصمة لمن يملكون فونوغرافات من الاعيان وأصحاب المقاهي، كما يقوم بإرسالها بالقطارات إلى الاقاليم، ومن بينها القضارف. وتصادف، أثناء عودة سرور من كسلا إلى ام درمان برفقة زوجته الجديدة ووالدتها، أن توقفوا في أحد المقاهي بالقضارف لأخذ قسط من الرَّاحة، وهناك سمع سرور أسطوانة (عازة)، لأوَّل مرَّة، من فونوغراف المقهى، فغضب غضباً شديداً، واشترى من صاحب المقهى كلَّ النسخ التي بحوزته، وقام بتحطيمها جميعها!
واقعة تلحين سرور لـ (عازة) يدحضها الفاتح الطاهر في كتابه (أنا ام درمان: تاريخ الموسيقى في السودان، ط 1، الخرطوم 1993م، ص 37)، بتأكيده أنها من الحان الخليل، وكذلك مقدِّمتها الموسيقيَّة، وإن كان قد أورد أنه اقتبس المقدمة من مارش ود الشريفي، وهي الرواية التي صحَّحها حدباي، كما اقتبس مطلع الاغنية من أغنية (عمتي حوا).
أما واقعة تحطيم سرور لأسطوانة (عازة) فيؤيِّدها عبد الله رجب في (مذكرات أغبش، ط 1، دار الخليج 1988م، ص 129)، وإن كان قد حدَّد مكان وقوعها بسنجة بين عامي 1935م ـ 1936م، بينما ترك سبب وقوعها كسؤال مفتوح بلا إجابة.
بقي أن أذكر أن حديث فيصل لي كان أثناء سهرة أم درمانيَّة لطيفة قضيناها، مرتضى الغالي وعبد الله صالح وشخصي، بمنزله، مساء الجمعة 28/9/07، واستمعنا خلالها إلى عدد من أسطوانات الحقيبة الأصليَّة القديمة، على فونوغراف سرور شخصياً .. ماركة (صوت سيده)!

السبت:
على صفحة الثامنة من عدد (الصحافة) رقم/3390 بتاريخ 27/9/2002م (دبَّج) محمد المهدي بشرى مقالة مهولة بعنوان: (كمال الجزولي: معاناة الشعر أم شعر المعاناة)، قال فيها، لا فضَّ فوه:

***
(هذه الورقة مساهمة متواضعة في الاحتفاء بشاعر ضخم وأخ صديق هو الشاعر كمال الجزولي، وهي لا تخرج عن كونها إشارات عابرة تحتاج إلى التوسع والتوثيق، الأمر الذي نتمنى أن نتوفر له مستقبلاً بإذن الله.
ولد كمال ونشأ وترعرع في مدينة أمدرمان، ودرس في المراحل التعليمية حتى الثانوية، والتحق بجامعة القاهرة الفرع (سابقاً)، والتي تركها للدراسة في الاتحاد السوفييتى (سابقاً)، حيث تخصص في القانون الدولي وأجاد اللغة الروسية بتفوق. إنتمى كمال كأي مثقف مستنير في الستينات من القرن السابق لطلائع النضال الوطني وصار عضو في الحزب الشيوعي في سن مبكرة وما يزال.
هذه المقدمة مهمة لقراءة أشعار كمال عامة، وديوانه عزيف الريح الذي نركِّز عليه في هذه الدراسة، بصفة خاصة. الشعر عند كمال كما يتجلى في هذا الديوان معايشة وإمساك بالجمر. وكثير من قصائد هذا الديوان مكتوبة من داخل المعتقلات والسجون التي ظلت تستضيف الشاعر منذ العهد المايوي وإلى عهد قريب مع استراحة قصيرة هي سنوات الديموقراطية الثالثة. فأكثر من عشر قصائد كتبت داخل السجن، وما أكثر الشعراء الذين يدبجون القصائد وهم في منأى عن هجير النضال والتضحية، لكن براعتهم في الشعر تخفي هذا الأمر، غير أن كمالا ينتمي لرهطٍ من الشعراء يمثل الشعر لهم مسئولية وأمانة، وما أكثر ما أحس بضعف الشعر كسلاح في معركته ضد القمع، وقد عبر عن هذا الأمر صراحة أكثر من مرة، ففي قصيدته (دون كيشوت يحاور ظله) يقول: "عبثاً نقارع بالبيان المنتقى زبر الحديد"! وفي قصيدة (البغل الأسود في الإبريق) يقول: "يشقيني أني شاعر/ والشاعر في هذا الزمن المنكر/ شئ مضجر".
