أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - مصطفى حقي - (6-7) شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة - السفر الأول- محمد والصحابة ..؟















المزيد.....


(6-7) شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة - السفر الأول- محمد والصحابة ..؟


مصطفى حقي

الحوار المتمدن-العدد: 1998 - 2007 / 8 / 5 - 11:28
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


الأصدقاء
... الصداقة مشتقة من الصدق ، وبذلك فإن الصديق هو من يصْدُق في مودتك ويصدقك الحديث ويعرّفها الراغب الأصفهاني بأنها( صدق الانقياد في المودة )(23) وهي المخالّة(24)وهي مختصة بالإنسان دون غيره(25) لأنّ الصديق(هو الذي لم يدع شيئاً أظهره باللسان إلا وحققه بقلبه)(26) وهو الصاحب الصادق الود(27) ولأبي حيان التوحيدي كتاب عن ( الصداقة والصديق) وصف فيه الصداقة وصفاً بليغاً :( الصداقة ...على كرم العهد، وبذل المال وتقديم الوفاء وحفظ الزمام وإخلاص المودة ورعاية الغيب ، وتوفر الشهادة ورفض الموجدة(=الغضب) وكظم الغيظ واستعمال الحلم ومجانبة الخلاف واحتمال الكًلّ(=الضعيف واليتيم وذي المصيبة) وبذل المعونة وحمل المؤونة وطلاقة الوجه ولطف اللسان وحسن الاستنامة والثبات على الثقة والصبر على الضراء والمشاركة في البأساء)(28) ويرى أن (الصديق لكل شيء للجد والهزل وللقليل والكثير ولا عاذل عليه ولا قادح فيه وهو روضة العقل وغدير الروح)(29) ونلاحظ في هذه التعريفات المتعددة انتصاب قدر من المشاكلة بين الصديقين ، وهذه علة استبعاد إطلاق هذا الوصف على أتباع محمد الأولين
فضلاً عن عائق اجتماعي أو عُرفي(من العرف)وهو وجود عدد كبير من النسوان بين الصحبة والمجتمع العربي (الاعرابي والبدوي بنسبة كبيرة) البدائي لحد وسيع ، البطريركي الذكوري في ذلك الوقت، يستنكف قيام علاقة صداقة بين الرجل وامرأة بالإضافة إلى غلبة النظرة الجنسية إلى المرأة ولذا يكثر وصف النسوة بأنهن حبائل الشيطان ومصايد الغواية وإذا خلا رجل بامرأة شاركهما الشيطان فيها وزين لهما أن يفعلا الأفاعيل ...إلخ. من هذا استحال إطلاق وصف (الصديق) على المرأة مهما بلغت مكانة العلاقة وحميميتها معها ولا زال هذا العرف مستقراً في أعماق المجتمع العربي حتى الآن وحتى في الأوساط المتحضرة والمثقفة ثقافة عالية بل الأوساط الجامعية والأكاديمية(30) ولذا فقد كان من المستهجن أن يقال إن : أم اسحاق الغنوية، أو أم انس الأنصارية، أو أم بجيد الحارثية ، أو ام جلاس التميمية ، أو أم جميل القرشية...إلخ ( صديقة) محمد. وهناك وصف يتصل بالصديق وهو (الصدِّيق) بكسر الصاد وتشديد الدال( والصدّيق على فعّيل: مبالغة في الوصف لكثرة صدقه أو لتحقيق فعله صدق قوله)(31)، وعند نظام الدين الحسن القمّي النيسابوري من علماء القرن الثامن الهجري أن الصدّيقين هم (الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، المجتهدون في إقامة مراسم العبودية(32)، ومثل ما لا يحسن في الذوق والعقل معاً أن يحمل الألوف وصف مبالغة كأن يقال عن جميع المسلمين إنهم صوّامون وقوّامون . كذلك لا يجمل أن يقال عن اتباع محمد الأول إنهم(صدّيقون) ، هذا بالإضافة إلى أن هذا الوصف أو اللقب خصَّ به القرآن ثلاثة من الأنبياء فحسب: إبراهيم وإدريس ويوسف ، لما لاقوه في حياتهم من محن ونوازل. ومن غيرهم من البشر العاديين لم يحظ به سوى مريم أم المسيح عيسى.
