أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ابراهيم البهرزي - لن تكون الطفولة بانتظارك دائما ايها الغريب














المزيد.....

لن تكون الطفولة بانتظارك دائما ايها الغريب


ابراهيم البهرزي

الحوار المتمدن-العدد: 2057 - 2007 / 10 / 3 - 11:02
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


هناك فترة من العمر يكون الالتصاق فيها بالمكان على اشده ,هذه الفترة اما ان تكون في اول الصبا او باول عهد الكهولة ,في هذين الزمنين يكون الانسان اما مقبلا على الحياة اقبال العطاش على كؤوس الماء ,او مسترخ استرخاء الريان بعد هنيء الشراب ,وفي هذين العمرين تكون الغربة مرهقة للروح جدا ان جاءت في اوجهما ,,
غير ان الغربة تكون اسهل جدا خلاف هذين الوقتين ,في مرحلة ما بعد العشرين الى ما قبل الاربعين حين تكون الروح والجسد منفتحين جدا على الرغبة بالمغامرة...
وصديقي الذي هاجر في اول الصبا وعاد بعد قرابة ثلاثة عقود بعد ان كنا قد كرعنا معا, باول الصبا, زماننا ومكاننا الى ثمالة نشوته ,عاد وبذاكرة كلب بوليسي يتشمم اثر المكان ويسائلني عن التفاصيل ويحرجني بالسؤال عن متى وكيف واين ,انها اشياء متجلدة في ذاكرة المهاجر لكنها مائعة -لو يدري -في ذاكرة المقيم !
على العكس مما كنت اظن كانت ذاكرته امينة لادق التفاصيل واتفه الملامح وقد كنت احسب ان انفتاح الانسان على جغرافيا اكثرسعة وتلاوينا من ذاكرة النشاةالاولى قد تمسح عن ذهنه مفكرة التفاصيل السابقة .
كان مزعجا بالحاحه على السؤال عن لحظة زوال تلك الاشياء وكان يصرخ كالطفل كلما اقتربنا من مزارات الطفولة الاولى وكلما لاحظ اندثار واحد من معالمها التي يستعيد ,وباسى ودهشة الطفل يصرخ :اين؟ متى؟كيف؟
في الحقيقة كنت اتسائل بسري مثله وكانني لم اكن حارسا للمكان وشاهدا مستديما على الزوال ,فقد اكتسب عندي غياب الاشياء لباس العادة ومر بروح اللامبالاة المعهودة التي تتلبس كل الاشياء المتكررة الحدوث في روتين حياتنا الشرقية الدوار .
كانت هنا محطة قطار اين ذهبت؟ كانت هناك اشجار يوكالبتوس هائلة الحجم ماذا حل بها؟كان هنا نهر صغير من سرقه؟
انتبهت الى انه ربما يكون متوهما وربما هو يحدثني عن مكان اخر غير ربيع طفولتنا المهاجر ذاك ,وخجلت ان استفسر منه عن هذا الامر ,ولكن ربما ..نعم ,هنالك اطياف تعبر ذاكرتي مما يقول ,نعم نهر ولكن هل هو نفس النهر الذي يتحدث عنه ؟ومحطة قطار ايضا لا اتذكرها حقا غير انني اتذكر صفير قطار ! واشجار يوكالبتوس اتذكر ظلالها الهائلة ايضا ولكن اين؟
حين نترك الاشياء الجميلة والقريبة للقلب ,اعني حين نهجرها قسرا فانها ستواصل المرور كل ليلة على ذاكرتنا وغالبا ما تمر ونحن نيام فلا نشعر بالانزعاج من الحاحها على الزورات ,ولكن حين نبقى نعايشها واقعا -مثلي انا لا مثل صديقي- تبدا بالشحوب شيئا فشيئا بل تبدا بالانسحاب من عموم حياتنا دون ان تترك احيانا اقل الاثر ,وهذا ما يفسر تقاطع ذاكرتي مع ذاكرة صديقي المهاجر الى ان نصل الى تخوم نظن بعدها اننا نتحدث عن مكانين مختلفين وان كانا في الواقع هما نفس المكان ...
اليس مؤلما هذا الاغتراب الذاكراتي الذي تصنعه المنافي بطفولاتنا ؟ثم ماهي قيمة المكان كذكرى (جميلة او حزينة )ان لم يشاركك بها احد ؟
اذهب وتامل لوحدك في ما تشاء من صور مرسومة ليس لها في الواقع وجود ,اذهب و (عش!)كل لوحات السورياليين كحياة شخصية ...ولكن مع من ستستذكرها؟!
ان نشوة الاستذكار مع احد حول المكان -لا المكان بذاته -هو ما يصنع السرد الدافيء ,وان حياتنا ان هي الا مجموعة سرودات دافئة يحكيها راوية لراوية في لحظات الوحشة ,وما اكثر ها من لحظات!
ويعود يصرخ بصوته الذي يشبه عياط الفاجعة :
اين المحطة ؟ ها ! محظة القطار ؟ها! الا تذكر ,الجنود يركضون خلف القطار ! القطار الذي كنا نرد على صفيره بصفيرنا ؟ ها! الا تعرف كيف رفعوا السكة من هذه الارض ؟ ولا متى ؟ الا يحزنك هذا ؟ كيف حدثت تلك اللحظات وانت هنا ,امامك ؟! الم تقل لهم لا ؟ ليس عدلا ان تصمت ! انها محطة قطارنا .قطار الطفولة الذي يصرخ ...ووووو...وووو....ووووو...وووو
لا محطة ,كما ترى -هكذا سارد عليه بهدوء تماما -لا محطة على الاطلاق ,وبالطبع فلا قطار ,وبالتاكيد لا شيء سيصفر بعد في هذه الانحاء ,كما انني لا استطيع تذكر اللحظة التي قلعوا فيها سكة القطار بالرغم من انني وكما تعرف امر يوميا من هنا ,ولكن ربما كنت في الوقت الذي كانوا يشلعونها فيه من الارض .ثملا مثلا ! او ربما كنت اتسكع هنا قرب المحطة مع احداهن ,وفي هذه الحالة لو كان القطار ملك ابي فانني بالتاكيد لن اساءل من يقلعه عما يفعل ,وانتبه لشيء ,وحيث انني مطمور هنا وبقيت طوال عمري لا اشاهد الا قطارك الحقير هذا ,فانه لم يعد يعني لي اكثر من حشرة طويلة من الزواحف ,القطار الذي فلقتني بعياطك عنه ليس هو القطار الذي اتحدث عنه انا ,انظر ,في هذه الحكاية هنالك قطارين ,هذا ان لم تكن ثلاثة قطارات ,قطار غربتك الذي لا اعرفه ابدا وقطار مكوثي هذا الذي قلعوه ولا تعرف انت عنه شيئا ابدا ,وربما يكون هنالك قطار اخر نعرفه معا هو قطار الطفولة والطفولة لن تظل بانتظارك ايها الغريب ,وها هي ترحل عنك الان كما رحلت عني ذات يوم ,وربما كانت ستبقى معك لو انك لم تعد ولكن طالما انك عدت ورايت فلا طفولة لك بعد هنا ..
سيبكي الغريب ,اكيدا سيبكي
الغربة مجرمة ,هاهي تبدد الطفولة ,هاهي تبدد المغترب والمقيم معا ..يا للوعة الغرباء!