يمكن القول أن كمالا لم يأت للشعر مثل غيره من المتشاعرين الذين يبرعون في نظم الكلمات وتنميقها برصيد ثر من اللغة والبيان، لكنه عرف طريق الشعر في بحثه عن الحرية، فالشعر عنده أداة من أدوات المعرفة، بل هو سلاح في معركة الشاعر ضد القبح وكل ما يسلب الإنسان عزته وانسانيته. وهنا تكمن المعضلة الأخرى بالنسبة للشاعر، فقد انتمى بمحض إرادته للواقعية الاشتراكية، وكان يمكن لشعره مثل شعر غيره من شعراء هذه المدرسة ألا يخرج عن الهتافية والمباشرة والخطابية، لكن كمالا بوعيه وثقافته وخبرته الجيدة تجاوز هذا الأمر وكتب شعراً تميز بالغنائية والصدق الفني، حيث لا يُعلم الشاعر عن نفسه أو عن ذاته الشاعرة، وهنا ينتمي شاعرنا لرهط من الشعراء الذين كتبوا أجمل الشعر المناضل مثل ناظم حكمت وجيلي عبد الرحمن وعلي عبد القيوم وعمر الدوش ومحجوب شريف. ومن الصعب النظر لتجربة كمال الجزولي بمعزل عن تجربة هؤلاء الشعراء وغيرهم من شعراء الواقعية الاشتراكية. وليس مصادفة أن تكون هناك أكثر من وشيجة بين شعر كمال الجزولي وشعر جيلي عبد الرحمن، فكلاهما اختارا الانتماء للنضال الوطني والدفاع عن الحرية وكلاهما عاشا ردحاً من الزمان في الاتحاد السوفيتي ودرس في جامعاته، وقد كانت هذه التجربة ثرة لكليهما، وماذا يريد شاعر موهوب أكثر من أن ينهل من اللغة الروسية، وينفتح على ثقافات على درجة عالية من الثراء ويتعرف على ابداعات جوركي، وتشيكوف وقوقول وتولوستوي ومايا كوفسكي. وغيرهم من عمالقة الإبداع الروسي.
يحتوي الديوان على قصائد تغطي فترة زمنية تقارب العهود الأربعة، فقصيدة (نشيج منتصف اكتوبر) مؤرخة بعام 1976م، بينما آخر القصائد وهي قصيدة (البغل الأسود في الإبريق) مؤرخة بـ (1970 ـ 1999) ولهذا يمكن القول أن الديوان يعطينا صورة صادقة لتطور شاعرية كمال الجزولي، ولاشك أن تطوراً هائلاً حدث منذ قصائده المبكرة حيث بدأت تجربته في أوائل الستينات من القرن السابق، وكما هو متوقع فتجربة الشاعر في بدايتها لم تكن تخلو من أصداء قراءاته الشعرية، ومثلاً في قصيدة اكتوبر نلمس أصداء شعر محمد المكي إبراهيم خاصة الاكتوبريات، أنظر قول كمال الجزولي: "ثرثرنا/ وتجشأنا/ وتنطعنا/ ما شاء الله لنا ..الخ". في واقع الأمر، ليست أصداء محمد المكي ابراهيم وحده بل عدة أصداء تفرض نفسها على الشاعر خاصة في قصائده المبكرة حين كان في ريعان شبابه وهو يتحسس طريقه في درب الشعر، فنجد أصوات محمد المهدي المجذوب، الشاعر الأثير لكمال، بجانب أصوات محمد عبد الحي، وصلاح أحمد إبراهيم، وهذا أمر طبيعي فعندما بدأ كمال يقرض الشعر كان هؤلاء الشعراء قامات شامخة في سماء الابداع الشعري وكانوا يمثلون بحق النموذج للشاعر