فإذا حمله أتباع محمد الأوائل كان معنى ذلك مساواتهم بأولئك ، والوحيد الذي منحه محمد هذا اللقب هو ابن أبي قحافة في حديث ارتجاف الجبل وذلك لاعتبارات سوف نجملها في الفصل الخاص بـ(التلقيب) .
إذا كما استحال وصفهم بـ(الأصدقاء) تعذّرتلقيبهم بالصدّيقين .
الأخـــدان ..
لعل هذه الصفة أكثر من صفة (الأصدقاء) في جانب عدم التلاؤم بإنصاف أتباع محمد بها، فعلى الرغم من أن (الخدن) هو الصديق(33)أو (هو الصاحب والحبيب والرفيق)(34) وهو أيضاً( كالصاحب ومن يخادنك في كل أمر ظاهر وباطن ومن هنا أطلق على الخصيتين (الخدنتان)(35) على الرغم من ذلك كله إلا أن الأغلب عليه(= على اللقب) أنه ( يستعمل فيمن يصاحب شهوة يقال خدن المرأة وخدينها ومنه قوله تعالى : (ولا متخذات أخدان ) (36,37) والآية ساوت بين الـ(مسافحات) والـ(متخذات أخدان) ولذلك فالثابت أنه (أريد بالمخادنة في القرآن المصاحبة غير الشرعية)(38) ، لهذا امتنع إضفاء هذا اللقب على صحب محمد .
الأخــــلاء ..
(الخل هو الود وهو الصديق)(39) أو (هو الصديق الخالص)(40) ولذا يقال:
(خاللته مخاللة وخللاً فهو خليل)(41) و(الخليل الصادق هو من أضفى المودة وأصحها)(42)أي بذلها صحيحة ولا شائبة فيها و(الخلة بالضم الخليل يستوي فيه المذكر والمؤنث)(43) والخُلة بالضم( المودة إما أنها تتخلل النفس أي تتوسطها وإما لأنها تخل النفس فتؤثر في الشخص)(44) وكذلك فإن( الخلة: الصداقة الخالصة التي تخللت القلب وجمعها خلال.... والخليل : الصديق المخلص الذي تخللت صداقته القلب وهو الذي أصفى المودة وأصحها أو هو الحبيب والجمع أخلاء)(45) .
وهذه الصفة تجمع في رباط شخصين أو علاقتهما معانٍ طيبة ففيها الصدق والود والصفاء ومخالطة القلب ...
ولكن منع إضافتها إلى الصحاب عدة أمور فيها :
1- أن الأخلاء سرعان ما ينقلبون اعداء ألداء إلا المتقين والتقوى رتبة متقدمة في مدارج السالكين لدرب الإسلام (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )(46)
2- أن أصل الكلمة أو جذرها يوحي بدلالات سلبية منفرة بعكس الصداقة فإن أصلها أو جذرها إيجابي ويبعث على الرضا بل القبول والحفاوة...وهو الصدق ، في حين أن(الخلّة) تفسر بالحاجة والخصلة(47) وأخلّ فلاناً إلى كذا : أحوجه إليه وما أخلّك الله إلى هذا (48) أي ما أحوجك إليه ، كما أن الخلل هو الوهن في الأمر(49) وحمل لقب يحمل هذه المعاني المقبضة أمر غير مقبول .
