|
ويظل الغناء للمدينة مستمرا
حسين ابو سعود
الحوار المتمدن-العدد: 2067 - 2007 / 10 / 13 - 01:49
المحور:
الادب والفن
يجلس بين الملل والرتابة ، وبين الشوق والحنين ، يبحث في جدران المنفى عن جدران بيته القديم ، فلا يجد سوى الصمت والالم والمرارة ، كان ينكر صلته بالنظم والقوافي الا انه كان يبكي شعرا عذبا ، ومن اقواله وهو يكابد السهد والسهر الطويل : من قال ان الماء هو الماء، وان الهواء هو الهواء ، من قال ان التراب هو التراب وان التفاح هو التفاح ، فتفاح بلدي احلى الانواع . يتذكر الايام الخوالي ودفء الاسرة وحرارة اللقاءات ويذكر حتى المجانين في مدينته : المجنون شئ والهبيل شئ اخر ، كان ( جمعة ) بائع الخضار يحبني ، ويرتاح لصحبتي ، وكان يشايع عليا في الخفاء ، غير انه كان يُرمى بالجنون . خرج الى العالم الارحب لعله يجد له مستقرا ويجد له عملا في الفنادق او في خطوط الطيران او في السفارات ، في السفن او في الموانيء والمطارات ، لقد كان يحب البهرجة والسفر غير انه وجد نفسه يتنقل في المقاهي والمطاعم والبارات يغسل الصحون وينظف الطاولات . في ليل الغربة ينتابه بين الفينة والفينة شعور غريب ، يخيل اليه انه جائع او يشتهي شايا او سيجارة او خمرا او حبة منومة ثم يكتشف الحقيقة بانه لا يريد سوى امراة ووطن او وطنا وامرأة . لم تعد الصداقات العابرة تبهره معتقدا بان احلى الصداقات تولد في المستشفيات والسجون واقواها ما كانت منذ الطفولة ، مضى على تغربه ربع قرن من الزمان ، كبر بما فيه الكفاية ولم يشأ ان يقاتل ليسترد الوطن المسلوب ، فالسالبون اهله والظالمون اهله وكان يقول رحم الله ايام الاستعمار . وفي سؤال عن ما هو الوطن ؟ اجاب : الوطن هو الغنى والاصدقاء والامان فالوطن ليس التراب . يذكر كيف كان يتمنى ان تكون له دراجة يذهب بها كل يوم الى الحديقة ومعه ورقة وقلم وكتاب ، ليبتعد عن العمارات السكنية والاوساخ ، انه يعشق الحدائق . يريد ان يكتب شعرا عن مدينته ، ليس عنده وطن وليس عنده اصدقاء ، يعشق الفنادق الكبرى ، تقتله حركة الالوان فيها ، بلغ الاربعين ، غزا الشيب مفرقه ، لم يعرف حلاوة الزفاف ويجهل رائحة الحناء وبريق خاتم الخطوبة ، لايعرف ان الاطفال يمرضون ، وان المراة تنتابها حالات خاصة اثناء الدورة الشهرية ، انه لم يتزوج بعد ، ويعجب كيف يتزوج الناس واين يجدون زوجاتهم . كفر بكل الفلسفات وبكل الفلاسفة وصار لا يحب من يتعصب لدين او مذهب او من يروج لحزب او جماعة وصار يميل الى المتمردين فقط . كان اذا سمع صوت طبل او مزمار واناس يرقصون يتكئ على حرمانه وينظر اليهم من النافذة بنهم ويتعجب : كيف يزف العريس ؟ وكيف تتحلق حول العروس مئات النساء ، كيف جمع العروسان كل هذا العدد من الاقارب ومن اين أتى بالاقارب ؟ قلت له ماذا تقرأ غير الجرائد والمجلات ، فنصحني ان لا أقرأ الكتب الثقيلة والتاريخية والدينية ، وطلب مني ان اقرأ دواوين الشعر التي كتبتها النساء كي ترق النفس واتعلم كيف اكون طيبا وكلفني ان ابلغ هذه النصيحة للاخرين من كل الجنسيات . كل المدن لها عشاق من ابنائها ومن غير ابنائها ولكل مدينة نكهة ولكل نكهة لذة ولكل لذة رعشة ، رأيته بام عيني وهوينتفض وهو يذكر الكوفة والبصرة ويذكر حرارة الجو ويمسح عرقه البارد الذي بدا حول انفه كقطرات ندى او كحبات البلور . وقبل ان ينهي غناءه وقبل ان ينفض مجلس البوح يمم شطر الوطن فحنّ كالراهب وشكا وأنّ له وبكى ثم سلمني قارورة من تراب . معادلات : حياة – امرأة ووطن =عذاب عذاب + فقر + خوف = موت مات من مات وانا بانتظارك تمتد بي الاعمار وسكت كل مافي الليل البهيم ، الا الحب الذي في داخلي فانه مازال يضحك ويبكي ويغني ، ويظل الغناء للمدينة مستمرا .
#حسين_ابو_سعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غبار على رسائل الغرام
-
المرأة تحكم العالم
-
حرب بلا راء
-
ما اقل الزاد واطول الطريق
-
انتحاريون ولكن شرفاء
-
فن قلب الحقائق
-
سجين في حي سكني
-
قرصان ماليزيا
-
الطفل العراقي ... وقفة عاطفية
-
لا (عراق ) في غوغول
-
مختصر تفاصيل الزمن المتوقف
-
الشعراء والموت في الغربة
-
دم الرضيع ما زال في الفضاء
-
العلاقة بين الاعراب والتشريح
-
انتظروني بعد منتصف الليل
-
عرس داقوق
-
المتعبون وموسم العودة
-
المقاطع الاخيرة من صهيل التعب
-
كركوك ، فلا أكف عن مغازلتها ولا هي تتمنع
-
عندما تموت الاغنية على شفاه النهر
المزيد.....
-
روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي
...
-
طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب
...
-
الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو
...
-
الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض
...
-
الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة(
...
-
شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و
...
-
في وداعها الأخير
-
ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
-
عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني
...
-
شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|