السوداني، ولكن كمالا وشيئاً فشيئاً بدأ يتخلص من هذه الأصداء والتأثيرات وصفا صوته واختط لنفسه طريقاً، كل هذا تم بمعاناة ومكابدة وثقة بالنفس واطلاع غزير على الشعر قديمه وحديثه، في مظانه، إضافة لاطلاعه على الثقافة الروسية في لغتها التي أجادها كما ذكرنا، ففي قصائد الديوان خاصة أخريات القصائد لا نجد سوى صوت الشاعر وذاتيته الواضحة بقوة وعفوان، وخير مثال لما نقول قصائد مثل (منفى) و(إيكولوجيا) والقصيدة المدهشة حقاً التي لا أمل قراءتها (هسيس). وفي ظني أن هذه التجربة كتبت عبر تجربة قاسية عاشها الشاعر في مواجهة الموت في المعتقل، أنظر قول الشاعر: "لكنما أخوف ما أخافه/ هو الخوف ذاته/ ذاك الذي إذا أغفلت عنه لحظة/ سرى إلى مسام الروح .. الخ".
هذا التطور الذي أشرنا إليه حدث في أتون تجربة بل تجارب هي عذابات الشاعر حيث عايش اهوال المعتقل، وهذا يؤكد ما أشرنا إليه سابقاً إلى أن شاعرنا لا يكتب أكذب الشعر بل هو يكتب ويصور بصدق تجربته، على عكس كثيرين غيره من الشعراء الذين يؤمنون بأن أعذب الشعر أكذبه دون أن يحترقوا بنار التجربة ودون أن تكون لهم ذرة من الشجاعة والإقدام للجهر برأيهم في وجه الظلم. أمر آخر هو احترام كمال لموهبته والتعامل معها بجدية وصرامة، فهو لا يهدر وقته فيما لا طائل وراءه ويكابد كثيراً في تجويد قصيدته، وقد أشرت لذات الأمر في كلمة لي عن محمد وردي ـ عافاه الله ـ فقد حرص كمال على صقل موهبته بالاطلاع والمثابرة، فملاحظة عابرة على إحالات الشاعر تؤكد لنا عمق ثقافته وسعة اطلاعه؛ فهذه الاحالات متعددة ومتنوعة فمنها مثلاً احالات إلى القرآن الكريم، الفولكلور السوداني، برتولد بريخت، خليل فرح والحلاج. هذه الاحالات تؤشر إلى المناهل التي اغترف منها الشاعر وازدهرت فيها شاعريته، وعلاقة كمال الجزولي بالفولكلور السوداني جديرة بالبحث والدراسة، ويبدو هذا جلياً في توظيف العديد من الأجناس الفولكلورية في قصائده، اضافةً إلى توظيف المفردة العامية ببراعة وذكاء، انظر قوله مثلاً في قصيدة (تحديق عبر الشوك): "وتحزمنا وتلزمنا/ أوقدنا المجمرة الكبرى .. الخ".
انظر كذلك توظيف المثل الشعبي (العين بصيرة واليد قصيرة) في قصيدة (الركوب على ستة جياد). والرجوع إلى الفولكلور أو الموروث التقليدي لا يتم عفواً ولكن لضرورة فنية حتى لا تبدو الاحالة وكأنها مفروضة على النص، وهذا الباب برع فيه المجذوب وصلاح أحمد إبراهيم في الشعر والطيب صالح في الرواية ولهذا ليس غريباً ملاحظة ذات الأمر في إبداع كمال الجزولي فهو ابداع صادق وهو بحق مرآة لعلاقته بهذا الوطن وترابه.
هذه كلمة عابرة حرصت بها على المشاركة في تكريم كمال الجزولي وهو جدير بكل تكريم وحفاوة).

