أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - سرير ورقم (12)














المزيد.....

سرير ورقم (12)


نبال شمس

الحوار المتمدن-العدد: 2092 - 2007 / 11 / 7 - 11:59
المحور: الادب والفن
    


التاريخ هو الثاني عشر من الشهر الجاري. حذائي مرسوم عليه رقم (12). سيارتي كُتب عليها ذات الرقم, حتى حامل المفاتيح كان منقوشا عليه هذا الرقم. البناء كان رقم (12) والغرفة رقم (12), وماذا بعد مع هذا الرقم الحقير الذي قرر ملاحقتي اليوم, أصبحت أرى نفسي في هذا الرقم ووجوه الناس والأشجار والسيارات وأعمدة الكهرباء كلها رقم (12), هذا ليس جنون كتابة بل جنون حقيقة وصدفة حدثت معي, فلا اعرف ماذا أقول وماذا أقص على القارئ الذي سيمّل من كلماتي.
عزيزي القارئ - القارئة, وأنا أعرف أن عددكم قليل جدا, ربما أول سؤال يتبادر إلى ذهنكم أثناء قرائتكم للعنوان هو: لماذا نبال اختارت سرير ورقم (12), وما علاقة هذا الرقم بالسرير؟ هذا العنوان ليس من حقي بل أنه ليس لي, انه للأديب الراحل غسان كنفاني, لكن أرجوكم لا تتهموني بالسرقة الأدبية فالصدف هي التي جمعت الأشياء والأمكنة والأحداث. أنا لا أقلد وصعب علي التقليد, اكتب كلماتي بصدق والحروف هي التي تتقاذفني. لا أفتعلها ولا أحب افتعالها, فكيف أن جلست أكتب وأنا كلي دهشة ورهبة وتأرجحا ما بين القول والإحساس.
كنت أمشي وأنا لا أعرف مكانه في المستشفى, مشيت حيث أخذتني قدمي إلى ذات المبنى الذي لم أدخله منذ سنين طويلة, فلست أدري حتى هذه اللحظة ماذا حدث لي, أهو الإحساس والشعور, أم انه هرمون الحاسة السادسة زاد إفرازه عندي وهذا نادرا ما يحدث لي, لكن إحساسي لم يخطئ وأنا كذلك لم أخطئ, بل هو ذاته الذي كان يرقد هناك, فلم يكن أي داع للتبرير في باحات الاستقبال عن مكان وجوده.

سأعود إلى العنوان قليلا, فأنا أعرف باني ألف وأدور, وأعترف بتشتت أفكاري وتخبطي وتخبط حبري مع أناي لكن اعذروني فثمة ارتباط روحي بيني وبين هذا العنوان الذي كُتب فوق نص رائع لأحد الرائعين, فانا اذكر عندما قرأت تلك القصة واعدت قراءتها بكيت من أعماقي. هو العماني ذلك الرجل الفقير الذي جمع شقاء السنين والعذاب والفقر والغربة, هو ذاته الذي جعلني أفعل ما فعلت وأجلس لأكتب نصي هذا.