3- في القرآن : إن الله اتخذ إبراهيم خليلاً ( واتخذ الله إبراهيم خليلاً)(50) واختلف المفسرون في علة ذلك فبعضهم يرى أن الله (اصطفاء وخصّه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله)(51) والآخر يذهب إلى أنها (دوام افتقار إبراهيم إلى الله في كل حال)(52) وأياً كان الأمر في تلك العلة فإنها خارجة عن سياق دراستنا ،المهم، أن محمداً استحى من ربه فاتخذه خليلاً له وصرح بذلك في عدة أحاديث منها قوله(في الصحيح عن أبي سعيد الخدري: لوكنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ) (53) ، ومادام قد استحال على محمد أن يتخذ ابن أبي قحافة خليلاً فغيره من الصحبة أشد استحالة .
الحواريــــون ..
لقد اُطلق على بضعة عشر رجلاً صحبوا المسيح عيسى بن مريم(لأنهم كانوا قصارين(54)) وقيل كانوا صيادين وقال بعض العلماء : إنما سُمّوا حواريين لأنهم كانوا يطهرون الناس بإفاداتهم الدين والعلم... وإنما كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه وكانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة وقَوْدهم إلى الحق)(55) وهو رأي يحمل معنى ألطف من الرأي القائل بأنهم(إنما سموا حواريين لأنهم كانوا يغسلون الثياب ويخلصونها من الأوساخ ويحورونها أي يبيضونها)(56)
(والتحوير هو التبييض والحوار هو البياض)(57) ومن ثم فإن الحواريّ في الأصل هو مبيض الثياب والحوَر بالفتح هو الرجوع والنقصان وبالضم: الهلاك والنقصان(58) وفي الدعاء (حوّر الله فلاناً: خيبه ورجعه إلى النقص)(59)وكذلك (الحور هو التردد... وحار في أمره تحير ... والقوم في حوار أي في تردد إلى نقصان)(60) وهذه ولا شك معانٍ تلقي ظلالاً كئيبة على الصفة مثل (الخلة) .
ولكنّ معاجم اللغة تخبرنا أن الحواريّ هو النصير،(وقال محمد بن السائب إنه الخليل أو الحميم... وهو ناصر الأنبياء)(61) وفي معجم ألفاظ القرآن الكريم ( الحواري الخالص المنقّى من كل شيء وشاع استعماله في الخلصاء للأنبياء)(62) فإذا كان هذا اللفظ شاع استعماله في أتباع الأنبياء الخلّص فلماذا لم يطلق على أتباع محمد ؟ إن ذلك يرجع لعدة أسباب منها :
إن محمداً كان حريصاً على ان الدين الذي بشّر به يجب أن يكون متميزاً عن الديانتين الإبراهيميتين اللتين سبقتاه( اليهودية والمسيحية) وقد رأينا ذلك في عدة أمور منها الاستقلال بقبلة خاصة هي الكعبة، والإعلام عن مواقيت الصلاة بطريقة متميزة هي الآذان كما أننا سوف نرى في فصول قادمة حثّه أتباعه على التفرد بهيئة خاصة تميزهم عن اليهود بالأخص...إلخ إذن كان من العسير أن يحمل تابعي اللقب عينه الذي كان يحمله تلاميذ ابن مريم.
ومنها أن اللقب يشيء بمعان سلبية مثل الهلاك والنقصان والخيبة والتردد والتحيّر في الأمر ، فضلاً عن أن القرشي خاصة والعربي عامة يأنف أن يحمل لقباً: أحد معانيه(مبيض ثياب)إذ من المعروف نفور العرب بل والأعراب في ذلك الزمان – وحتى الآن- من العمل اليدوي وكانوا يسمونه(مهنة) كذلك والمهنة بالفتح : الخدمة...والماهن:الخادم، وقد مَهَنَ القوم أي خدمهم)(63)( مهن المرأة أي جامعها وإمتهنه :استعمله للمهنة)(64) وأصل الكلمة من الامتهان ولذلك يوصف الحقير والضعيف والقليل بـ(المهني) ؛ ومن هنا جاء احتقارهم لـ(بني حنيفة) لأنهم كانوا يعملون بالزراعة ، كما كانوا يسمون (بني سُليم) (القيون) أي العبيد لأنهم كانوا يشتغلون بالحدادة.
