أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - عقيدة الثأر السياسي في العراقي - من الحركة المختارية الى الحركة الصدرية -1















المزيد.....

عقيدة الثأر السياسي في العراقي - من الحركة المختارية الى الحركة الصدرية -1


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1972 - 2007 / 7 / 10 - 11:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


هناك شخصيات يتماهى وجودها التاريخي مع الذاكرة الوجدانية، تماما بالقدر الذي يجري استعادتها بوصفها قوة سياسية حية وفاعلة. وهي حالة تشير إلى قيمة الأحياء والأموات في الحياة السياسية، شأن كل ما هو قابل للتطويع والاستعمال في الصراع الاجتماعي. لكنها قيمة محكومة بما فيها من قدرة على التجدد أو التفاعل مع المزاج الاجتماعي وهموم الأفراد والجماعات. وبالتالي فان قيمتها على قدر ما في أفعالها التاريخية من اثر في العقل والضمير الجمعي، أي في الذاكرة والذكرى الاجتماعية والروحية للأمم. وهو اثر قد لا يمكن على الدوام لمح معالمه القديمة، لكن من الممكن تتتبع بصماته على أوتار الصراع الحاد، وبالأخص زمن الانعطافات الحادة في تاريخ الدولة والأمة. وهي الحالة التي يمكن رؤية ملامحها بوضوح في ظروف العراق الحالية، بوصفها حالة نموذجية قابلة للتكرار. وهو الأمر الذي يجعل من دراستها قضية علمية تاريخية وسياسية مستقبلية بقدر واحد.
لقد شكلت شخصية المختار الثقفي حالة فردية نموذجية في تاريخ المعارك العنيفة المرافقة لصيرورة الدولة العربية الإسلامية. وذلك لأنها تمثلت رحيق احترابها الداخلي من جهة، وجسدت إحدى الحالات الرفيعة للانتفاض عليها. وهو الأمر الذي جعلها شأن كل الشخصيات الإشكالية الكبرى على طرفي نقيض في أحكام التاريخ السياسي اللاحق. فقد أفلحت التيارات المؤيدة إلى رفعه إلى مصاف القوى المتسامية، بينما أسقطته القوى المخالفة إلى حضيض "النبي الكاذب" و"الدجال". وفي كلتا الحالتين نعثر على صيغ التاريخ المؤدلج وليس حقيقة الشخصية ومأثرتها الفعلية بالنسبة للعقل والضمير العربي والإسلامي.
وليس تحول شخصية المختار إلى أسطورة، سوى الوجه الآخر لدراما التاريخ السياسي الذي ساهم في صنعه. كما أنها الصيغة التي تعكس حدة الخلاف بين زمن السلطة وتاريخ الروح. وهو خلاف كانت تتآكل فيه قواعد المنطق دون أن يقضي على وهج الخلاف بين محاولات تقديمه باعتباره نموذجا للفضيلة، وأخرى حاولت من خلال امتثالها لزمن السلطة وعقائديتها الفجة، رميه في خانة الزيغ والضلال، لا لشيء إلا لغلوه الأخلاقي في الانتقام لمقتل الحسين بن علي. وفيما بين هذين الاتجاهين المتناحرين جرى شحذ قوة الخيال والرواية بالشكل الذي أبقت عليه خارج الإطار التاريخي والواقعي لمعاناته السياسية وقوته الروحية وهزيمته العسكرية.
وليس مصادفة أن تظهر بقدر واحد من الحدة والحماسة فنون التعظيم لما قام به من خلال جعله فنا كتابيا قائما بذاته، وأخرى جعلت من "البرهنة" على "شنائعه وشبهاته وكفره" فنا عقائديا في مواجهة ارثه السياسي. وهي مواجهة لم تكن معزولة عن تلك التقاليد التي جرى بلورتها في مجرى قرون من الزمن شحذت حدة الوهج الوجداني في الدفاع عن شخصية المختار ورفعتها إلى مصاف التماهي الجوهري مع فكرته السياسية العملية والأخلاقية بصدد الانتقام من الأموية وقتلة الحسين، أي كل ما نعثر عليه في ظهور فن من الكتابة هو فن "كتب الثأر". وهو فن يكشف من الناحية التاريخية عن قيمة المختار وأثره بالنسبة لفكرة الثار السياسي.
فمن الناحية المنطقية لا يمكن للثار أن يكون منطقيا. غير أن التاريخ السياسي عادة ما يرفع الثأر إلى مصاف العقيدة المتسامية. وهي حالة تتصف بقدر كبير من التناقض، لكنها تبقى رغم كل تعقيداتها الخاصة جزء مما يمكن دعوته بمفارقة العقل والضمير في مجرى سموهم الأخلاقي. بمعنى الرجوع إلى العقل من خلال تحطيم حدود العقل الجزئية. وهي عملية لا ميدان أكثر قدرة على القبول بها من الوجدان المتحمس في الدفاع عن فكرة الحق والحقيقة. ومن ثم، فان الخلل المحتمل فيها يبقى جزء من تجارب العقل الباحث عن عدالة متسامية يصعب تحقيقها بمعايير السياسة، رغم أن السياسة هي ميدان تحقيق الفضائل العملية. وهو التناقض الذي ميز التاريخ وسوف يبقى يصاحبه بوصفه جزء جوهريا من دراما الوجود والأمل.
