أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - المرأة الحلم في شعر المتنبي















المزيد.....

المرأة الحلم في شعر المتنبي


ثائر العذاري

الحوار المتمدن-العدد: 2032 - 2007 / 9 / 8 - 06:55
المحور: الادب والفن
    


على الرغم من الحضور القوي للمرأة في ديوان أبي الطيب المتنبي ، فإن من ترجموا لحياته لم يستطيعوا الإتيان بأية معلومات نافعة عن المرأة في حياته الحقيقية، فنحن لا نعرف على وجه التحقيق الا امرأتين ، هما جدته لأمه ، وزوجته (أم محسّد)، وحتى تينك المرأتين لا نعرف عنهما أي شيء محدد ، فالأولى عرفناها بعد موتها ، من خلال المرثية الخالدة التي رثاها بها:

ألا لا أرى الأحداث حمدا ولا ذمّا فما بطشها جهلا ولا كفها حلما

وأما زوجنه فنحن لا نعرف عنها شيئا لولا الأخبار التي تواترت عن أن المتنبي كان له ولد أسماه محسّدا ، وأنه قتل معه يوم داهمه فاتك الأسدي في دير العاقول.
ان اغفال كتب التراجم ذكر نساء كان لهن دور في حياة شاعر عالمي عظيم مثل المتنبي يرشح احتمال أن تكون المرأة التي احتلت صدور قصائد أبي الطيب ليست الا امرأة المثال أو الحلم الذي بحث عنه طيلة حياته وربما لم يجده أبدا، وثمة أبيات في ديوانه ربما تكون تعبيرا عن هذا المعنى:

أَبلى الهَوى أَسَفاً يَومَ النَوى بَدَني
وَفَرَّقَ الهَجرُ بَينَ الجَفنِ وَالوَسَنِ

روحٌ تَرَدَّدُ في مِثلِ الخِلالِ إِذا
أَطارَتِ الريحُ عَنهُ الثَوبَ لَم يَبِنِ

كَفى بِجِسمي نُحولاً أَنَّني رَجُلٌ
لَولا مُخاطَبَتي إِيّاكَ لَم تَرَني



فمنذ صبا الرجل كان باحثا عن إمرأته النموذج الذي كان يتشوق الى لقياها من غير أن يستدل عليها ، وفي هذه المقالة نحاول تلمس صفات هذه المرأة الحلم ورسم صورتها من خلال شعره.
تقدم المقدمات الغزلية في شعر المتنبي صورة لا بأس بوضوحها لتلك المرأة، مثل قوله في إحداها:

وهل أنا بعدَكُم عائشٌ
وقد بنتَ عنّي وبانَ السكَن

فدى ذلكَ الوجه بدرُ الدجى
وذاك التثنّي تثنّي الغُصُن

فما للفراق وما للجميع
وما للرياح وما للدِمَن

كأنْ لم يكن بعد أن كان لي
كما كان لي بعد أن لم يكُن


لا يذكر المتنبي أوصاف المرأة الا بعد أن يذكر الفراق المر ، والهجر الأليم ، حتى لنشعر أنه لم يحظى بوصالها أبدا، وفي هذه الأبيات فعل الشيء ذاته ، فهو يرى أن حياته كالموت في فراقه مع حبيبته التي ركز في البيت التالي على رسم صورة خارجية لها ، فهي ذات وجه كالبدر وقوام رشيق كالغصن.
وهنا لابد أن ننبه الى أن الذائقة العربية لم تكن تصف الحبيبة بالرشاقة بل كانوا ينجذبون الى المرأة الخاملة بسبب امتلاء جسمها ، والمتنبي هنا يقدم صورة حبيبته مختلفة عن الذائقة السائدة.
وفي البيت الأخير الذي بناه الشاعر بناءً معقدا يكاد يصرح بأن هذه الحبيبة ليست الا حلما في خياله ، فهي له قبل أن تخلق ، وهي ليست له بعد أن خلقت.
وفي قطعة أخرى يقول:

نَرى عِظَماً بِالبَينِ وَالصَدُّ أَعظَمُ
وَنَتَّهِمُ الواشينَ وَالدَمعُ مِنهُمُ

وَلَمّا اِلتَقَينا وَالنَوى وَرَقيبُنا
غَفولانِ عَنّا ظِلتُ أَبكي وَتَبسِمُ

فَلَم أَرَ بَدراً ضاحِكاً قَبلَ وَجهِها
وَلَم تَرَ قَبلي مَيِّتاً يَتَكَلَّمُ

ظَلومٌ كَمَتنَيها لِصَبٍّ كَخَصرِها
ضَعيفِ القُوى مِن فِعلِها يَتَظَلَّمُ

بِفَرعٍ يُعيدُ اللَيلَ وَالصُبحُ نَيِّرٌ
وَوَجهٍ يُعيدُ الصُبحَ وَاللَيلُ مُظلِمُ

