أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - ماري والحجاج بن يوسف الثقفي... علاقة تبحث عن إثبات














المزيد.....

ماري والحجاج بن يوسف الثقفي... علاقة تبحث عن إثبات


نبال شمس

الحوار المتمدن-العدد: 1968 - 2007 / 7 / 6 - 08:11
المحور: الادب والفن
    


مصطفى ابن العاشرة جعلني أسال وأخاطب نفسي ثم أجيبها. أفترض الافتراضات، ثم أصدقها، ليس ذكاء منه بل غباء مني لأني أحيانا أجعل غبائي لا يتلاءم مع الواقع الذي أعيشه، فقد قال لي مصطفى مؤكدا كلامه: كنت تخاطبين نفسك"، شعرت أن جملة مصطفى توقفت قبل اكتمالها، فللجملة نصف آخر: "رأيتك عندنا في فناء الدار، كنت تخاطبين نفسك أيتها المجنونة الغبية". مصطفى لم يقل: المجنونة والغبية، لكني شعرت أن عيونه قالت ذلك.
كلام مصطفى جعلني أعود إلى أحد النصوص، التي تركتها منذ شهور، عندما ضاعت مني الفكرة، فبعد أن تبلورت في اللاواعي، فقدتها كمن يفقد قطعة من رؤيته. هذا الأمر يحدث لي كثيرا وهو ليس مرضا، بل تخبطا ً أمر به في بعض الأحيان، وكثيرا ما امتزج معه إلى حد التجاوز عن اللامعقول، فتراني ابحث عن الجنون، لا الجنون يبحث عني. وعندما تعود الفكرة أجد نفسي أهذي ثانية بين عوالم خيالية أخترعها لذاتي كي أسكب فيها حبري المجنون.
حاولت مرة الرجوع إلى نصي، فوجدت نفسي أتنقل بين ثناياه عارية الفكر والفكرة، كأني أقف في مكان لا أرض له ولا سماء. فلا من عتب ٍعلي وأنا أمارس مهنة التعليم لأطفال لا حولَ لهم ولا قوة سوى أنهم ولدوا كما ولدوا، فكيف كنت سأجمع الحجاج بن يوسف الثقفي مع عالمي الباطني، وعالمي يرفض العنف بكل أشكاله، فإدراكي بأني تائهة الفكرة ومعزولة الزمان والمكان، هو أحد الاعترافات التي تجعلني أكتب وتجعلني أعود لنصي هذا وأجمع الحجاج بن يوسف الثقفي مع ماري ابنة الثالثة عشرة، فأي تحول هذا الذي جعلني أتناقض إلى حد الثمالة، بأن أكتب عن ماري وعن الحجاج في آن واحد.
ماري أعادتني إلى الحجاج أو ربما الحجاج أعادني إليها. الحجاج صاحب الخطابات والسيف حاد الرأس، وماري الطفلة صاحبة الثغر البخيل الكلام، يكاد لا يتفوه بالحرف، فمن جهة الحجاج وسيفه ومن جهة أخرى ماري ولسانها المتلعثم وأناملها الناعمة وعيونها الشاردة.
كان ذلك عندما رأيتها للمرة الأولى في قميص نومها الأبيض الباهت اللون. وقتها كلمتني رغما عنها، وبرعت في جمع الاختصارات وتقصير الكلمات والجمل، تلك الأنثى التي ما زالت مشروعا أنثويا يبحث عن الكمال، وصوتا خافتا يبحث عن الضوء، لكنها صاحبة نَفَس طويل يرعى تسعة أخوة ووالد وأم غائبة عن البيت.
دخولي إلى بيتهم كان بحجة السؤال عن شقيقها مصطفى، بعد غيابه المتكرر والمتتالي عن المدرسة بدون سبب يذكر. كنت أعرف أن عائلة مصطفى تعاني من وضع اقتصادي صعب. والده عاطل عن العمل، وأمه تشتغل في البيوت أحيانا، وفي الزراعة عندما يحين موسم قطاف الفاكهة الصيفية كالخوخ والمشمش وغيرها. أما عدد الأشخاص في بيتهم فقد فاق مساحة البيت نفسه. هذا ما عرفته عن مصطفى، لكن عن ماري لم أكن أعلم شيئا سوى أنها أخت لمصطفى.
