أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحركة الصدرية 4















المزيد.....

عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحركة الصدرية 4


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1980 - 2007 / 7 / 18 - 11:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لقد كان الثأر عند المختار محكوما بفكرة سياسية هي مضمون الحركة المختارية. فقد كان شعارها الثار، وغايتها العدالة والمساواة عبر القضاء على الأموية. وبالتالي، فإن مضمون الثأر الذي رفعه المختار إلى مصاف العقيدة السياسية، هو الوجه الآخر لما يمكن دعوته بتوبة الانتقام الاجتماعي والأخلاقي ضد عنف السلطة الأموية في العراق. وذلك لان الشعار العملي وقت السلم والحرب كان متمحورا حول الاقتصاص من قتلة الحسين بن علي. بعبارة أخرى، لقد جعل المختار شعار الثار من قتلة الحسين لسان الميزان الأخلاقي الذي حكم طبيعة مواقفه النظرية والعملية في مجرى الصراع مع السلطة الأموية. وهو الشيء الذي طبقه بحذافيره في مجرى تتبع كل أولئك الذين اشتركوا بصورة مباشرة وغير مباشرة في قتل الحسين.
ولعل في مواقفه من التعامل مع رؤوس أولئك الذين كانوا عماد السلطة الأموية في قتلها للحسين نموذجا عمليا وظاهريا جليا بهذا الصدد. إذ تنقل لنا كتب التاريخ والسير، كيفية سلوكه عندما وصل إليه رأس عبيد الله بن زياد وهو عند الغداء! وهو وقت، سواء كانت تتطابق أحداثه بالفعل مع ما جرى، أو انه نتاج خيال المرغوب به، يعبر عن الرغبة في اخذ الثأر. وذلك لان الصورة المنقولة عن رأس الحسين، انه رمي أمام عبيد الله بن زياد وهو عند الغداء. لهذا قال المختار حالما القي رأس ابن زياد أمامه:"الحمد لله ربّ العالمين! فقد وضع رأس الحسين بن علي بين يدي ابن زياد لعنه الله وهو يتغدى. وأتيت برأس ابن زياد وأنا أتغدى!" . وحالما انتهى من وجبته قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله، ثم رمى بالنعل إلى مولى له وقال له: اغسلها! فإني وضعتها على وجه نجس كافر! ثمّ بعث المختار برأس ابن زياد إلى محمد بن الحنفية وإلى علي بن الحسين. وأرفق ذلك برسالة يقول فيها "أما بعد! فاني بعثت أنصارك وشيعتك إلى عدوك يطلبونه بدم أخيك المظلوم الشهيد. فخرجوا محتسبين محنقين آسفين. فلقوهم دون نصيبين. فقتلهم رب العباد والحمد لله رب العالمين الذي طلب لكم الثأر، وأدرك لكم رؤساء أعدائكم فقتلهم في كل فج وغرقهم في كل بحر، فشفى بذلك صدور قوم مؤمنين، وأذهب غيظ قلوبهم".
وهي رسالة تكشف عن أن مضمون عقيدة الثأر عند المختار هي عقيدة المعركة التاريخية والأخلاقية للثأر من الأموية. ومن ثم فهو ثأر "مقدس". لهذا جعل منه، وبالأخص بعد القضاء على الجيش الأموي في معركة الخازر وقتل عبيد الله بن زياد، شعار المعركة الرهيبة للانتقام التاريخي والأخلاقي من كافة رموزها وشخصياتها. بحيث نراه يقول مرة "لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتى أقتل قتلة الحسين بن علي وأهل بيته. وما من ديني أترك أحدا منهم حيا". ليس هذا فحسب بل وسحب موقفه هذا تجاه كل من ساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قتله. بحيث نراه يقول بهذا الصدد "أعلموني من شرك في دم الحسين وأهل بيته". بعبارة أخرى، لقد جعل من دينه قتل من قتل الحسين واشترك فيه. لقد جعل من الثأر المتسامي دين ودين، أي إيمان والتزام.
لقد كان موقفه بهذا الصدد تكملة للانتصار العسكري واستمرارا للمبدأ الأساسي للعقيدة السياسية للمختار واختبارا له في نفس الوقت. بعبارة أخرى، إن القضاء على من اشترك في قتل الحسن من بين أهل الكوفة هو استمرار القضاء على الأموية. وهو موقف يمكن أن نستشف منه، بأنه أعتبر كل من ساهم في قتل الحسين شخصا لا ينتمي إلى كوفة العراق. من هنا إشراكه الجميع في البحث عن القتلة والمساهمين والمساعدين عبر إشراك الجيش والجمهور. ووضع ذلك في دعوة متحركة موجهة لأهالي الكوفة تقول "من أغلق بابه فهو آمن إلا من اشترك في قتل الحسين"! وهو موقف عجل من تنفيذه مغامرة "الأشراف" في محاولتهم القضاء عليه بعد مغادرة جيش الاشتر إلى الموصل. لكن دعوته للرجوع السريع من اجل إخماد مغامرتهم قد أدت إلى استفحال هذه الممارسة الراديكالية. وهنا تحول شعار "يا لثارات الحسين" إلى مرشد عملي لكل أنواع المعارضة السياسية للسلطة الأموية، بما في ذلك اشد وأقسى أنواع الثأر الاجتماعي والسياسي والأخلاقي. وهي ممارسة دفعها المختار إلى أقصاها، بحيث جعلته مرة يقول، "والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله".