وكان العمل الأمثل لديهم التجارة بالنسبة لقريش والغزو والنهب والسلب لغيرهم، وهناك قول مأثور (تسعة أعشار الرزق في التجارة) .
ولكن رغم أن هذه هي الأسباب التي حالت دون تلقيب الصحبة بـ(الحواريين) فإن هناك بعض الاستثناءات ، منها أن محمداً منح الزبير بن العوام لقب( الحوريّ) (لكل نبي حواريّ وحواريىّ :الزبير)(65) وأيضاً (نقل معمر عن قتادة أن هناك عشرة حواريين كلهم من قريش: أبو بكر /عمر/عثمان/حمزة/جعفر بن أبي طالب/أبو عبيدة ابن الجراح/عثمان بن مظعون/عبد الرحمن بن عوف/سعد بن أبي وقاص/طلحة بن عبيد الله)(66) ونلاحظ على اختيار قتادة لهؤلاء باعتبارهم حواريين) عدة أمور منها:
أ‌- أنهم جميعاً من قريش مثل ما أن ( العشرة المبشرين بالجنة) كلهم قرشيون ..
ب‌- أنه أغفل علي بن أبي طالب فإما إنه كان يعتبره (وصيّاً)) كالشيعة والوصيّ بلا شك أخص من الحواري وأرفع رتبة وإما أن ذلك كان سهواً منه .
ج- أن سبعة ممن ذكرهم كانوا من (العشرة المبشرين بالجنة) الذين سوف نرى فيما بعد أن مجلسهم حلّ محل(ملأ قريش) الذي كان يحكم عاصمة القداسة ؛ مكة قبل ظهور محمد ، والأدلة على ذلك كثيرةٌ منها أن عمر بن الخطاب عندما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي حصر الخلافة من بعده فيما بقي من هؤلاء العشرة . فهل هذا التخصيص من قبل قتادة كان تأكيداً للمعنى الذي يعطيه (الحواريين) من أنهم أخلص أعوان المرسلين وأن محمداً لا يجد أخلص من رجال قريش، أياً كان الأمر فالثابت أن حديث قتادة لم يتأيد بروايات أخرى ومن ثم فالغالب أنه مجرد رأي لقتادة ولكن حدث اختصاص الزبير باللقب حديث مشهور وله روايات متعددة وإذا كان الأمر كذلك فإنه مجرد استثناء كما كان حمل أبي بكر للقب(الصدّيق) محض استثناء وبذلك نخلص إلى أن هناك عوامل عدّة تضافرت على تشكيل حاجز يحول دون الصحاب حمل لقب (الحواريين ) .
.. ( من كتاب – شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة –السفر الأول – محمد والصحابة الكاتب ، خليل عبد الكريم – الناشر سينا للنشر – القاهرة )
يتبـــــــــع
23- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني .
24-مختار الصحاح للرازي .
25المفردات في غريب القرآن للراغب الصفهاني .
26- التعريفات للجرجاني .
27- المعجم الوسيط سابق .
28- الصداقة والصديق لأبي حيان التوحيدي-ص 129 شرح وتعليق علي متولي صلاح طبعة1972 م
مكتبة الأداب بمصر .
29- المصدر نفسه ص 141.
30- شكت لي أستاذة جامعية على درجة متميزة من الوضاءة والحلاوة أن زملاءها في الجامعة وبعضهم تخرّج
في جامعات الفرنجة يعاملونها كـ(أنثى) لا كـ(صديقة) أو زميلة ويتمثل ذلك في لمسات الأيدي والنظرات
الشهوانية بل الشبقة .
31- معجم ألفاظ القرآن الكريم إعداد مجمع اللغة العربية – مادة(صدق) – سلسلة التراث للجميع- الطبعة الأولى
1973 – الهيئة المصرية العامة للكتاب .
32- غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين النيسابوري(ت 728هـ) في تفسير سورة المائدة-المجلد الرابع
- تحقيق وتعليق النشرتي وآخرين ، د، ت ، د ، ن.
33 – مختار الصحاح للرازي .