وليس مصادفة أن تكون حركة المختار الثقفي امتدادا لحركة التوابين بقيادة سليمان بن صرد. فهي الحركة الأولى لتلقائية العقل والضمير، أي للروح الباحث عن معنى الحق والحقيقة والعمل بمقاييسهما. وبغض النظر عن أن سليمان بن صرد هو من بين الصحابة الأوائل، والمؤيد الشديد لكفاح الإمام علي ضد خصومه وأعدائه، إلا أن سلوكه النوعي الجديد لم يكن محكوما بالماضي. لقد كان سلوكه محددا بحافز الحق كما هو. وهو القائل قولته الشهيرة "يا مذل المؤمنين!" للحسن بن علي عندما دخل عليه (عوضا عن السلام عليكم يا أمير المؤمنين) بعد أن تنازل عن الخلافة لمعاوية. ولم يكن سلوكه الناقم على الحسن حبا ببقاء الخلافة في آل علي بن أبي طالب، بقدر ما كان ينبع من إحساسه الفطري ورؤيته الواقعية ونزوعه الأخلاقي المعبر عما سيطلق عليه لاحقا بفكرة إمامة الفاضل والمفضول. بمعنى وقوفه إلى جانب أولوية الفكرة الداعية لإمامة الفاضل مهما كانت الظروف. وهي رؤية لا تحدد السياسة بسلوك الرجال، بل الرجال بحقيقة السياسة بوصفها إدارة لشئون الأمة بمعايير الحق والفضيلة.
فقد انتفض سليمان بن صرد ضد السلطة حالما توفرت الفرصة المناسبة. بمعنى أن استغل حقوقه الشرعية، شأن كل ذلك الرعيل الذي أقفلت عليه الأموية الصاعدة إمكانية الاشتراك في شئون الدولة والمجتمع بوصفه حقا من حقوق الأفراد. وهي الحالة التي يمكن تتبع خيالها في شخصيته، وهو الشيخ الكبير الذي يدعو أهل العراق والكوفة لخوض المعركة النهائية ضد الأموية. إذ نراه يدعو أهل الكوفة لإعلان توبتهم وندمهم على تقاعسهم عن نصرة الحسين في كربلاء. وهي دعوة استجاب لها آنذاك ما يقارب الأربعة آلاف رجل. ورتب منهم جيشه التائب مما جرى، والنائب عن ندمه في الاستعداد للقتال. وهي المرة الأولى التي تتجمع فيها القوى المعارضة للسلطة تحت إمرة النفس التائبة والقلب الندمان. بمعنى أنها المرة الأولى التي تحتكم الإرادة السياسية والفكرية إلى الروح الأخلاقي الصرف. وليس مصادفة ألا يختبئ هو وجيشه في انتظار قدوم جحافل السلطة من الشام إلى الكوفة كما كان المعتاد وكما سيجري لاحقا، على العكس. نراه يصعد شمالا بجيش المتطوعين الشجعان أمام جحافل الجيش الأموي بمعدل أربعة إلى ثمانين!!
لقد وقف التوابون في منطقة عين الوردة على حدود الشام مع العراق. وانتهت المعركة بعد أيام ثلاثة رغم الجهود البطولية التي بذلها التوابون في ساحة القتال. ودارت معارك ضارية استشهد فيها سليمان بن صرد ومن تبعه في قيادة المتطوعين، إلى أن قرر رفاعة بن شداد الانسحاب من المعركة واخذ البقية الباقية إلى الكوفة. وهو عمل لا يقل جرأة من الاستمرار. وفي مجرى كل ما حدث يمكن رؤية تعايش وتضافر مكونات الوجود الإنساني النبيلة من حب المواجهة الفردية والتحدي الجماعي والبطولة الروحية والفروسية الأخلاقية والمغامرة المتهورة بقوة الاستعداد للتضحية من اجل المبدأ. غير أن كل هذه الصفات تضمحل أمام اللحظة الخاطفة التي جعلت من التوبة مصدر القيم الفعلية النبيلة. بعبارة أخرى، ليس في حركة التوابين أية أبعاد أخرى غير مغامرة الروح ونفسية التحدي وشعور المسئولية الفردية الذي أعاد مقتل الحسين بن علي صقل لمعانه بالنسبة لأعين الحائرين والمترددين.
لقد تجاوزت توبة التوابين من حيث مقدماتها وغاياتها ما كان مميزا لتوبة الخوارج العقائدية والسياسية. وذلك لأن مجرد رفع اسم التوبة إلى مصاف الشعار العام للحركة هو دليل بحد ذاته على نوعية وعي الذات الأخلاقي السياسي. وهو الأمر الذي جعل منها تيار الألم والضمير. من هنا عنفوانها واستعدادها للموت دون أن يتطرق إلى هاجسها شعور الخيبة والهزيمة. على العكس أنها أخذت تنظر إلى كل ما يواجهها على انه جزء من البلاء الروحي، مع ما يترتب عليه من شعور بالسعادة خال من همجية التعصب والغباء المبرقع بعقيدة "القتل المقدس". إذ لم يكن انتقام حركة التوابين من أولئك الذين قتلوا الحسين بن علي سوى مبدأ الانتقام من الأعداء عبر اتهام النفس. وهو أسلوب تطهيرها العملي، الذي ارتقى للمرة الأولى في تاريخ الإسلام إلى مصاف الفكرة المجردة والمبدأ المتسامي من خلال ربط إزالة الجرم عن النفس بتقديمها قربانا لاستعادة الحق والقصاص له. من هنا دقة تصويرهم في العبارة القائلة، بأنهم "رأوا انهم لا يغسل عنهم جرم قتل الحسين إلا قتل من قتله أو القتل فيه"، تماما كما نعثر عليه في شعارات الحركات الثورية والراديكالية الحديثة مثل "الحرية أو الموت".