إننا نقف أمام فكرة ذللت من حيث محتواها الواقعي وغاياتها الكامنة فكرة القرشية. بمعنى أنها ذللت مضمون "السيادة" و"الأشراف" من خلال إرجاعها إلى معاني الروح والمواقف. بحيث حّول هؤلاء "الأشراف" إلى دمية تافهة وكميات من اللحم والشحم لا قيمة لها ولا معنى غير القتل والحرق والتلف على أيادي أهل العراق. وبالتالي ليست الأساليب الدموية العنيفة والمباشرة والسافرة ولحد ما المثيرة، سوى الصيغة الناتئة لغور الحقد والكراهية المتراكمة من ظلم الأموية واضطهادها الطويل لأهل العراق. كما أن اشتراك الجمهور والموالي في تنفيذها هو التعبير الاجتماعي عن طبيعة الانتقام الأخلاقي والروحي من اجل إتمام تصفية الحساب مع كل أولئك الذين كانوا يجسدون في شخصياتهم وسلوكهم عين التناقض الجوهري مع الفكرة الإسلامية التي يدعون تمثيلها. وهو السبب القائم أيضا في محاولات المختار هدم كل ما له صلة بوجودهم بوصفهم عدما محضا بمعايير الأخلاق وفكرة الثأر المتسامية. من هنا نراه يهدم بيوت الأمويين لكي يزيل أي اثر لهم من ارض العراق. وأورد الدينوري في (الأخبار الطوال) كيف أن المختار طلب من أبي عمرة أن يجمع له العمال ويتتبع دور من خرج لقتال الحسين لكي يهدمها.
بل بلغت سياسة الانتقام والثأر بهذا الصدد درجة اخذ فيها المختار يتتبع حتى أولئك الذين أكلوا لحم الإبل التي كانت تحمل أمتعة الحسين ومرافقيه، بوصفها غنيمة المعركة. وهو انتقام يمكننا أن نتحسس فيه ونرى الوجه الآخر لفكرة الانتقام الأخلاقي والسياسي. بمعنى أن المختار أراد أن يضع الإنسان أمام مهمة التطهير الفعلي في المواقف، انطلاقا من أن الجريمة الأخلاقية لا يمكن تبريرها بأي سبب كان. وذلك لان الإنسان إرادة. وحقيقة الإرادة إخلاص للحق. والعدالة فيها أن يكون المرء متجانسا، على الأقل في الابتعاد عن اقتراف الرذيلة وعدم المشاركة فيها. ومن ثم لم يعن تقبل غنيمة الجريمة السافرة سوى الاشتراك فيها وتقبلها بوصفها غنيمة "حق". وهو عين الجرم والجريمة. من كل ذلك نستطيع القول، بان غلو المختار في معاقبة قتلة الحسين هي الصيغة العملية لغلو السياسة الأخلاقية والأخلاق السياسية.
بمعنى انه أراد أن يضع الإنسان بوصفه وحدة للروح والجسد أمام محك دائم لاختبار الإرادة بوصفها مسئولية. وبالتالي لم يكن عقابه لأولئك الذين أكلوا لحم الغنيمة المجرمة سوى الصيغة المتشددة لإبراز قيمة المسئولية الروحية والأخلاقية للفرد في مواجهة النفس وتحديها من اجل الحق والحقيقة والعدل والإخلاص. وليس مصادفة أن يعتق المختار عبيد كل من قاتل الحسين. تماما بالقدر الذي شجع العبيد على الانتقام منهم. بحيث نرى كتب التاريخ تعج بالعبارات القائلة، بان العبيد قتلت مواليهم الذين قاتلوا الحسين. ثم أتوا المختار فأعتقهم. وهي الخاتمة التي بلغتها فكرة الثأر عندما تطابقت من حيث الجوهر مع فكرة الحرية والأخلاق بمعايير العدل والمساواة. وهي نتيجة كانت تحتوي في أعماقها على خطر مميت للقوى المتصارعة الكبرى، الأموية والزبيرية. وبالتالي لم تكن مهادنتها المؤقتة فيما بينها، واجتماعها على محاربة المختار والقضاء عليه، سوى النتيجة الحتمية لهذا التحول العاصف في عقيدة الثأر المختارية.
***




#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر ...
- عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر ...
- عقيدة الثأر السياسي في العراقي - من الحركة المختارية الى الح ...
- مراقد الأئمة – مواقد الثأر الهمجي
- غجر الثقافة في العراق
- أهرامات الجسد العربي ودهاليز الروح العراقي
- المختار الثقفي - فروسية التوبة والثأر
- الحلم الأمريكي وديمقراطية العبيد
- صرخة الضمير المعّذب وحشرجة الإعلام المهّذب
- تعزية صدام - طائفية أزلام وأعراف قبائل
- العراق ومهمة البحث عن دولة -عباسية- معاصرة
- العراق - شبح التاريخ وزيف المعاصرة
- أدب السيرة السياسية في العراق – أدب الصورة المصطنعة
- أدب السيرة السياسية الكبرى – أدب الأرواح
- أموية أقزام
- عبرة الدجيل! لكي لا يظهر دجال أصغر من صدام
- قبر صدام أو القبور الجماعية للحق والحقيقة؟ من يرعب من؟
- صراخ السلطة ولغة العقل الوطني
- السيدة بيل + السيد بريمر= قدر التاريخ التعيس وقدرة التأويل ا ...
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-!3-3


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحركة الصدرية 4