هذه الأبيات تقدم مزيدا من الصفات ، ولكن لابد من الملاحظة الابتداء بذكر الفراق (البين)، وهنا يعود أبو الطيب لتشبيه الوجه بالبدر، غير أن من النافع أن نلاحظ المقابلة الجميلة بين وجه الحبيبة وحاله هو ، فبينما تتألق هي بدرا ضاحكا، كان هو ساكنا غير قادر على الاستجابة (ميتا يتكلم) لوقوعه بين نار القرب مع العفة، ونار الفراق مع الشوق.
ويبني الشاعر في البيت الرابع وصفا معقدا له ولحبيبته اعتمادا على جملة واحدة عجيبة، فهذه الحبيبة ظالمة لحبيبها بهجرها له وظلمها يشبه ظلم متنها الثقيل لخصرها النحيل، أما حبيبها فلا يملك الا الشكوى من الظلم كحال خصرها الذي يتثنى من ظلم متنها.
وفي البيت الأخير نجد أنفسنا أمام مقابلة وصفية أخرى ، فأنت ترى في وجه هذه الحبيبة الليل والصبح معا ، لشدة سواد شعرها الذي يحاكي الليل ، وشدة بياض وجهها الذي يحاكي الصبح.
وقال أبو الطيب في قصيدة أخرى:

دِيارُ اللَواتي دارُهُنَّ عَزيزَةٌ
بِطولِ القَنا يُحفَظنَ لا بِالتَمائِمِ

حِسانُ التَثَنّي يَنقُشُ الوَشيُ مِثلَهُ
إِذا مِسنَ في أَجسامِهِنَّ النَواعِمِ

وَيَبسِمنَ عَن دُرٍّ تَقَلَّدنَ مِثلَهُ
كَأَنَّ التَراقي وُشِّحَت بِالمَباسِمِ

في هذه الأبيات يقدم لنا الشاعر وصفا للمكانة الاجتماعية للمرأة الحلم ، فهي ليست امرأة عادية ، بل تقيم في قصر يحرسه فرسان ضخام يدل على ضخامتهم وقوتهم طول أسيافهم، وهي امرأة مترفة وصف نعومة بشرتها في البيت الثاني ، فالوشي أو النقش في ثيابها يترك أثرا مثله على بشرتها حين تسير ، لرقة تلك البشرة. وهذا طبعا لا يكون الا لامرأة من طبقة مترفة مرفهة.وأوضح ذلك في البيت الثالث فهذه المرأة تتمتع بأسنان جميلة معتنى بها حتى انها تشبه الدر الذي تتقلده في جيدها، وهو هنا يصل الى هدفين بجملة واحدة ؛ وصف مفاتن حبيبته ووصف منزلتها التي دل عليها الدر الذي تتقلده.ويرد هذا المعنى في مواضع كثيرة من ديوانه ، غير أن من الأبيات الجميلة التي يصل اليه من خلالها كما يعبر عن أنوثة الحبيبة الحلم قوله:

وَأَرى تَدَلُّلَكِ الكَثيرَ مُحَبَّباً وَأَرى قَليلَ تَدَلُّلٍ مَملولا

والمتنبي بعد ذلك لا ينظر الى تلك الحبيبة النظرة البدائية الشهوانية التي كانت تطبع علاقة الرجل بالمرأة في عصره ، بل هو يصور حبه تصويرا جميلا بحيث يعطيه معنى روحيا يرتفع على مفاتن الجسد وشهواته:

إِلامَ طَماعِيَةُ العاذِلِ
وَلا رَأى في الحُبِّ لِلعاقِلِ

وَإِنّي لَأَعشَقُ مِن عِشقِكُم
نُحولي وَكُلَّ اِمرِئٍ ناحِلِ

وَلَو زُلتُمُ ثُمَّ لَم أَبكِكُم
بَكَيتُ عَلى حُبِّيَ الزائِلِ

أَيُنكِرُ خَدّي دُموعي وَقَد
جَرَت مِنهُ في مَسلَكٍ سابِلِ

ليس هذا النوع من الغزل من الأنماط العربية الشائعة، فهو هنا يرتفع تماما فوق الشهوة الجسدية ليحلق في عالم رفيع من الحب الشفاف الذي ليس للعقل سلطان عليه والذي يجبر المحب على البكاء في كل أحواله.



#ثائر_العذاري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة الاديبة والرجل (المثقف )
- (أنا) الجواهري
- القصيدة المؤنثة. . لميعة عباس عمارة
- قراءة جديدة في (غريب على الخليج)
- فانتازيا الحقيقة في شعر فاطمة ناعوت
- إيقاع النثر
- تأملات في الصورة الشعرية
- الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية(11) الشفاهية و ...
- الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية(9) الشفاهية وا ...
- الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية (10) الشفاهية ...
- الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية الحلقة (8) تجم ...
- صورة الرجل في نصوص رحاب الهندي
- الاعتراف بالأدب النسوي
- زاوية النظر والبداية في القصة القصيرة
- الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية (7) الشفاهية و ...
- أسلوب الكولاج في شعر سعدي يوسف
- وظائف البداية في القصة القصيرة
- الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية (6) الشفاهية و ...
- الأفعى والتفاحة . . موضوعة الجنس في الأدب النسوي المعاصر
- فن البداية في القصة القصيرة


المزيد.....




- نزلت حالًا مترجمة على جميع القنوات “مسلسل المؤسس عثمان الحلق ...
- دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
- عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما ...
- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...
- تراث متجذر وهوية لا تغيب.. معرض الدوحة للكتاب يحتفي بفلسطين ...
- -سيارتك غرزت-..كاريكاتير سفارة أميركا في اليمن يثير التكهنات ...
- -السياسة والحكم في النُّظم التسلطية- لسفوليك.. مقاربة لفهم آ ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - المرأة الحلم في شعر المتنبي