34- الصداقة والصديق لأبي حيان التوحيدي –ص85- مصدر سابق .
35- القاموس المحيط للفيروز آبادي ، سابق .
36- الآية 25 من سورة النساء .
37- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني مصدر سابق .
38- معجم الفاظ القرآن الكريم – مصدر سابق .
39- مختار الصحاح للرازي – مصدر سابق ز
40- المعجم الوسيط- سابق
41- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني – مصدر سابق .
42- القاموس المحيط للفيروز آبادي – سابق
43- مختار الصحاح للرازي –م سابق .
44- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني –م سابق .
45- معجم ألفاظ القرآن الكريم – م سابق .
46- الآية 67 من سورة الزخرف .
47- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني- م سابق
48- المعجم الوسيط- م سابق .
49- القاموس المحيط للفيروز آبادي .
50 – الآية 125 من سورة النساء .
51- معجم ألفاظ القرآن الكريم مادة(خلل) – م سابق .
52- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني – م سابق .
53- منهاج السنة النبوية لابن تيمية الحراني- المجلد الثالث – ص 9 – م سابق .
54- المفردات في غريب القرآن للرازي – سابق
55- الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري تحقيق النشرتي وآخرين ص717-718 د،ت،د،ن.
57- ذات المصدر وذات الصفحة .
58- القاموي المحيط للفيروز آبادي .
59- المعجم الوسيط سابق .
60- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني .
61- القاموس المحيط للفيروز آبادي .
62- معجم ألفاظ القرآن الكريم – م سابق
63- مختار الصحاح للرازي – م سابق
64- القاموس المحيط للفيروز آبادي – م سابق .
65- الاستيعاب في معرفة الصحاب لابن عبد البر-ص 513-المجلد الثاني تحقيق علي محمد البجاوي
- الطبعة الأولى 1412هـ -1992م- دار الجيل – بيروت
66- الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري-ص 718 – م سابق


7
الصحــــابة
مشتقة من الفعل (صَحِبَ) و(صَحِبَهُ صحابة وصحبة: عاشره ولازمه)(67)و( الصحابة بالفتح الأصحاب وهي في الأصل مصدر ،قلت ولم يجمع فاعل علىفِعَالة إلا هذا الحرف) (68) أي أن الأصل في جمع صاحب: صاحبون ، كَدائن يجمع على دائنين وشاكر على شاكرين ...وهكذا ... وهذا تفسير قول الرازي (ولم يجمع فاعل على فعَالة إلا هذا الحرف) ، والصاحب يعني المرافق(69) وكذلك الملازم(ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته)(70) وهو مالك الشيء(71)و(72)و(قد يضاف الصاحب إلى مسوسه نحو(صاحب الجيش) وإلى سائسه نحو (صاحب الأمر) (73) أي يجوز نسبتها إلى الطرفين المسوس والسائس معاً ولكن (المصاحبة تقتضي طول لبثه)(74) وأضاف معجم ألفاظ القرآن الكريم عنصراً فعالاً في تعريف الصحابة وهو(المعاشرة) وهي أخص من الملازمة إذ تعني المخالطة والمساكنة والرفقة الحميمة والالتزاق أو الالتساق أو الالتصاق( صحب كعلم يصحب صحبة وصحابة : (عاشر) وصاحب: (عاشر) على المفاعلة من الجانبين ... والصاحب( المعاشر) ولا يقال إلا لمن كثرت ملازمته فالصاحب: الملازم لشخص أو لشيء)(75) ؛ وهكذا نرى أن القواميس والمعاجم وكتب مفردات اللغة تكاد تجمع على أن (الصُحبة) تعني(الملازمة)، أي أن العلاقة العارضة أو القصيرة الأمد ، لا تعد صحبة وسوف نرى أن هذه الخاصية هي موضع خلاف حاد بين المحدثين والأصوليين .