كنت أتساءل ما الذي ذكرني الآن بذلك السرير الذي أبكاني واحرقني, سرير رقم (12) وما الذي جعلني أفكر بالموت قبل إعلان الحياة, وربما قد لا يكون هناك موتا بل انه مرضا عابرا لكنه حقيرا.
كنت في هذا المكان قبل خمسة سنوات , لم يكن وقتها في الغرفة سرير رقم (12) بل أتيت لعيادة صاحب السرير رقم (10), ومن كان عليه مات وفارق الحياة, ليس تماما كالبطل الفقير الذي كتب عنه الأديب الراحل, لكن الفرق بين موت السرير رقم (10) وموت السرير رقم (12) هو أن العماني في قصة كنفاني مات وحيدا في المستشفى بعيدا عن أهله وعائلته وأطفاله والآخر فارق الحياة وسط ذويه وأولاده دون أي صندوق يحمل شقاء الفقر وعذاب السنين, فربما الأرقام والمكان والموت كلها أسباب مقنعة لتجعلني أتذكر, فأحيانا كم أنا سريعة الاستيعاب والتذكر وأحيانا كم أنا عديمة الاستيعاب.
دخلت الغرفة خائفة ومتصببة بالعرق رغم أن هذا لا يحدث لي في مثل هذه الفترة من الزمن, فكل ما تبدل فقط هي الوجوه التي كانت أمامي والأناس المارين في الأروقة, حتى الممرضات ما زلن هن أنفسهن.
كل شيء كما هو والأسرة ما زالت مرتبة نفس الترتيب. كان راقدا هناك. رقد بهدوء, كان يتكلم ويضحك مع الجميع, وفي مواضيع عدة, فالأمر لم يكن نفس ما تصورت, لكن المكان هو الذي دب الرعب في داخلي والاشمئزاز من الدخول.
وقفت بجانب السرير, قهوتي لم يكن لها أي طعم, فلا طعم للقهوة في تلك الأمكنة ولا طعم للزهور التي يحضرها الزوار بعيادة المرضى. تأملاتي في تلك اللحظات كانت مفزعة, أخذتني إلى العالم الآخر, فرحت أرى الأسرّة فارغة والأرواح تخرج من الباب تاركة أجسادا ضعيفة خلفها, وأنا وحيدة في ذلك المكان رغم أن من تواجد حولي من الناس كانوا يكلموني ويتكلمون مع بعض أو في هواتفهم النقالة, لكني فعلا كنت وحيدة وغريبة, فماذا حدث للمرضى ولأرواحهم, لماذا أراها تطير وتترك المكان, لكني أدرك تجاوزاتي وأدرك تأملاتي. تساءلت إذا كنت أطير مثلهم لكني مكاني اشعر بثقلي على الأرض وقدمي المورمتين من الكعب العالي, فهراء مني وغباء أن أشرك الحاضرين بشعوري وتفكيري في ظروف كهذه, أو عن الصدفة التي ارويها الآن, فالكتمان هو من أسهل الامور في مثل هذه الحالات,فهل سيحدث له كما حدث للعماني وللرجل الذي رقد على سرير رقم (10)؟

مضى الوقت مسرعا, خرجت باردة الأنامل زرقاء الشفتين, لا اعرف ماذا دهاني, ولاين أخذني فكري. وقدرة الاستيعاب والتذكر التي هبطت علي فجأة دون سابق إنذار. العماني يلاحقني في الأمكنة وروايات كنفاني تذكرتها كلها, تذكرت كل ما قرأت له من كتب, لكن من سيصدق ما حدث معي الذي هو شبه هرطقات لا أكثر من ذلك.
وصلت موقف السيارات خلعت حذائي المجنون فالشرطة لا تخالف على قيادة السيارة بدون حذاء, لكنه ذلك الحذاء اللعين الذي جعلني أُمَسمر مكاني وزاد ثقلي على الأرض, فلم أستطع الطيران مع الأرواح المتزاحمة للعبور. رميت حقيبتي من يدي محاولة أن أستوعب الذي جرى, فإذا بي أرى إحدى عشرة روحا تتزاحم ثانية فوق نصي, وصاحب السرير الذي زرته كان ما زال مكانه يضاحك الجميع ويتكلم.



#نبال_شمس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كأنه عبور
- سَرْمَديَّة قَمْرٍ مُعَتَّقْ
- أَزِيْزٌ صَامِت
- سر الذئبة
- المتنبي وألكترا المغايرة في تجاوز الاسطورة 2
- محاولات اعتكاف 2
- محاولات اعتكاف: هو الفيلسوف الراحل كمال جنبلاط أمدّني بكلم ...
- امرأة لا تعرف التقشف
- المتنبي والكترا المغايرة في تجاوز الاسطورة
- الكاتبة نبال شمس في حوار خاص مع جريدة الحياة الثقافية
- ماري والحجاج بن يوسف الثقفي... علاقة تبحث عن إثبات
- عدت حاملة رأسي
- خوله ونبوة المتنبي
- أطواق_الجزء4
- أطواق_الجزء 3
- أطواق_الجزء2
- أطواق- الجزء 1
- أريد الكتابة, لكني لا اريد ان اصبح قاصة , شاعرة او روائية
- صديقتي والمتنبي
- حمامة, هاوية ونص


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - سرير ورقم (12)