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراقد الأئمة – مواقد الثأر الهمجي
- غجر الثقافة في العراق
- أهرامات الجسد العربي ودهاليز الروح العراقي
- المختار الثقفي - فروسية التوبة والثأر
- الحلم الأمريكي وديمقراطية العبيد
- صرخة الضمير المعّذب وحشرجة الإعلام المهّذب
- تعزية صدام - طائفية أزلام وأعراف قبائل
- العراق ومهمة البحث عن دولة -عباسية- معاصرة
- العراق - شبح التاريخ وزيف المعاصرة
- أدب السيرة السياسية في العراق – أدب الصورة المصطنعة
- أدب السيرة السياسية الكبرى – أدب الأرواح
- أموية أقزام
- عبرة الدجيل! لكي لا يظهر دجال أصغر من صدام
- قبر صدام أو القبور الجماعية للحق والحقيقة؟ من يرعب من؟
- صراخ السلطة ولغة العقل الوطني
- السيدة بيل + السيد بريمر= قدر التاريخ التعيس وقدرة التأويل ا ...
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-!3-3
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-! 2-3
- المثقف المؤقت و-الارتزاق الثقافي-! 1-3
- الدكتور كاظم حبيب السيدة بيل


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - عقيدة الثأر السياسي في العراقي - من الحركة المختارية الى الحركة الصدرية -1