كذلك يطلق الصاحب على من اعتنق مذهباً فيقال: أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي(76) وللفيروز آبادي علاوة على ما تقدم عدة معان ل(الصحبة) فهي تدل على السكون وفراغ البال إلى ... كذا المرافقة والموافقة والتصرف والاستيلاء(مالك الشيء أو صاحبه) ويطرح تعليله لذلك( لأن الأصل فيه أن الصاحب هو الملازم إنساناً كان أو حيواناً أو مكاناً أو زماناً ولا فرق بين مصاحبة بالبدن وهو الأصل والأكثر ... أو بالعناية والهمة... ولا يقال في العرب إلا لمن كثرت ملازمته) (77) .
ولكن بجوار الملازمة خصيصة أخرى بالغة الأهمية، والذي لا مراء فيه أنه كان لها دور بارز في اختيار اللقب أو الصفة: (الصحابة) وهي (الانقياد والمتابعة)...
( والإصحاب للشيء : الانقياد له)(78) و(المصحب: المنقاد بعد صعوبة)(79) و(الإصحاب للشيء: الانقياد له وأصله أن يصير له صاحباً)(80).
وسوف نرى في الفصول القوادم صوراً تثير الدهشة البالغة والعجب المضاعف بل الحيرة الشديدة لانقياد الصحابة لمحمد انقياداً تاماً شاملاً كاملاً مطلقاً بهيئة لم ير لها التاريخ( القديم والوسيط والحديث) شبيهاً، منها على سبيل المثال :
1- رأينا العربية القرشية تنقاد لأمر محمد فتتزوج من أسود أفطس .
2- صحابي يقوم من على امرأته بمجرد أن يسمع نداء محمد ولا يسعه أن يستمر حتى يقضي وطره .
3- صحابي يقتل خاله بيده وآخر يقتل عمه وثالث يسلّ سيفه على أبيه ورابع يستأجر رجلاً لقتل ابن عمه وأخى زوجته .
4- صحابيان يستأذنان محمداً في قتل أبويهما اللذين كانا من المناوئين له .
5- صحابي يقول لأخيه الأكبر الذي ربّاه وكفله وهو صغير : لو امرني محمد بقتلك
لقتلتك .
6- صحابي يكتم حزنه على أبيه الذي كان عدواً لمحمد وينكر مشاعره الطبيعية .
7- صحابي يدعو على أبيه الذي كان يعادي محمداً، ألا يُشفى من مرضه وأن يموت.
8- صحابي يحرص على قتل ابنه وآخر على قتل أخيه ....
9- صحابية تنكح قصيراً دميماً أمرها محمد بنكاحه .
10- صحابي يبيع حديقة كاملة ويشتري بها نخلة واحدة انقياداً لرأي محمد .
11- صحابي يأخذ لُمته ويشمّرمن إزاره امتثالاً لأمر محمد .
12- صحابي يطلق إزاره صيفاً وشتاءً تقليداً لمحمد .
13- صحابي يسمع هيعة الحرب فيشترك فيها قبل أن يغتسل من الجنابة .
14- صحابي يحرق ريطته المضرّجة تنفيذاً لإشارة من محمد .
15- صحابي يستمر في ضرب غلامه حتى بعد استعاذته بالله ثم يتركه عند استعاذته
بمحمد .
تلك كانت مجرد أمثلة على انقياد الصحابة لمحمد وطاعتهم له وامتثالهم لأوامره، سنذكرها مفصلة في بابي (طاعة الصحابة لمحمد) و(قتلهم المحارم) وجميعها مستقاة من الصحاح والمسانيد وكتب التراث التي لا يماري فيه اثنان ولا ينتطح فيها عنزان.
