جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 1971 - 2007 / 7 / 9 - 07:56
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الأدباء ييأسون من الناس ومن كثرة السوآل ويجوعون في نفس الوقت الذي تصاب به الجهال والغوغاء من الناس بالتخمة وبهذا يموت المثقفون جوعا وعطشا بنفس الوقت الذي يموت به غالبية الجهال والزعران من الشبع الزائد .
والثقافة هي مهنة مشؤومة جدا ويصاب صاحبها بالجوع والعطش وكثرة السوآل ويعيش المثقف كالشحاذين يتسول لقمة خبزه هنا وهناك .
ويقال أن الخليل بن أحمد الفراهيدي كان يعمل نحاسا وكان يمض الوقت وهي يضرب إيقاعات العروض على ظهر الأواني النحاسية التي يأتيه بها الناس من أجل أن يقوم بتبييضها وكانت كل المشاكل العالقة بينه وبين زوجته هي بسبب الثقافة تلك المهنة المشؤمة نوعا ما .
وقد رغب كثير من الأدباء عن الزواج وترهبنوا طمعا بالتفرغ للعمل الثقافي لأن الحياة العامة تؤثر على مستقبلهم العلمي كما يؤثر الحمل والزواج على لاعبات الجمباز والجمنايزوم .
وقد أحرق أبو حيان التوحيدي جميع كتبه ليأسه من الناس والحكام والوزراء سنة 400 هجريا وقد لامه بذلك كثير من الأصدقاء فما كان منه إلا أن برهن على فعلته بقوله :
... وكيف أتركها إلى أناس جاورتهم 20 عشرين سنة فما صح لي
من أحدهم وداد ولا ظهر لي من بينهم أنسان مهم حفّاظ..
وقد إضطررت بينهم بعد العشرة والمعرفة
في أوقات كثيرة إلى أكل الخضر في الصحراء وإلى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة
وإلى بيع الدين والمروءة وإلى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق
وإلى ما لا يصلح للحر أن يرسمه بالقلم ويطرح في قلب صاحبه الألم.
وكان لأبي حيان التوحيدي أسوة حسنة فيمن سبقه من أدباء وفقهاء العرب يقتدي بها كسفيان الثوري ألذي مزق أكثر من ألف جزء من كتبه وطيرها بالهواء وهو يقول :
ليت يدي قطعت من هنا بل من هاهنا ولم أكتب حرفا واحدا .
وكذلك أبي سعيد السيرافي سيد علماء عصره الذي قال لولده محمد
تركت لك هذه الكتب تكتسب بها خير الأجل فإذا رأيتها تخونك فألقها بالنار وجعلها طعمة للنار .
وكذلك أبو عمر بن العلاء الذي دفن كتبه في بطن الأرض فلم يجد لها أحد من الناس أثر .
وكذلك فعل داود الطائي الذي طرح كتبه في البحر وقال يناجيها :
نعم الدليل كنت والوقوف مع الدليل بعد الوصول عناء وذهول وبلاء وخمول.
إن الثقافة هي مهنة الأشقياء فما من مثقف إلا وأوذي في قومه وما من مثقف إلا وكان عدو أهل بيته بسبب التفرغ العلمي الكامل للثقافة
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