#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نكته يا محسنين .....نكته لخاطر العراق الحزين!
- قرار التقسيم الغير ملزم ..متى يغدو ملزما؟
- اعاقون نحن ...ام ان لنا وطناعديم الشفقة؟
- باتجاه مؤسسة الحوار المتمدن....اراء وملاحظات
- كبير البلدة...درس فطري في الكاريزما الشعبية
- الكوليرا في زمن الحب ....الكوليرا في زمن الكراهية
- العقائديون والغرام....وهكذا كما ترين يا حبيبتي, كل تراكم كمي ...
- ماركس لا يلعب النرد....الطبقة العاملة العراقية راس الرمح لمو ...
- قصائد
- ابشري يا بلاد الفرنجة ..لقد ارسلنا لك فاتحين لا مهاجرين
- العراقيون والرحيل المبكر....حكاية غرام
- اسمك الفرد...لا قبله ولا بعده
- عن الكتابة ايضا ...مشاعية الكتابة غاية الحضارة والتمدن
- القراء الاصحاء هم عماد الثقافة ..لا المرضى من كتبتها
- يوم القارعة....امريكا ماذا فعلت بنفسك؟
- دعوة لتجمع وطني عراقي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين ومقاومة الت ...
- دموعها في خريف النظر
- الاحتماء بالجنون....المجنون السياسي محكوما-3
- الاحتماء بالجنون...المجنون السياسي حاكما-2
- الاحتماء بالجنون..التداول السلمي للجنون بين الحاكم والمحكوم- ...


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ابراهيم البهرزي - لن تكون الطفولة بانتظارك دائما ايها الغريب