إذن كون الصحبة تعني المعاشرة والملازمة والانقياد المطلق ملمح أساسي في تفصيل هذا الوصف أو هذا اللقب على سائر الأوصاف الأخرى فضلاً عن أن أصل الكلمة أو جذرها ليس له دلالات سلبية أو منفرة مثل الأخلاء والأخدان كما لا يدل على تقليد ديانة سابقة يتنافى حرص محمد على تفرد واستقلال الديانة التي بشّر بها، ومما هو جدير بالذكر أن محمداً كان ينظر إلى مَنْ سواه من البشر هذه النظرة فهو يعرف قيمة نفسه وأنه بخلاف غيره من الناسإذ نراه يُطلق هذا الوصف على الأشخاص الذين خالطوه أو اتصلوا به أو ارتبطوا به بأي صورة من الصور قبل أن يعلن دين الإسلام :
( ذكر عند النبي- ص- وآله- رجل كان يألفه قبل أن يبعثه الله نبياً يُقال له (أبو السائب) ، فقال : نِعم (الصاحب) كان أبو السائب....)(81) فهو لم يقل نِعم (الأخ) لأنه بنظره لا يوجد له أخ .
إذن ينص الحديث : أبو السائب صاحب، وأبو بكر وعمر وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة ... كل واحد منهم صاحب له... وليس أخاً .
وهكذا فازت صفة أو لقب ( الصحابة) على غيرها من النعوت أو الألقاب لأنها جمعت دون سائرها المعاني والدلالات والخصائص التي يتعين توافرها في أتباعه الأولين ، وكان اختيارها قمةً في الحصافة ودليلاً قاطعاً على العبقرية .
.. ( من كتاب – شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة –السفر الأول – محمد والصحابة الكاتب ، خليل عبد الكريم – الناشر سينا للنشر – القاهرة )
يتبـــــــــع
67- القاموس المحيط للفيروز آبادي- م سابق .
68- مختار الصحاح للرازي – م سابق .
69- المعجم الوسيط للرازي – م سابق
70- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني – م سابق
71- ذات المصدر السابق .
72- المعجم الوسيط- م سابق .
73- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني – م سابق .
74- ذات المصدر ...
75- معجم ألفاظ القرآن الكريم – مجمع اللغة العربية بمصر – م سابق
76- المعجم الوسيط – م سابق .
77- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي – تحقيقأ. محمد علي النجار- الجزء الثاني – (بصيرة الصحابة) الطبعة الأولى1385هـ-1985م –لجنة إحياء التراث الإسلامي – المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر .
78- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني – م سابق
79- القاموس المحيط للفيروز آبادي – م سابق
80- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي – سابق
81- الصداقة والصديق لأبي حيان التوحيدي ص 85 – م سابق .



#مصطفى_حقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‍ العلمانية ..ومبدأ تقييد الديمقراطية ...؟‍
- العلمانية ما بين الترك والعرب ...؟
- المسجد الحمر .. والله أكبر ...؟
- العلمانية مرحلة ثقافية متطورة لترسيخ إنسانية الإنسان ...؟
- ديمقراطية بمعزل عن العلمانية طريق إلى الديكتاتورية ..؟
- شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة - السفر الأول- محمد والصحاب ...
- لماذا يتشاجر خطباء الجمعة مع المصلين ...؟
- عقول يافعة في حمى صراع الدين الواحد وكراهية الأديان الأخرى . ...
- (3) شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة - السفر الأول - محمد وا ...
- فوضى الزيادة السكانية العشوائية من أخطر ما يواجهه هذا الكوكب ...
- (2) شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة - السفر الأول - محمد وا ...
- الأحمر مسجد أم مدرسة أم ما هو أخطر ...؟!
- (1) .. شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة - السفر الأول - محمد ...
- ماذا بعد أن حرّرت حماس ألن جونستون ...؟
- الصديق محمد الرديني ... أنصحك البقاء في الجنّة ...؟
- ومن الفتاوى مايسيء إلى الإسلام والمسلمين ..؟
- .. أما آن لهذا الشاب النبيل أن يتحرر ...؟
- لماذا يخجل الفقهاء من تاريخهم الإسلامي ..؟
- ...؟حوارات الاتجاه المعاكس مهازل لا تواكب العصرنة
- العلمانية وضوابط الديمقراطية ....؟


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - مصطفى حقي - (6-7) شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة - السفر الأول- محمد والصحابة ..؟