***
إنتهت مقالة مهدي بشرى، وكان كتبها أوان علاقة (شخصيَّة) طيِّبة بيننا! أما الآن، وبعد أن توهَّم أنني السبب (الوحيد) في عدم دخوله اللجنة التنفيذيَّة لاتحاد الكتاب .. لا تعليق، ففي الناس فطانة، ولله في (نقاده) و(أكاديمييه) شئون!

الأحد:
كنا وصفنا (مفاوضات أبوجا)، في لحظاتها الأخيرة ـ أبريل 2006م، بأنها استحالت إلى مباراة في (عضِّ الاصابع!) يخسر فيها من يصرخ أولاً (الصحافة، 6/5/07). ولاحظنا أن فرص الحكومة صارت، فجأة، أكثر اتساعاً، بعد أن انقلبت القوى الدوليَّة لا تكاد ترى سوى (المكافأة) التى وعدتها بها الخرطوم، عبر (بالون الاختبار) الذي أطلقه علي عثمان في بروكسل في مارس 2006م: قبول دخول القوات الدوليَّة (بعد) التوصُّل لاتفاق (السلام)! فلم تتوان، بدورها ، فى إعمال (أضراسها) فى أصابع الحركات عضَّاً، حيث فرصة (التدخل) الوحيدة ، بدون ذلك، هى .. (الغزو) ، على النمط الأفغانى والعراقى باهظ الكلفة!
الحكومة، إذن، أضحت (مسنودة) بعناصر قوَّة إضافيَّة، أهمُّها أن وثيقة (السلام) التي خلص إليها الاتحاد الافريقى، ومن خلفه الميسِّرون الدوليُّون، جاءت، من فوق تلك المستجدَّات، مفتقرة إلى العدالة والنزاهة والتوازن، بإزاء (الحركات) المضغوطة بين مطرقة انقلاب الموقف الدولي، وبالتبعيَّة الافريقي، تجاه مطالب أهل الاقليم، وبين سندان تفاقم أعداد القتلى والجرحى واللاجئين والنازحين! وقلنا إن أخشى ما نخشاه، إذا جُرِّعت (الحركات) تلك الوثيقة الظالمة، وهذا ممكن بالنظر إلى تكاثر (الأضراس) وشراسة (العضِّ)، هو الخروج بـ (سلام) شكلي، يبدِّد فرصة (السلام) الحقيقي، ويهئ الأوضاع للانفجار مجدَّداً، وبأشرس من ذى قبل!
ما كنا نخشاه وقع، بالفعل، حين صرخ مني أركو مناوي أولاً، بينما ظلَّ عبد الواحد محمد نور ثابتاً لا يتزحزح عن موقفه! وللحق، فقد كان ذلك هو موقف الحركات كلها، قبل أن يتنازل مني أركو عن الحق في ضمانات وحدة إلاقليم ، والعدالة، والتعويضات المُجزية، ونزع أسلحة الجنجويد، وتأمين عودة المشرَّدين إلى قراهم، ومنصب نائب رئيس الجمهوريَّة، علاوة على نسبة معلومة من الثروة القوميَّة للتنمية، واحتفاظ الحركات المسلحة بقواتها خلال فترة انتقاليَّة بضمانات ملائمة، وما إلى ذلك. لولا أن (الاتفاق) قد هبط ، للأسف ، بتلك المطالب إلى (مجلس تنسيق) بين الولايات الثلاث ، ومنصب (مساعد) لرئيس الجمهوريَّة ، و(عطيَّة مُزيِّن) يُقال ، تارة ، إنها في حدود 300 مليون دولار ، وتارة أخرى 30 مليوناً ، وتارة ثالثة 100 مليوناً ، أي ما يتراوح بين حوالي 6 دولارات للفرد في أسوأ الاحتمالات ، و60 دولاراً في أفضلها! وبالنتيجة لم يتغيَّر شئ سوى دخول مني أركو القصر، في حين تعرَّضت حركته والحركات الاخرى لانقسامات أميبيَّة. أما في ما عدا ذلك فقد عاد الاقليم ليغرق في توترات الدَّم التي طالت حتى جنود الاتحاد الافريقي الذين جاءوا لحفظ (السلام)! وما (حسكنيتة)، في سبتمبر الماضي، بأول مذبحة، وقد لا تكون الاخيرة!