كان الوقت التاسعة صباحا عندما قرعت الباب طويلا دون أن أتلقى أية إجابة، ربما لم يسمع أحد ٌ دقاتي بسبب ضجيج الأطفال وبكائهم الذي انبعث من داخل البيت، لكن رغم الضجة صممت أن أقابل ماري أو أقابل أحد الوالدين. بعد مرور وقت ليس بقصير فُتح الباب وأطلت ماري بشعرها القصير المجعد وعيونها المتعبة، وقميصها الأبيض الباهت اللون ذي الأكمام الطويلة جدا، ظننته قميصا لوالدتها.
ألقيت عليها تحية الصباح وسألتها عن مصطفى الذي شعرتُ بأنه في الداخل يستمع إلينا. كانت ماري مرتبكة وشاردة، وكلما ناداها صوت والدها يستعجلها كانت تعلو تقاسيم وجهها تكشيرة فيها اشمئزاز.
ماري كانت تستمع إلي، وتنصت للداخل، وتتطلع في الطفلين اللذين أمسكا بذيل ثوبها، فلم يكن لديها متسع من الوقت لتجيب أحدا، كأنها كانت تقف على قدميها بدون خاطرها. ظننتها خرساء لكنها لم تكن خرساء.
سألتها عن مصطفى وعن والدها وعن أمها، لكن الإجابات كانت متقطعة وغير كاملة مع إيماءات بسيطة في رأسها... نفت فيها وجود أحد ٍ في البيت.
دخلت ماري وأقفلت الباب بقدمها.
مضيت إلى الشارع ناسية إلى أين كنت سأذهب : هل سأذهب للمدرسة...
أعود للبيت، أو إلى مكان آخر؟
مضيت وحدي، اكلم ذاتي، فكم أردت أن أتعرف عليها أكثر وان أكلمها أكثر وأعرف تاريخها، فبخلها بالحروف لم يكن عمدا بل كان مكونا من عدة أمور متشابكة مع بعضها: الخوف، الارتباك، الملل، التعب والضغط أو ربما القرف.
ماري ابنة الثالثة عشرة حملت في عيونها الغائرة كل تلك الامور، فماذا إذن حملت في قلبها وفي عقلها وفي تاريخها ؟ لقد أثارت في داخلي ثورة هامدة وخامدة وأسئلة ثائرة ومتمردة، فبدل أنْ تكون على مقاعد الدراسة أو بين أكشاك الحلويات والمسليات مع صديقاتها، تقبع في البيت تشتغل أما ً وخادمة، وطباخة ومربية وراعية لوالدها.
مصطفى ما زال ينظر إلي باستغراب وعلى وجهه بسمة خبيثة ممزوجة بنصر طفولي، حمل قليلا من الخبث، فجملته ما زالت في أذني تسابق وقتي وتفكيري وحبري."رأيتك عندنا في فناء الدار، كنت تخاطبين نفسك". حدثت نفسي. بحثت عن مصطفى. فتشت عن ماري. كل ذلك لأجد الحجاج الذي ما زال يسكن بيننا.
آه ما أقسى قلبي على ماري، وما أقسى عودتي إليه والى عنفه، فقد أصررت أن أبقيه بين أوراقي وبين حروفي رغم عزمي بأن أتجرد منه ومن عنفه ومن سيفه، لكن فضولي باكتشاف علاقته بماري جعلني أبقيه كي أجد الإثبات بأنه ما زال حيا.
نصي التائه جعلني أخرج وأبحث عن الحجاج لا عن مصطفى، لكني وجدت نفسي أعود إلى أوراقي لأبحث عن علاقة ماري بالحجاج بن يوسف الثقفي، فهي أعادتني إليه، أو ربما الحجاج أعادني إليها.



#نبال_شمس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدت حاملة رأسي
- خوله ونبوة المتنبي
- أطواق_الجزء4
- أطواق_الجزء 3
- أطواق_الجزء2
- أطواق- الجزء 1
- أريد الكتابة, لكني لا اريد ان اصبح قاصة , شاعرة او روائية
- صديقتي والمتنبي
- حمامة, هاوية ونص
- كوني كما أنت
- علميني ما لا تعلمين
- الدخول من النهاية
- محاولات للتعالي عن أناها
- لغة الروح
- رثاء لرجال الثامن من اذار
- هل أنا ميتة فعلا؟؟
- ثلاثة ذكور من ضلع امرأة
- عشرة رسائل قصيرة, وثرثرة نسائية غير محمودة
- تداخلات وانتظارات
- جاك، جوليبير وحمار جحا


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - ماري والحجاج بن يوسف الثقفي... علاقة تبحث عن إثبات