ومصداقاً لحكمة مستعربي السودان القائلة بأن "النيِّئة للنار!"، فإن نفس وسطاء (أبوجا) عادوا يلهثون الآن من (أروشا)، حيث جرت محاولة بائسة لتوحيد الحركات (الرافضة) بدون عبد الواحد، وإلى (طرابلس)، حيث يتوقع إعادة التفاوض بين هذه (الحركات) وبين الحكومة، مرَّة أخرى، وقبل إقناع عبد الواحد أيضاً، في ما هو معلن حتى الآن على الأقل! ولقد كتبنا في رزنامة 11/9 الماضي أننا مع فتح التفاوض من جديد. لكننا تخوَّفنا من تكرار سيناريو الفشل حال المضي في التفاوض بدون مشاركة عبد الواحد الذي ما زال يتمسك بضرورة تنفيذ بضعة شروط قبل مشاركته، في مقدِّمتها حماية القوات الهجين للمدنيين، وتأمين عودتهم إلى قراهم الأصليَّة، ونزع أسلحة الجنجويد، وتحقيق العدالة والانصاف، قبل التفاوض على المسائل السياسيَّة ، كالاقليم الواحد ، وقِسمة السلطة والثروة ، وما إلى ذلك. وبالحق فإن أطروحة عبد الواحد، في رأينا، عاقلة وعادلة ومستقيمة. أما الحكومة فما تزال تساوم على حقوق الاقليم ومطالب أهله، خاصَّة وهي ما تنفكُّ تهدِّد، صباح مساء، بأنها لن توافق على فتح التفاوض من جديد .. حتى في طرابلس! وبالحق، هل يعقل، لو كانت الحكومة جادَّة، أن تكون موضوعات كتجريد الجنجويد من اسلحتهم، أو مساءلة المجرمين، أو تعويض الضحايا فردياً وجماعياً، أو حمايتهم وتأمين عودتهم إلى قراهم، ضمن أجندة أيِّ تفاوض، بمعنى أن تكون خاضعة للقبول أو الرفض؟!
مع ذلك يبدو لي أن قدرة عبد الواحد على مواصلة التمترس في خندقه قد تؤول إلى تناقص، ليس بفعل قصور ذاتي، وإنما بسبب موضوعي، هو ازدياد واتساع الرأي العام الدولي والافريقي والوطني بأنه ليس ثمَّة مناص من ذهاب جميع الاطراف، وفوراً، وبلا شروط مسبقة، إلى مائدة المفاوضات في طرابلس. القاعدة الذهبيَّة أن ما لا يُدرك كله لا يترك كله! والجهود التي بذلها عبد الواحد، حتى الآن، لم تستطع، للأسف، أن تقنع ما يكفي من المناصرين، في الداخل أو في الخارج، لأطروحته، على صحَّتها. ولعل آخر دلائل هذا المشهد غير المواتي موقف (مجموعة الحكماء) التي زارت البلاد مطلع أكتوبر الجاري، بقيادة القس الجنوبأفريقي ديزموند توتو، وحثها الاطراف كافة، وبإلحاح، على المشاركة في المفاوضات القادمة. وبإزاء واقع موضوعيٍّ كهذا لم يعُد أمام عبد الواحد، في ما يبدو، سوى أن يُعدِّل شيئاً في استراتيجيَّته، بأن يتوجَّه مباشرة إلى طرابلس ليطرح مطالبه العاقلة والعادلة من هناك، وليحاول توسيع قاعدة الاقتناع والقبول بها، ولكلِّ حادثة، بعد ذلك، حديث!

الإثنين:
بعد أن طفح الكيل، قرر الحزب الجمهوري الأمريكي، أخيراً جداً، أن يضع حدَّاً لما (يُشاع) عن غباء جورج بوش، فحشد ثمانين ألفاً من اعضائه في استاد لكرة القدم، علاوة على أجهزة الاعلام المحليَّة والعالميَّة، وجئ بـ (خبير) من الحزب ليمتحن الرئيس.
سأل الخبير بوش وسط هتافات أنصاره:
ـ "كم يساوي حاصل جمع 15 زائد 12"؟!
وبعد تفكير أجاب بوش:
ـ "يساوي 30"!
وجم الخبير، فوجم الاستاد برهة، لكن الثمانين ألفاً ما لبثوا أن صاحوا بصوت واحد:
ـ "إمنحه فرصة أخرى .. إمنحه فرصة أخرى"!
فعاد الخبير يسأله:
ـ "كم يساوي حاصل جمع 5 زائد 6"؟!
ففكر بوش، ثم أجاب:
ـ "يساوي 13"!
وجم الخبير، فوجم الاستاد لحظات، ثمَّ انفجروا بالصياح:
ـ "إمنحه فرصة أخرى .. إمنحه فرصة أخرى"!
فاستجاب الخبير، وسأله للمرَّة الثالثة:
ـ "حسناً! كم يساوي حاصل جمع 4 زائد 4"؟!
حسبها بوش، بسرعة، على أصابع يديه، وألقى بالاجابة مزهوَّاً:
ـ "يساوي 8"!
لكن الخبير وجم ، فوجم الثمانون ألفاً من الجمهوريين، برهة، ثمَّ ما لبث هديرهم أن تعالى يهزُّ أركان الاستاد:
ـ "إمنحه فرصة أخرى .. إمنحه فرصة أخرى"!





#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوريجينال!
- يَا لَلرَّوْعَةِ .. أَيُّ نَاسٍ أَنْتُمْ؟!
- وَمَا أَدْرَاكَ مَا .. حَدَبَايْ!
- كَابُوسُ أَبيلْ!
- غابْ نَجْمَ النَّطِحْ!
- بُحَيْرَةُ مَنْ؟!
- دِيْكَانِ عَلَى .. خَرَاب!
- صُدَاعٌ نِصْفِي!
- كَجْبَارْ: إِرْكُونِي جَنَّةْ لِنَا! - سيناريو وثائقي إلى رو ...
- عَوْدَةُ الجِّدَّةِ وَرْدَةْ!
- الحُرُّ مُمْتَحَنٌ!(صَفْحَةٌ مِن مَخْطُوطَةِ ما بَعْدَ السِّ ...
- طَاقِيَّتي .. التشَاديَّةْ؟!
- كانْ حاجَةْ بُونْ!
- إنتَهَت اللَّعْبَة!
- سَفِيرُ جَهَنَّمْ!
- برُوفيسورَاتُ تُوتِي!
- العَقْرَبَةُ!
- لَكَ أَنْ تَرمِيَ النَّرْد!
- شَمسٌ كَرَأسِ الدَّبُّوس!
- قصَّةُ بَقرَتَيْن!


المزيد.....




- -لغز كبير-.. أثريون هواة يكتشفون قطعة رومانية غامضة بـ12 وجه ...
- بين الأمريكية والصينية.. لمن تميل كفة حاملة الطائرات الأحدث ...
- بي بي سي في جنوبي لبنان: منازل تحوّلت إلى -تلال من الركام-
- جامعة أمريكية توافق على إعادة النظر بعلاقاتها مع شركات مرتبط ...
- السلطات تجلي السكان بعد ثوران بركان جبل روانغ في إندونيسيا ...
- -الانفجار الكبير- ـ آفاق وتحديات توسيع الاتحاد الأوروبي
- الحكم بالسجن 6 سنوات على هاكر سرق بيانات 33 ألف مريض في فنلن ...
- إصابة 55 شخصا على الأقل جراء اصطدم قطار بحافلة في لوس أنجلوس ...
- سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس ...
- لا، جامعة هارفارد لم تستبدل العلم الأمريكي بالفلسطيني


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - النَيِّئَةُ .. لِلنَارْ!